عوامل سقوط الحكومة وانهيارها
بقلم : الشيخ ميثم الفريجي
العوامل التي تسبّب انهيار الحكومات وسقوطها واندثارها كثيرة، ومتنوّعة، ولكن ـ هنا ـ نريد أن ننقف مع ما جاء في ضمن كلامٍ لأمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة، وهو يوصي عامله على مصر في عهده المبارك، حيث تضمَّن جملةً من التحذيرات المهمَّة، التي تُعدُّ من أهم العوامل السلبية التي تساهم في سقوط الحكومة، وانحطاطها، وانهيارها، وبداية فشلها، وتفرّق الناس عنها، ويمكن هنا تلخيصها بنقاط:
1/ طَمَع الحاكم ـ وأفراد حكومته من وزراء ومدراء وقادة وغيرهم ـ في الدنيا، بشكل يجعله مشغولاً بجمع المال، والتكاثر في الأملاك على حساب أفراد شعبه وخدمتهم، فتُشرِف نفسَه على جَمْعِ ما لذَّ، وطاب من سفاسف الدنيا، التي لا تسوى شيئاً في قبال التفاني في خدمته شعبه، وفوزه برضاه، فإنَّ في ذلك خالصَ التقدير والاكبار له، وفوزاً في الدنيا، وفوقه رضا الله تبارك وتعالى عنه.
وهذا العامل ملاحظ جداً في الحكومات التي اغتصب إرادة الجماهير، ووصلت الى الحكم بطرق غير شرعية، ولا قانونية، وتسلّقت على أكتاف شعبها بالخداع والتمويه حتى نالت مآربها غير المشروعة، فتسارعَ أفرادُها الى كنز الأموال، كما هو الحال في حكومة بني أمية، وبني العباس، حينما ساروا خلف ملذّاتهم، وانشغلوا بجمع الذهب، والأموال، والأراضي، بلْ شغلتهم الجواري، والخدم والحشم عن رعاية الناس ومصالحهم، وقد تقمّصوا رِداء الخلافة والحكم، وهم ليسوا أهلاً له، ويكفي وصف أمير المؤمنين (عليه السلام) لبني أمية في الخطبة الشقشقية، حيث قال: (وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع).
والحكومات الحديثة في المنطقة التي لم تسعْ أرصدةُ البنوك أموالَها بينما الكثير من أبناء شعبها يعيش تحت خط الفقر دون أبسط مقومات الحياة.
هذا من أبرز العوامل التي تفقد الحكومات أهليتها للاستمرار بعد أن تسقط في نظر شعبها، فلا توفّق لخدمته، فتُستبدل بغيرها، والواقع المعاش خير شاهد ودليل على ذلك.
2/ سوء ظنهم وتشاؤمهم بمقدرات الحكومة وبقائِها وديمومتِها، ذلك عندما لا يُخطِّط الحاكم ومعاونوه بشكل صحيح لنماء الدولة واستقرارها ورفاهية أبنائها، والأسوء من ذلك عندما تكون هذه الدولة غنية بالثروات، وتزهر بالخيرات والبركات، فيصلُ الحال الى تشاؤم الحاكم وانكسار إرادته ببقاء حكومته، فينزلق الحال الى خراب الحكومة وسقوطها
بينما إذا كان التخطيطُ صحيحاً، والتنفيذ موفَّقاً، تجد الحاكم في تفاؤل دائم ببقاء حكومته وديمومتها بخدمة شعبها وأبنائها
3/ عدم الاعتبار بالعِبَر والتجارب السابقة، لملاحظة ايجابياتها وسلبياتها، فتصدّر الإيجابيات لواجهة التنفيذ، ويُبتعد عن السلبيات، ويُحذَّر من الوقوع فيها، قال تعالى: (قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) الانعام: 11، و(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) النمل: 69، و(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ) الروم: 42
ولا يخفى أهمية الاطلاع على تجارب الحكومات، وتحدّياتها، وكيفية التعامل مع الظروف المختلفة التي واجهتها.
ومن هنا قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (وَإِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الْأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا، وَإِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لِإِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلَاةِ عَلَى الْجَمْعِ، وَسُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ، وَقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ)[1]
4/ سفك الدماء التي حرَّمها الله تعالى، والايغال بالناس بالقتل والتنكيل، وان كانوا ليسوا على وفاق مع الحكومة، ومن معارضيها، فان ذلك عامل خطير من عوامل انهيار الحكومة.
فالدين الإسلامي يَعطي كرامةً عظيمة للإنسان، ويحفظه في نفسه ودمه وعرضه وماله، ولا يقبل الاعتداء عليه بغير وجه حق، وقد عَدَّ القتلَ كبيرةً هي من أعظم الكبائر عند الله تعالى، حتى قال: (من قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) المائدة: 32
وفي ذلك يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (إِيَّاكَ وَالدِّمَاءَ وَسَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى لِنِقْمَةٍ، وَلَا أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ، وَلَا أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ وَانْقِطَاعِ مُدَّةٍ، مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئٌ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ فِيمَا تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلَا تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَمٍ حَرَامٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ وَيُوهِنُهُ، بَلْ يُزِيلُهُ وَيَنْقُلُهُ، وَلَا عُذْرَ لَكَ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمْدِ لِأَنَّ فِيهِ قَوَدَ الْبَدَنِ (أي القصاص)، وَإِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَإٍ وَأَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ أَوْ سَيْفُكَ أَوْ يَدُكَ بِالْعُقُوبَةِ، فَإِنَّ فِي الْوَكْزَةِ (الضربة بجمع الكف)، فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً، فَلَا تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ)[2]
فيرى الأمام (عليه السلام) أن أكبر أثرٍ وضعي لسفك الدماء بغير حق، هو انهيار الحكومات وزوالها، وهذه المعاني الجليلة ملموسة على أرض الواقع في كثير من الحكومات الطاغوتية المعاصرة، ولا ننسى حكومة المجرم صدام المقبور، حينما أوغل في دماء العراقيين الطاهرة، وتفنّن في أساليب القتل كالإعدامات، واحواض التيزاب، والأسلحة الكيمائية المحرمة، وغيرها، وملأ الأرض بمئات المقابر الجماعية، التي كشفت الوجه الإجرامي الذي كانت تتعامل به حكومة صدام البعثية التي أصبحت في خبر كان، وسجّلها التاريخ من أبشع الحكومات الدموية في إراقة دم شعبها، والله المستعان.
وساحة العدالة في منهج أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي هو منهج القرآن، ومنهج رسول الله (صلى الله عليه واله)، تطال الجميع حتى الحاكم، فيوآخذ بجريرته إن صدرت منه، فالقصاص حين إراقة دم انسان بريء
قال تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة: 179، والدية بأن يؤدي الى اولياء الميت حقهم، والاعتذار، والكفارة إن كان ذلك عن خطأ محض، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (وَإِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَإٍ وَأَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ أَوْ سَيْفُكَ أَوْ يَدُكَ بِالْعُقُوبَةِ فَإِنَّ فِي الْوَكْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً فَلَا تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ)، وكما ينص القرآن على ذلك: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً) النساء: 92