الفرح الواعي في ذكرى يوم الغدير

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1971
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الفرح الواعي في ذكرى يوم الغدير

بقلم : الشيخ ميثم الفريجي  

بسمه تعالى

(قُلْ بِفَضْلِ اللَّـهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) يونس : 58

وفي الرواية عن ابن عباس قال: (بفضل الله و برحمته) ، بفضل الله النبي (صلى الله عليه واله) ، و برحمته علي (عليه السلام)

‏وعن الإمام الباقر (عليه السلام): فضل الله رسول الله (صلى الله عليه واله) ، و رحمته علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

‏أقول : فكما أن النبي (صلى الله عليه واله) نعمة أنعم الله بها علی العالمين بما جاء به من‌ الرسالة و مواد الهداية، فكذلك علي أمير المؤمنين هو أول فاتح لباب الولاية، و نعمة الهداية، فهو الرحمة العظمى على أهل الدنيا.

ولا شك أن يوم الغدير الأغر ، يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، هو من أوضح مصاديق الفرح بفضل الله ورحمته، لانه جمع بين النبي ووصيه ؛ بين فضل الله ورحمته ، فأتم الله النعمة بآية التبليغ والإيصاء بعلي وصيا وخليفة لرسول الله من بعده، ومن هنا أستحق أن يكون عيدا للمسلمين بل أعظم أعيادهم 

ومن هنا فتح النبي (صلى الله عليه واله) للمسلمين من أصحابه فرصة للتعبير عن فرحهم وسرورهم في ذلك الحدث العظيم، فاخذوا يباركون لعلي (عليه السلام) بأمرة المؤمنين، وكان أول المباركين أبو بكر وعمر  بن الخطاب قائلين : (بخٍ بخٍ  لك يا علي أصبحت مولانا ومولى كل مؤمن ومؤمنة)

وأنشد شاعرهم مرتجلا 

يناديهم يوم الغدير نبيهم              بخم وأسمع بالرسول مناديا

فقال: فمن مولاكم ونبيكم؟           فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

 إلهك مولانا وأنت نبينا           ولم تلق منا في الولاية عاصيا

فقال له: قم يا علي؟ فإنني          رضيتك من بعدي إماما وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه              فكونوا له أتباع صدق مواليا

هناك دعا اللهم؟ وال وليه              وكن للذي عادا عليا معاديا.

 

ولكي يتم الفرح ويكون واعيا علينا أن نحقّق مايلي :

1/ الاخلاص لله ولرسوله ولأمير المؤمنين وأولاده المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين بهذا الفرح، وكل ما سواهم طريق محض اليهم، فلا نخلط بهم غيرهم، ولا نساويهم بما عداهم 

2/ نجدّد البيعة لله ولرسوله ولأمير المؤمنين بالكون على الطاعة والموالاة والاستعداد للتضحية قولا وفعلا .

وبحسب ما نفهمه من القواعد الشرعية فإن صاحب البيعة في يومنا هذا هو الامام المهدي الموعود المنتظر ، فإنه وان كان غائبا ظاهرا ، إلا انه بين أوليائه حاضرا دائما، فيأخذ بيعتهم بمقدار اخلاصهم واستعدادهم للتضحية لقضيته قضية الاسلام الكبرى التي هي إمتداد ليوم الغدير الأغر 

3/ الابتعاد عن الفرح المذموم الذي يفرغ الحدث عن أهميته وحقيقته، فلا يعد الا يوما من أيام الدنيا التي يفرح فيها الانسان وينتهي كل شيء بشروق شمس يوم جديد، وهذا ما يريده أعداء الإسلام ومذهب الحق .

لذا ندعو المؤمنين كافة أن يكون فرحهم وسرورهم ممزوجا بوعي وفكر  كما نظّر له رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأقام مراسمه بيوم قائظ حيث جمع المسلمين كافة ورفع يد علي (عليه السلام) حتى بان إبطيهما كما في الرواية، ونصب له مكانا لتتم له البيعة، وهكذا سار الائمة المعصومون (عليهم السلام) من بعده ببث الوعي والفكر بين اصحابهم لتخليد هذا اليوم والفرح والسرور فيه بوعي وتدبّر 

ولعلك تسأل كيف يكون الفرح راجحا وواعيا ؟ 

فنقول : يتم ذلك 

 • عندما نلفت أنظار العالم الى أهمية يوم الغدير وما حدث فيه حيث رسم رسول الله(صلى الله عليه وآله) مستقبل الأمة وحدّد لها القيادة المعصومة الصالحة من بعده فأبعد عنها الزيغ والخطأ لولا الانحراف الحاصل بعد وفاته (صلى الله عليه وآله)

 • وعندما ننصر رسول الله (صلى الله عليه واله) وانه لم يترك أمته سدا، لتعم الفوضى بينهم، فيتنازعوا على منصب القيادة من بعده وتذهب ريحهم ،كما يحلو لغيرنا أن يصور ذلك،  بل انه (صلى الله عليه واله) لم يخرج من الدنيا حتى نصب خليفة من بعده ، بعد أن أعدّه اعدادا كاملا لهذه المهمة الخطرة ، وليطمئن بذلك على مستقبل رسالته وأمته ، وهذا هو تدبير السماء بتعاليم الوحي 

 • وعندما نرفع المظلومية عن علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، حينما سلب منه الحق الشرعي ، وهو يقول :( أَمَا وَالله لَقَدْ تَقَمَّصَها فُلانٌ، وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّيَ مِنهَا مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحَا، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ، وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ، فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً، وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً، وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَد جَذَّاءَ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَة عَمْيَاءَ، يَهْرَمُ فيهَا الكَبيرُ، وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ. [ترجيح الصبر] فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى، فَصَبَرتُ وَفي الْعَيْنِ قَذىً، وَفي الحَلْقِ شَجاً، أرى تُرَاثي نَهْباً...

 

) ، فنثبت له الحق المضيّع من مئات السنين.

 • وعندما نمهّد بوعي وحكمة للظهور الميمون لامامنا المهدي عليه السلام حينما يرتفع مستوى الوعي ويدرك الناس حقيقة ما ضيّع من ولاية اهل البيت (عليهم السلام) ، فينصف يوم الغدير وترفع رايته .

 • وعندما نفهم أن الولاية الحقة تتطلب نصرة واستعداد للتضحية ووعي وفكر، فلم يترك أئمة اهل البيت (عليهم السلام) الامة هكذا من دون راع وولي يدير شؤونهم ، ويبصرهم بحقائق التشريع، ويأخذ بايديهم الى تطبيق الشريعة السمحاء، فنصّبوا - في الغيبة الكبرى لإمام الحق -  العلماء والفقهاء العاملين ممّن حاز مرتبة الاجتهاد، ووعى كلام التشريع من القرآن الكريم والسنة المباركة 

ولعمري ان طاعة العلماء ومتابعتهم والاخذ بحجزتهم لهو النجاة في الدنيا والاخرة وبه يحفظ يوم الغدير ويرجع الحق من جديد الى أهله وحماته.

وبهذا ندخل السرور على قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، و وصيه الحق أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما يكون فرحنا ليوم الغدير ممزوجا بالوعي والفكر والحكمة ، و (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ، و ( خِتامُهُ مِسْكٌ وَ فِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ)

والحمد لله رب العالمين

ميثم الفريجي 

17 ذو الحجة 1440

النجف الاشرف

Powered by Vivvo CMS v4.7