كيف نفهم المكر الإلهي ؟!
بقلم فضيلة الشيخ ميثم الفريجي
بسمه تعالى
جاء في افتتاح دعاء أبي حمزة الثمالي، وهو دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام): ( إلهي لا تؤدبني بعقوبتك، ولا تمكر بي في حيلتك) ، فما هو المراد من المكر الإلهي الذي نطق به الدعاء؟.
أقول: لم يقتصر ذكر المكر الإلهي في أدعية أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فحسب، وإنما هو قبل ذلك قد ذكر في القرآن الكريم، وفي آيات متعدّدة، منها: قوله تعالى: (وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) آل عمران: 54، وقوله تعالى: (أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) الاعراف: 99، وقوله تعالى: (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) النمل: 50، وغير ذلك
والمكر في اللغة هو صرف الغير عمّا يقصده بحيلة، نقول: مكر به أيّ خدعه، ونقول: مكر الله فلانا: جازاه على المكر.
أمَّا: الحيلة، فهي القدرة على التصرّف والحذق بتحويل الأمور قال تعالى: (وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) آل عمران: 54
والمكر أمَّا أنْ يكون من الإنسان، أو من الله تعالى، والمنكر من الإنسان مرجوح وقبيح ومذموم عندما يصيّر لأجل الخديعة والتوصّل الى تحقيق الاطماع النفسية والمآرب الشخصية على حساب الاخلاق والقيم والمبادئ الانسانية الفضلى.
أمَّا المكر الإلهي، فإنْ أريد به المكر الإبتدائي أيّ الذي يُباشر ابتداءً مع الآخرين، فهو محال في حقّه تعالى، ولا يناسب ساحة قدسه تبارك وتعالى، لما فيه من سلب الاختيار عن الإنسان، الذي يلزم منه قبح العقاب وعدم استحقاق الثواب، بينما استفاضت الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام): أنْ لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين .
فالإنسان قادر على أنْ يخلق أفعاله الاختيارية، لذا استحق الثواب على الفعل الحسن، واستحق العقاب على الفعل القبيح، ولكن يبقى فقيرا ومحتاجا الى مشيئة الله وقدرته، فلا قدرة له على الاستقلال في افعاله والخروج عن نفوذ إرادته ومشيئته تبارك وتعالى.
ومن هنا لابدَّ أنْ يكون مكر الله تعالى هو مكر مقابلة ومجازاة، فنسبته الى الله تعالى من باب المشاكلة مثل قوله تعالى: (نسوا الله فنسيهم) التوبة: 67 والله تعالى لا ينسى ولا يمكر ولا غير ذلك من صفات المخلوقين المذمومة والقبيحة، ومكر المجازاة والمقابلة لا ينافي ساحة قدسه، ولا يسلب الاختيار، فيجازيه الله تعالى بسلب التوفيق، ويكله الى نفسه ليكون فريسة لأهوائه وغرائزه، أو قد يستدرجه اله تعالى في استبداده واستعلائه وطغيانه وتكبره وسكره في معاصيه
وقيل: (وقال بعضهم: من مكر الله تعالى إمهال العبد وتمكينه من أعراض الدنيا، ولذلك، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من وسع عليه دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن عقله)
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا تأمننَّ على خير هذه الأمة عذاب الله لقوله تعالى: (فلا يأمن مكر الله إلَّا القوم الخاسرون) ، ولا تيأسنَّ لشر هذه الأمة من روح الله لقوله تعالى: (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) - كان يدعو -: ربَّ أعني ولا تعنْ عليَّ، وانصرني ولا تنصرْ عليَّ، وامكرْ لي ولا تمكر عليَّ)
و عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا رأيتم العبد يتفقد الذنوب من الناس ناسيا لذنبه فاعلموا أنه قد مكر به)
وعن بن فضال، عن أبيه، عن الرضا علي بن موسى (عليهما السلام)، قال: سألته عن قول الله عزَّ وجلَّ (سخر الله منهم) وعن قول الله عز وجل: (الله يستهزئ بهم) وعن قوله: (ومكروا ومكر الله) وعن قوله (يخادعون الله وهو خادعهم) فقال: إنَّ الله تبارك وتعالى لا يسخر ولا يستهزئ ولا يمكر ولا يخادع، ولكنه عزَّ وجلَّ يجازيهم جزاء السخرية وجزاء الاستهزاء، وجزاء المكر والخديعة، تعالى الله عمَّا يقول الظالمون علوا كبيرا)
وبعد هذا، نفهم سر قوله (عليه السلام) في دعائه المبارك: ( إلهي لا تؤدبني بعقوبتك، ولا تمكر بي في حيلتك)، وهو يعلّمنا كيف ندعو ونسأل الله تعالى عندما نكون في محضره وساحة قدسه
والحمد لله ربِّ العالمين
ميثم الفريجي
15 رمضان 1443 هــ
النجف الأشرف