دعاء الافتتاح ونمو الحب المهدوي في سلوك الداعي
ام منتظر الكاظمي / جامعة الزهراء ع النجف الاشرف
مقدمة
ان شهر رمضان شهر الارتباط بامور كثيرة , فهو شهر شهادة امير المؤمنين ع , وشهر المغفرة والعودة والانابة الى الله والمسارعة في الطاعات ( وسارعوا الى مغفرة من ربكم ) 1
شهر الانفاق والتصدق كما جاء ذلك في خطبة الرسول ص( وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم ) 2
شهر صلة الارحام ( وصلوا ارحامكم ) ,شهر ليلة القدر وتنظيم والمقدرات والارزاق
ولكن هناك ارتباط مهم في شهر رمضان هو الارتباط بصاحب الزمان عج , فهو شهرالامل بالظهور , ورجاء قرب وحصول الفرج الاعظم
حيث الصيحة لظهوره تكون في ليلة 23 من شهر رمضان كما في روايات منها عن ابي عبد الله (ع) قال : (( الصيحة التي في شهر رمضان تكون ليلة الجمعة لثلاث وعشرين مضين ..)) 3
دعاء الافتتاح ومادته المعرفية والروحية
حظي دعاء الافتتاح المنسوب للإمام المهدي عج بعناية واهتمام في مصادرنا , فقد نُشر في كتاب ( اقبال الاعمال) لابن طاووس , وفي( البلد الامين ) وكتاب (المصباح ) للكفعمي و( مفاتيح الجنان) للشيخ عباس القمي وغيرهم
والتركيزعلى قرائته ليس فقط لتحصيل البركة بل للاستزادة المعرفية والروحية من مادته واستثمارها في التكوين الايماني والعقائدي والمعرفي للمنتظرين
فأدعية اهل البيت ع تمتاز بقيم اخلاقية مربية وضابطة للسلوك فالدعاء مخ العبادة وهو من اهم الوسائل وأعمقها في تهذيب النفوس واتصالها بالله , وهو الوصفة الروحية لإمراض النفس المستعصية
وهذا مانجده في دعاء الافتتاح , ففيه الارشاد والتعليم بما يحقق صدق العبودية كالاعتراف بالنعم والعطايا الالهية على العبد ( فكم من موهبة هنيئة قد اعطاني)
كل تلك النعم تفضلا منه تعالى على عباده من دون استحقاق منهم . وفي فقرة ( وبهجة مونقة قد أراني ) الامام هنا يتحدث عن كرم الله ولطفه حين يبادر عباده بما يدخل السرورعلى قلوبهم بجلب المنافع لهم ودفع المضار عنهم
وفي فقرات يبين لطف الله بعباده المؤمنين عندما تمتد يد الله الرحيمة الالهية وتمسح على قلب العبد المؤمن الخائف في مواطن الخطر حين يتصدى لتبليغ رسالة السماء الى الناس ( الحمد لله الذي يؤمن الخائفين )
وكذلك لطف الله بينه الامام في ( وينجّي الصالحين ويرفع المستضعفين) وغيرها من الفقرات
وفي ( اللهم اني اسألك قليلا من كثير مع حاجة بي اليه عظيمة وغناك عنه قديم وهو عندي كثير وهو عليك سهل يسير ) نتلمس مادة معرفية زاخرة وذلك في طلب اشباع الحاجات والاستعلاء على الشهوات , فكل ذلك بيد رب العباد فهو بتفضله ورأفته بعباده يرزق المؤمن والكافر , وهذا عليه سهل يسير , وهذا ان دلّ على شيء فانه يدل على حقيقة وجودية وهي ان الانسان مذ خلقه الى نهايته محتاج الى الله مفتقر اليه (( يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله والله هو الغني الحميد )) 4
يستمر الامام في دعائه العظيم ودوره في بناء هيكلية النفس البشرية وسلوكها نحو الله من خلال تصحيح مفاهيم خاطئة مرتكزة لدى البعض كتأخير استجابة الدعاء وتأخيرانجاز وقضاء بعض اموره من قبل الله فهو لخير وصلاح الانسان الذي لايشعر به في بداية الامر( ولعل الذي ابطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الامور)
تخصيص ذكر الامام المهدي ع
بعد الحمد والثناء على الله سبحانه وابتغاء الوسيلة اليه بذكر صفوته واهل الكرامة عليه من خلقه والصلاة عليهم , يصل بنا الدعاء الى تخصيص الامام المهدي بالذكر( اللهم وصل على ولي امرك القائم المؤمل والعدل المنتظر)
وهذا دليل على محورية دعاء الافتتاح حول المهدي , وقد ذُكرت في هذه الفقرة صفة عظيمة للإمام عج وهي ( القائم المؤمل ), وذلك لرفع اي شبهة تخطر في بال البعض بانه ليس إماما الان وبالفعل بسبب غيبته وعدم قيامه بأمور الامامة , وانما هو امام بالقوة, فمتى ماقام بأعباء الامامة عند ظهوره كان اماما فعلا ,وهذا احد المعاني المتصورة
ولدرء هذه الشبهة والتوهم الباطل يؤكد الامام ع بانه (القائم) قياما حقيقيا وبالفعل وبالممارسة
وذكر هذه الصفة لها جانب ايجابي آخر وهو يثبت وجوده المبارك فالقيام فرع الوجود وبذلك يصح تعلق الامل بظهوره , إذ لا أمل في ظهور المعدوم لذلك اردف في الدعاء بعد صفة القائم بصفة ( المؤمل ) لذا وردت روايات عن اهل البيت ع تؤكد على هذا المعنى من حيث الاعتقاد والثبات
عن علي ع في حديث طويل لوصية النبي ص يذكر فيها ان الرسول ص قال:
(يا علي واعلم ان اعجب الناس ايمانا واعظم يقينا قوم يكونون في اخر الزمان لم يلحقوا النبي وحجبتهم الحجة فآمنوا بسواد على بياض)5
ثم يتكررلفظ (القائم ) في المقطع التالي ( اللهم اجعله الداعي الى كتابك والقائم بدينك) لان الله تعالى وعد ان يحفظ دينه وان يظهره على الدين كله ولو كره المشركون , وكل ذلك انما هو بظهور المهدي الموعود اذ جعله الحافظ لدينه
ابتهال المنتظِر لإمامه
صادق العسكري, [٢٤.٠٥.١٩ ١٧:٢٦]
[Forwarded from سيد حازم الميالي]
ثم تأتي فقرات من هذا الدعاء جميلة يطلب فيها الداعي المنتظر لإمامه المهدي مجموعة من الامور منها ( اللهم أعزه واعزز به)
فالمهدي هو محل العزة والكرامة من الله , وبواسطته ينالها اولياؤه وكل طريق غير ذلك لايوصل الانسان إلا الى الذل والمهانة (ولله العزةُ ولرسوله وللمؤمنين )6
وتستمر الفقرات لزيادة ارتباط الداعي بإمامه حيث ورد ( انصره وانتصر به) فالإمام المهدي هو واسطة النصر الالهي به ينتصر الدين ويكون انتصاره انتصارا للمؤمنين
دولة الكرامة والانسان:
(اللهم إنا نرغب اليك في دولة كريمة تعز بها الاسلام وأهله)
هنا اصبح الدعاء بصيغة جمع المتكلمين لان اظهار الدين واحقاق الحق وازهاق الباطل وإقامة العدل كل ذلك ليس عملا فرديا ولايمكن القيام به إلا ضمن جماعة
فالإمام عج كما تنص الروايات يملأ الارض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا, وعلى يديه يعم الخير كل الارض وتنعم الكائنات بالعدل والاحسان
واول امنيات الداعي في تلك الدولة ( تُعزُّ بها الاسلام وأهله) و ( وتذل بها النفاق وأهله )ثم نرى فقرة من الدعاء ( وتجعلنا فيها من الدعاة الى طاعتك)
وهنا يربي الدعاء المنتظِر بان يستشعر مسؤوليته اتجاه إمامه بان يكون داعيا الى طاعة الله تعالى بترك حرامه وفعل واجبه فالدعوة الى طاعة الله في زمن الغيبة ومابعدها هي دعوة الى الامتثال لما يأمر به امام الزمان
واخر تلك الامنيات والدعوات ( وارزقنا بها كرامة الدنيا والاخرة ) في ان يفوز المؤمن المنتظر برضوان الله ويسعد بدار الكرامة في الدنيا والاخرة
من هنا نجد ان دعاء الافتتاح هو فتح لكل ابواب وطرق التكامل الفردي والاجتماعي وتحقيق السعادة في ظل الامام وفي دولته المباركة
1)ال عمران 133
2)البحار ج93
3)كمال الدين وتمام النعمة ص111250
4)فاطر15
5)كمال الدين ص287
6)المنافقون8