مركز الامام الصادق (عليه السلام) للدراسات والبحوث الإسلامية التخصّصية يؤبن سماحة آية الله الشيخ محمد آصف محسني(رضوان الله عليه)
بسمه تعالى
(الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ)
ببالغ الحزن والأسى تلقينا خبر وفاة سماحة آية الله الشيخ محمد آصف محسني(رضوان الله عليه)، حيث قبض في هذه السنة أكثر من عالم من علمائنا العاملين، وفي هذه المناسبة الأليمة نود أن نذكّر ببعض الأمور عبر نقاط :
اولا :إن فقد العلماء في الأحاديث النبوية الشريفة وأحاديث أهل البيت عليهم السلام ، حدث عظيم
فعن النبي الأكرم (صلى الله عليه واله): (ما قبض الله عالماً، إلا كان ثغرة في الإسلام لا تسد)، وفي رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة، لا يسدها شيء إلى يوم القيامة)
وهذا تعبير عظيم عن مكانة العالم في الفكر الإسلامي ، فإن دينا يرفع مقام العلماء إلى مستوى انه يثلم من خلال فقدهم لهو دين جليل ، بالتالي يُطرح التساؤل :
أين نحن من العلم ؟
وأين نحن من العلماء ؟
ثانيا: ان العالم الراحل ( رضوان الله عليه) تميّز بمشروع تصحيحي كبير نتناوله من خلال هذه المحاور
المحور الأول : تنقية وتصحيح التراث ، لاشك ان الدارسين للتراث يعرفون جيدا مسألة الوضع في التراث الإسلامي والشيعي خصوصا ، وقد حملت كتب التراث ذلك ، لذا وقف علماء الشيعة منذ القدم وقفة حازمة تجاه التيارات التي تضع الحديث من جهة ، والتي ترى التراث كله صحيحا من جهة أخرى .
ومن هنا وقف الشيخ آصف محسني (رضوان الله عليه) على هذه المشاكل جيدا، ولم يكتف بالتأوه فقط ولعن الظلام كما يفعل البعض تجاه التراث ، بل شمّر عن ساعديه، وكتب كتبا تعتبر رائدة في هذا المجال من أهمها مشرعة البحار ، وهكذا كتابه القيم في علم الرجال والحديث، وقد قدم مقدمة في كتابه مشرعة البحار عبر عن هذه القضية خير تعبير قائلا :(والمأسوف عليه ان أمر التأليف والتبليغ في جملة من الموارد وقع بيد أفراد لا يستحقونهما، وإنما هم ينتسبون بهما : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّـهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَ وَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)، و آل الأمر من جراء هذه المآساة إلى تشكيل ثقافة محرفة في المعارف والاخلاق بل في الفروع الاعتقادية، فرسخت في أذهان العوام و متوسطي أهل العلم بحيث سلبت جرءة الاصلاح عن جمع من الخواص خوفا من ثورة العوام الذين انحرفوا بدورهم من سيطرة الخواص المتوسطين عليهم وعدم اهتمام الحوزات العلمية والمسؤلين الدينيين بتهذیب الروايات وتحرير المعارف الاسلامية الشاملة .
وهذا هو خطر عظيم للدين واهله ، فانا لله وإنا إليه راجعون )
المحور الثاني :المحور العقائدي والفكري ، حيث كتب في هذا المجال موسوعة مهمة وهي موسوعة صراط الحق ، وقد عالج فيها القضايا العقائدية والفكرية معالجة علمية وناقش الآراء المختلفة ووقف على كل مسألة وقفة علمية بالدليل تارة وبالنقد تارة أخرى ، وفرع فروعا عقائدية مهمة وبحث قضايا مختلفة وبين الرأي الصحيح فيها لأنه كان يرى أن مشكلات التراث دخلت إلى العقائد، فلابد من البحث الكلامي العقلي والنقلي الرصين ، وأيضا أعاد لنا سيرة علمائنا الكبار الذين اهتموا في التراث من حيث علم الحديث و علم الكلام ، كالشيخ الطوسي، والسيد المرتضى، والشيخ المفيد قدس الله أسرارهم
المحور الثالث :محور الحركة الإسلامية والوقوف على قضايا الأمة حيث رجع إلى بلاده عالما عاملا لم يكتف فقط بالتنظير، بل وقف وقفة عملية تجاه الاتحاد السوفيتي وأيضا الاحتلال الأمريكي ، وأمام الحركات التكفيرية التي دمرت بلاده أفغانستان، وبقي عاملا مجاهدا رغم كبر سنة ، ضاربا المثل الأعلى في قضية العالم العامل.
أقول : وإننا إذ نؤبن الفقيد الراحل ، إنما نريد للأمة أن تنفتح على هذه التجارب، و تنهل الحوزات وطلبة العلوم الدينية وغيرها من نمير علم هذا العالم العامل .
نعزي بقية الله في الأرض الإمام المهدي عليه السلام ، ومراجع الدين العظام والأمة الإسلامية وذوي الفقيد وعارفي حقه بهذا المصاب، ونسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته وأن يحشره مع أوليائه الصالحين
انه سميع مجيب.
مركز الإمام الصادق عليه السلام
4 ذو الحجة 1440
6 تموز 2019
النجف الاشرف