ما الذي ينبغي أن يتغير منا في شهر رمضان
بقلم : الشيخ عبد الحكيم الخُزاعي
اولاً:نظرتنا للوجود كله ، وأول الوجود وآخره ، وظاهره وباطنه هو (واجب الوجود )الله ، فيجب أن تختلف نظرتنا إليه ، ونقترب إليه أكثر ، لأن شهر رمضان شهر تجلي الرحمانية الرحيمية بشدة ، فهو وان كان دائما أقرب إلينا من حبل الوريد ، لكن هذه من حيث هو ، والحديث من حيث نحن ، فنحن من نبعد ونقرب ، لذا علينا أن ننظر نظرة جمال وجلال وغلبة الجمال والرحمة والعفو والتي هي صفات دائمة لله ، يجب أن ننظر إليه بنظرة الجذب والقرب والتي مثلها دعاء الجوشن أو دعاء أبي حمزة الثمالي. ..
ثانياً:يجب أن تتغير نظرتنا لأنفسنا ونحاول معرفتها لأنه من عرف نفسه فقد عرف ربه وقيل ماجاء نبي إلا بهذه الحكمة ، وقد ورد عن أهل البيت (معرفة النفس أنفع المعرفتين )إشارة إلى المعرفة النفسية والافاقية ، وإن معرفة النفس العلم بها حضوري بينما معرفة الآفاق حصولي، ونحن مع شديد الأسف نغفل عن هذه المعرفة ، بسبب الانشغال في الدنيا لذا يوفر لنا شهر رمضان المبارك فرصة كبيرة (للتأمل في الذات ومعرفة الذات )وكيف هي ولما هي وأين هي ، الذات الإنسانية التي هلي خليفة الرب ، لكنها بسلوكها الحيواني تكون اليق بخلافة غير الله وتكون اخت الشيطان ، بل قد تكون هي شيطان آخر (شياطين الإنس )
وحديث معرفة النفس حديث ذو شجون
ثالثاً:نظرتنا للدنيا وللاشياء ، فنحن مع الأسف ننظر أن الدنيا غاية والشهر المبارك بما يحمل من روحانية وفرصة للاطلاع على القرآن والفكر الأصيل وفرصة للتفكر ، قد يساعدنا أن نفهم أن الدنيا وسيلة وليس غاية ، وأن الأشياء زائلة مهما تكالبنا عليها ومهما تصورنا أنها ثابتة ، كيف ونحن أنفسنا زائلون ، يجب أن تتغير علاقتنا بالأشياء بعد الشهر الفضيل ، أما إذا لم تتغير فنحن بعيدون عن فلسفة الصوم (لعلكم تتقون)بما تحمل هذه الكلمة من معنى عميق دقيق!!
رابعاً:نظرتنا للناس ، وأنهم كما قال أمير المؤمنين عليه السلام صنفان إما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق ، وأنهم جميعا لهم رب واحد ، فلما التعالي والتكبر والناس كاسنان المشط كما قال الحبيب الخاتم ص ، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم ، إذا لم تتغير نظرتي تجاه الآخرين ولم اتحرك خطوة إلى الأمام فما هي فائدة ترك الأكل والشرب وغيرهما ، لذا من وصل فيه رحمه وصله الله ، وكل الخلق عيال الله ، واحبهم إليه أنفعهم إلى عياله.
خامساً:نظرتنا إلى الهدف الحقيقي للوجود الإنساني وهدف كل واحد منا بالأساس ، إن شهر رمضان فرصة لدراسة الهدف الواقعي الإلهي (العبادة )بمعناها الشامل الواسع ، الذي يشمل خط العبادة بالمعنى الأخص خط الارتفاع إلى الله ، والعبادة بالمعنى الأعم (خط علاقة الإنسان بأخيه الإنسان والطبيعة )تحت الأخوة الإنسانية والأعمار ، ثم مقايسة هذا الهدف الكبير والغاية للخلق ، مع ماعليه انا كم اتفق معه وكم أبتعد عنه اليوم ؟
إن هناك هدف سامي للحياة الإنسانية ، يتم استبداله يوميا بعشرات الأهداف ، وكلما تقدمت البشرية تنسى هذا الهدف وتكيف أهدافها مع الواقع المادي الصرف ؟
التغيير هو أساس هذا الشهر ، هو قطعة زمانية للتغيير نحو الأفضل في جميع الجوانب والمجالات ، بل هو يحمل فيه ليلة هي خير من ألف شهر ، بمعنى أنها تستطيع تغيير قدر الإنسان (ليلة القدر )بما يقدر عليه الف ، ولكن كل ذلك ليس بالمجان بل تحتاج إلى تأمل ومعرفة وعمل وإرادة حقيقية نحو الانطلاق .
والحمد لله رب العالمين.