بقطع النظر عن الحكم والموقف الشرعي

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1337
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
بقطع النظر عن الحكم والموقف الشرعي

بقلم الشيخ حميد وناس ال عجمي

 

عبارة كثير ما تتداولها الألسن في مقام النقاش والجدال, هي قولهم: (بقطع النظر عن الحكم والموقف الشرعي), وذلك حين يريد المتكلم إثبات حقانية ما يطرحه من فكر إسلامي خارج أطر الشريعة ونصوصها, فيسوق ذلك الفكر في قالب الفكر النافع ماديا أو حضاريا أو علميا عما يعبرون عادة .

وهذا الإسلوب مع حسن الظن بمن يسلكه يعارض وبشكل صريح نصوص القرآن الكريم وبعض الروايات الشريفة, كما في قول الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) , وقول الإمام الصادق عليه السلام: (من أراد عزا بلا عشيرة، وغنى بلا مال، وهيبة بلا سلطان، فلينقل من ذل معصية الله إلى عز طاعته) , وما ورد في دعاء مولانا الإمام المهدي عليه السلام في الدعاء لشيعته بقوله عليه السلام: (أعزهم الله بطاعته) , حيث تحصر هذه النصوص الصريحة العزة والعز اللذين هما نهاية الظفر والفوز في الدنيا والآخرة, بالانقياد لأوامر الشريعة الإسلامية وعدم الخروج عنها بأي درجة كانت ولو بسيط وتنزلية كما في قولهم: (بقطع النظر عن الحكم والموقف الشرعي) .

فمطلق هذه العبارة يسمح لنفسه بالتحرك خارج حدود النصوص الشريعة ومواقفها وأحكامها, لتحقيق الظفر والفوز لما يعتقده حقا من الأفكار والمبادئ, وهو إستدلال خاطئ من رأس الفوز فيه ليس إلا تخبطا وإنهزام ورضا بتحييد الشرع المقدس وإفتراض نمط حياة نافع بعيدا عنها .

والفقرة الدعائية السابقة الواردة عن مولانا الإمام المهدي عليه السلام لشيعته, بتحقق العز لهم بسبب طاعة الله تعالى, تتضمن تنبيها إلى حقيقة إستلزام الخروج عن طاعة الله تعالى بأي درجة كانت للذل والصغار بدرجة تناسب ذلك الخروج، وإستلزام الإلتزام بطاعة الله تعالى بأي درجة للعز والشرف بدرجة تناسب ذلك الإلتزام أيضا, وبالتالي نفهم أنه يجب على كل فرد مؤمن بالإسلام العظيم في أي زمان ومكان فهم معصية الله تعالى والخروج عن حدود شريعته والنظر إليهما على أنهما ذل محض, لا خير فيه أو فوز أبدا .

لذا عليه أن يبادر للفرار من المعصية وعدم التورط بها, والتوبة سريعا والخروج منها إن كان قد وقع فيها, وفي الجهة المقابلة عليه فهم طاعة الله تعالى والالتزام بأحكام الشريعة الاسلامية المقدسة على أنها عز حقيقي, والمبادرة للدخول في عز طاعة الله تعالى .

وعموم هذا المعنى لجميع الافراد وعدم إختصاصه بالافراد المعاصرين لزمن صدور المكاتبة للشيخ المفيد رحمه الله تعالى, واضح جداً بحسب المفاهيم الإسلامية العامة، فإن العزة لله تعالى ولرسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وللمؤمنين الملتزمين بأحكام الشريعة المقدسة, بحسب ما ورد صريحا في القرآن الكريم, وإذا فهمنا هذه الفقرة بمعنى الإخبار من الإمام عليه السلام, بالملازمة بين طاعة الله تعالى والعز الحقيقي, يكون حث مولانا الإمام المهدي عليه السلام لشيعته للالتزام بطاعة الله تعالى والخضوع له سبحانه, هو حث على الخضوع للشريعة الاسلامية بجانبها التشريعي النظري من ناحية، وخضوع لها بجانبها التكويني الواقعي, بإعتبار ما تمثله الشريعة الاسلامية من دستور ونظام يسير عليه الكون وينقاد له تكوينا بالقدرة غير المتناهية لخالق ذلك الكون ومدبر شؤونه .

وطرح مولانا الإمام عليه السلام لهذه الحقيقة الكونية العامة بصيغة الدعاء لشيعته, نظير الخطابات التي كانت تصدر من الإئمة عليهم السلام وخاصة الإمام زين العابدين عليه السلام, حيث صاغ كثير من المفاهيم والنظريات الإسلامية الكبرى بهيئة أدعية ومناجاة .

وفي هذه الفقرة إشارة الى ( أن الخضوع لله عز وجل ، بمعنى الالتزام بأوامره ونواهيه وقصر السلوك عليها ، يغني الفرد عن اتباع سائر مصادر التشريع البشرية المنحرفة التي على الانزلاق إلى مهاوي الباطل ، وعلى رأسها المصالح الشخصية والقوانين الوضعية, فيكون الفرد متعالياً عنها عزيزاً منيعاً من جهتها, على حين أن البعد عن الالتزام بتعاليم الله العادلة، يستلزم – لا محالة – وجود فراغ في السلوك، يملؤه الفرد بأساليب الانحراف، فيكون خاضعاً لمقتضياته، وذليلاً أمامها, وهو معنى ذلة معصية الله عز وجل ) .

فقوله عليه السلام مخبرا عن حال شيعته في زمن غيبته: (أعزهم الله بطاعته), توجيه منه لهم لضرورة الإلتحاق بنشاطه في زمن غيبته, ذلك النشاط الذي ينطلق من طاعة الله تعالى وينتهي إليها ويدور في فلكها وضمن إطارها, فكأنه عليه السلام هنا يفتح باب التطوع للإلتحاق بالنشاط المهدوي بهذا الشرط, وما يأتي تبعا من تكاليف سيكون منسجما مع طاعة الله تعالى, وإستهداف الوصول للعزة الفردية والمجتمعية, والتي ليست هي إلا النواة الأولى للدولة المهدوية العادلة .

فحين يطرح السؤال عن التكليف واجب الإتباع في زمن الغيبة لنيل رضا مولانا الإمام عليه السلام والتمهيد لدولته العادلة, يكون الجواب الحصري: الإلتزام بطاعة الله تعالى وتجنب معصيته, لكن بالمعنى الواعي الذي سبق ذكره, وهو أن هذه الطاعة ليست تكليفا إضطراريا عاما ألجئ إلية الإنقطاع عن مولانا الإمام عليه السلام, بل هو تكليف يفتح الباب للمشاركة في النشاط المهدوي العام في زمن الغيبة, فبقدر طاعة الفرد لله تعالى فهو مشارك في ذلك النشاط .

 

.....

  سورة المنافقون, الاية 8

  الخصال: ١٦٩ / 222.

  الإحتجاج للطبرسي, مراسلة الشيخ المفيد

  تاريخ الغيبة الكبرى, السيد الشهيد الصدر

 

 

Powered by Vivvo CMS v4.7