المسؤولية الشرعية تجاه الشباب الحقوق والواجبات

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1800
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
المسؤولية الشرعية تجاه الشباب الحقوق والواجبات

بقلم الشيخ ميثم الفريجي

مرحلة الشباب من أهم المراحل التي يعيشها الإنسان في هذه الحياة الدنيا لما فيها من مميزات وقوى أنعم الله بها على الانسان، منها: الحيوية والنشاط، والصحة والعافية، والشجاعة والفطرة السليمة، وقوة الإرادة وسعة الطموح، والعواطف الجياشة والغرائز المتدفقة، والحماس والاندفاع، والصفاء والنقاء

ومن هنا كان الشباب هم عماد الأمة ومستقبلها الواعد، لذا أولى الدين الإسلامي المبارك الأهمية القصوى بفئة الشباب، واحاطها بتوصيات كثيرة، لاحتضانهم وخلق الاجواء والمشاريع المناسبة لهم ليعبروا عن وجودهم واهميتهم ويستفرغوا طاقاتهم، ويكفي أنَّهم وصية رسول الله (صلى الله عليه واله) حيث قال: (أوصيكم بالشبان خيراً فإنّهم أرقّ أفئدة، وإنّ الله بعثني بشيراً ونذيراً فحالفني الشبان، وخالفني الشيوخ، ثم قرأ: (فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) الحديد: 16

ومن وصية لأمير المؤمنين (عليه السلام) قال (إذا احتجت الى المشورة في امر قد طرأ عليك فاستبدهِ ببداية الشبان فانهم احدُّ اذهاناً وأسرع حدساً، ثم ردّه بعد ذلك الى رأي الكهول والشيوخ ليستعقبوه، ويحسنوا الاختيار له فان تجربتهم أكثر)

 

وأوصى الإمام الصادق (عليه السلام) بالمبادرة بتعليم الشباب أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) قبل أن تُملأ ساحة فطرتهم وسلامة سريرتهم بما لا يلوث فطرتهم ويبعدهم عن الله تعالى، إذ يقول: (بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة)، ومن ذلك قول أمير المؤمنين (عليه السلام): (وإنما قلب الحَدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته)

وقد ركز الأئمة (عليهم السلام) على هذه الخصلة في فئة الشباب أعني سلامة فطرتهم وسريرتهم، فقد سأل الإمام الصادق (عليه السلام) تلميذه محمد بن النعمان المعروف بمؤمن الطاق، وكان مهتماً بنشر تعاليم الإسلام ومعـارف أهـل البيت عليهم السلام: (كيف رأيت مسارعة الناس في هذا الأمر ودخولهم فيه؟ فقال: والله إنّهم لقليل، ولقد فعلوا، وإنَّ ذلك لقليل، فقال (عليه السلام): (عليك بالأحداث فإنهم أسرع إلى كل خير)

 

 المسؤولية تضامنية

مبدأ المسؤولية ينطلق من قول النبي (صلى الله عليه واله): (ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته والرجل راعٍ على اهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم)

بل المسؤولية هي التي تميّز وتفضّل الإنسان عن بقية مخلوقات الله تعالى التي تقودها الغرائز بدل العقل لذا لا تكون مؤهلة لحملها، ومن هنا كان الإنسان خليفة الله في أرضه: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) البقرة: 30، وأوكل له استعمار الأرض وإدارتها: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ) هود: 61

والمسؤولية تجاه الشباب مسؤولية تضامنية، لا يقوم بها فرد واحد، أو جهة واحدة، وإنَّما الكل مسؤولٌ، ولكن قد تختلف دائرة المسؤولية سعةً وضيقاً من فرد الى آخر ومن جهة الى أخرى، تبدأ من العائلة والوالدين وكل فرد مؤهل لهذه المسؤولية فيها، ثم المجتمع بعموم فعالياته المجتمعية، والحكومة ومؤسساتها عامة، ولا ننسى المسؤولية الواقعة على الشاب نفسه، فهو أولى بها من غيره في تهذيب نفسه وإصلاح حاله وتهيأه أسباب نجاحه في العلم والعمل، وتبقى المسؤولية الشرعية في عاتق المؤسسات الدينية والمرجعية المباركة التي استوعب أكبر أدوار المسؤولية تجاه الأمة وأفرادها

* ومن وقت مبكر تبدأ مسؤولية العائلة والوالدين تجاه شباب الأسرة في توفير أجواء الهداية والتوجيه السليم، والتشجيع والاهتمام والرعاية لتأسيس المنطلقات الصحيحة في شخصية الشاب للنجاح والتفوق في حياته العلمية والعملية، وتحصينه من الآفات والمخاطر التي تهدد مستقبله انطلاقا من قول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم: 6

* وتأتي مسؤولية المجتمع عموما بمؤسساته العامة والخاصة عن شريحة الشباب لتكمل مسؤولية العائلة، بأن تسخر طاقاتها لتوفير الأجواء المناسبة لكمال الشباب وتنمية طاقاتهم واستيعاب نتاجاتهم بما فيه الخير والصلاح للأمة.

* ولا يخفى مقدار المسؤولية الكبرى على الحكومات ومؤسساتها الراعية لفئة الشباب بلحاظ الإمكانيات المالية واللوجستية الكبيرة التي تمتلكها من أجل استيعاب الشباب بمشاريع منتجة على اختلاف توجهاتهم واهتماماتهم وسد احتياجاتهم، وفتح فرص العلم والعمل أمامهم لكونهم الطاقات الواعدة التي ستبني البلاد وتقود العباد في المستقبل

 لذلك تهتم كل دولة بإنشاء مؤسسة خاصة تعنى بشؤون الشباب، بمسمى وزارة أو وكالة أو مديرية، حسب اختلاف التنظيمات الحكومية في البلدان

وكلما توفرت البرامج الناجحة لاحتضان الشباب، كانت ضمانة أكبر لصلاحهم وتقدمهم، والحال ينعكس فيما إذا أهملت هذه الشريحة المهمة، ولم تلب حاجاتها وتستوعب طاقاتها، فإنَّها ستنفلت عن الأواصر المجتمعية، وربما تجتذب من قبل جهات معادية لا تريد الخير للأمة فتسخرها لأجنداتها الخاصة، فتكون معولا هدّاما بعد أن كانت أملا صاعدا تترجاه الأمة للبناء والازدهار والتقدم

* أمّا مسؤولية المؤسسات الدينية تجاه الشباب فهي الأهم في هذا العصر، حيث يواجه الشباب طوفاناً جارفاً من الثقافة المادية والإغراءات الفاسدة، وإنقاذ أي شاب وهدايته هو أفضل مصداق لقولـ النبي (صلى الله عليه واله): (لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت)

وفي نفس الوقت هي مسؤولية بمكان من الخطورة لأن التقصير فيها لا سمح الله معناه ان يُرمى جيل الشباب في أمواج الفتن والتيارات الفكرية والمادية المنحرفة فيضيع عنوانه وفطرته، ويصير سلاحا هدّاما للمجتمع وقيمه الأخلاقية والتربوية والاجتماعية والدينية

ويؤمل من المؤسسة الدينية الابتعاد عن الخطاب الديني التقليدي المتكرر، الذي ربما يكون فاقدا للحيوية وغير مواكب لما يعيشه شباب اليوم من هموم وتطورات، وبالتالي سيعجز عن استقطاب طاقات الشباب وجذبهم، وإنما ينبغي تطوير الخطاب الديني بأسلوب عصري واضح، يعالج قضايا الشباب والمجتمع بعمق وحكمة، كما هو المشاهد والمسموع والمقروء في خطابات المرجعية الدينية، وبعض الواعين من العلماء والخطباء وأساتذة الحوزة العلمية حيث يقبل جمهور الشباب على كلماتهم وخطبهم ومنابرهم ومجالسهم

 

ولابد من ملاحظة أن شبابنا اليوم يعيش عالماً متقدماً في وسائله وأدواته عن العالم الذي عاشه آباؤهم وأجدادهم، فهم منفتحون على ما يجري في العالم كلّه عبر وسائل الاتصالات المنفتحة والإعلام المتطور، ويشعرون بالثقة بالنفس، والرغبة في التحرر والاستقلال بالشخصية، فلا بد وأن تعرض عليهم مفاهيم الدين وتعاليمه، بشكل مناسب، ولغة معاصرة، وأسلوب واضح جذاب، قادر على استقطابهم ومعالجة ما يواجهونه من تساؤلات وتحديات

لذا هم بحاجة الى من يهتم بهم، ويفتح قلبه لهم، ويبدي الاحترام والتقدير لشخصيتهم، ويتحمل إشكالاتهم وبعض الأخطاء التي تبدو من سلوكياتهم

وقد لاحظنا في المجتمع مجاميع كثيرة من الشباب كانوا في البداية غافلين عن دينهم، واقعين في عدد من المخالفات الشرعية، تتقاذفهم أمواج التيارات المنحرفة في السلوك والعمل، لكن ـ بفضل الله تعالى ـ بعد انفتاح علماء الدين الواعين عليهم، والاهتمام بهم، تغيَّر الكثير من سلوكيات حياتهم، وتحولوا إلى شباب صالح مصلح، يتفانون في خدمة دينهم ومجتمعهم

فلا يصح لنا أن نترك شبابنا فريسة لوسائل الإعلام والاتصالات، وقنوات البث الفضائي، وهي تبشّر بثقافة مادية استهلاكية، وأنماط سلوك غريبة، مخالفة لقيمنا وأمن مجتمعنا. ولا ينبغي أن ننفر منهم ونبتعد عنهم حينما تزعجنا بعض تصرفاتهم غير المسؤولة، فهم ضحايا بيئة تعاني من خلل في أساليبها التربوية، وأجوائها الاجتماعية

وعلى كل حال فالحاجة ماسة في مجتمعاتنا إلى الانفتاح على الشباب وتجسير العلاقة معهم، من قبل العائلة، وعلماء الدين، والمسؤولين، لمساعدتهم على تجاوز هذه المرحلة الحرجة التي يمرون بها، والظروف الصعبة التي يعاني منها بعضهم في تسيير أمور حياته، ولتطمينهم ومعالجة ما يساورهم من قلق على بناء مستقبلهم، وتأمين متطلبات الحياة

والله المستعان وعليه التكلان

ميثم الفريجي

15 ربيع الثاني 1442

النجف الأشرف

 

Powered by Vivvo CMS v4.7