نجاسة الكلب
بقلم : الشيخ حسن عطوان
يتردد كثيراً هذه الأيام السؤال عن حكم الكلب من حيث النجاسة او الطهارة ، والظاهر أنَّ سبب كثرة التساؤل هو رغبة بعض أولادنا وبناتنا في إقتنائه في البيوت .
والجواب :
لا إشكال في نجاسة الكلب عند الإمامية في الجملة ( 1 ) .
والروايات في نجاسته كثيرة ، وفيها ما هو معتبر السند وتام الدلالة .
كصحيحة أبي العباس ، قال :
( سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن فضل الهرة والشاة والبقرة ، والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع ، فلم أترك شيئاً إلّا سألته عنه ؟
فقال : لا بأس به حتى انتهيت إلى الكلب ؟ فقال : رجس نجس لا تتوضأ بفضله ، واصبب ذلك الماء ، واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء ) ( 2 ) .
وكصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال :
( سألته عن الكلب يشرب من الإناء ، قال : اغسل الإناء ) ( 3 ) .
وغيرهما من الروايات الكثيرة الصريحة في دلالتها على النجاسة .
ولكن في مقابل هذه الروايات ، توجد روايات قليلة قد يُفْهَم من ظاهرها طهارة الكلب كصحيحة إبن مسكان عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال :
( سألته عن الوضوء مما ولغ الكلب فيه ، والسنور ، أو شرب منه جمل ، أو دابة ، أو غير ذلك ، أيتوضأ منه ؟ أو يغتسل ؟
قال : نعم ، إلّا أنْ تجد غيره فتنزه عنه ) ( 4 ) .
ولأجل ذلك قد يُتوهَم حمـل الروايات الدالة على النجاسة على التنزه وإستحباب الإجتناب .
وحمل الشيخ الحر ( رحمه الله ) صحيحة إبن مسكان على التقية أو على بلوغ الماء كراً ( 5 ) .
وحَمْلُها على بلوغ الماء كراً أولى من حملها على التقية ؛ لأنَّ الجمع الدلالي مقدم على المرجحات الخارجية .
وهكذا جمعَ الشيخ الطوسي ( رحمه الله ) ( 6 ) ، مستشهداً له بموثقة أبي بصير عن الصادق ( عليه السلام ) :
( ولا يشرب سؤر الكلب إلّا أنْ يكون حوضاً كبيراً يستقى منه ) ( 7 ) .
ويقول السيد الخوئي رحمه الله ، ما مفاده :
أنّه لا مناص من تقييد إطلاق صحيحة إبن مسكان بالروايات الدالة على تنجس الماء القليل بملاقاة الكلب التي منها موثقة أبي بصير المتقدمة ؛ وذلك لأنَّ النسبة بينهما هي العموم المطلق ، فإنَّ صحيحة إبن مسكان قد دلت على طهارة الماء الذي باشره الكلب مطلقاً قليلاً كان أم كثيراً ، والروايات المتقدمة قد دلت على إنفعال الماء القليل بملاقاة الكلب .
وعليه فمقتضى الصناعة العلمية وقانون الإطلاق والتقييد حمل صحيحة إبن مسكان على ما إذا كان الماء بالغاً قدر كر ( 8 ) .
ونُسب الى الصدوق ( رحمه الله ) القول بطهارة كلب الصيد إستناداً الى عبارته التالية :
" أنَّ مَن أصاب ثوبه كلب جاف ، فعليه أنْ يرشه بالماء ، وإنْ كان رطباً فعليه أنْ يغسله ، وإنْ كان كلب صيد فإنْ كان جافاً فليس عليه شيء وإنْ كان رطباً فعليه أنْ يرشه بالماء " ( 9 ).
وتدفعه النصوص المتقدمة الظاهرة في نجاسة الكلب على وجه الاطلاق ،
مضافاً الى حسنة محمد بن مسلم قال :
( سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن الكلب السلوقي ؟ فقال : إذا مسسته فاغسل يدك ) ( 10 ) .
فهذه الحسنة ظاهرة في نجاسة الكلب السلوقي بخصوصه .
أمّا فقهاء العامة :
فقد إختلفوا في حكم الكلب من حيث النجاسة والطهارة :
والأصح عند الحنفية :
أنَّ الكلب ليس بنجس العين ؛ لأنّه ينتفع به حراسة واصطياداً ، أمّا الخنزير فهو نجس العين ...
وفم الكلب وحده أو لعابه ورجيعه هو النجس ، فلا يقاس عليه بقية جسمه ، فيغسل الإناء سبعاً بولوغه فيه ، لقوله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم :
( اذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً ) .
وقال المالكية :
الكلب مطلقاً سواء أكان مأذوناً في إتخاذه ككلب الحراسة والماشية ، أم لا ، طاهر .
والـولـوغ لا غيره كما لو أدخل رجله أو لسانه بلا تحريك ، أوسقط لعابه ، هو الذي يُغسل من أجله تعبداً سبع مرات ، على المشهور عندهم .
ويرد على هذا التفصيل بين الولوغ وغيره :
ماورد من طرقهم :
مما رواه الدارقطني والحاكم :
( أنّه صلى الله عليه [ وآله ] وسلَّم دعي إلى دار قوم ، فأجاب ، ثم دعي إلى دار أخرى فلم يجب ، فقيل له في ذلك ،
فقال : إنّ في دار فلان كلباً ، قيل له : وإنَّ في دار فلان هرة ، فقال : إن الهرة ليست بنجسة ) ( 11 ) .
ومفهوم ذلك عرفاً : أنَّ الكلب نجس .
وقال الشافعية والحنابلة :
الكلب والخنزير وما تولد منهما من الفروع وسؤره وعرقه ، نجس ، ويغسل ما تنجس منه سبع مرات إحداهن بالتراب ، لأنّه إذا ثبتت نجاسة فم الكلب بنص الحديث ... :
( طهور إناء أحدكم اذا ولغ فيه الكلب أنْ يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب ) ،
والفم أطيب أجزائه ، لكثرة ما يلهث ، فبقيته أولى ( 12 ) .
هذه خلاصة البحث عند الفريقين في هذه المسألة .
والنتيجة :
أنَّ صراحة الروايات الدالة على النجاسة كقول الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( رجس نجس لا تتوضأ بفضله ، واصبب ذلك الماء ، واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء ) ، تأبى الحمل على مجرد التنزه .
********
( 1 ) في الجملة : للإشارة الى ما نُسب الى الشيخ الصدوق في خصوص كلب الصيد .
( 2 ) الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن ، ( ت : 1104 هج ) وسائل الشيعة ، تحقيق : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، ج 1 ، ص 226 ، أبواب الأسآر ، ب 1 ، ح 4 .
( 3 ) المصدر نفسه ، ج 1 ، ص 225 - 226 ، أبواب الأسآر ، ب 1 ، ح 3 .
( 4 ) المصدر نفسه ، ج 1 ، ص 228 ، أبواب الأسآر ، ب 2 ، ح 6 .
( 5 ) المصدر نفسه ، ذيل الحديث السابق .
( 6 ) المصدر نفسه ، ج 1 ، ص 226 - 227 ، أبواب الأسآر ، ب 1 ، ح 7 .
( 6 ) الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن ، ( ت : 460 هج ) ، الإستبصار ، الناشر : دار الكتب الإسلامية ، طهران ، ج 1 ، ص 19 .
( 7 ) وسائل الشيعة ، مصدر سابق ، ج 3 ، ص 416 ، أبواب النجاسات ، ب 12 ، ح 7 .
( 8 ) الخوئي ، السيد ابو القاسم الموسوي ، ( ت : 413 هج ) ، التنقيح ، ج 3 ، ص 28 ، الناشر : مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي .
( 9 ) الصدوق ، الشيخ محمد بن علي بن الحسين ، ( ت : 381 هج ) ، فقيه مَن لا يحضره الفقيه ، ج 1 ، ص 73 ، الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة .
( 10 ) وسائل الشيعة ، مصدر سابق ، ج 3 ، ص 416 ، أبواب النجاسات ، ب 12 ، ح 9 .
( 11 ) الزحيلي ، الدكتور وهبة ، موسوعة الفقه الإسلامي ، ج 1 ، ص 263 ، دار الفكر ، ط 3 ، 2013 م .
( 12 ) المصدر نفسه ، ج 1 ، ص 262 - 263 .
*******
[ حسن عطوان ]