أفذاذ من حوزة النجف الأشرف : الحلقة الاولى : العلامة السيد محمد تقي الحكيم : حلقة الوصل بين الحوزة العلمية والجامعات العراقية

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1104
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
أفذاذ من حوزة النجف الأشرف : الحلقة الاولى : العلامة السيد محمد تقي الحكيم : حلقة الوصل بين الحوزة العلمية والجامعات العراقية

بقلم :نافع علوان الشاهين 


هو السيد محمد تقي بن السيد محمد سعيد بن السيد حسين  الحكيم من اسرة علوية هاشمية ينتهي نسبها الى السيد ابراهم الغمر بن الحسن المثنى بن الحسن السبط(ع) وقد عرف وجودهم جوار المرقد العلوي في القرن العاشر الهجري (1)

ولد سماحته في النجف الاشرف في العراق عام 1924 م الموافق 1341هـ ودرس علوم العربية والمنطق والبلاغة واصول الفقه والفلسفة والتاريخ على يد اساتذتها  اخيه السيد محمد حسين الحكيم والشيخ نور الدين الجزائري والسيد صادق السيد ياسين والشيخ علي ثامر والسيد يوسف الحكيم والسيد حسن الحكيم والسيد محمد علي الحكيم والشيخ محمد رضا المظفر والسيد موسى الجصاني(2)

حضر البحث الخارج في الفقه والاصول والفلسفة على ايدي الايات العظام كل من اصحاب السماحة السيد محسن الحكيم والسيد ابو القاسم الخوئي والشيخ حسين الحلي والسيد ميرزا حسن البجنوردي(3)

ومارس تدريس المواد الحوزوية في اروقتها فدرس السطوح العالية في موضوعات الفقه والاصول والفلسفة سنوات عدة وقام بتدريس البحث الخارج-اعلى المراتب الحوزية علمياً-في الفقه على متن كتاب المكاسب للشيخ مرتضى الانصاري واصول الفقه على متن كتاب الكفاية للشيخ محمد كاظم الخراساني في حوزة النجف الاشرف(4)

والمعروف ان من يتصدى لتدريس البحث الخارج في حوزة النجف الاشرف قد وصل لرتبة الفقاهة والاجتهاد واستحق بجدارة اللقب العلمي ( اية الله) وهي اعلى مرتبة علمية حوزية ولكنه رحمه الله لم يعبأ بهذه الالقاب بقدر اهتمامه بالتأصيل العلمي لعدد من فروع العلم والمعرفة فخطت انامله الشريفة العشرات من الكتب التي صارت  من المناهج الحوزوية والاكاديمية واصبحت مدار الدرس والتحقيق وكُتبت عنها العشرات من الاطاريح والمؤلفات داخل وخارج العراق فقد احصى نجله السيد عبد الهادي محمد تقي الحكيم ستة عشر كتاب ورسالة ماجستير عن ابداعاته العلمية لغاية عام 2012م(5) اشهرها كتاب الدكتور عبد الامير زاهد  التدريسي في جامعة الكوفة (التنظير المنهجي عند السيد محمد تقي الحكيم) وكتاب الدكتور محمد كاظم مكي (ومن ثمرات النجف في الفقه والاصول والتاريخ والادب السيد محمد تقي الحكيم )(6)

وقد قرر دروسه الفقهية العليا في الفقه والاصول التي القاها في حوزة النجف الاشرف  بعض طلبته وتمت طباعتها مؤخراً وهي بمتناول طلبة العلوم الدينية اليوم في العراق وخارجه .

كان العلامة محمد تقي الحكيم كثير النشاط عالي الهمة منذ بواكير شبابه فقد انضم وهو في العشرينات من عمره الشريف لجمعية منتدى النشر وكان اهم اساتذتها مع عدد من الاعلام الكبار وواكب نشاطها لاكثر من ربع قرن ودرس في كليتها (كلية منتدى النشر)النحو والصرف والبلاغة والادب والتاريخ والفقه والاصول وعلم النفس وعلم الاجتماع وساهم في نشاطاتها الثقافية المختلفة بدءاً من عام 1943م(7)

وقد عين السيد محمد تقي الحكيم مدرساً على الملاك الدائم في مدرسة منتدى النشر الدينية الاهلية بموجب قرار الهيئة الادارية لجمعية منتدى النشر في 17/8/1944م(8) وتنوع المواد التي استطاع تدريسها واثباته مهارة فيها دليل عبقريته ونبوغه وثقافته اضافة لاريحيته بالحوار العلمي وسمو اخلاقه وهذا مااشاد به جملة من طلبته ومعاصريه ومن كتبوا عنه وعن كتبه الذائعة الشهرة فلقد وصفه الاستاذ  محمد محي الدين عبد الحميد  بعد ان اطلع على احد بحوثه الاصولية عام 1967قائلاً :ان هذا البحث يدل على سعة الاطلاع وعلى التمكن من معرفة العربية واسرارها وهو ضرب من الاسرار التي كان يعني بامثالها ابن جني وشيخه ابو علي الفارسي،وعن نفس هذا البحث قال عميد الادب العربي طه حسين: لاشك ان هذا البحث قدم لنا شيئا من فلسفة النحو من جهة وشيئا من تاريخ هذه الفلسفة من جهة اخرى فالعرب مدينون للعراق بكل مايتصل باللغة العربية وانا اذا شئنا ان نفلسف النحو رجعنا للعراقيين  (9).

وقال تلميذه د.حسين كاظم عزيز :ولا انساه مفكرا وعالما حين يتسنى منصة الدرس اجده معاصراً يمطر خلجاتي اماناً وهدوءاً تحت راية العلم بين ثمرة المحاولة العلمية الاصولية وبين الانفتاح على دفة المقارنة بين اراء المذاهب وبيان وجهة الخلاف بمنطق البحث العلمي النزيه ،كانت محبته موفورة لدى جميع العلماء والباحثين وليست مقتصرة على مذهب معين(10)

وقال نجله وتلميذه السيد عبد الهادي الحكيم فيه:لقد عشت في كنفه طفلاً وتبعته يافعاً وصحبته شاباً وتتلمذت على يديه اربع سنوات في كلية الفقه في النجف الاشرف رجلاً وحضرت دروسه العالية في مرحلة البحث الخارج لاحقاً فلم اجد فيه وزملائي الطلبة الا قلباً مفتوحاً وصوتاً خفيضاً ووجهاً حياً وثغراً باسماً وصدراً رحيباً وعقلاً مفتوحاً على استماع القول والقول الاخر وصولاً الى الحقيقة وادراكاً للصواب(11)

وقال تلميذه السيد محمد بحر العلوم :ان السيد محمد تقي الحكيم برز في الاربعينات جوالاً في النجف الاشرف في حلقات العلم والفضيلة يحرر فيها المسائل الفقهية والاصولية التي تدور مناقشتا عادة بين اهل العلم بكفاءة عالية مما لفت انتباه اصحاب الفضيلة الى قابلية فتية كفوءة تدير محاور البحث والمناقشة ببراعة الفقيه الاصولي (12)

وقد خط قلمه الشريف العشرات من الكتب منها:مالك الاشتر المطبوع عام 1946 وقد كتبه وعمره الشريف 22سنة وشاعر العقيدة السيد الحميري عام 1949 وقد كتبه وعمره الشريف 25سنة وكتاب الاشتراك والترادف وكتاب الزواج المؤقت وكتاب من تجارب الاصوليين وكتاب الاصول العامة للفقه المقارن وغيرها والتي احصاها نجله السيد عبد الهادي محمد تقي الحكيم بثمان عشر كتاب مطبوع وثمان كتب مخطوطة كما قدم لسبع كتب مطبوعة وكتب في العديد من الصحف والمجلات ونشر فيها البحوث والمقالات بأسمه وباسماء مستعارة ومن اشهر المجلات الغري والبذرة والايمان والاضواء ومجلة المجمع العلمي العراقي ومجلة المجمع العلمي العربي وغيرها (13)

 

ويعد كتابه( الاصول العامة للفقه المقارن) من اشهر كتبه واكثرها ذيوعاً وانتشاراً وهو مجموعة بحوث القاها على طلبة السنتين الثالثة والرابعة في كلية الفقه بالنجف الاشرف ،وقد تأثر به الكثير من الباحثين منهم تمام حسان من مصر والدكتور عمر عبد العزيز في اطروحته(مباحث التخصيص عند الاصوليين والنحويين)والمرحوم الدكتور مصطفى جمال الدين في (البحث النحوي عند الاصوليين) والدكتور عبد الهادي الفضلي والدكتور صالح الظالمي(14)

ويمكن القول ان كتابه الاصول العامة للفقه المقارن ادخله دائرة الاضواء وجعله في مصاف العلماء وقد كان فريداً في بابه وقد اقتحم رحمه الله ميدان الخلاف بين المذاهب الاسلامية بموضوعية عالية المنهج ليعطي ثمراته في تضييق شقة الخلاف مستثمراً اهتماماته الابداعية (15)

والكتاب دورة اصولية متكاملة فيها اخر اراء مدرسة النجف الاصولية وتجسد منهجاً متكاملاً فهي تستةعب ما انتجه المنهج النقلي من قواعد اصولية وما انتجه المنهج العقلي من تلك القواعد فجاء جامعا لمباحث علم الاصول وحاول فيه تتبع الاراء الاصولية عند جميع الاطراف والتماس كيفية الدلالة عندهم ثم محاولة تقيم هذه الادلة واقرار مايراه ملزما بالحجة (16)

وكان الكتاب مما اقترحه الشيخ محمد رضا المظفر على تلميذه وزميله ورفيق دربه  السيد محمد تقي الحكيم حين عاد من مدينة فاس المغربية بعد مؤتمر علمي بعد ان حصل نوع رفيع من التبادل العلمي والتكاشف والكشف المتبادل للمحصول العلمي لدى علماء السنة والشيعة فكتب السيد محمد تقي الحكيم في الاصول المقارنة والفقه المقارنة ماكان ثمرته سفرا جليلاً يدرس حتى الان في عدد من كليات الشريعة في العالمين العربي والاسلامي(17)

اتخذ رحمه الله من الكتاب رفيقاً وصديقاً حميماً لايفارقه يومياً حتى اذا الفجر لينام سويعات قليلة ثم يصحو على اعتاب يوم علمي جديد في رحلة يومية دائبة في اروقة العلم في مساجد النجف ودواوينها ومكتباتها حتى الفته والفها (18)

وقد اعتقل وعُذب مع اعلام اسرته بوحشية مفرطة وهو العلم والعلامة والفقيه والاصولي والنحوي والمحقق التاريخي وبدلاً من ان توضع له التماثيل وتقام له مهرجانات التكريم سيق لقاعات سجن  ابي غريب المرعبة وهو في عنفوان عطائه العلمي فاثر السجن على يديه فارتعشتا وعلى لسانه فكل عن النطق الا بمعاناة وضغط جسدي وعصبي ونفسي ولم يستطع مسك القلم!(19)

حتى رحل لجوار ربه يوم الاثنين 16 صفر من العام 1423هـ الموافق 29/4/2002م ودفن في باحة المسجد الهندي وسط مدينة النجف الاشرف في مقبرة علماء اسرته وفي المكان الذي كان يلقي فيه محاضراته باصول الفقه(20)

.......................................

1-     مجلة الكوثر النجفية-العدد53 /عام2002 –ص9

2-     محمد تقي الحكيم -الاصول العامة للفقه المقارن -المقدمة بقلم نجله السيد علاء الدين الحكيم.

3-     محمد تقي الحكيم -التشيع في ندوات القاهرة-المقدمة بقلم نجله السيد عبد الهادي الحكيم .

4-     المصدر نفسه.

5-     المصدر نفسه.

6-     الاصول العامة للفقه المقارن-مقدمة الكتاب .

7-     المصدر نفسه.

8-     علاء الدين الحكيم -السيد محمد تقي الحكيم ومنهجه التاريخي -اطروحة ماجستير-ص28

9-     مجلة الكوثر النجفية-ص9

10- حسين كاظم عزيز-الاثر العقدي عند السيد محمد تقي الحكيم في كتابه الاصول العامة للفقه المقارن -بحث منشور على شبكة الانترنت

11- محمد تقي الحكيم –التشيع في ندوات القاهرة –المقدمة.

12- علاء الدين الحكيم –مصدر سبق ذكره- ص43

13- محمد تقي الحكيم-التشيع في ندوات القاهرة –المقدمة

14- نافع سعيد محمد- المباني الاصولية عند العلامة محمد تقي الحكيم في كتابه الاصول العامة للفقه المقارن – بحث منشور على الانترنت.

15- هاني فحص -سنة وشيعة بين شوك المشهد وورد الذاكرة –بحث منشور على الانترنت.

16-  

17- هاني فحص-مصدر سبق ذكره.

18- علاء الدين الحكيم-مصدر سبق ذكره-ص28

19- محمد تقي الحكيم -التشيع في ندوات القاهره-المقدمة

20- نفس المصدر

Powered by Vivvo CMS v4.7