ليْلَةُِ القَدْرِ والسّرِّ الإلهي المكنون ... المسابقة الاولى للمقالات الرمضانية

بواسطة |   |   عدد القراءات : 2019
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
ليْلَةُِ القَدْرِ والسّرِّ الإلهي المكنون ... المسابقة الاولى للمقالات الرمضانية

بقلم: رحيم شاهر الإبراهيمي 

بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء، والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين الأخيار الأبرار الغطارفة الأنجبين.

  أما بعد:

          معلوم لدى الجميع أنَّ شهر رمضان يختلف عن سائر شهور السنة اختلافاً جذرياً، وكذا تختلف أيامه ولياليه، فلا يقرن أي شهرٍ من شهور السنة بشهر رمضان مطلقاً، وكذلك لا تقرن أيام السنة ولياليها بليالي، وأيام شهر الخير والبركة؛ فليلة واحدة فيه هي عند الله خيرٌ من ألف شهر  وهي ليلة القدر التي أنزل فيها القرآن، والتي فيها من الأسرار ما فيها، إذ لا يدرك سرها الا الله، والراسخون في العلم، وقد أخفاها الله لعلة هي أيضاً سرٌ لا يدرك قعره، فالاحتمالات التي وضع  لهذه الليلة المباركة احتمالات تقريبية؛ الغاية منها حث المؤمنين على العمل الدؤوب والعبادة المستمرة لاحتمال إدراكها لنيل ثواب عبادتها، والتي يقال إنَّها في الليالي العشر الأواخر من الشهر المبارك، ويقال أيضاً إنَّها في ليالي الوتر من العشر الأواخر من الشهر الفضيل، والاحتمال الآخر وليس الأخير قد تكون محصورة بين إحدى الليالي الثلاث( تسعة عشر، إحدى وعشرون، وثلاثة وعشرون) من شهر الله المبارك.

ولشرفها الكبير وخطرها الجليل "تنزل الملائكة والروح الذي هو جبرائيل بكل أمر"(1) ؛ أي: بأمر الله تعالى شأنهُ؛ فهي من السمو والرفعة التي لا تنال، ولا تدرك.

وقوله تعالى: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْر)(2)ِفالتعبير هذا يوضح أنّ عظمة ليلة القدر كبيرة إلى درجة خفيت على رسول اللّه(ص) أيضاً قبل نزول هذه الآيات، مع ما له من علم واسع، و( أَلْفِ شَهْرٍ)تعني أكثر من ثمانين عاماً، حقّاً ما أعظم هذه الليلة التي تساوي قيمتها عُمُراً طويلاً مباركاً.(3)

  يضاف إلى ذلك أنَّ شهر رمضان فيه كثير من الأعمال العبادية منها أَدائية( حركية)، ومنها عبادات فعلية، ولا تنفع الادائية (الحركية) مالم تقترن بالفعلية، ومنها ما يلي:

1-النية الصادقة: قال رسول الله(9): ( فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أنْ يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه).

2-التصدق على الفقراء والمساكين: قال رسول الله(9): ( وتصدقوا على فقرائكم، ومساكينكم).

3-توقير الكبار‘ ورحمة الصغار، وصلة الأرحام: قال رسول الله(9): (ووقروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه).

4-حفظ اللسان وغض البصر، وكف السمع: قال رسول الله(9): (واحفظوا ألسنتكم، وغضوا عما لا يحلُّ النظرُ اليه أبصاركم، وعما لا يحلُّ الاستماع اليه اسماعكم).

5- التَّحنُنِ على الأيتام، وإكرامهم:  قال رسول الله(9): (وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على ايتامكم)، وقال رسول الله(9): (ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه).

6-التوبة الصادقة من الذنوب: قال رسول الله(9): ( وتوبوا الى الله من ذنوبكم).

7-الكرم والعطاء: قال رسول الله(9): ( من أفطر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق نسمة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه، فقيل يا رسول الله فليس كلنا يقد على ذلك، فقال(9):  ( اتقوا النار، ولو بشق ثمرة، اتقوا النار، ولو بشربة ماء).

8-حسن الخلق: قال رسول الله(9): ( من حسَّنَ منكم في هذا الشهر خلقه، كان له جوازاً على السراط يوم تزل فيه الاقدام).

9-كف الشرِّ: قال رسول الله(9): ( ومن كفَّ شرَّه كفَّ الله عنه غضبه يوم يلقاه).(4)

        فهذه جملة من العبادات الفعلية في هذا الشهر الفضيل، فالتسامح ، وكفِّ الأذى، والورع عن محارم الله، وضبط النفس عن الغضب، وحبسها عن الملذات، والايثار، والمودة، والمحبة، والإصلاح بين الناس، والدعوة لهم بالخير؛ لهيَّ من أفضل ما يقدمه الانسان الورع المؤمن في دنياه ليكون ذخراً له لآخرته ليرضي الله تعالى عنه ويرضيه يوم يلقاه، وخاصّة في شهره الكريم، وليلة القدر التي هي كما هو معلوم خيرٌ من ألف شهر .

    ومن الأعمال المهمة التي يجب أن يلتفت اليها الإنسان حفظ مال وأعراض، ودماء المسلمين فهي من أعظم الحرمات عند الله تعالى، قال رسول الله(9) في حجة الوداع: ( إنَّ دمائكم، وأموالكم، وأعراضكم حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت)(5)، وقال(9) ايضاً: (كل المسلم على المسلم حراكم: دمه، وعرضه)(6).

        فأحبتي يا أهل الله، وأهل شهره، وأهل ليلة القدر؛  التسامح جميل، والود، والمحبة، والرحمة من الطاف الله على عباده، ومن أفضل الخُلق؛ ففي هذا الشهر الفضيل يجب أنْ تشاع فضائل الأخلاق، ويعم التسامح بين كل المسلمين لنيل رضا رب العالمين، فإنّكم ما خلقتم الا لتعبدوه، فجاهدوا أنفسكم كي ترضوه؛ فإنَّهُ نعم الرَّب الرَّحيم، والحمد لله رب العالمين.

رحيم شاهر الإبراهيمي

كتبت ببركة اليوم الحادي والعشرين من شهر الله المبارك

قم المشرفة(1440هـ)

المصادر

1-الطوسي محمد بن الحسن(ت:460هـ): التبيان، 10/368.

القدر/2.

3- الشيرازي ناصر مكارم: تفسير الأمثل،20/.

 4-القمي عباس: مفاتيح الجنان، الخطبة الرمضانية، مطبوعات اهل البيت، ط/3، ص172- 174.

5- المجلسي محمد باقر(ت: 1111هـ): بحار الأنوار، 12/.405

6- الشريف المرتضى(ت: 436هـ): الأمالي، ص84.

.

Powered by Vivvo CMS v4.7