حكمة تشريع الاضحية والعقيقة

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1434
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
حكمة تشريع الاضحية والعقيقة

بقلم الشيخ ميثم الفريجي

 

بعض الناس يستعلم عن العلة والسبب من تشريع الاضحية ، والعقيقة حيث تذبح هذه الحيوانات عن الانسان الحي والميت ؟

 

وفي مقام الجواب نقول: ممّا لا شكَّ فيه أنّ الأحكام الشرعية الصادرة من الله تعالى تقف خلفها مصالح ومفاسد عُبِّر عنها باصطلاح العلماء بـ(الملاكات) أي تلك العلل التي يشرِّع الله تعالى الأحكام على طبقها.

فمثلاً: صلاة الفريضة لمَّا كان خلفها مصلحة شديدة تنفع المكلفين شرَّع الله تعالى الوجوب وصفاً لها ، وكانت واجبة بنص القرآن الكريم ، والروايات الشريفة : 

قال تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) العنكبوت: 45.

وبعكسها الأفعال المحرمة كقتل النفس المحترمة ، فلأجل ما فيه من المفاسد حرَّمه الله تعالى ونهى عنه 

 قال تعالى: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) المائدة: 32

وهكذا المستحبات ، والمكروهات لكن بدرجة أقل من المصالح ، والمفاسد تناسب تشريعها .

حيث قال العلماء (إن لكل واحدٍ من الأحكام التكليفية الخمسة مبادئ تتفق مع طبيعته ، فمبادئ الوجوب هي الإرادة الشديدة ومن ورائها المصلحة البالغة درجة عالية تأبى عن الترخيص في المخالفة ، ومبادئ الحرمة هي المبغوضية الشديدة ، ومن ورائها المفسدة البالغة إلى الدرجة نفسها.

والاستحباب والكراهة يتولدان من مبادئ من نفس النوع، ولكنّها أضعف درجة بنحو يسمح المولى بترك المستحب وبارتكاب المكروه....).

وهذا هو مسلك العدلية (الإمامية والمعتزلة) في بيان ملاكات ، وعلل التشريع على اعتبار انَّ الله تعالى لا تنفعه طاعة المطيع ولا تضره معصية العاص، وإنَّما شرَّع الأحكام لصالح البشر فمن أطاع فقد فاز ومن عصى فقد هلك، وهذا نابع من مقتضى عدله ولطفه بخلقه.

وعلّةُ التشريع لا يعلمها إلاّ المشرِّع سبحانه وتعالى ، ومن علَّمه إياها من نبي أو إمام ، نعم ، بمقدار ما يُذكر كعلة وملاك في الأدلة الشرعية (القرآن الكريم والسنة المطهرة) يمكن الاعتماد عليه، وفي غير ذلك يمكن ابراز حكمة التشريع التي يمكن أن تتخلَّف في بعض الموارد بخلاف العلة فإنها ملازمة للحكم ولا يمكن تخلّفها.

ومن هنا أردنا بيان حكمة تشريع العقيقة والأضحية بالاستفادة من روايات أهل البيت (عليهم السلام) التي تنطق عن الله تعالى.

قال تعالى: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) النجم: 3 - 4

ويكون ذلك من خلال نقاط:

أولاً: انهما (الأضحية والعقيقة) في نفسهما عبادة مستحبة توجب الأجر والثواب حال تطبيقها، وتقع في مقام الشكر على النعمة، قال تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ . وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) إبراهيم: 7

ثانياً: المستفاد من تشريع العقيقة انّها تذبح كفداء عن المولود الجديد ولدفع البلاء والمكروه عنه في حياته كما قيل: (العقيقة الذبيحة التي تذبح عن المولود).

بل يمكن تعميم هذه الحكمة لتشمل الأضحية عن الانسان الحي ، قال تعالى: (وفديناه بذبح عظيم) الصافات: 107، أي جعلنا ذبحاً عظيماً للتضحية به بدلاً عن إسماعيل (عليه السلام) ودفعنا به المكروه عنه.

ولعلّ هذا المعنى قد سرى إلى أبناء العرف، فتراهم يسارعون إلى ذبح حيوان دفعاً للبلاء والمكروه في كل ما يمر بهم من صعاب ومشاكل وأخطار، وهو حسنٌ في حد نفسه.

ثالثاً: يفتح الله تعالى بهما (الأضحية والعقيقة) باباً إلى مغفرته ورضوانه، فقد روى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: ما علة الأضحية؟ فقال: أنّه يغفر لصاحبها عند أول قطرة تقطر من دمها على الأرض..).

رابعاً: حتى يميّز الله تعالى بين خلقه ، ويعلم من يتقيه بالغيب منهم .

فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): (وليعلم الله عزّ وجل من يتقيه بالغيب)، قال الله عز وجل: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلكنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ۚ)الحج: 37، ثم قال: (انظر كيف قبل الله قربان هابيل وردّ قربان قابيل) المائدة: 27

خامساً: أثرها العظيم في الجانب الاجتماعي والتكافلي بين المسلمين، فتشتد أواصر العلاقة بين الناس وتتعمّق حين يُدفع بلحم العقيقة أو الأضحية إلى الفقراء والمحتاجين وتسد به حاجتهم، بل والأرحام والجيران صلة لهم.

فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه واله)انّه قال: ( إنّما جعل الله هذا الأضحى لتشبع مساكينكم من اللحم فأطعموهم ) 

 

 

بقلم ميثم الفريجي

Powered by Vivvo CMS v4.7