• Post on Facebook
  • Twitter
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save
الأكثر شعبية

الجهاد في القرآن الكريم

بواسطة |   |   عدد القراءات : 4942
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الجهاد في القرآن الكريم

الجهاد في القرآن الكريم

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ 

إعلم أنّ للجهاد في الإسلام أهميّة كبرى، حيث اعتبر من الأركان الأساسيّة الّتي قام عليها الدّين ولولاه ما قام للدّين عمود، وما اخضرّ للإسلام عود. وهو يمثّل قمّة العطاء ومنتهى التّضحية، حيث يعرّض المرء حياته للخطر، واحتمال الموت أو الخسارة الّتي لا تعوّض، كلّ ذلك في سبيل الله تعالى، ولإعلاء كلمة الإسلام ونشر دين الحقّ في الأرض، ولكي لا يشتبه البعض نقول: إذا كان القتال العسكريّ بيد الدّول والشّعوب تعتبر في كثير من الأحيان اعتداءً أو جريمة أو مظهر من مظاهر السّيطرة والهيمنة، إلا إنّه في الإسلام مظهر من مظاهر السّلام والمحبّة وسيادة الحقّ والعدل والأمن والاستقرار، كما يقول الله تبارك وتعالى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ 

وفي كثير من الحالات يكون الجهاد في سبيل الله للدّفاع عن المستضعفين والمظلومين الّذين لا حول لهم ولا قوّة أمام غطرسة الاحتلال للأرض والمقدسّات ولولا الجهاد والقوّة الرّادعة لفسدت الأرض وأهلك القويّ الضّعيف.

ثمّ إنّ للجهاد آثارًا على النّفس كثيرة لأنّه نوع بلاء وامتحان للإنسان المسلم بمقدار صدقه ووفائه للمبادئ الّتي يحمل أو يدعو إليها فهو يتطلّب جهدًا وتعبًا ومشقّة وعرقًا وسهرًا ومشيًا وتحمّلاً وجوعًا وألمًا وغربة، هذا في الأحوال العاديّة، وفي حالات أخرى يتطلّب دمًا وأعضاءً ونفسًا وحياة، حيث يبيع المجاهد في سبيل الله رأسه وجمجمته لإحقاق الحقّ وإظهاره، ولكن ثمن ذلك كلّه الجنّة الّتي وعد بها الله سبحانه المجاهدين وخصّص لهم بابًا يدخلون منه كما عبّر الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): للجنّة باب يقال له باب المجاهدين يمضون إليه فإذا هو مفتوح وهم متقلّدون بسيوفهم والجمع في الموقف والملائكة ترحّب بهم ثمّ قال: فمن ترك الجهاد ألبسه الله عزّ وجلّ ذلاًّ وفقرًا في معيشته ومحقًا في دينه، إنّ الله أغنى أمّتي بسنابك خيلها ومراكز رمحها. نعم إنّ الجهاد يحظى في الإسلام بأهميّة كبرى لأنّ بقاء الإسلام وانتشاره واقتداره وتنفيذ قوانين الشّريعة يقوم على هذه الفريضة ولهذه الجهة وردت تأكيدات كثيرة في القرآن الكريم على هذه الفريضة بالإضافة إلى الكثير من الرّوايات ولكن سنركز على ما جاء في القرآن هنا فانتظر.

 

 

مفهوم الجهاد

 

 

الجهاد يعني في اللّغة: بذل الجهد وتحمّل المشقّة في طريق الوصول إلى الهدف..

وفي الاصطلاح الجهاد: عبارة عن المبالغة واستفراغ الوسع في محاربة العدوّ بهدف نشر الإسلام وإعلاء كلمة التّوحيد والدّفاع عن الإسلام والمسلمين ويكون ببذل النّفس والمال وبالقول والفعل.

 

 

وجوب الجهاد

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ 

هذه الآية تبيّن لزوم مقاتلة العدوّ وإنّه فرْض قد كتب وجوبه على المسلمين لكنّ الإنسان بحسب طبيعته يملّ الصّعاب والمشاقّ ويرغب في الرّاحة والدّعة وقد عبّرت الآية عن هذا الشّعور بقولها: ﴿ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ﴾.

والله سبحانه يظهر لنا أنّ هذه المشاعر الذّاتيّة بالكره وبالحبّ ليست معيارًا لفهم المصلحة الحقيقيّة للفرد والمجتمع، فرُبَّ شيء تحبّونه وهو ينطوي على شرّ بليغ، والله سبحانه هو المحيط بكلّ خفايا الأمور.

والآية تشير أيضًا إلى مبدأ أساسيّ ومهمّ وهو أنّ على الإنسان المؤمن أن يفهم أنّ كلّ هذه القوانين والأحكام هي لصالحه تشريعيّة كانت كالجهاد والزّكاة أم تكوينيّة كالموت والمصائب الّتي تحلّ به أو بأحبّائه ولذلك عليه أن يسلم أمره لله عزّ وجلّ ولا يحكّم فيها علمه المحدود فعلمه بالنّسبة لمجهولاته كقطرة في بحر.

وقال سبحانه: ﴿ وَجَاهِدُواْ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ 

فالمعنى جاهدوا في نصرة الله عزّ وجلّ وإحياء دينه وإعلاء كلمته.

 

 

مفهوم الإسلام عن الحرب

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ 

يعني جاهدوا في سبيل الله تعالى وقصد إعزاز دينه وإعلاء كلمته لا لمطالب دنيويّة وضغائن وأحقاد.

وهي تأمر بمقاتلة الّذين يشهرون السّلاح بوجه المسلمين وأجازهم أن يواجهوا السّلاح بالسّلاح، وقد بيّنت ثلاثة أسس توضّح مفهوم الإسلام عن الحرب وهي على الشّكل التّالي:

أولاً: توضّح الهدف الأساسيّ من الحرب في المفهوم الإسلاميّ، فالحرب ليست للانتقام ولا للعلوّ في الأرض والتّزّعم ولا للاستيلاء على الأرض ولا للحصول على الغنائم، فهذا كلّه مرفوض في نظر الإسلام، حمل السّلاح إنّما يصُحّ حينما يكون في سبيل الله ونشر أحكام الله، أيْ نشر الحقّ والعدالة والتّوحيد، واقتلاع جذور الظّلم والفساد والانحراف.

ثانيًا: بشأن الّذين تجب مقاتلتهم تقول الآية إنّهم ﴿ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾ فلا تجوز مقاتلة العدوّ ما دام لم يشهر سيفًا ولم يبدأ بقتال باستثناء موارد خاصّة.

ثالثًا: أبعاد الحرب تحدّدها العبارة: ﴿ وَلَا تَعْتَدُواْ ﴾ فالحرب في الإسلام لله سبحانه وفي سبيل الله عزّ وجلّ ولا يجوز أن يكون في سبيل الله تعالى اعتداء ولا عدوان على أحد.

لذلك يوصي الإسلام برعاية الكثير من الأصول الخلقيّة في الحرب.

يقول عليّ (عليه السّلام): فإذا كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبرًا، ولا تصيبوا معورًا ولا تجهزوا على جريح ولا تهيّجوا النّساء بأذى وإن شتمْنَ أعراضكم وسبَبْنَ أمراءكم.

 

 

حقن الدّماء واحترام المسجد الحرام

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴾ 

هذه الآية تؤكّد على ضرورة احترام المسجد الحرام حيث المكان الّذي جعله الله تعالى أمنًا بناءً على طلب إبراهيم الخليل (عليه السّلام)، فلا تجوز مقاتلة المشركين فيه حتّى يبدؤوهم بقتال فإن بدؤوا بالقتال فللمسلمين أن يدافعوا عن أنفسهم حتّى في المسجد الحرام.

ثمّ يقول الله سبحانه: ﴿ فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْاْ فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ 

فالمولى سبحانه يؤكّد مفهومًا ساميًا لبعد الجهاد الإسلاميّ وهو البعد عن روح الحقد والانتقام وتؤكّد أنّ الكافر المحارب لو تاب يعود إلى رحمة الله وإلى حمى المسلمين فالجهاد إذًا لا يستهدف ما تستهدفه الحروب الجاهليّة، من تسلّط واحتلال وعلوّ عنصريّ أو فئويّ.

 

 

الجهوزيّة القتاليّة والإعداد للحرب

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً ﴾ 

فهي صريحة الدّلالة على وجوب الجهاد والتّأهّب لقتال الكفّار، أيْ الزموا طريق الاستعداد والاحتياط بأخذ السّلاح وغيره وجانبوا الغفلة لئلاّ يميلوا عليكم فيظفروا بكم، وقال سبحانه: ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ 

 

 

نيل إحدى الحسنيَيْن

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ﴾ 

في الآية دلالة واضحة على وجوب الجهاد والحثّ عليه والتّرغيب فيه حيث بيّن أنّه يفوز (الأفراد) بإحدى الحسنيَيْن أو كلَيْهما إمّا الفوز الأخرويّ أو الدّنيويّ، والأوّل لازم على كلّ حال.

 

 

الدّفاع عن المستضعفين

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً ﴾

نقل عن سبب النّزول إنّ قومًا من المسلمين تخلّفوا بمكّة عجزوا من الهجرة فاجتمع الكفّار على افتتانهم عن الإسلام وتوعّدوهم بالمكروه استضعافًا لهم فدعوا ربّهم فنزلت الآية في الحثّ على استنقاذهم ودفع الأذى عنهم فكان فتح مكّة على يد رسوله الأمين (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فكان لهم وليًّا ونصيرًا.

ففي الآية دلالة على وجوب الهجرة عن بلاد الشّرك إلى أرض الله الواسعة وعذر العاجز عن ذلك ووجوب السّعي لاستنقاذهم والمدافعة عنهم.

 

 

فضل المجاهدين على القاعدين

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُاًَ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95) دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ 

الآية صريحة الدّلالة على أفضليّة الجهاد والأخبار الدّالة على ذلك وعلى فضل المجاهد كثيرة فقد جاء في الحديث: إنّ الله سبحانه فضّل المجاهدين على القاعدين سبعين درجة بين كلّ درجتَيْن مسيرة سبعين خريفًا للفرس الجواد المضمر.

وفيها دلالة أيضًا على سقوط الجهاد عن أولي الضّرر.

 

 

نصرة النّبيّ القائد

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾

المعنى أنّه ليس لهم - أيْ لأهل المدينة ومن حولها - في شرع الله ودينه التّخلّف عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الجهاد معه بأن يرغبوا في حفظ أنفسهم وإعزازها عن نفس رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الّذي جعله الله تعالى أولى بهم مع حصول هذه الفائدة العظيمة لهم في خروجهم معه فإنّ من تأمّل في ذلك يوجب أن يفديه بنفسه ويقطع بقبح التّخلّف عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ودلالتها واضحة على فضيلة الإنفاق في سبيل الله وهي تؤكّد أيضًا على ضرورة السّير خلف القيادة النّموذجيّة وعدم التّخلّي عنها مهما حصل.

 

 

لا جهاد على الضّعفاء

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ 

فالجهاد على كلّ مكلّف غير أعمى ولا مقعد ولا مريض يعجز عن الرّكوب والعَدْوِ ولا فقير يعجز عن نفقة عياله وطريقه وثمن ملابسه.

 

 

احترام الأشهر الحرم والقتال فيها

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ 

قيل إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعث سريّة من المسلمين وأمّر عليهم عبد الله بن جحش الأسديّ وهو ابن عمّة النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وذلك قبل بدر بشهرَيْن على رأس سبعة عشر شهرًا من مقدم النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المدينة، فانطلقوا حتّى هبطوا نخلة وهي أرض بين مكّة والطّائف فوجدوا بها عمرو بن الحضرميّ في قافلة تجارة لقريش في آخر يوم من جمادى الآخرة، وكانوا يرون أنّه من جمادى وهو رجب من الأشهر الحرم، فاختلف المسلمون أيقتلون الحضرميّ ويغنمون ماله لعدم علمهم بحلول الشّهر الحرام، أم يتركونه احترامًا لحرمة شهر رجب. وانتهى بهم الأمر أن شدّوا على الحضرميّ فقتلوه وغنموا ماله، فبلغ ذلك كفّار قريش فانطلقوا يعيّرون المسلمين ويقولون إنّ محمّدًا أحلّ سفك الدّماء في الأشهر الحرم فنزلت الآية.

فالقرآن يعلن صراحة حرمة القتال في هذه الأشهر، ويعتبره من الكبائر، لكنّه يعلن أنّ المشركين لا يحقّ لهم أن يلوموا ويعيّروا المسلمين لخطأ صدر عنهم بقتل الحضرميّ في الأشهر الحرم لأنّ هؤلاء المشركين يرتكبون أكبر من ذلك بكفرهم بالله سبحانه وصدّهم النّاس عن الاهتداء إلى سبيل الله وإخراج المؤمنين من حرم مكّة وانتهاكهم هذا الحرم الآمن وعملهم هذا « فتنة » أيْ تلويث للجوّ الاجتماعيّ بالكفر والطّغيان.

 

 

مقاتلة الأقرب فالأقرب

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ 

يعني الّذين يقرّبون إليكم الأقرب فالأقرب لما في ذلك من المصلحة ودفع الضّرر لئلا ينتهز العدوّ الأقرب الفرصة عند مقاتلة الأبعد. وهكذا كانت سيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الرّدّ بالمثل.

 

 

احترام الأشهر الحرم

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ 

تشير هذه الآية إلى أنّ احترام الأشهر الحرم ضروريّ أمام العدوّ الّذي يراعي حرمة هذه الأشهر، أمّا العدوّ الّذي يهتك هذه الحرمة فلا نلزم معه رعاية الاحترام وتجوز محاربته في هذه الأشهر.

وتشرّع الآية حكمًا عامًّا تفرض فيه على كلّ فرد مسلم وكلّ جماعة مسلمة مواجهة الظّالم والرّدّ على عدوانه بالمثل.

وهذا قانون كونيّ طبيعيّ، فخلايا البدن تقف بوجه اعتداء الميكروبات المهاجمة والنّباتات تحصّن نفسها بأشكال مختلفة أمام تحدّيات العوارض الجويّة.

 

 

الكرّ والفرّ في الحرب

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾

والمعنى لا تجعلوا ظهوركم ممّا يليهم أيْ لا تنهزموا في وقت القتال ليلاً كان أو نهارًا ولا يعرض أحدكم عمّن قابله منهم إلا متحرّفًا لقتال أيْ تاركًا موقفًا ومائلاً عنه لا بقصد الهزيمة بل طلبًا للأصلح في القتال. كأن يقصد الفرّ ثمّ الكرّ أو إصلاح لامة حربه أو عن مقابلة الرّيح أو الشّمس أو على هابط إلى علوّ أو طلب مشروب أو مأكول اضطر إليه أو نحو ذلك ممّا فيه الصّلاح للقتال.

 

 

التّحريض على القتال

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ 

والتّحريض هو التّرغيب والحثّ على الشّيء كحبّ الجهاد ببيان فوائده الدّنيويّة كالإعزاز والأخرويّة بالفوز بالدّرجات العليا في الجنّة. وقال الله سبحانه أيضًا: ﴿ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً ﴾

الخطاب للنّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمره أن يقاتل في سبيل الله تعالى وحده ولا يهتمّ بتخلّف المنافقين عن الجهاد معك فإنّ ضرر ذلك عليهم وعليك وأن تحرِّض المؤمنين على ذلك وتحثّهم عليه، عسى الله سبحانه أن يكفّ بأس الكفّار ويكفيك مؤْنتهم ويكسر شوكتهم.

 

 

الغِلظة على الأعداء والحرب الشّاملة

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ 

تضمّنت هذه الآية جهاد الكفّار الشّامل والغلظة عليهم.

 

 

الضّغط البنّاء

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ قَاتِلُواْ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ 

هذه الآية أمرت بقتال من يتّصف بصفة واحدة من أربع صفات:

1 - الّذين لا يؤمنون بالله سبحانه.

2 - الّذين لا يؤمنون باليوم الآخر أيْ بالبعث والنّشور.

3 - الّذين لا يُحرِّمون ما حرَّم الله سبحانه.

4 - الّذين لا يدينون دين الحقّ أيْ الإسلام الّذي هو الحقّ الثّابت النّاسخ للأديان. (طبعًا إعلان الحرب على هؤلاء بيد الحاكم القائد).

 

 

الإصلاح بين المؤمنين

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُواْ الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ﴾ 

هذا بمثابة القانون الكلّيّ العامّ لكلّ زمان ومكان لحلّ الخلافات بين الأفراد والجماعات في المجتمع المؤمن.

 

 

ينهي عن الارتداد وبيان صفات الحماة

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ 

والمراد ارتدادهم عن الدّين فالآية تتحدّث عنهم، وهذه الآية أتت بقانون عامّ يحمل إنذارًا لجميع المسلمين فأكّدت أنّ من يرتدّ عن دينه فهو لن يضرّ الله بارتداده هذا أبدًا ولن يضرّ الدّين ولا المجتمع الإسلاميّ أو تقدّمه السّريع لأنّ الله كفيل بإرسال من لديهم الاستعداد في حماية هذا الدّين.

ثمّ تتطرّق إلى صفات هؤلاء الحماة الّذين يتحمّلون مسؤوليّة الدّفاع العظيمة وهي على الشّكل التّالي:

1 - إنّهم يحبّون الله سبحانه ولا يفكّرون بغير رضاه فالله تعالى يحبّهم وهم يحبّونه.

2 - و 3 - يبدون التّواضع والخضوع والرّأفة أمام المؤمنين بينما هم أشدّاء أقوياء أمام الأعداء الظّالمين.

4 - إنّ شغلهم الشّاغل هو الجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ.

5 - وآخر صفة تركّز عليها الآية لهؤلاء العظام هي أنّهم لا يخافون لومة لائم في طريقهم لتنفيذ أوامر الله سبحانه والدّفاع عن الحقّ.

 

 

شدّة القتال وأسرى الحرب

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾ 

فالله سبحانه أمر بقتلهم والإثخان فيهم ليذلّوا فإذا ذلّوا بالقتل وأسروا فالأمر يكون بعد المبالغة في القتل كما قال سبحانه: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ﴾  ولهم أحكام تطلب في محلّها .

 

 

كيفيّة التّعامل مع المهاجرات

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُواْ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُواْ مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَا أَنفَقُواْ ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾ 

 

 

سبب النّزول

 

 

روي عن ابن عبّاس أنّه قال: صالح رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالحديبيّة مشركي مكّة على أنّ من أتاه من أهل مكّة ردّه عليهم ومن أتى أهل مكّة من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فهو لهم ولم يردّه وكتبوا بذلك كتابًا وختموا عليه فجاءت سبيعة بنت الحرث الأسلميّة مسلمة بعد الفراغ من الكتابة والنّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالحديبيّة، فجاء زوجها مسافر من بني مخزوم في طلبها وكان كافرًا فقال: يا محمّد ردّ عليّ زوجتي فإنّك شرطت أن تردّ علينا من أتاك منّا وهذه طينة الكتاب لم تجفّ بعد، فنزلت الآية.

 

 

كيفيّة مبايعة النّساء

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ 

روي أنّه لمّا فتح رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مكّة بايع الرّجال ثمّ جاءت النّساء يبايعنه فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية. فبايعهنّ على أن لا يأتين بما ذكر في الآية وأمّا كيفيّة المبايعة فكانت بأن دعا بقدح من ماء الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأدخل يده ثمّ أخرجها فقال: ادخلن أيديكن في هذا الماء فهي البيعة.

 

 

خطأ المحاسبة

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلَا تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ﴾ (386) .

فنزلت الآية لمّا رجع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من غزوة خيبر وبعث أسامة بن زيد في خيل إلى بعض اليهود في ناحية فدك ليدعوهم إلى الإسلام وكان رجل من اليهود يقال له مرداس بن نهيك الفدكيّ في بعض القرى فلمّا أحسّ بِخَيْل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جمع أهله وماله وصار في ناحية الجبل فأقبل يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمّدًا رسول الله فمرّ به أسامة بن زيد فطعنه فقتله فلمّا رجع إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخبره بذلك فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): قتلت رجلاً شهد أن لا إله إلا الله وأنّي رسول الله؟ فقال: يا رسول الله إنّما قالها تعوّذًا من القتل، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أفلا شققت الغطاء من وجهه عن قلبه، لا ما قال بلسانه قبلت ولا ما كان في نفسه علمت، فحلف أسامة بعد ذلك أن لا يقاتل أحدًا شهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّدًا رسول الله. وأنزل الله في ذلك ﴿ وَلَا تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ ﴾ الآية. وفي الآية دلالة على أنّ الشّهادتَيْن إذا قالهما الكافر يحقن بهما الدّم والمال.

 

 

السّلم والمهادنة

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ 

جنحوا أيْ مالوا إلى السّلم أي الصّلح وترك الحرب فاجنح لها أيْ مِلْ إليها هذا إذا كان فيها مصلحة للمسلمين.

 

 

ضرورة الهجرة

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً ﴾ 

تدلّ هذه الآية على وجوب الهجرة من بلاد الشّرك الّتي لا يمكنه فيها إقامة شعائر الإسلام.

 

 

قصّة عمار بن ياسر

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمان وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾.

الآية نزلت في عمّار وذلك أنّ جماعة من أهل مكّة أسلموا ثمّ فتنوا فارتدّ بعضهم طوعًا وبعضهم أُكرِه وهو عمّار وأبواه ياسر وسميّة، وصهيب وبلال، أمّا سميّة فربطت بين بعيرَيْن وجيء في قلبها بضربة وقيل لها أنّك أسلمت طلبًا للرّجال وقتل ياسر معها، وأمّا عمّار فأعطاهم بلسانه ما أرادوا منه ونجا فسبّ النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتبرّأ منه وذكر آلهتهم بخير.

 

 

الجهاد الأصغر

 

 

روي أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعث سريّة فلمّا رجعوا قال: مرحبًا بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النّفس.

وقال عليّ (عليه السّلام): أفضل الجهاد من جاهد نفسه الّتي بين جنبَيْه.

 

 

ثواب الجهاد

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَلَا تَقُولُواْ لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لَّا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ  ﴾ 

في كلّ زمان ومكان نجد مجموعة محبّة للعافية تبتعد عن الأمّة المجاهدة ولا تكتفي بالتّقاعس والتّكاسل، بل تسعى إلى تثبيط عزائم الآخرين وبثّ الاسترخاء والتّماهل في المجتمع، وما أن تظهر حادثة مؤلمة حتّى يعربون عن أسفهم وينقمون على المجاهدين الّذين اتّصلت بهم الحادثة غافلين إنّ كلّ هدف مقدّس يحتاج إلى تضحيات، وتلك سُنّة كونيّة فالقرآن الكريم يتحدّث عن هذه الفئة كرارًا ويؤنّبهم بشدّة.

ثمّة أفراد من هؤلاء كانوا يتظاهرون بالتّأسّف والتّألّم على موت شهيد من شهداء الإسلام في المعركة ويبعثون بذلك القلق والاضطراب في النّفوس.

والله سبحانه يردّ على هذه الأقاويل السّامّة بالكشف عن حقيقة كبرى هي أنّ الّذين يضحّون بأنفسهم في سبيل الله ليسوا بأموات هؤلاء أحياء، ويتمتّعون بنعيم الله ورضوانه لكنّ البشر المحدودين في عالم الحسّ لا يدركون هذه الحقائق وهذا ما تؤكّده الآية الّتي تقول: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ 

فالإسلام والقرآن يبيّن مكانة الشّهداء ومنزلتهم عند الله عزّ وجلّ ويمكن أيضًا الرّجوع إلى الرّوايات لمعرفة ذلك.

 

 

من هو الشّهيد؟

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ 

من آمن بالله سبحانه وصدّق بتوحيده وأقرّ بنبوّة رسله ﴿ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ ﴾.

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث مع أصحابه لعبد الله بن رواحة: « مَن الشّهيد مِن أمّتي؟ فقالوا: أليس هو الّذي يقتل في سبيل الله مقبلاً غير مدبر؟، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّ شهداء أمّتي إذًا لقليل، الشّهيد الّذي ذكرتم، والطّعين، والمبطون، وصاحب الهدم والغرق، والمرأة تَمُتْ جمعًا، قالوا: وكيف تموت جمعًا يا رسول الله؟ قال: يعترض ولدها في بطنها »  هذه المذكورات في الرّواية حكمهم بمنزلة حكم الشّهيد فهي شهادة حكميّة.

 

 

قصّة حنظلة المجاهد

 

 

« حنظلة » وهو شابّ لم يكن قد جاوز الرّابعة والعشرين من عمره آنذاك وهو « ابن عامر » عدوّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والّذي كان مصداقًا لقول الله تعالى: ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ﴾.

فقد اشترك والده أبو عامر الفاسق في معركة « أحد » إلى جانب قريش ضدّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكان ممّن يكيدون للإسلام وممّن حرّض قريشًا ضدّ النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واستمرّ في معاداة الإسلام حتّى النّفس الأخير، ولم يألُ جهدًا في هذا السّبيل.

وقد كان أبو عامر هذا السّبب الرّئيسيّ وراء حادثة مسجد « ضرار » غير أنّ علاقة الأبوّة والبنوّة وما يتبعها من أحاسيس لم تصرف حنظلة عن الاشتراك في حرب ضدّ أبيه، ما دام أبوه على باطل وهو أيْ حنظلة على الحقّ. فيَوْم خرج النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع أصحابه إلى « أحد » لمواجهة قريش كان حنظلة يريد البناء بزوجته ليلته، وكان عليه أن يقيم مراسم الزّفاف والعرس في اللّيلة الّتي خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى « أحد » في صبيحتها المنصرمة.

ولكنّه عندما سمع مؤذّن الجهاد ودوّى نداؤه في أذنه تحيّر في ما يجب أن يفعله فلم يجد مناصًا من أن يستأذن من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأن يتوقّف في المدينة ليلة واحدة لإجراء مراسيم العرس ويقيم عند عروسته ثمّ يلتحق بالمعكسر الإسلاميّ صبيحة الغد من تلك اللّيلة، وقد نزل في هذا الشّأن قوله: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ ﴾ (393) .

فأذن له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فبات حنظلة عند عروسته تلك اللّيلة ولمّا أصبح خرج من فوره وتوجّه إلى « أحد » وهو « جُنُب ».

ولمّا حضر حنظلة القتال وسقط شهيدًا قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « رأيت الملائكة تغسّل حنظلة بين السّماء والأرض بماء المزن في صحائف من ذهب فكان يسمّى غسيل الملائكة ».

 

Powered by Vivvo CMS v4.7