كلام الهدهد (أحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) والرد النبوي

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1868
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

بقلم: الشيخ أحمد جعفر الفاطمي

كلام الهدهد (أحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) والرد النبوي

اخوان سؤال جدا محيرني

و اريد جواب، وطبعا ستترتب على السؤال نتيجة ايضا،  يرجى تحملها، ولاتجب الا بعد تأمل، لكي لانجعل من الانبياء محط سخرية وسخافات نستجير بالله

السؤال:

الانبياء عموما لم يعرف عنهم كلهم انهم كانوا يتكلمون مع الحيوانات، وانهم علموا منطق الطير، ولكن هذا الخصيصة خص بها الله نبيه سليمان عليه ونبينا واله افضل التحايا والسلام

طيب

الان لو فرضنا ان هدهدا او عصفورا او حمامة او كلبا او قطة او ذئبا  او غرابا ...  الخ  قال السلام عليكم او مرحبا بلغته

العواء  او المواء  او الوصوصة. 

لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

هل سيرد عليه النبي بلغته المتداولة  كانسان، او انه يرد عليه بلغة الحيوان

يعني النباح  والمواء  والوصوصة 

؟!!!!!

اذا رد النبي بلغة الحيوان وبلهجته فهذه كارثة

يعني تخيل انك بجانب شخص ينبح ويتعاوى مع كلب او ذئب او يصفر مع عصفور او ينعق مع غراب  ماذا ستقول عليه غير انه اهبل واحمق ومجنون !

الامر الاخر لو فرضنا ان الحيوان يتكلم بلغة الانسان فمن الاعجب والاعظم والاكثر اعجازا

ان يتكلم ويفهم الانسان كلام الحيوان او ان يتكلم ويفهم الحيوان كلام الانسان ؟!!

فان قال قائل  ان الانبياء المخصوصين يفهمون كلام الحيوان من دون ان يكلموه او يكلمهم

قلنا ان هذا الكلام مردود بنص القرآن الكريم

لان الهدهد و سليمان تخاطبوا، وجرى بينهما حديث ولننظر للحوار التالي:

بعد السؤال عن غياب الهدهد نسمع   التهديد السليماني للهدهد بالذبح والقتل والنتف فلنستمع لجوابه المطول ...

قال الهدهد:

 (أحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣)وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (٢٤)أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (٢٥)اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)

تحدث الهدهد جريدة كاملة وليس ذلك فقط بل تحدث بالعقائد كفر وايمان   وهي ليست عقائد بسيطة بل عقائد عالية جدا !!! لا يعرفها الكثير من البشريين في مجتمعاتنا المسلمة!!!

 

قال سليمان:

(سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٧)اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ).

انتهى

اذن هناك كلامي واقعي واخذ ورد من الهدهد وسليمان بحسب ظاهر القران

فسليمان وحاشاه اما كان  يتحدث بلغته البشرية مع الهدهد  والهدهد يفهم كلامه فيكون الهدهد هنا  اعظم واكبر اعجازا من كلام سليمان معه

او نقول لا سليمان كان يتكلم (بصوصوة او هدهدة ) هو والهدهد 

فيصبح الامر عبارة عن مهزلة تاريخية وعقلية ومنطقية.

وجهات نظركم مهمة خصوصا الكلاسيكية لغرض الاطلاع عليها .

مع خالص المحبة للجميع

 

 

 

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لإجابة هكذا اسئلة يستخدم فيها السائل المغالطة

والالتزام بلوازم غير صحيحة من نتائج هو يفرضها ثم يجعلها حقائق

للإجابة على مثل الاسئلة نحتاج للرجوع الى ثوابت معينة بيننا وبينه ننطلق منها لنرد عليه مغالطته

ونجيب عن سؤاله ونبطل لوازمه.

فنقول:

أولا: بيّن القران الكريم ان كل ما في الأرض هي أمم امثالنا، ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ  [الأنعام: 38]

ومن الثابت في علم الاجتماع ان اهم شروط  ولوازم الأمم والمجتمعات الكبيرة ان تكون هناك طريقة للتواصل بينهم سواء كانت هذه الطريقة :

1ـ الحركات: اذا لم يكن لهم آلات النطق. كما بين البكم الصم من بني البشر او الشجر او المكروبات او البكتريا او غيرها من الأمم التي تدخل في تلك الحقيقة القرانية التي اثبتت ان كل ما في الأرض هي أمم وليست هذه ميزة لبني الانسان فقط.

2ـ او الأصوات: اذا كان لهم الات النطق. واركز على كلمة بالاصوات لأنها ستكون محور كلامنا القادم ان شاء الله.

 

ثانيا: بيّن القران ان كل الوجود او أي شيء وبما فيها تلك الأمم وافرادها هي من المدركات وان لها تكليفها الذي يتلائم مع مرتبتها الوجودية، فقال عزوجل: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ  وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ  إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا٤٤ [الإسراء: 44]

ثالثا: ان من المقرر في علم الكلام وفي الفلسفة، بل هو من البديهيات ان: (كمال كل شيء بحسبه وبما هو منسوب الى محله).

فالسم في الافعى والعقرب كمال بحسب خلقتهما وبما هو منسوب لهما، ولو لم يكن فيها سمٌ لكان هذا عيبا في خلقتهما، وهكذا العواء والمواء والزقزقة وحفيف الشجر وصياح الديك ووو

كل ذلك يعد من الكمالات فيما خلق فيه، ونقصا او جمالا لغيرها.

فالزقزقة لأنها تعجبنا نعدها جمالا في العصفور، والمسك في غزال المسك لأنه يعجبنا نعده جمالا في هذا الغزال ووو

اما سم الافعى ورائحة الضريبان وعواء الكلب ونهيق الحمار فنعدها نقصا وقذارة لأنها لاتعجبنا، بينما هي كمالات في اممها وفي خلقة أصحابها.

 

 

بعد هذه المقدمة أقول:

ذكر القران الكريم لنا مجموعة من انحاء القدرة الكلامية او التخاطبية وهي:

1ـ اللسان او اللغة: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ٢٢ [الروم: 22]

ثم بين ان افصح تلك الالسنة هو اللسان العربي المبين.

2ـ منطق: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ  وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ  إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ١٦ [النمل: 16]

3ـ اللحن او الطريقة: ﴿ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد: 30]

وقد يشمل كل ذلك لفظتي (الكلام) و (القول) على تفصيل في كتب فقه اللغة لمن أراد التفصيل.

 

ثم ذكر لنا القران الكريم الكثير الكثير من الحوارات الكلامية التي يحصل فيه الاخذ والرد، والتهديد والوعيد واتقديم الدليل ونقضه ووو غيرها من موضوعات الحوارات القرانية. فمثلا:

 الحوار بين الله عزوجل وبين الأرض والسماء، وبينه عزوجل والملائكة، او مع ابليس او مع الأنبياء او مع اهل النار او مع عباده الامؤمنين او او.

فهل كان الله عزوجل يحاور السماوات والارضين بلغتها ؟ ام بلغة الله ـ ان صح ان لله عزوجل لغة سبحانه وهو خالق كل شيء ـ ؟ وبالاصوات او بغيرها؟

ارجع الى محل كلامنا وهو الحوار بين النبي سليمان (صلوات الله على نبينا واله وعليه) مع الهدهد، حيث افترض السائل فرضين لا ثالث لهما:

1ـ اما ان يكون كلمه بلغة او منطق الطيور وهذا مايفترضه السائل توهينا واهانةً للنبي.

2ـ او ان يكون الطير فهم كلام النبي وحاوره بلغته السريانية او العبرية؛ لأن سليمان كان يتكلم احدى هاتين اللغتين، وهذا ما يلزم منه التعجب في كون الاعجاز ان يفهم الحيوان لغة الانسان ويكلمه بها!!

فالجواب:

من خلال تعريف ابن جني(ت 392هـ) للغة نرى ان هذا التعريف يشمل كل لغات الأمم بالمفهوم القراني، حيث عرف اللغة: (اصواتٌ، يعبر، بها، كل قوم، عن اغراضهم).

وهو تعريف مشهور ودقيق وقد افاد او استفاد منه علماء اللسانيات الغربيون كثيرا.

ونحن هنا أيضا نفيد منه فنقول:

وفقا للمقدمات التي قدمناها فان العواء والمواء هو منطق او لغة فصيلة السنوريات، او أمم ـ بحسب التسمية القرانية ـ السنوريات من قطط وكلاب وذئاب وغيرها، والصداح والصياح والزقزقة لغة او منطق امم الطيور بمختلف أنواعها، وغيرها من تسميات لغات او أصوات أمم الحيوانات الأخرى وغيرها من الكائنات.

وهذه اللغات الحيوانية هي كمال في تلك الأمم، ولايمكن ان تعد نقصا او مثلبة عليهم.

نعم عندنا نحن البشر بعضها جميل نحبه كالزقزقة، وبعضها غير جميل لا نحبه مثل النهيق، ولكن هذا لا يغير من حقيقة ان ذلك كمال في تلك الأمم.

هذا من جهة.

ومن جهة أخرى فان لغات او السنة البشر مختلفة وهي كمال لامم البشر ـ ولا ندري هل هي تزعج غيرنا من الأمم؟ وهل يعدونها نقصا فينا؟ ـ، بل ان بني البشر انفسهم قد يستقبحون بعض السنة الأمم البشرية!!

فلو سمعنا ـ نحن العرب ـ من يتكلم باللغة المكسيكية القديمة، او اللغات الاسيوية المعاصرة، بل لغة اهل اليمن غير الفصحى، او لغة اهل القصيم في يومنا هذا لأمكن ان نضحك ـ اذا التزمنا الادب ولم نعتبر هذه اللغات مجرد هرطقات او عواءً او غيره ـ من صميم دواخلنا، واليك رابطا يمكنك سماع احدى تلك اللغات الاسيوية كمثال https://www.youtube.com/watch?v=za26q44ux5g

 

بعد هذا يكون قد تبين لنا ان لا لغة او منطق او لسان هو نقصٌ في ذاته، ولكنه بالنسبة والمقارنة يمكن ان يكون نقصا او لا.

وعليه: سيكون من يتكلم او يتقن اللغة الإنكليزية او الهندية او العربية او غيرها من لغات أمم البشر لافرق بينه وبين من يمكن ان يتقن لغة امة الطيور او النمل او الوحوش او غيرها، لان كل تلك لغات وكلها كمال في اممها، وكلها يمكن ان تكون نقصا عند البعض بالنسبة اليه لا بالنسبة الى نفس وحقيقة الامر.

بل ان من يتقن لغة الأمم الحيوانية له ميزة وكمال يتفوق به على من اتقن لغات أمم البشر؛ والسبب ان ذلك الاتقان او التمكن من لغا ت الأمم غير البشرية لا يكون الا بتعليم وتفقيه من الله عزوجل وبالتالي سيكون من يتكلم مع الطير بلغته او مع النملة بلغتها او مع الوحش بلغته قد تكلم بلغة لامة من الأمم التي خلقها الله عزوجل، وهو قد تكلم بكلام لا يقدر البشر على التكلم به الا بتعليم من الله عزوجل، واي اعجاز وتفاخر اكبر من هذا؟

ولذا نرى النبي سليمان يبين ان من خصائص ذلك البيت النبوي المبارك انهم عُلموا منطق الطير.

ثم :

بحسب تعريف ابن جني للغة انها (اصوات) ـ وهو الواقع ـ ما الفرق بين ان تكون تلك الأصوات مواءً او عواءً او زقزقةً او نطقا بشريا؟

فالكل أصوات.

والكل يستخدمها القوم او الجماعة او الامة للتعبير بها عن اغراضهم.

فلماذا تكون أصوات البشر للتعبير عن اغراضهم محترمة ـ لا كلها كما قدمنا فبعض لغات البشر تضحكنا نحن كما قلنا والعكس صحيح ـ ولا تكون أصوات غيرهم من الأمم غير محترمة؟

اليس كلنا أمم بحسب المفهوم القراني؟؟

اليس كلنا نسبح الله عزوجل ولكن نحن لا نفقه تسبيحهم؟

ان قلتَ: ان القران الكريم قال: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا٧٠ [الإسراء: 70]

لذا ستكون لغتهم مكرمة أيضا؟

قلتُ: لو سلمت معكم ان لغتهم مكرمة كما هم مكرمون، ولكن لا يعني ذلك ان لغة غيرهم من الأمم مهانة او هي عيبٌ فيمن تكلمها؛ لأن اثبات شيء لا ينفي ماعداه.

 

اذن بعد كل هذا سيكون الكلام باصوات أي امة هو كمال في ذاته وهو قد يكون نقصا بالنسبة والمقارنة الى غيره.

 وحوار النبي سليمان مع الهدهد قد يكون بلغة الهدهد الصوتية ـ وهذه ميزة كما تقدم ـ وقد يكون بالإشارة، وقد يكون بلغة البشر بأن يكون الهدهد تكلم بلغة البشر، وبذلك ينتفي اشكال المستشكل واستفهام المستفهم.

اما العواء وغيره فلم يثبت ان نبيا عوى او موى او غيره لذا لا نحتاج ان نفترض ذلك حتى لا نجد صعوبة في تقبله ـ مع ان تلك لغة لامة السنوريات كما قدمنا ـ .

والله العالم

 احمد جعفر الفاطمي

19/ شهر رمضان/ 1439

 

 

 

Powered by Vivvo CMS v4.7