التأسي والاقتداء في ميدان العمل الرسالي

بواسطة |   |   عدد القراءات : 954
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
التأسي والاقتداء في ميدان العمل الرسالي

بقلم فضيلة الشيخ ميثم الفريجي

يحتاج الإنسان، وبمُختلف مستوياته - عدا المعصوم (عليه السلام) - إلى إنموذجٍ وقائد يتأسى به في حياته في مجال عمل الخير والتضحية في سبيل الله، والتمسك على المبادئ، والمثل الحقَّة، وغيرها، وهذه المسألة رُبما تدخل في ضمن مفردات البناء، والإعداد للشخصية الرسالية التي أولاها الإسلام رعاية خاصة، لكي تكون هذه النماذج موضع اقتداء في التربية، والسلوك، والإنقياد، والعمل.

ومن هنا فإن الله تبارك وتعالى يدعونا للتأسي بالنبي الأكرم (صلى الله عليه واله) 

قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)الاحزاب: 21، وكذا الأمر في نبي الله إبراهيم (عليه السلام)، قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ)الممتحنة: 4.

كما تجسَّدت القدوة الصالحة في الأئمة المعصومين (عليهم السلام) ،والنخبة المؤمنة، والصفوة الطيبة من أصحابهم، والتابعين بعد النبي (صلى الله عليه واله)، وإنَّ هذه المفردة (القدوة الحسنة) هي موضع حاجة في كل زمان ومكان، وفي مختلف العلوم والفنون والآداب، بل في مجمل فعاليات الحياة، ولا تقتصر على العمل الرسالي والديني فحسب.

ولا بدَّ للأمة من شخصيَّات تستهدي بهديها، وتلجأ إليها في المهمات والملمَّات، ولو بشكلٍ نسبي يكونونَ بسلوكهم سراجا للأخرين، ومناراً للسائرين، وهولاء يمثِّلون دائما الطليعة والنخبة العملية التي يُقتدى بها كما أنّهم يُجسِّدون إنموذج البناء الصحيح لشخصية المسلم الرسالي.

والتأسي بمعنى إتخاذ القدوة، والمثل الأعلى في الحياة ليسير الإنسان وفقاً لتلك القدوة هو مسلك عقلائي جرت سيرتهم عليه في كل الفنون والعلوم والمحافل، بل هو يجري مجرى الفطرة، وقد جُبِلَ الناس عليه منذ الصغر، فنرى الصبي يتابع والده في أقواله وأفعاله منصِّبا أيَّاه قدوة له لما يعتقده من كمال فيه. 

فالتأسي والإقتداء ليس مسلكاً عقلائياً فحسب، وإنَّما دوافنه وأصوله تجري على الفطرة، ولذلك يوصي علماءُ الإجتماع، ومن قبلهم الدينُ الحنيف الآباءَ بأن يكون سلوكهم منتظماً؛ لان الجاذبية التي يعكسونها بإتجاه أولادهم، تجعل الولد يسلك سلوك أبيه حتى لو كَذِبَ الأب أو تصرَّف تصرّفا سيِّئاً، فهذا التصرف ينتقل إلى الإبن؛ لأن التأسي والإقتداء يكون على الفطرة كما ذكرنا. 

بل أكثر من ذلك، فليس صف الحق من لديه الأسوة والقدوة فقط، وإنَّما صف الباطل لديه ذلك، ولكي لا تختلط الأوراق على الناس ويسيرون خلف القدوة الفاسدة أراد الله تبارك وتعالى أن يجعل للإنسان قدوة وأسوة ومثلا أعلى في حياته يهتدي بهداه، ويقتفي أثره، ويتأسى بأفعاله واقواله، ولا بد أن يكون حائزاً على أعلى درجات الكمال تتناسب مع كمال الشريعة وعطاءها ليصحَّ ان يكون ممثلا لها ومثلا أعلى وقدوة وأسوة للناس، ومَنْ مثل رسول الله (صلى الله عليه واله) قد حاز مراتب الكمال والسمو والرفعة حتى خاطبته السماء: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)القلم: 4، وقال تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)(كالنجم: 3 - 4 .

فكان بحق هو الأسوة والمثل الأعلى لعموم المسلمين، بل لعموم الإنسانية، بل لعموم عوالمها، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء:107.

ومن هنا حريٌّ بنا نحن الأتباع الذين نعتنا أنفسنا بالمسلمين أن نتأسى بتلك الشخصية العظيمة، والروح الكريمة التي تعالت عن كل الجراحات والآلام، وبذلت الغالي والنفيس لأعلاء كلمة الله تبارك وتعالى، ولم تخشَ في الله لومة لائم، ولم تستوحش الطريق لقلة ناصريه، ولم تتقاعس في أداء الواجب، وتحلَّت بأعلى مراتب العبادة وحسن الخلق ، وحازت أبرز مقوِّمات القيادة، فكانت الشخصيَّة الأولى في هذا الكون، بل الأكوان والتي تستحق أن تجلس على عرش الأسوة، والمثل الأعلى بلا منازع، ولا قرين.

 

Powered by Vivvo CMS v4.7