السيد روح الله الموسوي الخميني

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1122
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
السيد روح الله الموسوي الخميني

السيد روح الله الموسوي الخميني

 الإمام السيد روح الله الموسوي الخميني (قدس سره)

  يعتبر موضع التعرّف على سيرة حياة الإمام الخميني الراحل (قدّس سرّه)، الشخصيَّة التي أخذت على عاتقها مسؤولية قيادة أعظم ثورة في التاريخ المعاصر، والإحاطة بأبعادها المختلفة، من الموضوعات المثيرة والحافلة بالمواعظ والعِبَر.

 فالبيت الذي وُلد فيه، والتربية التي نشأ عليها، والبيئة التي ترعرع فيها، ومَن هم معلّموه وأساتذته؟ ومتى بدأ حياته الزوجية؟ وما هي طبيعة أسرته؟ وكيف تسنّى له أن يطيح بأكبر القواعد الإستراتيجية الغربية في منطقة الشرق الأوسط، رغم قوة أميركا في إيران ونفوذها الذي لا يُنكَر، ورغم دعم وتأييد الدول القوية في العالم للنظام الحاكم فيها؟ كل هذه موضوعات مثيرة تستحق التأمل وتتّسم بالموعظة والعبرة.‏

  وفضلاً عن ذلك، فإنّ ما هو متوفر من موضوعات بشأن انتصار الثورة الإسلامية في إيران، يتّسم بالإثارة والجاذبية والموعظة إلى حد كبير، خاصة بالنسبة للباحث والسياسي وعالِم الاجتماع وأمثالهم.‏

 وعلى سبيل المثال، لماذا عجز الساسة والمفكرون والعسكريون المرتبطون بأميركا، ممن كانوا يتحكمون بمقدرات البلاد عن الحفاظ على النظام الشاهنشاهي، الذي امتدّ عمره إلى ألفين وخمس مائة عام، رغم الدعم الأميركي الواسع والمكثف؟‏

 وكيف ذهبت سدىً الاستثمارات الغربية المدروسة في إيران، ومحاولات إشاعة الفساد والفحشاء بين أوساط الشباب، وترسيخ ظاهرة التحلّل الخُلُقي وروحية اللامبالاة بين طبقات المجتمع المختلفة، علماً أنّ أمثال هذه الاستثمارات كانت تتم عادة على ضوء آخر نتائج البحوث والدراسات العلمية؟‏

كذلك.. كيف عجزت شبكات التجسس ومراكز جمع المعلومات، التي لا تتوانى عن الاستعانة بأفضل الخبرات والمتخصصين لتحقيق أهدافها، وتنفق الأموال الطائلة في توسيع دائرة عمل تشكيلاتها؟ كيف عجزت عن الحؤول دون اندلاع الثورة الإسلامية؟‏

وإلى أيِّ مدى استطاعت الأجهزة الإعلامية ووسائل الدعاية للاستكبار العالمي، التي تتصف بخبراتها الطويلة في إثارة الشائعات وحبك الأكاذيب، وتمتاز بقدراتها العجيبة على قلب الحقائق وتحريف الوقائع، أن تحدّ من تنامي قدرة الثورة الإسلامية وقوّتها؟‏

وأخيراً، هل يتسنى تكرار تجربة الثورة الإسلامية، بالسمات التي عُرفت بها، في باقي بلدان العالم الإسلامي؟ وهل بمقدورها أن تحتل موقع المثال والقدوة بالنسبة لبلدان العالم الثالث والبلدان المستضعفة الرازحة تحت نير الاستعمار؟‏

 كل هذه الموضوعات تستحق البحث والتأمل، ليس من قِبل المسلم الواعي فحسب، بل من قِبل المبدئيين أيضاً الذين يؤرّقهم هاجس الأوضاع السياسية والثقافية لمجتمعاتهم.‏

 بيد أنّ هذا الموجز لا يتّسع لتناول كل هذه القضايا والموضوعات -ولو باختصار- لذا ارتأينا تجزئة المراحل المهمة والحوادث البارزة التي حفلت بها حياة هذا القائد الكبير..

 مرحلة الطفولة‏

ولد الإمام الخميني (قده) عام 1320 للهجرة (21/9/1902 م) بمدينة “خُمين”-349 كلم جنوب غربي “طهران”- في بيت عُرف بالعلم والفضل والتقوى.. ولم تمضِ على ولادته ستة أشهر حتى استُشهد والده آية الله السيد مصطفى الموسوي على أيدي قطّاع الطرق، المدعومين من قِبل الحكومة آنذاك، وكان استشهاده (رحمه الله) في الحادي عشر من ذي القعدة عام 1320 للهجرة. وهكذا، تجرّع الإمام الخميني (قده) منذ صباه مرارة اليتم، وتعرّف على مفهوم الشهادة.‏

أمضى الإمام فترة طفولته وصباه تحت رعاية والدته المؤمنة السيدة “هاجر”، التي تنتسب لأسرة اشتُهرت بالعلم والتقوى، وكفالة عمّته الفاضلة “صاحبة هانم”، التي عُرفت بشجاعتها وقول الحق. وفي سن الخامسة عشرة، حُرِم الإمام من نعمة وجود هاتين العزيزتين.‏

 مرحلة الدراسة والتدريس‏

درس سماحة الإمام في مدينة “خُمين” حتى سن التاسعة عشر مقدّمات العلوم، بما فيها اللغة العربية والمنطق والأصول والفقه، لدى أساتذة معروفين. وفي عام 1339 للهجرة (1921 م) التحق بالحوزة العلمية في مدينة “آراك”، وبعد أن مكث فيها عامًا، هاجر إلى مدينة “قم” لمواصلة الدراسة في حوزتها. وهناك، وفضلاً عن مواصلة دراسته على يد فقهاء ومجتهدي عصره، اهتم بدراسة علم الرياضيات والهيئة والفلسفة.

  وفي الوقت الذي اهتم فيه بكسب العلوم، حرص على المشاركة في دروس الأخلاق والعرفان النظري والعملي في أعلى مستوياته لدى المرحوم آية الله الميرزا محمد علي شاه آبادي، على مدى ست سنوات.‏

 وفي عام 1347 هـ (1929م) بدأ الإمام الخميني الراحل (قده) بمزاولة التدريس، أي منذ أن بلغ سن السابعة والعشرين من عمره، درّس سماحته بحوث الفلسفة الإسلامية، والعرفان النظري والعملي، وأصول الفقه، والأخلاق الإسلامية.‏

  الأسرة والأبناء‏

اقترن سماحة الإمام الخميني (قده) عام 1929م بكريمة المرحوم آية الله الحاج الميرزا محمد الثقفي الطهراني، وكانت ثمرة هذا الاقتران ثمانية أبناء هم: الشهيد آية الله السيد مصطفى الخميني، وابن اسمه “علي” توفي في سن الرابعة، والسيدة “صديقة مصطفوي” عقيلة المرحوم آية الله “إشراقي”، والسيدة “فريدة مصطفوي” عقيلة السيد “الأعرابي”، والسيدة “فهيمة زهراء مصطفوي” عقيلة الدكتور السيد “البروجردي”، وبنت اسمها “سعيدة” توفيت ولها من العمر سبعة شهور، والمرحوم حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني، وبنت اسمها “لطيفة” توفيت وهي طفلة.‏

 ومع أنّ سماحة الإمام (قده) كان يعتمد طوال حياته السياسية وجهاده على الله، ويتوكل عليه فحسب، ويستمد العون منه وحده، ويواصل خطواته بوحي من ثقته بإيمانه، إلاّ أنّ الدور الفعال والمؤثر لولده السيد مصطفى -إلى جواره- طوال مراحل النهضة الإسلامية، لم يكن خافيًا على أحد.

 ونظراً لهذا الدور الذي كان يضطلع به السيد مصطفى في تنظيم طاقات الثورة، وجمع الأخبار والمعلومات اللازمة، وإيصال نداءات قائد الثورة السرّية إلى الآيات العظام والعلماء وزعماء الفصائل السياسية، وإيجاد قنوات الاتصال والتواصل مع العناصر الثورية، ألقت عناصر نظام الشاه القبض عليه وأُودع السجن، ثم تم نفيه بعد إطلاق سراحه، كوالده الكبير إلى تركيا، ومن ثم إلى العراق.

 ولا شك أنّ الذي مهّد الطريق لاستشهاده عام 1978 لم يكن غير دوره الفاعل في النهضة الإسلامية ومواصلتها.‏

 ومن تلك اللحظة التي استُشهد فيها، ألقت المشيئة الإلهية المسؤولية التي كانت ملقاة حتى ذلك التاريخ على عاتق السيد مصطفى الخميني، على كاهل شاب لا يقلّ عن أخيه حنكة وتدبيراً، ألا وهو السيد أحمد الخميني.‏

 ورغم أنّ السيد أحمد كان يبدو قبل هذه الحادثة المؤلمة متفرغاً لدراسته الحوزوية، إلاّ أنه في الحقيقة كان يتحمل مسؤوليات أخيه ذاتها في الحوزة العلمية بمدينة “قم” وسائر نقاط إيران.

  ففي الوقت الذي تحوّل بيت سماحة الإمام بالنجف الأشرف إلى منطلق لتصدير الثورة وقيادتها، فإنّ كُلاً من إدارة شؤون البيت، وتنظيم لقاءات قائد الثورة، وتسهيل قنوات اتصال المناضلين الضرورية مع النجف، وتقديم التقارير الواردة عن اتساع النشاطات الثورية في إيران، وإبلاغ أوامر الإمام إلى المناضلين، وكذلك توفير قنوات الاتصال الواسعة مع الفصائل المناضلة في الداخل، كل ذلك، كان يتحمل مسؤوليته السيد أحمد الخميني.‏

 كان السيد أحمد، سواء في المراحل الحساسة لنضال الشعب الإيراني المسلم، أم خلال هجرة قائد الثورة إلى فرنسا، أو أثناء عودته إلى أرض الوطن، ومن ثم مرحلة انتصار الثورة، كان المستشار الأمين، والمدبّر الواعي، والسياسي المحنّك ذا الأفق البعيد، والمجاهد الذي لا يكلّ أو يملّ، والنصير المعتمد والمريد المخلص في خدمة والده، والذي قد كرّس كل جهده وهمّه لإحراز رضا شيخه على طريق نيل رضا الله.‏

 إنّ الدور الفريد والنادر الذي لعبه السيد أحمد، إلى جوار المشعل المتّقد لوجود الإمام العزيز، كان منشأ بركات يمكن مشاهدة آثارها في كل مرحلة من مراحل تاريخ الثورة الإسلامية.‏

 وبعد رحيل سماحة الإمام، كان المرحوم حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني حاضرًا في العديد من المؤسسات السياسية والثقافية لخدمة الثورة ونظام الجمهورية الإسلامية، وكان لا يألو جهداً في إسداء النصح وأداء الواجب. وبوصفه أحد الوجوه البارزة للثورة، كان موضع ثقة واستشارة القيادة ومسئولي النظام.‏

 أخذ السيد أحمد على عاتقه مسؤولية الإشراف على مؤسسة -تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني (قده)-، بدافع المحافظة على تراث قائد الثورة الإسلامية الكبير، ونشر أفكاره وآرائه، ولم يألُ جهدًا في استبدال المرقد الطاهر لسماحة الإمام إلى مركز إشعاع للثورة الإسلامية.‏

 وحينما ودّع السيد أحمد الدنيا الفانية، بسبب عارض قلبي ألمّ به في 17/3/1994م، كانت مؤسسة -تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني (قده)- ومجمع الحرم المطهّر لسماحة الإمام (قده)، قد حققا المكانة والمنزلة التي تليق بهما.‏

 وبناءً على الوصية التي تركها الفقيد السيد أحمد الخميني، أُوكلت سدنة الحرم المطهّر لسماحة الإمام، ومهمة الإشراف على مؤسسة -تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني (قده)- إلى ولده البكر سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن الخميني، لكي يبقى طريق الإمام مشعّاً دائماً، وتبقى ذكرى هذا العزيز خالدة أبدًا.‏

 إنَّ أسلوب حياة الإمام الخميني (قده)، وبساطة عيشه، ولكونها نابعة من معتقداته الدينية، بقيت ثابتةً لم تتغير في مختلف مراحل حياته، وطوال مسيرة جهاده السياسي الحافلة بالأحداث.‏

 لقد دُهِش الصحفيون الأجانب ومراسلو وكالات الأنباء العالمية، الذين سُمح لهم بعد رحيل الإمام بزيارة محل إقامة سماحته، دُهِشوا لمشاهدتهم البيت المتواضع، ووسائل المعيشة البسيطة لقائد الثورة الإسلامية الكبير.

 وإنّ ما رأَوه لا يمكن مقارنته بأي وجه مع نمط حياة رؤساء البلدان والزعماء السياسيين والدينيين في عالم اليوم.. إن أسلوب حياته وبساطة معيشته يعيدان إلى الأذهان الصورة التي كانت عليها حياة الأنبياء والأولياء والصالحين.‏

 مرحلة النضال والثورة‏

ابتدأ الإمام الخميني (قده) جهاده في عنفوان شبابه، وواصله طوال فترة الدراسة بأساليب مختلفة، بما فيهما مقارعته للمفاسد الاجتماعية والانحرافات الفكرية والأخلاقية.

  ففي عام 1943م، ومن خلال تأليفه ونشره لكتاب “كشف الأسرار” قام سماحته بفضح جرائم فترة العشرين عامًا من حكم رضا شاه -والد الشاه المخلوع- وتولى الرد على شبهات المنحرفين دفاعًا عن الإسلام وعلماء الدين، كما أثار في كتابه هذا فكرة الحكومة الإسلامية، وضرورة النهوض لإقامتها.‏

 وانطلق الإمام الخميني (قده) في نضاله العلني ضد الشاه عام 1962م، وذلك حينما وقف بقوة ضد لائحة (مجالس الأقاليم والمدن)، والتي كان محورها محاربة الإسلام، فالمصادقة على هذه اللائحة من قِبل الحكومة آنذاك كانت تعني حذف الإسلام كشرط في المرشحين والناخبين، وكذلك القبول باستبدال اليمين الدستورية بالكتاب السماوي بدلاً من “القرآن المجيد”.‏

 بيد أنّ سماحته هبّ لمعارضة هذه اللائحة، ودعا مراجع الحوزات العلمية وأبناء الشعب للانتفاض والثورة. وعلى أثر برقيات التهديد التي بعث بها الإمام إلى رئيس الوزراء وقتئذ، وخطابات سماحته التي فضحت الحكومة، وبياناته القاصمة، وتأييد المراجع لمواقفه، انطلقت المسيرات الشعبية الحاشدة في كلٍّ من مدينة “قم” و”طهران” وسائر المدن الأخرى، مما اضطُر نظام الشاه إلى إلغاء اللائحة والتراجع عن مواقفه.‏

 ودفعت مواصلة النضال الشاه لارتكاب إحدى حماقاته التي تمثّلت في مهاجمة المدرسة “الفيضية” بمدينة “قم” في الحادي والعشرين من آذار عام 1963م، وما هي إلاّ فترة وجيزة حتى انتشر خطاب سماحة الإمام وبياناته حول هذه الفاجعة في مختلف أنحاء إيران.

  وفي عصر العاشر من محرّم الحرام عام 1383 للهجرة (3/6/1993م) فضح الإمام الخميني (قده) عبر خطاب حماسي غاضب، العلاقات السرّية القائمة بين الشاه و”إسرائيل” ومصالحهما المشتركة.‏

 وفي الساعة الثالثة من بعد منتصف ليل اليوم التالي، حاصرت القوات الحكومية الخاصة بيت الإمام (قده)، وتم اعتقاله وإرساله مكبّلاً إلى “طهران”.‏

 انتشر خبر الاعتقال بسرعة خاطفة في مختلف أنحاء إيران. وبمجرّد أن سمعت الجماهير نبأ اعتقال الإمام (قده) نزلت إلى الشوارع منذ الساعات الأولى لفجر الخامس من حزيران 1963م، وراحت تعبّر عن استنكارها لعمل الحكومة في تظاهرات حاشدة، أعظمها تظاهرة “قم” المقدسة، التي شهدت أكبر هذه الاستنكارات، والتي هاجمتها قوات النظام بالأسلحة الثقيلة، وكان نتيجتها سقوط العديد من المتظاهرين مضرّجين بدمائهم.‏

 ومع إعلان نظام الشاه الأحكام العرفية في “طهران”، اشتد قمع تظاهرات أبناء الشعب في تلك الأيام، حيث قتلت وجرحت قوات الحكومة العسكرية الآلاف من أبناء الشعب الأبرياء. وكانت مذبحة الخامس من حزيران 1963 م بدرجة من القسوة والوحشية، وأخذت تتناقل أخبارها وسائل الإعلام العالميَّة والمحليَّة.‏

 وأخيراً، ونتيجة لضغط الرأي العام واعتراضات العلماء وأبناء الشعب في داخل البلاد وخارجها، اضطر إلى إطلاق سراح الإمام بعد عشرة أشهر تقريبًا من المحاصرة والاعتقال.‏

 واصل الإمام جهاده عبر خطاباته الفاضحة للنظام، وبياناته المثيرة للوعي، وفي هذه الأثناء، تأتي مصادقة الحكومة على لائحة “الحصانة القضائية” التي تنص على منح المستشارين العسكريين والسياسيين الأميركيين الحصانة القضائية، لتثير غضب قائد الثورة وسخطه. فما إن اطلع الإمام الخميني على هذه الخيانة حتى بدأ تحركاته الواسعة، وقام بإرسال مبعوثيه إلى مختلف أنحاء إيران، ويعلن لأبناء الشعب عن عزمه بإلقاء خطاب في العشرين من جمادى الآخرة عام 1383 هـ.‏

 ألقى سماحة الإمام خطابه الشهير في اليوم المعلن، دون أن يعبأ بتهديد النظام ووعيده، فانتقد لائحة الحصانة القضائية، وحمل بشدة على الرئيس الأميركي وقتئذ.‏

 أما نظام الشاه، فقد رأى أنّ الحل الأمثل يكمن في نفي الإمام إلى خارج إيران، ومرة أخرى حاصرت المئات من القوات الخاصة والمظليين بيت الإمام، وذلك في سَحَر يوم الثالث من تشرين الثاني عام 1964م.‏

 وبعد اعتقال سماحته، اقتيد مباشرة إلى مطار “مهر آباد” بطهران، ومن هناك، وطبقًا للاتفاق المسبق، تم نفيه أولاً إلى مدينة “أنقرة” (تركيا)، ومن ثم إلى مدينة “بورساي” التركية، وقامت قوات الأمن الإيراني والتركي المكلّفة بمراقبة سماحة الإمام، بمنعه من ممارسة أي نشاط سياسي أو اجتماعي.‏

 مرحلة الإبعاد والنفي‏

استغرقت إقامة الإمام بتركيا أحد عشر شهراً، وخلال هذه الفترة.. عمل نظام الشاه بقسوة لم يسبق لها مثيل على تصفية بقايا المقاومة في إيران.‏

 مثّلت الإقامة الجبرية في تركيا فرصة اغتنمها الإمام في تدوين كتابه المهم “تحرير الوسيلة”، حيث تطرّق لأول مرة آنذاك في كتابه هذا -الذي يمثّل الرسالة العملية لسماحته- إلى الأحكام المتعلقة بالجهاد، والدفاع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمسائل المعاصرة.‏

 في يوم 5/10/1965م يُنقَل سماحة الإمام برفقة ابنه السيد مصطفى، من تركيا إلى منفاه الثاني بالعراق، ليقيم في مدينة “النجف الأشرف”. ومن منفاه في “النجف” كان سماحة الإمام، فضلاً عن انشغاله بتدريس الفقه لمرحلة “البحث الخارج” وعرضه للأسس النظرية لمبدأ الحكومة الإسلامية، التي حملت عنوان “ولاية الفقيه”، كان يتابع بدقة الأحداث السياسية التي تشهدها إيران والعالم الإسلامي، رغم كل الصعوبات الموجودة، وكان حريصاً على إيجاد قنوات الاتصال مع الثوريين في إيران، ومع عوائل شهداء انتفاضة الخامس من حزيران، والسجناء السياسيين بشتى السبل.‏

 وقد وفّر وجود الإمام في العراق الفرصة لأن يكون على اتصال مباشر بالمؤمنين والطلبة المسلمين الموجودين خارج البلاد بنحو أفضل من السابق. وكان لذلك دور كبير في نشر أفكاره وأهداف النهضة على المستوى العالمي.

 فأثناء اعتداءات الكيان الصهيوني والحروب العربية الإسرائيلية، بذل الإمام الخميني (قده) جهودًا كبيرة في الدفاع عن نهضة المسلمين الفلسطينيين ودول خط المواجهة، من خلال اللقاءات المتعددة التي كان يجريها مع زعماء الفصائل الفلسطينية المناضلة، وقيامه بإرسال المبعوثين إلى لبنان، وإصدار فتواه التاريخية المهمة التي اعتبرت تقديم الدعم العسكري والاقتصادي لثورة الشعب الفلسطيني والبلدان التي تتعرض للاعتداءات الصهيونية، واجبًا شرعيًّا، وكان ذلك من جملة النشاطات التي تصدر لأول مرة من أحد مراجع الشيعة الكبار.‏

 لقد حافظت بيانات سماحة الإمام، الباعثة للوعي ونداءاته، للعزائم والهمم، التي تناولت الأحداث الداخلية لإيران، على إبقاء مشعل النضال متَّقدًا دائمًا، في الوقت الذي كان الشاه يعيش ذروة جبروته، وكان يحضّر للاحتفال بمرور ألفين وخمسمائة عام على تأسيس الإمبراطورية الشاهنشاهية، وكان منهمكًا في إيجاد نظام الحزب الواحد في البلاد، حزب “رستاخيز” (البعث).‏

 كانت خطابات الإمام ونداءاته تشحذ الهمم وتبعث الأمل في مثل هذه الظروف، وتزيد من عزم المناضلين ومقاومتهم، الذين كانوا يتعرضون في غياهب السجون إلى أشد أنواع التعذيب الوحشي على أيدي أفراد “السافاك”، وهم يمضون فترات أحكامهم الطويلة.‏

 ذروة الأحداث وانتصار الثورة الإسلامية‏

مثّلت شهادة آية الله السيد مصطفى الخميني (رضوان الله عليه) -الابن الأكبر للإمام (قده)- في 23/10/1977 م، ومراسم العزاء التي أقيمت في إيران، نقطة الانطلاق لانتفاضة الحوزات العلمية ثانية، وانتفاض المجتمع الإيراني المؤمن. ومما يثير الحيرة والدهشة أنّ الإمام الخميني (قده) وصف هذا الحادث المؤلم بأنه من الألطاف الإلهية الخفية.‏

 وفي غضون ذلك، بادر نظام الشاه إلى الإنتقام من الإمام والشعب، بنشره مقالاً في إحدى الصحف اليومية الرسمية للبلاد، يسيء إلى الإمام الخميني (قده)، فأثار المقال استنكاراً واسعاً بين صفوف أبناء الشعب، وقاد إلى اندلاع انتفاضة التاسع عشر من “دي” (19/1/1978 م) في مدينة “قم”، والتي قُتل فيها العديد من طلبة العلوم الدينية.‏

 ومرة أخرى تندلع الثورة من مدينة “قم” وتعمّ مختلف أنحاء البلاد في فترة قياسية. وقد ساعدت مراسم إقامة مجالس التأبين في اليوم الثالث والسابع والأربعين من رحيلهم إحياءً لذكرى شهداء الانتفاضة الأخيرة، في كلٍّ من مدينة “تبريز” و”يزد” و”جهرم” و”شيراز” و”أصفهان” و”طهران”، ساعدت في بروز انتفاضات متتابعة أخرى.‏

 وطوال هذه الفترة، كانت نداءات الإمام الخميني (قده) المتتالية، وأشرطة التسجيل المتضمنة لخطابات سماحته، التي كان يدعو الناس فيها إلى الثبات والاستقامة ومواصلة النضال والثورة حتى تداعي أركان السلطة وتشكيل الحكومة الإسلامية، كانت تسجَّل وتوزَّع على مساحة واسعة من إيران من قِبل أنصار الإمام وأتباعه.‏

 عجز الشاه، رغم لجوئه إلى ارتكاب المجازر الجماعية، عن إخماد شرارة الثورة التي اندلعت. ولم يتمكن الشاه رغم إعلانه الأحكام العرفية في إحدى عشرة مدينة، واستبدال رئيس الوزراء ومسئولي المناصب العليا، أن يترك أي تأثير للحيلولة دون اتساع رقعة الثورة، إذ كانت البيانات الفاضحة للنظام والأوامر الجهادية التي كان يصدرها الإمام الخميني (قده) تُحبط كافة المناورات والدسائس السياسية والعسكرية التي كان يلجأ إليها الشاه.‏

 وفي اللقاء الذي جمع وزيرَي خارجية إيران والعراق في نيويورك، قرر الطرفان إخراج الإمام الخميني من العراق. وفي 24/9/1978 م حاصرت القوات البعثية منزل الإمام في “النجف الأشرف”، وأبلغت الإمام بأنّ مواصلة إقامته في العراق منوطة بإيقاف نشاطاته السياسية، والتخلي عن النضال.‏

 وأصرّ الإمام على مواصلة نضاله، ولم يركن للضغوطات البعثية، مما دفعه إلى ترك “النجف الأشرف” في 24/10/1978 م، بعد ثلاثة عشر عاماً من النفي، متوجهاً إلى الكويت. إلاّ أنّ الحكومة الكويتية، وبطلب من نظام الشاه، منعت الإمام الخميني (قده) من دخول أراضيها. وبعد أن تشاور الإمام مع ابنه المرحوم حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني (رضوان الله عليه) قرّر الهجرة إلى باريس.‏

 وصل سماحته باريس في 6/10/1978 م، وفي اليوم التالي انتقل للإقامة في منزل أحد الإيرانيين بـ”نوفل لوشاتو” (ضواحي باريس). وفي غضون ذلك، قام مبعوث قصر “الإليزيه” بإبلاغ الإمام طلب الرئيس الفرنسي “جيسكار ديستان”، بضرورة اجتناب أي نوع من النشاط السياسي، فكان رد الإمام حازماً، إذ صرّح بأنّ هذا النوع من المضايقات يتعارض مع ادعاءات الديمقراطية، وأنه لن يتخلى عن أهدافه حتى ولو اضطره ذلك إلى التنقل من مطار إلى آخر ومن بلد إلى آخر.‏

 إنّ فترة الأربعة أشهر من إقامة الإمام في باريس، جعلت من “نوفل لوشاتو” أهم منبع خبري عالم، فقد أضحت حوارات الإمام ولقاءاته المختلفة مع حشود الزوار الذين كانوا يتدفقون على “نوفل لوشاتو” من مختلف أنحاء العالم، سبباً في أن يتعرف العالم أكثر فأكثر على أفكار الإمام وآرائه بشأن الحكومة الإسلامية والأهداف القادمة للثورة.‏

 أما الشعب الإيراني، فقد صعّد من حدّة تظاهراته، مستلهماً توجيهات سماحة الإمام (قده) وإرشاداته. ونتيجة لاتساع رقعة الاضطرابات، شُلّت حركة المراكز والمؤسسات الحكومية؛ ولم تجدِ نفعاً كل محاولات الشاه في تغيير رئاسة الوزراء، وإعلان تأسفه عن أعماله السابقة، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، إلى غير ذلك..، لم تجدِ نفعاً في إخماد جذوة الثورة والحيلولة دون تنامي أحداثها.‏

 في هذه الأثناء، أعلن قائد الثورة الإسلامية للشعب عن تشكيل مجلس قيادة الثورة وتعيين أعضائه. وقرّر الشاه بدوره الخروج من البلاد في 16/1/1979 م، تحت ذريعة المرض والحاجة إلى الراحة.‏

 أثار خبر فرار الشاه من البلاد موجة من البهجة والسرور بين صفوف أبناء الشعب، وزاد من عزيمتهم على مواصلة النضال حتى إسقاط النظام.‏

 كما أوجد قرار الإمام في العودة إلى البلاد موجةً من الفرح والأمل في قلوب أبناء الشعب، مما قاد أعداء الثورة إلى ارتكاب حماقات ذليلة، حيث قام نظام الشاه – بعد التشاور والتنسيق مع الحكومة الأميركية – بإغلاق مطارات البلاد بوجه الرحلات الخارجية.‏

 تدفقت حشود أبناء الشعب إلى “طهران” من شتى أنحاء البلاد، لتلتحق بالتظاهرات المليونية التي قام بها أبناء مدينة “طهران”، والتي كانت تطالب بفتح المطارات.‏

 وانصاع نظام الشاه لمطالب الشعب، وفتح مطار “مهر آباد” بطهران، ووصل قائد الثورة الإسلامية إلى أرض الوطن في الأول من شباط عام 1979 م، بعد أربعة عشر عاماً من النفي.‏

 كان استقبال الشعب الإيراني المنقطع النظير للإمام الخميني (قده) بدرجة من العظمة أجبر وكالات الأنباء الغربية على الإعتراف به، حتى أنّ بعضها قدّر عدد المستقبلين ما بين أربعة ملايين إلى ستة ملايين شخص.‏

 وأعلن قائد الثورة عن تشكيل الحكومة المؤقتة، رغم وجود حكومة الشاه، والتي ما زالت تمارس مهامها. وفي 5/2/1979 م، وبتعيين رئيس الوزراء، كُلّفت الحكومة المؤقتة بالتحضير لإجراء الاستفتاء العام وإقامة الانتخابات.‏

 وفي الثامن من شباط 1979 م، بايع منتسبو القوة الجوية الإمام الخميني (قده) في محل إقامته بالمدرسة العلوية بطهران. وفي التاسع من شباط، وحيث توجهت قوات الحرس الشاهنشاهي الخاص إلى قمع انتفاضة منتسبي أهم قاعدة جوية بطهران، أخذ أبناء الشعب ينزلون إلى الشوارع لحماية القوات الثورية.

 وفي العاشر من شباط عام 1979 م، راحت مراكز الشرطة والمؤسسات الحكومية تسقط الواحدة تلو الأخرى بأيدي أبناء الشعب.‏

 ولكي يتسنى لحكومة الشاه تنفيذ الانقلاب العسكري الذي تم التخطيط له بمساعدة المستشارين الأميركيين المقيمين بطهران، أصدر الحاكم العسكري لطهران بياناً أعلن فيه عن زيادة عدد ساعات منع التجوال حتى الساعة الرابعة عصراً.‏

 في غضون ذلك، دعا الإمام الخميني (قده) أبناء مدينة “طهران”، خلال بيان أصدره، للنزول إلى الشوارع وإحباط المؤامرة الوشيكة الوقوع، وإلغاء الأحكام العرفية عملياً.‏

 ونزلت الجموع، من النساء والرجال الصغار والكبار، إلى الشوارع وراحت تقيم الخنادق، وما أن أخذت تتحرك أُولى دبابات الشاه وحاملات الجنود من معسكراتها، حتى بادر أبناء الشعب إلى إيقافها وتعطيل عملها. وبذلك تم القضاء على آخر جيوب القوات التابعة لنظام الشاه.‏

 وفي فجر الحادي عشر من شباط 1979 م، أشرقت شمس انتصار الثورة الإسلامية.‏

 تشكيل الحكومة الإسلامية ومكتسباتها‏

لم يكن تحقق وعود الإمام الخميني (قده) وانتصار الثورة الإسلامية في إيران، مجرّد حادثة داخلية قادت إلى تغيير النظام السياسي، بل كانت الثورة الإسلامية زلزالاً مدمراً للعالم الغربي، كما وصفها كثير من المسئولين الأميركيين والإسرائيليين والأوروبيين في مذكراتهم التي نُشرت فيما بعد. وهكذا، ومنذ صبيحة الحادي عشر من شباط (فبراير) 1979 م، بدأ عداؤهم للنظام الإسلامي الفتيّ، بشكل سافر وواسع وشامل. كانت أميركا تقود جبهة الأعداء، التي ساهم فيها بشكل فاعل كلٌ من الحكومة الإنكليزية والعديد من الدول الأوروبية الأخرى، جنباً إلى جنب مع كافة الأنظمة العميلة للغرب. كما انضم الإتحاد السوفياتي السابق والبلدان الدائرة في فلكه – بسبب امتعاضهم من سيادة الدين في إيران – إلى الأميركيين، وناصروهم في الكثير من مواقفهم العدائية ضد إيران.‏

 وكان الإمام الخميني (قده) يطمح، من خلال إعلان التعبئة العامة للشعب الإيراني لإعمار البلاد، إلى تجسيد مثال المجتمع الديني السليم والمتطور. وبوحي من ذلك، أعلن عن تشكيل مؤسسة “جهاد البناء” التي هيّأت الأرضية لحضور الكوادر المتخصصة والطاقات الثورية في المناطق المحرومة والقرى والأرياف، لتبدأ خلال فترة وجيزة عمليات شق الطرق، وإنشاء المراكز الصحية والعلاجية، وتأسيس شبكات المياه والكهرباء على نطاق واسع.‏

 ولم يمضِ سوى شهرين على انتصار الثورة، حتى أعلن الشعب الإيراني، في واحدة من أكثر الانتخابات حريةً في تاريخ إيران، عن تأييده بنسبة 98.2 بالمائة لإقامة نظام الجمهورية الإسلامية في إيران. وتلت ذلك الانتخابات السياسية لتدوين الدستور والمصادقة عليه، وإقامة انتخابات الدورة الأولى لمجلس الشورى الإسلامي.‏

 في هذا الظرف بالذات اشتد تصعيد أمواج الفتن ووتيرة الضغوط الخارجية. وكانت أميركا تسعى عن طريق طابورها الخامس، إلى إنهاء النظام الإسلامي بمشكلاته الداخلية، والتمهيد لإسقاط النظام عبر إثارتها للفتن والاختلافات.‏

 ومن أُولى الحروب التي لجأ إليها أعداء الثورة لإضعاف نظام الجمهورية الإسلامية: اغتيال وجوه الثورة وشخصياتها المهمة. وخلال فترة وجيزة غُيِّبت وجوه بارزة، في طليعتها العلامة الشهيد آية الله مرتضى المطهّري (عضو مجلس قيادة الثورة)، والدكتور محمد مفتّح، والفريق قرني (رئيس هيئة الأركان)، والحاج مهدي عراقي وآية الله قاضي الطباطبائي.‏

 إنّ أميركا ليست فقط لم تستجب لمطالب الشعب الإيراني المشروعة، الداعية إلى تسليم الشاه، وإعادة الأموال والودائع الإيرانية المجمّدة في أميركا، والتي بلغت اثنتين وعشرين مليار دولار، بل وضعت إمكانات واسعة تحت تصرّف مسئولي نظام الشاه الفارين، لتمكينهم من تنظيم تشكيلاتهم في الخارج، وإشهار عدائهم للنظام الإسلامي.‏

 ونتيجة للعداء الأميركي الصارخ دفع غضب الشعب الإيراني مجموعة من الطلبة المسلمين الإيرانيين إلى اقتحام السفارة الأميركية في طهران، واعتقال الجواسيس الأمريكان بعد القضاء على مقاومة حراس السفارة من الأميركيين.‏

 أيد الإمام الخميني (قده) الخطوة الثورية للطلبة، ووصفها بأنها ثورة أعظم من الثورة الأولى. وقام الطلبة السائرون على نهج الإمام بنشر الوثائق التي عثروا عليها في السفارة بالتدريج في أكثر من سبعين كتاباً حملت عنوان “وثائق وكر التجسس الأميركي في إيران”.‏

 وقد كشفت هذه الوثائق، المسلَّم بصحتها، النقاب عن أسرار التجسس والتدخل الأميركي الذي لا حدود له في كلٍّ من إيران وبلدان العالم، وأظهرت للعيان الكثير من عملاء أميركا وأدواتها وجواسيسها، وأساليب التجسس والتحركات السياسية الأميركية في مناطق العالم المختلفة.‏

 مثّل احتلال السفارة الأميركية، التي عُرفت في ثقافة الثورة الإسلامية بـ”وكر التجسس”، فضيحة كبرى للحكومة الأميركية، وحقق للشعب الإيراني مكاسب عديدة لعل أبرزها – فضلاً عن ضمان استمرار الثورة – تحطيم الغرور الأميركي، وبث الأمل في نفوس شعوب العالم الثالث بإمكانية مواجهة القوى الكبرى وإلحاق الهزيمة بها.‏

 إنّ هزيمة المخططات الأميركية التي استهدفت الإطاحة بنظام الجمهورية الإسلامية، بدءاً بالحظر الاقتصادي والعزلة السياسية التي فُرضت على إيران، ومروراً بعملية صحراء “طبس”، وانتهاءً بمحاولات تجزئة البلاد عن طريق دعمها للتنظيمات المعادية للثورة؛ كل ذلك دفع الحكومة الأميركية للتفكير في اختيار الخيار العسكري.‏

 وهكذا، بدأ الجيش العراقي في 22/9/1980 م، بإيحاء من الحكومة الأميركية ودعم القوى الكبرى، عدوانه العسكري الواسع على امتداد 1289 كم من الحدود المشتركة مع إيران. وتزامناً مع تقدّم هذه القوات، قامت الطائرات العراقية، في الساعة الثانية من عصر ذلك اليوم، بقصف مطار “طهران” والعديد من المدن الأخرى.‏

 قوبل خبر شن العراق للحرب ضد إيران، رغم أهميته القصوى، بصمت مطبق من قِبل المحافل الدولية والقوى العالمية كافة. بيد أنّ ما يثير الإعجاب ويبعث على التأمل إلى حد كبير، ردود الفعل الأولية التي صدرت عن الإمام الخميني (قده)، التي عكستها بياناته وخطاباته التي تطرّقت إلى اعتداء الجيش العراقي من أبعاد مختلفة. إلاّ أنه لا يتّسع – للأسف – المجال هنا للحديث عن دقائقها وخصوصياتها.‏

 أصدر الإمام على الفور أمر المقاومة. وفي أول تحليل له خلال خطاب ألقاه، اعتبر أميركا المسبّب الأساس لهذه الحرب والمحرّك لصدام (الرئيس العراقي) والداعم له، وطمأن الشعب الإيراني بصريح العبارة بأنه إذا ما هبّ لردّ العدوان من أجل رضى الله، بوصفه واجباً شرعياً، ستكون هزيمة العدو حتمية، رغم كل العوامل الظاهرية التي كانت تشير إلى عكس ذلك.‏

 حدّد الإمام الخميني (قده) في اليوم التالي من بدء الهجوم العراقي، عبر بيان وجّهه للشعب الإيراني ضم سبعة بنود مقتضبة إلاّ أنها دقيقة وشاملة، حدّد الخطوط العامة للطريقة التي ستدار بها الحرب وشؤون البلاد في ظروف الحرب. وفي الوقت ذاته، أتم الحجة على الشعب العراقي وجيشه، عبر بيانات عديدة أصدرها. ومن يومها مارس إشرافه وقيادته لدفاع الشعب الطويل الشاقّ على مدى ثماني سنوات، بحكمة نادرة.‏

 استقبل الشباب الإيراني الثوري أمر الإمام الداعي إلى التعبئة العامة، وتشكيل جيش العشرين مليوناً، بحفاوة بالغة. ويومها أوجدت صور تدريب قوات التعبئة وإرسالهم إلى جبهات القتال في إيران أجواء مفعمة بالمعنويات. كما أنّ الانتصارات المتلاحقة التي حققها مقاتلو القوات الإسلامية قد أظهرت للعيان الضعف والإرباك الذي دبّ في صفوف العدو.‏

 وشيئاً فشيئاً أسفرت أميركا وحلفاؤها الأوروبيون عن وجوههم المتسترة وراء الحرب، وبدأت أنواع الأسلحة المتطورة – التي كانت عملية الحصول عليها، حتى في ظروف السلم، شاقةً للغاية وتستغرق وقتاً طويلاً من المباحثات والتنازلات – بدأت تنهال على العراق بسرعة مدهشة وتوضع تحت تصرّف صدام. ونتيجة لذلك، لم يتوانَ العراق عن ارتكاب أفظع الجرائم الوحشية، من قبيل القصف الجوي المكثّف للمدن والقرى، وتدمير المراكز الاقتصادية، وإطلاق الصواريخ المدمرة بعيدة المدى على المناطق السكنية، التي كانت تخلّف وراءها مئات الضحايا من النساء والأطفال. وكل ذلك يتم على مرأى ومسمع من المنظمات الدولية التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، دون أن تنبس ببنت شفة.‏

 ولم تتمكن المساعدات الواسعة والشاملة التي كانت تقدّم لصدام، من تغيير مجرى الحرب والموقف في جبهات القتال لصالحه، بل كان الموقف في جبهات القتال لصالحه، بل كان الموقف يسير بوتيرة متسارعة لصالح القوات الإسلامية.‏

 وتزامناً مع تصعيد وتيرة قصف المناطق السكنية وإطلاق الصواريخ البعيدة المدى، لجأت أميركا إلى التدخل المباشر في الحرب، إذ توجهت حاملات الطائرات الأميركية والإنجليزية والروسية باتجاه الخليج الفارسي للتواجد على مقربة من مسرح العمليات.‏

 وكانت أميركا تعتقد بأنّ الخيار الوحيد المتبقي هو تدويل الحرب ودفع البلدان الأخرى للتدخل المباشر. ولهذا لجأت إلى ما عُرف فيما بعد بحرب الناقلات، وكانت مهمة القوات الأجنبية الموجودة في مياه الخليج الفارسي، تتلخص في منع تصدير النفط الإيراني وتوقيف السفن التجارية وتفتيشها، ومن ثم الحول دون وصول السلع الأساسية إلى الجمهورية الإسلامية. وخلال هذه الأحداث، تعرّضت العديد من السفن التجارية وحاملات النفط الإيراني إلى القصف الصاروخي والحملات الجوية الأميركية. كما أضرمت القوات الأميركية النيران في العديد من آبار النفط الإيرانية ومنصاتها في مياه الخليج الفارسي. وفي آخر ممارساتها العدوانية أقدمت الحكومة الأميركية على ارتكاب جريمة يندى لها جبين الإنسانية، إذ قامت حاملة الطائرات الأميركية “وينسن” في تموز عام 1988 م بإطلاق صاروخين باتجاه طائرة مدنية إيرانية كانت تحمل على متنها 290 راكباً من النساء والأطفال والرجال، وإسقاطها في مياه الخليج الفارسي وقتل جميع ركابها.‏

 ومن الحوادث المؤلمة التي شهدتها هذه المرحلة، المذبحة التي ارتكبها أفراد النظام السعودي بحق الإيرانيين من حجاج بيت الله الحرام. ففي يوم الجمعة، السادس من ذي الحجة 1407 للهجرة (2/8/1987 م)، وفيما كان أكثر من مئة وخمسين ألف حاج يسيرون في شوارع مكة للمشاركة في مراسم البراءة من المشركين، هجم عليهم فجأة من كل حدب وصوب أفراد الشرطة السعودية بلباسهم العسكري والمدني، بعد أن تم إغلاق جميع المنافذ، هجموا عليهم بمختلف أنواع الأسلحة، وأمعنوا في قتلهم وجرحهم وضربهم والانتقام منهم، وقد استُشهد في هذه الواقعة ما يقارب 400 حاج من الحجاج الإيرانيين واللبنانيين والفلسطينيين والباكستانيين والعراقيين وحجاج بقية البلدان، والذي قدّر بأكثر من خمسة آلاف حاج، كما أُلقي القبض على العديد من الأبرياء.‏

 إنّ حشود القوات الغربية في الخليج الفارسي، وما شهدته الشهور الأخيرة من حرب الثماني سنوات، لم يأتِ اعتباطاً، إنما جاء في وقت أظهرت القوات الإسلامية تفوّقها التام، مما أجبر العدو على الانسحاب إلى ما وراء الحدود في معظم المناطق التي كان يحتلهما من قبل، وبعد أن شارفت الحرب على اجتثاث جذور الفتنة من المنطقة. وكاد سقوط صدام على أيدي القوات الإسلامية أن يعلن للعالم هزيمة قوى عالمية عديدة في مواجهتها للثورة الإسلامية. ولهذا تركّزت مساعي أميركا ومجلس الأمن – خلافاً لما كان عليه موقفهما في السابق – في سدّ الطريق أمام تقدّم المقاتلين الإيرانيين، والحول دون سقوط صدام.‏

 وجاء بيان الإمام الخميني، الذي عُرف ببيان قبول القرار 598 (20 تموز 1988 م) ليجسّد حكمة الإمام وقيادته الفذة بأبهى صورة. إذ تطرّق إلى نتائج الحرب المفروضة وأبعادها بصراحة ووضوح، وحدّد الخطوط العامة لمستقبل النظام والثورة الإسلامية في مختلف المجالات، بما فيها المواجهة مع القوى الكبرى والتمسك بأهداف الثورة وتطلعاتها.‏

 وهكذا تنتهي حرب الثماني سنوات دون أن يظفر مشعلو فتيلها في تحقيق أي واحد من أهدافهم. ومرة أخرى يبرهن الشعب الإيراني النبيل في ظل قيادة الإمام الحكيمة، على حقّانيّته وسلامة مسيرته، وأن يجعل أمنية تجزئة إيران الإسلامية وهزيمتها حسرة في قلوب أعدائها.‏

 إنّ أخطر جرائم صدام وأعظم خياناته مع البلدان التي تتستّر برداء العروبة والإسلام، التي شجّعته على العدوان وقدّمت له مختلف أنواع الدعم والمساعدة، فضلاً عن هدر الطاقات العظيمة الإنسانية والاقتصادية لكلا البلدين، هو أنه بشنّه لهذه الحرب المقيتة تنفيذاً لأوامر أسياده، قد قضى على الجهود التي بُذلت على طريق توحيد الأمة الإسلامية، وتحقق ثورة الإسلام العالمية، إذ كانت الظروف قد تهيّأت تماماً لتحقيقها بعد سقوط الشاه.‏

 وما أن استتبّ السلام نسبياً، أصدر الإمام الخميني بياناً في 3/10/1988 م من تسعة بنود، حدّد فيها لمسئولي الجمهورية الإسلامية النهج الذي ينبغي إتباعه في مسيرة إعادة بناء البلاد وإعمارها. وتكفي القراءة المتأنية لهذه البنود لاستشفاف عمق نظر الإمام وأصالة القيم التي يؤمن بها.‏

 ومن المواقف المهمة الأخرى التي صدرت عن الإمام الخميني (قده) في الأشهر الأخيرة من عمره المبارك، والتي تستحق التأمل، الرسالة التي بعث بها سماحته إلى “غورباتشوف”، آخر رؤساء الإتحاد السوفياتي السابق. ففي هذه الرسالة التي بعث بها في 1/1/1989 م أشار الإمام، ضمن تحليله للتحولات التي شهدها الإتحاد السوفياتي، إلى عجز النظام الماركسي الإلحادي عن إدارة المجتمع، وأعلن بأنّ مشكلة الإتحاد السوفياتي الأساسية تكمن في عدم إيمان قادته بالله؛ وحذّرهم من الانقياد إلى النظام الرأسمالي الغربي، وأن لا تخدعهم أميركا.‏

 وفي جانب آخر من الرسالة، وضمن تطرّقه إلى المسائل الفلسفية والعرفانية العميقة، وإشارته إلى فشل الشيوعيين في سياساتهم المعادية للدين، طلب الإمام الخميني (قده) من السيد “غورباتشوف” أن يؤمن بالله وبالدين بدلاً من عقد الآمال على التوجهات المادية للغرب.‏

 ومن الحوادث المهمة والمؤلمة التي شهدتها الشهور الأخيرة من عمر الإمام، طباعة ونشر كتاب “الآيات الشيطانية” من قِبل إحدى دُور النشر الغربية. وإذا ما نظرنا إلى حقيقة التأييد الغربي الرسمي لمؤلف هذا الكتاب – سلمان رشدي – ندرك أنّ هذا الدعم مثّل بداية فصل جديد من الهجوم الثقافي الغربي ضد القيم والمقدسات الإسلامية، إذ إنّ الكتاب استهدف الطعن بالأصول الإسلامية، والإساءة إلى المقدّسات، التي كان التحمس للذود عنها سبباً في توحد نهج الحركات الإسلامية التي ظهرت في العقود الأخيرة وانسجام أهدافها وتطلعاتها.‏

 أصدر الإمام الخميني (قده) بتاريخ 14/2/1989 م بياناً، انطلاقاً من الحقائق المسلّمة بها، وعلى ضوء المعتقدات الإسلامية التي تحظى بتأييد مذاهب المسلمين، واستلهاماً من فتاوى علماء الإسلام الكبار التي تحتفظ بها الكتب الفقهية للفرق الإسلامية، أكد فيه ارتداد سلمان رشدي والحكم عليه، وعلى ناشري الكتاب المطّلعين على محتواه، بالقتل.‏

 ومع صدور حكم الإمام، وقف المسلمون، بشتى مذاهبهم ولغاتهم وقومياتهم، بصفوف مرصوصة في مواجهة الهجوم الغربي، الذي أعدّ له مسبّقاً.‏

 وقد أظهرت هذه الحادثة للعيان، تماسك المجتمع الإسلامي ووحدة الأمة الإسلامية تجاه الأخطار التي تهدّدها، وأوضحت بأنّ المسلمين – رغم اختلافاتهم الداخلية – متى ما توفرت لهم القيادة الحقيقية بإمكانهم – بوصفهم طليعة حركة الإحياء الديني – أن يضطلعوا بدور مصيري في رسم مستقبل العالم.‏

 كما استطاع الإمام الخميني (قده) في السنوات التي أعقبت انتصار الثورة الإسلامية، رغم المؤامرات المتلاحقة لأعداء الإسلام، وفي مقدّمتهم أميركا، التي استهدفت إسقاط الحكومة الإسلامية في إيران، وفرضت حرب الثماني سنوات على الشعب الإيراني المسلم، استطاع الإمام، عبر توجيهاته وقراراته، بتشكيل المؤسسات الثورية والمراكز الحيوية، وإعادة تنظيم التشكيلات الموروثة عن النظام السابق، أن يمهّد الأرضية لخدمات واسعة وقيّمة للشعب الإيراني.‏

 إنّ تشكيل مؤسسات من قبيل مؤسسة “جهاد البناء” و”لجنة الإمام الخميني للإغاثة” و”مؤسسة 15 خرداد” و”مؤسسة الإسكان” و”مؤسسة شهداء الثورة الإسلامية” و”مؤسسة المستضعفين” و”نهضة محو الأمية” و.. التي شملت بخدماتها أقصى نقاط إيران وأكثر القرى والأرياف المحرومة، هي من جملة الإنجازات التي تحققت في حياة الإمام الخميني (قده).‏

 كما أنّ تشكيل كلٍّ من “لجان الثورة الإسلامية” و”قوات حرس الثورة الإسلامية”، وإعادة تنظيم “جيش الجمهورية الإسلامية في إيران”، ودور هذه الكيانات في المحافظة على الأمن، وردّ عدوان النظام البعثي، وإحباط مؤامرات الأعداء، تعدّ من الإنجازات المثيرة والباهرة للثورة الإسلامية.‏

 ومن جملة الأمور التي تحققت بتأكيد سماحة الإمام ومتابعته لها شخصياً، التحول الذي شهدته الحوزات العلمية، وإعادة النظر في مناهج المدارس والجامعات، وإقامة دورات جامعية جديدة بمستويات مختلفة، وإنشاء الجامعات ومراكز التعليم العالي في المناطق المحرومة، وتوسيع مدى بث مؤسسة الإذاعة والتلفزيون إلى أقصى نقطة في البلاد، وتقديم خدمات الاتصالات إلى أبناء هذه المناطق.. علماً أنّ تشكيل المجلس الأعلى للثورة الثقافية وتولّيه مسؤولية الإشراف على برامج الدورات الجامعية وتدوين المناهج الدراسية للجامعات، وإعداد الأساتذة الجامعيين، وتنظيم القبول في الجامعات، هي من جملة الخطوات التي تمّت المباشرة بها منذ أوائل انتصار الثورة الإسلامية.‏

 وبعد عشرة أعوام من تجربة نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، بعث سماحة الإمام الخميني (قده) بتاريخ 24/4/1989 م رسالة إلى رئيس الجمهورية وقتئذ (سماحة آية الله الخامنئي) أوكل فيهما إلى لجنة من أصحاب الرأي والخبراء مسؤولية دراسة وتدوين التعديلات اللازمة في الدستور على أساس محاور حدّدها في الرسالة، وذلك بدافع إصلاح وتكميل تشكيلات النظام الإسلامي.‏

 إنّ مثل هذا القرار ونظائره يشير بوضوح إلى أي حدّ كان هاجس ترسيخ وتقوية أركان الحكومة الإسلامية يشغل فكر الإمام (قده)، وكيف أنه كان ينتهز كل فرصة ليمهّد الأرضية ويعبّد الطريق أمام تطبيق الأحكام الإسلامية على أحسن وجه.‏

  الرحيــل‏

رغم أنّ الإمام الخميني (قده) كان قد شارف على التسعين من عمره الشريف، إلاّ أنه لم يتوانَ لحظة عن السعي على طريق رقيّ المجتمع الإسلامي، وكان يعتبر أحد أكثر الزعماء السياسيين نشاطاً في العالم. فإضافة إلى اطّلاعه اليومي على أهم أخبار وتقارير الصحافة الرسمية، وقراءة عشرات الملفات الخبرية الخاصة، والاستماع إلى أخبار الراديو والتلفزيون الإيراني، كان يحرص على الاستماع للإذاعات الأجنبية أيضاً.‏

 كان سماحة الإمام يؤمن بشدة بالبرمجة والنظام والانضباط في الحياة، فقد كانت لديه ساعات معيّنة من الليل والنهار يتفرغ فيها للعبادة والتهجد وتلاوة القرآن. كما أنّ رياضة المشي، وفي ذاته ذكر الله والتأمل والتدبّر، كانت جزءاً من برنامجه اليومي.‏

 كذلك كان سماحته حريصاً على اللقاء بطبقات الشعب، لاسيما الطبقات المحرومة والمستضعفة، فحتى الأسابيع الأخيرة من عمره المبارك كان لديه كل أسبوع لقاء مع عوائل الشهداء؛ ولم تؤثر نشاطاته اليومية المكثفة، ولا حضوره المستمر اجتماعات مسئولي النظام الإسلامي، دون ذلك.‏

 ومع أنّ الإمام الخميني (قده) كان يعاني من مرض القلب، وكان قد مكث فترة في مستشفى القلب بطهران عام 1979 م، إلاّ أنّ سبب رحيله من هذه الدنيا الفانية كان مرض جهازه الهضمي، إذ أُجريت له عملية جراحية بناءاً على نصائح الأطباء. وبعد عشرة أيام من معالجته في المستشفى، ودّع الإمام (قده) هذه الدنيا الفانية في الساعة العاشرة وعشرين دقيقة من مساء يوم السبت الثالث من حزيران عام 1989م، وفي اليوم التالي نُقل جثمانه الطاهر إلى مصلّى طهران الكبير لتسنى للشعب الإيراني، المنجب للشهداء، إلقاء النظرة الأخيرة على قائده الكبير.‏

 وشيّعت الملايين من النساء والرجال والشيوخ والشباب من مختلف أنحاء إيران، الجثمان الطاهر للقائد العظيم، بمشاعر من الحزن والألم التي لا توصف.

 وكان الحضور المليوني في هذه المراسم بدرجة أثار حيرة ودهشة وكالات الأنباء الغربية التي قدّر بعضها عدد المشيّعين بأكثر من سبعة عشر مليون شخص. وُوري جسده الطاهر الثرى بالقرب من “جنة الزهراء”، مقبرة شهداء الثورة الإسلامية.‏

 أعلنت الجمهورية الإسلامية في إيران الحداد العام أربعين يوماً في رثاء قائدها، وأينما كنت تنظر تشاهد السواد ومواكب العزاء التي كان ينظمها المفجوعون برحيل المدافع عن القيم الإسلامية. وفيما بعد أضحى المرقد المقدّس لهذا العزيز مزاراً لكل المسلمين والأحرار ودعاة الاستقلال والحرية في شتى بقاع الأرض.‏

 الإمام الخامنئي واستمرار المسيرة‏

لم يشهد التاريخ الإسلامي السياسي المعاصر حدثاً فريداً وبارزاً كحدث فريداً وبارزاً كحدث انتصار الثورة الإسلامية المباركة بقيادة الإمام الراحل الخميني العظيم، حيث استطاع قلب المعادلات وتغيير أحد أهم وأبرز الأنظمة السياسية التي تحمل لواء العداء للإسلام وقوانينه. وكان في طليعة نتائج هذه الثورة أنها قدّمت للعالم نموذجاً رائعاً، كما قدّمت له أطروحة قانونية فريدة لم يعرف لهما العالم من قبل مثيلاً.‏

 هذه الأطروحة تجسّدت في إعادة بعث الروح من جديد للنظرية الإسلامية في مجال الحكومة والولاية – التي هي معتقدنا – إكمالاً للدين وإتماماً للنعمة الإلهية الكبرى على البشرية.‏

 ولا يختلف اثنان في أنّ إعادة طرح الإمام الخميني العظيم لشكل النظام السياسي الإسلامي، من خلال طرحه لنظرية ولاية الفقيه، قد لعب دوراً مهماً وبارزاً في إغناء الفكر السياسي، وتذكير الأمة بالدور الكبير للفقيه والحاكم والولي، وقيادة الأمة في عصر الغَيبة.‏

 هذا وقد جاء تشكيل الإمام (قده) للدولة الإسلامية في إيران بعد فترة طويلة من غياب الإسلام عن مسرح الأحداث السياسية في العالم، مما أكسب هذه الدولة بالمبادئ والأفكار والأسس التي قامت عليها لوناً خاصاً المستوى الإسلامي العام، باعتبار أنها قد حققت الحلم الذي طالما انتظرناه، وأشعلت النور الذي طالما أملناه.‏

 وفي ظل غياب الإمام ورحيله إلى الرفيق الأعلى، ظهر نور مشرق بالأمل، أضاء على الأمة كلها. وكان بمثابة عزاء للأمة في مصابها، ولا زال ذلك هو الرمز المنير سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي (دام ظلّه)، قائد الأمة وولي لأمرها، وخليفة للإمام الراحل، فالرجل الذي اختاره كبار علماء الأمة لهذه المهمة الصعبة، وهذا الحمل الثقيل، هو امتداد حقيقي للإمام الراحل (قده)، لشخصية الإمام، ولفكر الإمام، ولخطه الأصيل؛ الأمر الذي حمل السكينة والطمأنينة تجاه مستقبل الثورة الإسلامية المباركة. فالإمام الخامنئي (دام ظلّه) هو ابن الإمام البارّ، وتلميذه، وأحد أقرب أصحابه إليه، ولعل ثلاثين عاماً من العلاقة المتينة كافية لتجعل آية الله الخامنئي بضعةً للإمام الخميني (قده)، حيث ستبقى الثورة تستلهم فكر الإمام وخطاه، وسيبقى فكر الإمام هو فكر الثورة، وخطه خطها.‏

 وكما قال سماحة السيد القائد في أول بيان له بُعيد انتخابه:‏

“إنّ أية حادثة وأية غاية لن تتمكن من فصل فكر الإمام وتعاليمه عنا، لأنها جزء من وجودنا، وأنا في مسؤوليتي الخطيرة الجديدة ألتزم وأتعهد بتطبيق تلك التعاليم الإلهية بحذافيرها”.‏

 شهادة الإمام بالسيد القائد‏

على أثر عروج روح الإمام الخميني (قده) إلى بارئها، استدعي في نفس الليلة “مجلس الخبراء” من المدن الإيرانية كافة، وفي صباح اليوم التالي (الأحد 4 حزيران 1989 م) عُقد اجتماع كبير ضم أبرز قادة البلاد ومسئوليها، تلا فيه السيد الخامنئي (دام ظلّه) وصية الإمام (قده). وفي عصر اليوم نفسه، عُقد اجتماع آخر، اقتصر على أعضاء “مجلس الخبراء”، وجرى فيه النقاش حول انتخاب القائد أو القيادة الجديدة.

 ولم يكن هناك اتفاق سابق معيّن بشأن شكلها أو مصاديقها، لأنّ بعض الأحاديث الجانبية التي سبقت انعقاد الاجتماع كانت تدور حول انتخاب مجلس قيادي (منهم السيد الخامنئي “دام ظلّه”). وفي مقابل ذلك، برز تيار آخر يطالب بجعل القيادة فردية.‏

 وبعد الانتهاء من المناقشات في “مجلس الخبراء” تم التصويت بالأكثرية لصالح القيادة الفردية، فتحوّل النقاش بعد ذلك إلى إيجاد المصداق الحقيقي للقيادة الفردية، فكانت الأنظار تتجه إلى السيد الخامنئي (دام ظلّه) الذي كان يرفض تحمّل هذه المسؤولية العظمى. وبعد إصرار الجميع عليه، فضلاً عن الكثير من العوامل الأخرى، رضخ سماحته لهذا الترشيح واضطلع بالمسؤولية الكبرى، ولا شك بأنّ إصرار الجميع كان مبنياً على أساس الشهادات والكلمات التي صدرت من الإمام الراحل (قده)، ومن جملة هذه الشهادات:‏

 أولاً: حين عُزِل الشيخ منتظري من منصبه كقائد مستقبلي، التقى الشيخ رفسنجاني الإمام بشكل خاص، وضمن حديثه قال الشيخ رفسنجاني للإمام: “إنّ عَزْلكم الشيخ المنتظري سيجعلنا مستقبلاً في مواجهة طريق مسدود”.‏

فأشار الإمام (قده) إلى عدم وجود هذا الطريق، حين قال: “أليس لديكم السيد الخامنئي؟!”.‏

 ثانياً: خلال سفر السيد الخامنئي (دام ظلّه) إلى كوريا الشمالية، كان الإمام – وبحضور ابنه السيد أحمد وآية الله الأردبيلي – يشاهد على شاشة التلفاز وقائع سفره وحواره مع المسئولين الكوريين، فقال السيد أحمد للإمام: “أنظروا كيف يُحسن الجواب” – يقصد السيد الخامنئي (دام ظلّه)!‏

فقال الإمام: “إنه جدير بالقيادة”.‏

 ثالثاً: في اجتماع مع الإمام الخميني (قده)، قبل أشهر من عروج روحه الطاهرة، ضم رؤساء السلطات الثلاث السابقين (السيد الخامنئي (دام ظلّه)، والسيد الأردبيلي والشيخ رفسنجاني)، ورئيس الوزراء السابق حسين الموسوي والسيد أحمد (نجل الإمام)، جرى الحديث حول الفراغ القيادي الذي سيحدث بعد الإمام، وما ينص عليه الدستور بهذا الشأن، فقال: “لن يحدث فراغ قيادي، إنّ لديكم مَن يسدّه”. فقيل له: “مَن هو؟”، فأشار الإمام إلى سماحة الخامنئي (دام ظلّه) قائلاً: “هذا السيد الخامنئي”.‏

 رابعاً: قول السيد أحمد الخميني بأنّ الإمام صرّح عدة مرات بأنّ السيد الخامنئي (دام ظلّه) مجتهد مطلق.‏

 أما المواصفات التي يتمتع بها السيد الخامنئي (دام ظلّه) واعتمد الخبراء عليها فهي:‏

أولاً: المواصفات الشرعية المثبتة، التي طرحها ويطرحها فقهاء الإسلام بشأن القيادة وشروطها‏.

 فهذه نجد أنها تتوافر دون استثناء في سماحة السيد القائد، حيث ثبتت كفاءته وقدراته القيادية عملياً طيلة السنوات العشر التي أعقبت انتصار الثورة الإسلامية. كما يشهد على عدالته وتقواه جميع أهل الحل والربط، وغيرهم من الفقهاء، فضلاً عن المقبولية التي يتمتع بها عند الأمة.‏

 أما اجتهاده ومرجعيته، فمسلَّم بهما لدى أهل الخبرة والتخصص، وقد حظي السيد الخامنئي (دام ظلّه) بشهادة أكثر من مرجع ومجتهد، نذكر منها:‏

 1- شهد الإمام الخميني (قده) – أستاذه – باجتهاده أكثر من مرة، وقد أكد ذلك السيد أحمد الخميني في رسالة البيعة التي أرسلها للسيد الخامنئي (دام ظلّه) بقوله: “إنّ سماحة الإمام قال باجتهادكم المطلق عدة مرات”.‏

 

2- شهد آية الله الحائري (أستاذه الذي توفي عام 1985 م) باجتهاده أمام العديد من الطلبة.‏

 3- مجلس الخبراء (الذي انتخب السيد الخامنئي “دام ظلّه”) المؤلف من 74 مجتهداً، بينهم ما لا يقلّ عن خمسة عشر من كبار الأساتذة في البحث الخارج مثل:‏

– آية الله مشكيني والشيخ اللنكراني والشيخ جواد آملي.‏

– السيد الروحاني والشيخ المظاهري والشيخ الأميني.‏

– السيد الأردبيلي والشيخ الآذري القمّي والشيخ الصانعي.‏

– السيد الطاهري والشيخ الخزعلي.‏

فشهادة هؤلاء – فضلاً عن باقي أعضاء المجلس – تعتبر أكثر من بيّنة على اجتهاد سماحة السيد الخامنئي (دام ظلّه).‏

 4- كما أنّ كتب التأييد التي أرسلها المراجع الكبار في إيران (آية الله الكلبايكاني، المرعشي النجفي، العراقي والآملي)، إضافة إلى الشيخ المنتظري والشيخ المشكيني، إلى السيد الخامنئي (دام ظلّه)، هي الأخرى تكفي للتثبّت من صحة انتخاب السيد الخامنئي (دام ظلّه) بمبانيها الشرعية وشرائطها.‏

 إذاً، إنّ توافر جميع المقوّمات الشرعية لانتخاب السيد الخامنئي (دام ظلّه) لولاية الأمر، تجعل قيادته كقيادة الإمام الخميني (دام ظلّه) تماماً في أسسها وحدودها وإطلاقها، وطبيعة أوامرها ونواهيها الولائية.‏

 ثانياً: المواصفات القانونية المدونة في دستور الجمهورية الإسلامية‏

والذي ينص في الفصل الثامن منه على القيادة: شرائطها، وانتخابها، صلاحياتها وواجباتها، وقد رُوعيت هذه المواصفات في انتخاب السيد القائد. ومما جاء في الدستور في المادة الخامسة (بعد التعديل):‏

“في زمن الغَيبة، غَيبة الإمام المهدي (عج)، تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل، المتّقي، البصير بأمور العصر، الشجاع، القادر على الإدارة والتدبير. وذلك وفقاً للمادة السابعة بعد المئة”.‏

 وبناءًً على توفر هذه المواصفات في شخصية السيد القائد (دام ظلّه) فإنه، وبعد انتخابه قائداً للأمة الإسلامية، أصبح يمتلك الصلاحيات والواجبات التي ينص عليها دستور الجمهورية الإسلامية. وجاء في المادة 110 من الدستور المعدّل أنّ واجبات القائد وصلاحياته هي:‏

1- تعيين السياسات العامة لنظام جمهورية إيران الإسلامية، بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام.‏

2- الإشراف على حُسن إجراء السياسات العامة للنظام.‏

3- إصدار الأمر بالإستفتاء العام.‏

4- القيادة العامة للقوات المسلحة.‏

5- إعلان الحرب والسلم والنفير العام.‏

6- نصب وعزل وقبول استقالة كلٌ من:‏

أ) فقهاء مجلس صيانة الدستور.‏

ب) أعلى مسؤول في السلطة القضائية.‏

ج) رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفاز في الجمهورية الإسلامية المباركة.‏

د) رئيس أركان القيادة المشتركة (للجيش).‏

هـ) القائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية.‏

و) القيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي.‏

7- حل الخلافات، وتنظيم العلاقات بين السلطات الثلاث.‏

8- حل مشكلات النظام التي لا يمكن حلّها بالطرق العادية، من خلال مجمع تشخيص مصلحة النظام.‏

9-  إمضاء حكم تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من الشعب.‏

10- عزل رئيس الجمهورية، مع ملاحظة مصالح البلد، وذلك بعد صدور حكم المحكمة العليا بتخلّفه عن وظائفه القانونية، أو بعد رأي مجلس الشورى الإسلامي بعدم كفاءته السياسية على أساس المادة التاسعة والثلاثين.‏

11- العفو أو التخفيف من عقوبات المحكوم عليهم في إطار الموازين الإسلامية بعد اقتراح رئيس السلطة القضائية.‏

 وهذه الصلاحيات والواجبات للقائد كانت ولا تزال على ما هي عليه بعد تعديل دستور الجمهورية الإسلامية، لذا فهي وفق نظرية ولاية الفقيه التي طرحها الإمام الخميني تكاد تكون ثابتة، وثبات هذه الصلاحيات وممارستها من قِبل الإمام الخامنئي (قده) تعني أنّ ولايته كولاية الإمام الخميني (قده) تماماً، ومن دون تجزئة.‏

 ثالثاً: المواصفات الشخصية‏

فضلاً عن المواصفات الشرعية والدستورية، فإنّ سماحة السيد الخامنئي (دام ظلّه) يتميز بمواصفات شخصية لا تجتمع في غيره، منها:‏

1- خبرته التنفيذية الطويلة، حيث كان على رأس السلطة التنفيذية خلال ثماني سنوات، وكان خلال تسع سنوات إماماً لصلاة الجمعة في “طهران” (المعيَّن من قِبل الإمام الراحل)، وكان رئيساً لمجلس الثورة الثقافية، ورئيساً لمؤتمر أئمة الجمعة والجماعات، والنائب الأول لرئيس “مجلس الخبراء” و”مجلس إعادة النظر في الدستور”. وقبل ذلك كان عضواً في مجلس قيادة الثورة، الذي شكّله الإمام قبل الإنتصار في عام 1979 م، وضم أبرز قادة الثورة، ولوجوده في كل هذه المواقع الدينية والسياسية دلالات عميقة على المستويات العملية والسياسية والإجتماعية العالية التي يتمتع بها.‏

2- سوابقه الجهادية، التي تعود إلى سنوات تتلمذه على يد الإمام الخميني (قده)، إبتداءاً من عام 1958 م.‏

3- يحظى سماحته باحترام بالغ ومقبولية عامة، على مختلف المستويات عند الشعب والجهاز الحكومي والحوزات العلمية ومرجعياتها الدينية وأجهزتها والفقهاء وأئمة المدن. وهذا الأمر بالغ الأهمية إذا ما عرفنا بأنّ جهاز المرجعية الدينية هو صاحب التأثير الأول في البلاد.‏

 الإمام الخامنئي(دام ظلّه) ولياً لأمر المسلمين لا للإيرانيين فقط‏

تعتبر تجربة الحكم الإسلامي وشكله المتّبع في نظام الجمهورية الإسلامية من الظواهر التي لم يعهدها المسلمون منذ عصر الأئمة (عليهم السلام)، باعتبار أنه نظام يقوم على أساس أن يكون الحاكم فيه ومصدر السلطة الأولى هو الولي الفقيه، الذي هو في نفس الوقت ولياً للأمة الإسلامية كلها لا ولياً للأمر في الدولة التي يقوم نظامها على أساس الإسلام فقط. ومن هنا، نشأ سؤال أو اعتراض لدى البعض مفاده أنه: ما هي علاقة الإمام الخميني الراحل أو السيد القائد بسائر المسلمين؟ وهل أنّ المساحة الجغرافية للقيادة تتعدّى حدود إيران وتشمل غير الإيرانيين، أم أنها تقتصر على إيران فقط؟‏

 والإجابة عن هذا السؤال تتفاوت بتفاوت المباني الفكرية والشرعية لأصحابها، إضافة إلى طبيعة الموقف من الجمهورية الإسلامية ونظامها القائم. ولكن من خلال إدراكنا وفهمنا لما حصل من بيعة عامة للسيد الخامنئي من قِبل الأمة ومراجعها ندرك أبعاد ومساحة ولايته العامة.‏

 فقد بُويع السيد الخامنئي (دام ظلّه) من الأمة من خلال انتخاب “مجلس الخبراء” له، وهو المجلس الذي عيّنته الأمة مباشرة، وارتضت قراراته.‏

 ثم توالت عليه رسائل البيعة وبياناتها، بصفته ولياً لأمر المسلمين المطلق الذي تجب طاعته على الجميع. وبايعه مراجع الدين الكبار، عبر الرسائل التي بعثوا بها إلى سماحته، كالرسالة التي بعثها شيخ الفقهاء والمجتهدين آية الله العظمى الشيخ محمد علي الآراكي، وسماحة آية الله العظمى السيد محمد رضا الموسوي الكلبيكاني، وسماحة آية الله العظمى الشيخ هاشم الآملي وسماحة آية الله العظمى السيد شهاب الدين المرعشي النجفي (قدّس الله أسرارهم جميعاً). كما بايعته الجامعة الكبرى في “قم” من خلال مؤسستيها الكبيرتين (مجلس إدارة الحوزة، وجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية). وكذلك الحوزات والتجمعات العلمية في “مشهد” و”أصفهان” و”طهران” وغيرها.. ومنها “جماعة علماء طهران”.‏

 وأما خارج إيران، فقد بايعه المسلمون الواعون في فلسطين ولبنان والعراق وباكستان وأفغانستان والهند، بتجمعاتهم الشعبية وحركاتهم السياسية وشخصياتهم البارزة، إضافة إلى الشخصيات الأخرى من مختلف دول العالم.‏

   الآثار والمؤلفات‏

ترك الإمام الخميني (قده) بعد رحيله عشرات الكتب والمصنفات القيّمة في البحوث الأخلاقية والعرفانية والفقهية والأصولية والفلسفية والسياسية والاجتماعية، وإنّ العديد منها لم يرَ النور حتى الآن. ومما يؤسَف له أنّ عدداً من رسائل الإمام ومؤلفاته النفيسة فُقِدت أثناء تنقلاته من منزل مستأجر إلى آخر وخلال مداهمات أزلام “السافاك” المتكررة لمنزله ومكتبته الشخصية.‏

 وفيما يلي فهرس بعناوين مؤلفات الإمام الخميني (قده) وتصانيفه، نوردها طبقاً لتاريخ تأليفها، علماً أنّ أي واحد من هذه المصنّفات بحاجة إلى شرح مسهب للتعريف به:‏

شرح دعاء السحر.‏

شرح حديث رأس الجالوت.‏

حاشية الإمام على شرح حديث رأس الجالوت.‏

الحاشية على شرح الفوائد الرضوية.‏

شرح حديث جنود العقل والجهل.‏

مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية.‏

الحاشية على شرح فصوص الحكم.‏

الحاشية على مصباح الأنس.‏

شرح الأربعين حديثاً.‏

سر الصلاة (صلاة العارفين ومعراج السالكين).‏

آداب الصلاة.‏

رسالة لقاء الله.‏

الحاشية على الأسفار.‏

كشف الأسرار.‏

أنوار الهداية في التعليقة على الكفاءة (جزءان).‏

بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر.‏

رسالة الاستصحاب.‏

رسالة في التعادل والتراجيح.‏

رسالة الاجتهاد والتقليد.‏

مناهج الوصول إلى علم الأصول (جزءان).‏

رسالة في الطلب والإرادة.‏

رسالة في التقية.‏

رسالة في قاعدة مَن مَلَك.‏

رسالة في تعيين الفجر في الليالي المقمرة.‏

كتاب الطهارة (أربعة أجزاء).‏

تعليقة على العروة الوثقى.‏

المكاسب المحرّمة (جزءان).‏

تعليقة على وسيلة النجاة.‏

رسالة نجاة العباد.‏

الحاشية على رسالة الإرث.‏

تقريرات درس الأصول لآية الله العظمى البروجردي.‏

تحرير الوسيلة (جزءان).‏

كتاب البيع (خمسة أجزاء).‏

الحكومة الإسلامية أو ولاية الفقيه.‏

كتاب الخلل في الصلاة.‏

الجهاد الأكبر أو جهاد النفس.‏

تقريرات دروس الإمام الخميني (قده).‏

توضيح المسائل (رسالة عملية).‏

تفسير سورة الحمد.‏

الاستفتاءات.‏

ديوان الشعر.‏

الرسائل العرفانية.‏

الوصية السياسية الإلهية.‏

هذا ويضم أرشيف مؤسسة “تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني (قده)” في الوقت الحاضر:‏

1126- خطاباً.‏

470- حكماً.‏

367- رسالة موجهة إلى شخصيات سياسية ودينية أجنبية.‏

420- رسالة موجهة إلى شخصيات إيرانية.‏

350- بياناً (وسوف ترى النور بالتدريج في مجموعة كاملة تحمل عنوان “الكوثر”).‏

وتعدّ المجموعة المؤلفة من 22 جزءاً التي حملت عنوان “صحيفة النور”، مضافاً إليها كتاب “مفتاح الصحيفة”، وهو بمثابة فهرس لأجزاء الصحيفة الإثنتين والعشرين، أشمل مجموعة صدرت حتى الآن ضمت أحاديث سماحة الإمام الخميني (قده) وبياناته وأحكامه ورسائله.

Powered by Vivvo CMS v4.7