السيد أبو الحسن الأصفهاني

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1411
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
السيد أبو الحسن الأصفهاني

السيد أبو الحسن الأصفهاني

 آية اللّه العظمى السيد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني (قدس سره)

 مولده ونشأته:

ولـد في قرية من قرى مدينة فلاورجان التابعة لاصفهان في سنة 1277 أو 1284 هـ، وتربى وتـرعـرع في ظل والده السيد محمد الذي كان من العلماء الافاضل، أما جده فهو السيد عبد الحميد الذي كان من طلاب آية اللّه الشيخ محمد حسن النجفى (صاحب الجواهر).

 ينتهي نسب العائلة بواسطة اثنين وثلاثين عقبا إلى الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام.

 دراسته وأساتذته:

1- عندما بلغ سن الرابعة عشرة من عمره ذهب إلى مدينة أصفهان لغرض الدراسة.

وأكمل فيها مرحلة السطوح عند أساتذتها المشهورين من أمثال: السيد مهدي النحوي والسيد محمد باقر الدرجئي والاخوند الكاشي.

 2- درس المراحل الأولية من البحث الخارج عند آية اللّه الجهار سوقى وآية اللّه أبو المعالي، الكلباسي.

 3- أنجز المراحل العليا من دروس البحث الخارج عند آية اللّه محمد باقر الدرجئي، والحكيم الكبير جهانكير خان، والاخوند الكاشي، وذلك في حوزة مدينة اصفهان.

 3- في عام 1307 هـ هـاجـر إلى النجف الاشرف لحضور دروس آية اللّه حبيب اللّه الرشتي (صاحب بدائع الأصول) والاخوند الخراساني (صاحب كفاية الأصول) وآية اللّه محمد كاظم اليزدي (صاحب العروة الوثقى).

 مرجعيته:

بعد وفاة الاخوند الخراساني انتقلت مرجعية الشيعة إلى آية اللّه الميرزا محمد تقي الشيرازي، وكـان الميرزا يرجع في احتياطاته الفقهية إلى فتاوى السيد ابي الحسن الأصفهاني، وبعد وفاة الميرزا (عام 1338 هـ)، ورحلة آية اللّه شيخ الشريعة (عام 1339 هـ)، وارتحال آية اللّه الشيخ احمد كاشف الغطاء (عام 1344 هـ)، تساوت مرجعية السيد أبي الحسن الاصفهاني مع مـرجـعـية آية اللّه الميرزا النائيني في الشهرة، وبعد وفاة آية اللّه الشيخ عبد الكريم الحائري في مـديـنـة قـم الـمقدسة، ووفاة آية اللّه الميرزا النائيني في النجف الاشرف، برزت زعامة السيد ابي الحسن في اغلب البلاد الإسلامية بلا منازع.

 وكشاهد على أعلميته إليكم ما قاله المرحوم الشيخ محمد رضا الجرقوئي: لقد أدركت اغلب علماء النجف الاشرف وقم المقدسة وأصفهان، فوجدت افقههم السيد أبا الحسن الاصفهاني، فقد كان عارفا أكثر من غيره من العلماء في فروع الفقه.

 طلابه:

كان يحضر دروس السيد الأصفهاني كثير من العلماء الذين حازوا على درجة الاجتهاد، وذلك بسبب العلم الغزير الذي تحويه دروسه ومباحثاته ولضيق المجال نذكر بعضا منهم، وهم:

1- آية اللّه السيد محسن الحكيم.

2- آية اللّه الشيخ عبد النبي الاراكي.

3- آية اللّه الميرزا محمد تقي الاملي.

4- آية اللّه الشيخ محمد تقي البروجردي.

5- آية اللّه الشيخ محمد حسين الخياباني.

6- آية اللّه مير السيد علي اليثربي الكاشاني.

7- آية اللّه السيد حسين الخادمي.

8- آية اللّه السيد ابو الحسن الشمس آبادي.

9- آية اللّه السيد محمد هادي الميلاني.

10- آية اللّه الشيخ محمد تقي بهجت.

 سيرته وأخلاقه:

ورث السيد أبو الحسن الاصفهاني كل الصفات الحميدة ومكارم الأخلاق عن أجداده الطاهرين، وفي كل مقطع من مقاطع حياته الشريفة نجده متحليا بالآداب الإسلامية.

 فهو كما قال الشاعر:

لقد ظهرت فما تخفى على احد      الا على اكمه لم يبصر القمرا

 ويمكن ان نلخص صفاته بما ياتي:

 1- صبره و تحمله:

ينقل لنا آية اللّه السيد مصطفى الخميني نجل الامام الخميني (رحمهما اللّه) حول صبر السيد الأصفهاني وتـحـمـلـه فـيـقول: ما رأيت أحداً أكثر صبرا من السيد ابي الحسن، ففي يوم من أيام الصراع مع الانجليز كان السيد يؤدي صلاة الجماعة التي كان يحضرها آلاف المؤمنين، وفي اثناء الصلاة صاح احد الحاضرين بصوت عال: لقد قتل السيد حسن ابن السيد الأصفهاني، فتشتتت صفوف المصلين على اثر هذا الخبر، لكن السيد ظل مشغولا بصلاته.

 وبـعد ان انتهى من الصلاة ادار براسه الشريف نحو المصلين واذا به يرى ابنه مقتولا شهيدا على يد احد الاشرار، فلم يتكلم بشي سوى انه قال: لا اله الا اللّه ثلاث مرات.

 و لم تخرج من عينيه ولا دمعة واحدة.

 والأشد مـن ذلـك هو عفوه عن القاتل، وبهذا كان مصداقا للاية الشريفة (وان تعفوا اقرب للتقوى).

 2- حلمه:

نقل صاحب كتاب (بندهائي از رفتار علماء اسلام) هذه الحادثة عن لسان احد طلبة العلوم الدينية:

فـي يوم من الايام كنت جالسا قريبا من باب تل الزينبية -احد أبواب الحرم المطهر للإمام الحسين (ع) فـي مدينة كربلاء المقدسة-، وكان يقف إلى جانبي رجل، فلما خرج آية اللّه الأصفهاني من تلك الـبـاب مـتـجـها نحو منزله، قال هذا الرجل بصوت منخفض: سأذهب واشتم هذا السيد، و ذهب بـاتجاهه واخذ يسبه ويشتمه، وبعد مدة من الزمن عاد ودموعه تجري على خديه، فقلت له: ماذا جرى ؟ لماذا تبكي؟ فقال: ذهبت لأشتم السيد وبقيت على ذلك حتى وصلت باب داره، فقال لي: قف هنا وانتظر، فدخل إلى الدار ثم عاد بسرعة، وأعطاني مبلغا من المال وقال لي: أي وقت تكون فيه مـحـتـاجـا إلى شيء تعال إلى هنا وسأعطيك ما يسد حاجتك، ولا داعي لمراجعة جهات أخرى غـيـري، لعلهم لا يستطيعون مساعدتك، وأنا على استعداد لسماع السب والشتم منك، ولكن أرجو منك أن لا تشتم عرضي وشرفي.

 فقال هذا الرجل: لقد تأثرت تأثراً كبيرا بكلام السيد وأخذتني الرعشة، وسرعان ما أجهشت بالبكاء من شدة حلم هذا الرجل العظيم.

 3- توظيفه للأموال لإشاعة المحبة: يروى عن السيد الأصفهاني انه قام بإرسال ممثل عنه لغرض التبليغ والإرشاد في إحدى قرى شمال العراق، وعـنـدمـا وصـل هذا المندوب إلى تلك القرية، اعترضه رئيس القبيلة ومنعه من أداء وظيفته، مما اضطر المبلغ إلى الذهاب إلى مركز الشرطة القريب من تلك القرية، لحل هذه المشكلة.

 فقال له مدير المركز: إن الحل الوحيد لهذه المشكلة هو أن تعود إلى النجف الاشرف وتبلغ آية اللّه الأصفهاني أن يتصل بوزير الداخلية، لكي يعطينا الوزير بدوره الأوامر للوقوف بوجه رئيس القبيلة، فعاد ممثل السيد أبي الحسن إلى النجف الاشرف وأبلغه بما جرى فقال له السيد، لا بأس سأكتب رسالة إلى رئيس القبيلة مع مبلغ خمسمئة دينار.

 فاخذ ممثل السيد الرسالة مع المبلغ وذهب بها إلى شيخ العشيرة، فلما استلمها وفتحها ووجد فيها المبلغ المذكور دخل السرور والفرح على قلبه وصافح حامل الرسالة ورحب به اشد الترحيب، وأشار لأفراده بحضور مجلسه والصلاة خلفه.

 ومنذ هـذه الحادثة أصبحت هذه العشيرة ورئيسها من أنصار السيد ومحبيه، ثم بعد ذلك عاد المندوب إلى النجف الاشرف ونقل للسيد النتائج الايجابية التي ترتبت على اثر الرسالة فقال السيد ابو الحسن: هذه الطريقة أفضل من أن نتصل بوزير الداخلية لحل المشكلة، ولعل اتصالنا به يخلق لنا مشاكل نحن في غنى عنها.

 4- محافظته على سمعة الآخرين:

نـقـل عـنـه السيد حسين المظاهري هذه القصة فقال: كان السيد إذا أعطى وكالة شرعية لأحد الأشخاص، وتبين بعد فترة من الزمن بان ذلك الشخص غير جدير بتلك الوكالة، لم يسحب منه تلك الوكالة، وكان كثير من الـمـقربين يقولون له: اسحب منه تلك الوكالة فيرد عليهم السيد قائلا: قبل ان امنحه وكالتي، كان هذا الشخص يمتلك منزلة لدى الناس، وعندما منحته الوكالة ازدادت منزلته لديهم، ولكن عندما ابطل وكالته يكون قد فقد كل تلك المنزلة تماما، وليس لديّ الاستعداد لان إسهامهم في إراقة ماء وجه احد وفقدانه لاعتباره بين أوساط الناس.

 ومن مميزاته الأخرى الاهتمام بأمور الطلاب والسماحة، والفطنة، والحب العميق للأصدقاء، والعفو عند المقدرة.

 مواقفه السياسية:

يمكن اجمالها بما يلي:

1- عندما ثار رشيد عالى الكيلاني رئيس وزراء العراق في العهد الملكي سنة 1941 م مع مجموعة من الضباط الأحرار، دخلت القوات البريطانية إلى العراق بـحجة حفظ قواعدها العسكرية، وعلى اثر ذلك فشلت تلك الحركة وفرّ رشيد عالي إلى إيران، وعـاد عـبـد الإله ونوري السعيد إلى العراق بعد لجوئهما إلى الأردن، وذلك تحت حماية القوات البريطانية، وفي عام 1341 هـ تم إجراء الانتخابات الدستوريه للملك فيصل الثاني بشكل صوري ومزيّف مما دفع بمجموعة من علماء الدين الشيعة إلى تحريم تلك الانتخابات، كان من ضمنهم آية اللّه الـسـيـد أبو الحسن الأصفهاني وآية اللّه الخالصي وآية اللّه النائيني، فقامت السلطة على اثر ذلك بإبعادهم إلى إيران، وقد اصدر الأصفهاني بيانا حول إبعاده من العراق جاء فيه (من الوجبات الدينية عـلـى جـمـيـع الـمـسلمين هي الدفاع عن الإسلام والبلاد الإسلامية، وبالخصوص العراق بلد الـمـقـدسات، بلد الأئمة الأطهار عليهم السلام، ضد تسلط قوات الأجانب) و بعد مرور سنة على إبعاد تـلك المجموعة من العلماء، وبسبب ضغط الجماهير ومطالبتها، أعادت الحكومة النظر بهذا الموضوع، وتم إرجاع السيد الأصفهاني وباقي العلماء إلى العراق.

 2- تاييده لعلماء الدين في إيران الذين رفضوا إجراءات نظام رضا خان، ومن ضمنهم آية اللّه حسين القمي الذي أبعده الشاه إلى العراق، وعند وصوله إلى كربلاء المقدسة أرسل السيد الأصفهاني ممثلا عـنه للقاء آية اللّه القمي، وإبلاغه تأييد السيد الاصفهاني لمواقفه الجهادية، ضد رضا خان وإجراءاته القمعية ضد الدين وعلمائه.

 3- بعد الاستنكارات الشديدة التي قام بها المرحوم آية اللّه نور اللّه النجفي مع ثلاث مئة من علماء و طلاب حوزة اصفهان ضد النزوات الشخصية لرضا خان.

 هـاجر آية اللّه نور اللّه النجفي إلى قم المقدسة مع مجموعة من العلماء وذلك في عام 1346 هـ و لـغرض مواصلة الرفضى والاستنكار في أنحاء إيران كافه، أرسل آية اللّه النجفي رسائل بريدية -لعدم قدرته على إرسال البرقيات بسبب الرقابة- دعا فيها علماء إيران للهجرة إلى قم المقدسة، وتم إخبار السيد ابي الحسن بمجريات الأحداث فقام السيد الاصفهاني بالتنسيق مع علماء الدين في إيران، حـول كـيفية النهوض بوجه نظام رضا خان، وأرسل برقية مطولة إلى العلماء تحدث فيها عن كيفية التصرف إزاء الإحداث، نقتطف منها: (والخلاصة: لقد تأثرت تأثراً شديداً حتى كأني أحس بان قلبي يـقطر دما على ما جرى، ولو كان لدينا حل لإصلاح بعض الأمور، بحيث يؤدي هذا الحل إلى رفع جـميع المفاسد، ولا يؤدي إلى إيجاد الخراب والدمار والاضطراب في البلاد فنحن في مثل هذه الحالة على اتم الاستعداد للتضحية والفداء).

 لقاؤه مع السفير البريطاني:

في أيام العهد الملكي جاء نوري السعيد رئيس الوزراء العراقي آنذاك برفقة السفير البريطاني إلى النجف الاشرف لزيارة السيد ابي الحسن الاصفهاني، وخلال اللقاء قام السفير البريطاني بتقديم صك للسيد بمبلغ مئة ألف دينار عراقي، بعنوان نذر من الحكومة البريطانية بمناسبة انتصارهم عسكريا على جيش ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وادعى السفير بان الحكومة تريد أن يصل هذا المبلغ إلى عـلماء الدين، فاستلم السيد المبلغ وأضاف له صكا آخر بمبلغ مئة ألف دينار، فأصبح المجموع مئتي ألف ديـنار، وقال للسفير: إن أكثر الضحايا في حربكم مع الألمان كانوا من المسلمين الهنود الذين استخدمتموهم في الحرب ضد ألمانيا، ونتيجة لهذا العمل أصبح لدينا آلاف من العوائل بدون معيل، وشـعـوراً مـنـي بـواجـبـي تجاه قضايا المسلمين فاني أضع هذا المبلغ كله لمساعدة تلك العوائل المفجوعة بفقد معيلها.

 فخرج المندوب البريطاني مع نوري السعيد من عند السيد ثم بعد فترة وجيزة عاد نوري السعيد إلى الـسيد وانحنى له إجلالاً واحتراماً، واخذ يقبله وقال: روحي فداك يا سيدي، لم ارَ عظيما مثلك.

 أما المندوب البريطاني فقد اخذ يتحدث هنا وهناك في المناسبات عن ذكاء وفطنة هذا السيد الجليل وحنكته في إدارة الأمور.

 أمينتان يتمنى تحقيقهما:

يقول السيد الاصفهاني: لدي امنيتان عزيزتان، وعلى الدوام فكري مشغول بهما واتمنى ان تتحققا.

 أولهما: شراء المساكن و قطع الأراضي المحيطة بحرم الإمامين علي الهادي والحسن العسكري عـليهما السلام في سامراء، وإسكان الشيعة فيها، وثانيهما: أن اسمع ذكر الشهادة الثالثة فئ الأذان من منارة المسجد الحرام.

 وبـهـذه الـمناسبة جدير بنا أن نذكر دعوة الملك ابن سعود له لزيارة مكة المكرمة، فقبل دعوته بـشـرط أن يـقوم بتعمير وإعادة بناء قبور الأئمة عليهم السلام في البقيع، فلم يستجب الملك لهذا الشرط.

 مؤلفاته:

هى:

1- وسـيلة النجاة: وهي رسالة عملية في العبادات والمعاملات، مترجمة إلى اللغة الفارسية والاوردية، وكتب عليها العلماء حواش كثيرة (مطبوعة في جزأين).

2- حاشية على العروة الوثقى.

3- شرح كفاية الاصول.

4- انيس المقلدين.

5- حاشية على تبصرة العلامة.

6- حاشية على نجاة العباد لاية اللّه العظمى الشيخ صاحب الجواهر.

7- ذخيرة الصالحين (رسالة عملية).

8- ذخيرة العباد.

9- وسيلة النجاة الصغرى (مختصر لوسيلة النجاة).

10- منتخب الرسائل.

11- مناسك الحج.

 هذا بالإضافة إلى تقريرات بحوثه في الفقه والأصول.

 وفاته:

انـتقل إلى رحمته تعالى في الكاظمية المقدسة بتاريخ 9 / ذي الحجة / 1365 هـ، ثم نقل جثمانه الـطـاهـر إلى الـنـجـف الاشـرف وشـيـع تشييعا كبيرا، ثم تمّ دفنه في الصحن المطهر للإمام أمير الـمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وقال في تأبينه آية اللّه الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء: (هنيئا لك يا ابا الحسن عشت سعيدا ومتّ حميدا، قد أنسيت الماضين وأتعبت الباقين، كانك قد ولدت مرتين…)

 نسأله تعالى أن يحشره مع أجداده الطيبين الطاهرين… آمين.

Powered by Vivvo CMS v4.7