• Post on Facebook
  • Twitter
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save
الأكثر شعبية

الشيعة وتفسير غريب القرآن

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1987
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

الشيعة وتفسير غريب القرآن

ارتحل النبيّ الاَكرم - صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- ، ،فعكف المسلمون على دراسة القرآن، ولكن أوّل ما فوجئوا به كان هو قصور باع لفيف منهم عن معرفة معاني بعض ألفاظه، فما هذا إلاّ لاَنّ في القرآن ما قد ورد بغير لغة أهل الحجاز. انّ القرآن وإن نزل بلغة أهل الحجاز بشكل عام، لكن ربّما وردت فيه ألفاظ ذائعة بين القبائل الاَُخرى، وقد عقد السيوطي باباً فيما ورد في القرآن بغير لغة أهل الحجاز، وأظنّ أنّه قد أفرط في هذا الباب، ولكنّه لا يمكن إنكار هذا الأصل في القرآن الكريم من أساسه، وممّا يشهد بذلك (مفاجأة المسلمين بغريب القرآن) ما رواه القرطبي في تفسيره فقال:

عن عمر أنّه قال على المنبر: ما تقولون في قوله تعالى:(أَوْ يَأخُذَهُمْ عَلى تَخوّفٍفسكتوا، فقام شيخ من هذيل فقال: هذه لغتنا. التخوّف :التنقص، قال: فهل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟ قال: نعم. قال: شاعرنا ـ زهير ـ أبو كبير الهذلي يصف ناقة تنقّص السير سنامها بعد تمكِه واكتنازه:
تَخَوَّفَ الرحلُ مِنها تامكاً قَرداً * كَما تخوّفَ عُود النبعة السفن
فقال عمر: أيّها الناس عليكم بديوانكم لا يضلّ، قالوا: وما ديواننا؟ قال: شعر الجاهلية، فانّ فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم.
روى أبو الصلت الثقفي أنّ عمر بن الخطاب: قرأ قول اللّه: (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلّهُ يَجْعَل صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) بنصب الراء وقرأها بعض من عنده من أصحاب رسول اللّه - صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم- بخفض الراء، فقال: أبغوني رجلاً من كنانة، و اجعلوه راعياً وليكن مدلجياً، فأتوه به، فقال له عمر:يا فتى! ما الحرجة فيكم؟ فقال: الحرجة فينا الشجرة تكون بين الاَشجار الّتي لا تصل إليها راعية ولا وحشيّة ولا شيء، فقال عمر: كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير.

روى عبد اللّه بن عمر قال: قرأ عمر بن الخطاب هذه الآية: (ما جَعَلَ عَلَيكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج) ، ثمّ قال: ادعوا لي رجلاً من بني مدلج، قال عمر: ما الحرج فيكم؟ قال: الضيق.
وكم لهذه القصص من نظائر في التاريخ، وهذا هو نافع بن الاَزرق، لمّا رأى

عبد اللّه بن عباس جالساً بفناء الكعبة، وقد اكتنفه الناس ويسألونه عن تفسير القرآن، فقال لنجدة بن عويمرالحروري: قم بنا إلى هذا الذي يجترىَ على تفسير القرآن بما لا علم له به، فقاما إليه فقالا: إنّا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب اللّه فتفسّرها لنا وتأتينا بمصادقة من كلام العرب، فانّ اللّه تعالى أنزل القرآن بلسانٍ عربي مبين، فقال ابن عباس: سلاني عمّا بدا لكم ، فقال نافع: أخبرني عن قول اللّه تعالى: (عَنِ الْيَمينِ وَعَنِ الشِّمال عِزين) (قال: العزون: الحلَق الرقاق، فقال: هل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت عبيد بن الاَبرص وهو يقول:
فجاءُوا يُهْرَعُونَ إليه حتى * يكونُوا حولَ منبِرْهَ عِزينا
ثمّ سألاه عن أشياء كثيرة عن لغات القرآن الغريبة ففسّرها مستشهداً بالشعر الجاهلي، ربّما تبلغ الاَسئلة والاَجوبة إلى مائتين، ولو صحّت تلك الرواية لدلّت قبل كلّ شيء على نبوغ ابن عباس في الاَدب العربي، وإلمامه بشعر العرب الجاهلي حيث استشهد على كلّ لغة فسّرها بشعر منهم، وقد جاءت الاَسئلة والاَجوبة في الاتقان.

وهذه الاَحاديث والاَخبار تعرب عن أنّ الخطوة الاَُولى لتفسير القرآن الكريم كانت تفسير غريبه وتبيين ألفاظه التي ربّما تشكل على البعض، ولعلّ ذلك كان الحافز القوي للفيف من جهابذة الاَُمّة، حيث استثمروا تلك الخطوة وبلغوا الغاية فيه من غير فرق بين السنّة والشيعة، ونحن نذكر في هذا المجال ما ألّفه علماء الشيعة وأُدباوَهم بعد ابن عباس، ونكتفي من الكثير بمشاهيرهم الذين كان لهم دوي في الاَوساط اللغوية والاَدبية، ونترك من لم يكن له ذلك الشأن، فليكن ذلك

عذراً لمن يقف على موَلّفات لهم في غريب القرآن، ولم نذكرها في تلك القائمة.
1.
غريب القرآن، لاَبان بن تغلب بن رباح البكري(المتوفّى141هـ) من أصحاب علي بن الحسين والباقر والصادق - عليهم السّلام- ، وكانت له منزلة عندهم، وقد نصّبه أبو جعفر الباقر - عليه السّلام- للافتاء، وقال: «اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس فانّي أحبّ أن يرى في شيعتي مثلك»، وقال أبو عبد اللّه - عليه السّلام- لمّا أتاه نعيه: «واللّه أوجع قلبي موت أبان». وقال النجاشي: عظيم المنزلة في أصحابنا، وكان قارئاً من وجوه القرّاء فقيهاً لغوياً، سمع من العرب وحكى عنهم، وكان أبان رحمه اللّه مقدّماً في كلّ فن من العلم، في القرآن والفقه والحديث والاَدب واللغة والنحو. وله كتب منها تفسير غريب القرآن وكتاب الفضائل، ولاَبان قراءة مفردة مشهورة عند القرّاء. مات أبان في حياة الاِمام الصادق سنة (141هـ).

2. غريب القرآن : لمحمد بن السائب الكلبي(المتوفّى 146هـ)وهو من أصحاب الاِمام الصادق - عليه السّلام- ووالد هشام بن محمد بن السائب الكلبي العالم المشهور والنسّابة المعروف

3. غريب القرآن : لاَبي روق عطيّة بن الحارث الهمداني الكوفي التابعي. قال ابن عقدة: كان ممّن يقول بولاية أهل البيت - عليهم السّلام- .

4.
غريب القرآن : لعبد الرحمن بن محمد الاَزدي الكوفي، جمعه من كتاب أبان و محمد بن السائب الكلبي، وأبي روق عطية بن الحارث، فجعله كتاباً واحداً
فبيّن ما اختلفوا فيه وما اتّفقوا عليه، فتارة يجيء كتاب أبان مفرداً، وتارة يجيء مشتركاً.
ويظهر من سند الشيخ الطوسي إليه في الفهرست أنّه ممّن صحب أبان بن تغلب، وينقل عنه ابن عقدة المتوفّى عام (333هـ) بواسطة حفيده (أبو أحمد بن الحسين بن عبد الرحمن الاَزدي)، فالرجل من علماء القرن الثاني.
5.
غريب القرآن : للشيخ أبي جعفر أحمد بن محمد الطبري الآملي الوزير الشيعي المتوفّى عام (313هـ).

6. غريب القرآن: للشيخ أبي الحسن علي بن محمد العدوي الشمشاطي النحوي المعاصر لابن النديم الذي ألّف فهرسته عام (377هـ). قال النجاشي: «كان شيخنا بالجزيرة، وفاضل أهل زمانه وأديبهم، له كتب كثيرة منها كتاب «الاَنوار والثمار». قال لي سلامة بن ذكاء: إنّ هذا الكتاب ألفان وخمسمائة ورقة يشتمل على ذكر ما قيل في الاَنوار والثمار من الشعر». ثمّ عدّ كتبه،ومنها كتاب غريب القرآن إلى أن قال: قال سلامة: وكتاب مختصر الطبري، حيث حذف الاَسانيد والتكرار، وزاد عليه من سنة ثلاث وثلاثمائة إلى وقته فجاء نحو ثلاثة آلاف ورقة، وتمّم كتاب « الموصل» لاَبي زكريا زيد بن محمد، وكان فيه إلى سنة

(321
هـ)، فعمل فيه من أوّل سنة(322هـ) إلى وقته، وذكر النجاشي فهرس كتبه، منها غريب القرآن.
7.
غريب القرآن : للشيخ فخر الدين الطريحي المتوفّى عام (1085هـ)، وقد طبع في النجف الاَشرف في جزء واحد عام (1372هـ)، وأسماه الموَلّف بـ«نزهة الخاطر وسرور الناظر وتحفة الحاضر».
8.
مجمع البحرين ومطلع النيرين: وهو في غريب القرآن والحديث ولغتهما للشيخ الطريحي أيضاً، وهو كتاب كبير معجم للغاتهما، طبع في ستة أجزاء.
9.
البيان في شرح غريب القرآن: للشيخ قاسم بن حسن آل محيي الدين طبع بالنجف عام (1374هـ)، بإشراف وتصحيح مرتضى الحكمي.
10.
غريب القرآن: للسيد محمد مهدي بن السيد الحسن الموسوي الخرسان يقع في جزءين.
هذه عشرة كاملة نكتفي بها، وهناك كتب أُلّفت في توضيح مفردات القرآن بغير اللغة العربية، فمن أراد فليرجع إلى الفهارس.

فإذا كانت هذه الكتب تهدف إلى تفسير غريب القرآن وتبيين مفرداته، فهناك كتب تهدف إلى تفسير غريب جمله التي جاءت في القرآن بصورة المجاز أو الكناية أو الاستعارة على الفرق الواضح بينها، وإليك بعض ما أُلّف في ذلك المجال:
1.
مجاز القرآن: لشيخ النحاة الفرّاء يحيى بن زياد بن عبد اللّه الديلمي

الكوفي الذي توفّى في طريق مكّة عام (207هـ).
2.
المجاز من القرآن: لمحمّد بن جعفر أبو الفتح الهمداني، المعروف بـ«المراغي». يقول النجاشي: كان وجيهاً في النحو واللغة ببغداد، حسن الحفظ، صحيح الرواية فيما نعلمه، ثمّ ذكر كتبه وقال: كتاب ذكر المجاز من القرآن.
3.
مجازات القرآن: للشريف الرضي و هو أحسن ما أُلّف في هذا المجال، وأسماه «تلخيص البيان في مجازات القرآن»، وقد طبع مرّات أحسنها ما قام بطبعه موَتمر الذكرى الاَلفيّة للسيد الشريف الرضي عام (1406)، وهو من أنفس الكتب.
هوَلاء مشاهير الموَلّفين في غريب القرآن ولغته ومجازاته، وهناك عدّة أُخرى جالوا في هذا الميدان، لكن لا على وجه الاستقلال، بل أدرجوه في التفسير. فهذا هو الشيخ الطوسي يبيّن مفردات القرآن واشتقاقاتها بوجه دقيق في تبيانه، كما أنّ أمين الاِسلام الطبرسي قام بهذه المهمّة في تفسيره «مجمع البيان»، ولو قام الباحث باستخراج ما ذكره هذان العلمان في مجال مفردات الكتاب العزيز لجاء كتاباً حافلاً.

وفي الختام ننبّه على نكتة، وهو أنّ التفسير اللغوي للقرآن صار أمراً رائجاً في عصرنا هذا واشتهر باسم التفسير البياني، ومن المصرّين على هذا النمط من التفسير أمين الخولي المصري، والكاتبة المصرية عائشة بنت الشاطىَ، وقد انتشرت منهما في ذلك المجال كتب، وقاما بتفسير القرآن بالرجوع إلى نفس القرآن الكريم، والتفتيش عن موارد استعمالها في جميع الآيات، وهذا النمط من التفسير يعالج

جانباً واحداً من مهمّة التفسير، وهناك جوانب أُخرى لا يستغني الباحث عنها إلاّبالتمسّك بصحيح الاَثر وغيره.

Powered by Vivvo CMS v4.7