دراساتٌ حسينية: مناقشة نظرية صاحب كتاب (الشهيد الخالد) نعمة الله صالحي حول طلب الإمام الحسين عليه السلام للخلافة
بقلم الشيخ عبد الحكيم الخُزاعي
سيكون الكلام في هذه الدراسة عبر محورين:
المحور الاول:
عرض لنظريات العلماء حول سبب نهضة الامام الحسين (عليه السلام)
ثم عرض نظرية صاحب كتاب (الشهيد الخالد).
المحور الثاني:
مناقشة بطلان هذه النظرية وإبراز اوجه الضعف فيها وعرض النظرية الافضل.
المحور الاول: عرض النظريات.
من ابرز النظريات في المسالة هي نظرية:
(ان النهضة كانت الاجل تشكيل الحكومة الاسلامية )
وهي نظرية الشيخ المفيد والسيد المرتضى ونظرية صاحب كتاب الشهيد الخالد وقد نسبها إليهم
من خلال الدراسة التي أجراها بعض العلماء حول رؤية الشيخ المفيد والسيد المرتضى وكذلك الشيخ الطوسي رحمهم الله تعالى أنهم ذهبوا إلى نظرية (طلب الحكم وتكوين الدولة من قبل الامام الحسين عليه السلام).
وقد استدل صاحب كتاب الشهيد الخالد عليها من خلال أدلة ذكرها مثل:
1. وجود انحرافات مدمرة في الحكم الأموي
2. مسؤولية الامام تجاه الناس الأسرى الذين يبحثون عن الخلاص من الحكم الأموي
3. مسؤولية الامام تجاه القران الكريم والسنة النبوية إذ هجرا
4. مسؤولية الإمام تجاه العهد الإلهي الذي أخذه على العلماء كما قال أمير المؤمنين عليه السلام (وما أخذ الله على العلماء ان لايقاروا على كظة ظالم أو سغب مظلوم
لهذه العلل المذكورة نهض الامام الحسين عليه السلام لإقامة الحكم الإسلامي عندما وجد الظروف مؤاتية ومهيأة لإقامة ذلك.
وصاحب كتاب الشهيد الخالد إنما يقدم هذه القراءة في قبال قراءة السيد بن طاووس الذي ركز على:
(نظرية الشهادة والموت وان الامام الحسين عليه السلام خرج ليستشهد فقط لينال رفيع الدرجات والشفاعة)
وفي قبال نظريات أخرى قريبة من ذلك.
ثم يقول ان هناك قراءة منسية وهي قراءة كبار علماء الشيعة ولا بأس ان نعدد بايجاز تلك النظريات التي ذكرها حول تصور العلماء عن أسباب ثورة الامام الحسين عليه السلام مع التصرف في المعنى :
• نظرية فضح بني أمية عبر القتل والسبي
• نظرية نيل الثواب عبر الشهادة
• نهضته لها وجهان وجه ظاهري السعي للحكم ووجه باطني العلم بالشهادة
• نظرية بعض علماء السنة حول احياء الخلافة
• نظرية بعض علماء السنة من أن الإمام الحسين عليه السلام لم يكن يحسب العواقب لذا خروجه غير صحيح وفرق الأمة
• قراءة علماء الشيعة الكبار ان تحرك الامام الحسين عليه السلام تحرك عقلاني صحيح لابد من منه لأن الظروف تسمح بإعادة الحكم الإسلامي الصحيح بسبب ظروف موضوعية.
المحور الثاني: مناقشة النظرية.
يمكن مناقشة النظرية التي جاء بها كتاب الشهيد الخالد بالنقاط الآتية:
أولا:نحن نرفض تحديد ثورة سيد الشهداء عليه السلام بالعامل الواحد بل نراها ذات عوامل متعددة وأسباب كثيرة فتحديدها بالعامل الواحد غير صحيح وتحجيم لها ،فلو قلنا خرج سيد الشهداء لأجل إقامة الخلافة وبما انه لم يفعل وقد قتل فإنه بالتالي فشل في تحقيق هدفه وذهبت الدماء هدرا
ثانياً : من المستبعد ان هذا الراي هو راي الشيخ المفيد وغيره فإنهم لم يناقشوا هذه المسألة بالتحديد بل تكلموا عن مسألة علم الإمام بقتله وبما أن الشيخ المفيد يتبنى راي بعدم علم الإمام بالاعيان الخارجية من الوقائع بل بالاحكام بالتالي استنبط صاحب كتاب الشهيد الخالد نظرية إقامة الحكم الإسلامي ونحن لانرى الملازمة بين علم الإمام بموته وبين طلبه الحكم بحيث بما انه لايعلم بموته يريد الحكم ،واذا علم لايريد هذه ليست علاقة منطقية
ثالثاً: كل القراءة التي قدمها الشيخ في كتابه وان كانت جيدة وجملية تركز على كون الامام الحسين عليه السلام قائد دنيوي وهذا مارفضه جملة من العلماء منهم الشهيد الصدر الثاني في كتابه الاضواء على ثورة الحسين عليه السلام ، فهذه القراءة مبتورة وتركز على السياسة والنظر في الأمور الخارجية فقط فما هو الفرق إذن بين الامام وبين اي قائد سياسي اخر ؟
رابعاً:ما أشكله الشهيد الصدر الثاني حيث حدد شروطا للأهداف الحسينية ومنها تحقق الهدف فإذا لم يتحقق تبين انه لم يكن مستهدفا حيث قال ان هدف الامام هو هدف الله والله كما هو مريد هو قادر بالتالي نستكشف أن عدم تحقق بعض الأمور أنها غير مستهدفة اصلا مثل إسقاط يزيد وتسلم الخلافة.
خامسا :إن ما قدمه من مبررات حول تصور الامام الحسين عليه السلام في مسالة الانتصار الظاهري ووجود أسباب ذلك وربطها بمسلم بن عقيل عليه السلام نراها مبررات سطحية لا أقل إن الإمام الحسين عليه السلام عرف بمقتل مسلم بن عقيل في الطريق فكيف استمر بالرحلة نحو العراق ، فلا شك أنه لم يكن يستهدف الخلافة الظاهرية والحكومة بعدما عرف بمقتل مسلم وانقلاب الناس ضده ، ولاشك أنه توجد اهداف أخرى محورية مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح والقيام بثورة عارمة تستهدف تغيير الأمة.
سادساً:إن من يدرس وضع الأمة الإسلامية آنذاك يعرف أن المسألة أعمق من وجود رجل صالح أو معصوم على رأس الهرم بل القضية أعمق من ذلك بكثير حيث ان الفساد وشلل الإرادة عم جميع الأمة لذلك يقول الامام عليه السلام (خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله)
فهل يمكن أن يكون نظر سيد الشهداء عليه السلام سطحيا إلى هذا الحد ؟ حاشا لله ذلك ،وليس هذا التصور سيلقينا في نظرية السيد بن طاووس أن الحسين عليه السلام طلب الشهادة لأجل الثواب ،فليس هي مانعة الخلو اذا لم يطلب الخلافة طلب الشهادة ،بل هناك أمور اكثر من ذلك بينتها كلمات الامام الحسين عليه السلام .
وقد ذكر المصنف في عدة عوامل مؤيدة للنصر وإقامة الحكومة الاسلامية لانراها كلها تامة
وهذه هي الأسباب
• ضعف الحكم الحالي واهتزازه
• استياء الناس وشكواهم
• الرأي العام المؤيد
• أهلية القائد وكفائته
• قوات الأنصار المتطوعين .
ولكن واضح ضعف هذا الاستدلال في بعض الوجوه،فالحكم كيف كان ضعيفا صحيح ان بداية اي حاكم قد تكون ضعيفة لكننا رأينا قبضة الدولة القوية وقمعها لثورة الامام الحسين عليه السلام ثم ثورة أهل المدينة ومحاصرتها عبد الله بن الزبير في مكة المكرمة ، هذه الدولة التي رغم ان الكوفة كانت تحت والي ضعيف العراق أراد أن يخرج عن سلطتها لكنها استاطعت عبر واحد من قادتهاوهو عبيد الله بن زياد أن يخضع العراق وان يقتل سيد الشهداء عليه السلام وأهل بيته وصحبه وبسبب نسائه وقد نكل باتباعه في الكوفه سجن من سجن وقتل من قتل دون رادع أو مقاومة كبيرة ،اما باقي الدولة الإسلامية فهي خاضعة للحكم الأموي ولم نسمع باي اضطرابات كبيرة ؟
اما شكوى الناس فأمر نبسي ليس عاما فأهل العراق كانوا يشكون باعتبار ان الكثير منهم موالي لامير المؤمنين عليه السلام فهم شيعة وقد ذاقوا الأمرين تحت خلافة معاوية وحكم ابن زياد ، فالشكوى طبيعية منهم لكن اي استياء باقي الناس في مكة والمدينة واليمن وغيرها من مناطق الدولة الإسلامية ، نعم هذا الاستياء كثر بعد شهادة الامام الحسين عليه السلام وواقعة الحرة وغيرها لما عم الظلم ونال الجميع .
أما الراي العام المؤيد فلا أعلم كيف استدل عليه المصنف؟ اين هو الرأي العام وهل هناك رأي عام اصلا ،ان الناس كانت تغط في نوم عميق ورغم صيحات الامام الحسين عليه السلام رأينا كيف بقي وحيدا فريدا ينادي اما من ناصر ينصرنا !!بل إننا نجد ان بعض الخاصة غير مؤيدين مثل عبد الله بن عباس وابن عمر وغيرهم كثير فإذا كان رأي الخاصة هكذا فكيف بعامة الناس ، نعم يوجد هناك رأي عام في الكوفة مؤيد لحكم سيد الشهداء عليه السلام لكن هناك من هو ضد هذا التوجه وهم أنصار بني أمية الذين خاطبهم سيد الشهداء عليه السلام بشيعة ال أبي سفيان وهؤلاء من العراق
ومن الكوفة فعبيد الله بن زياد لم يجلب معه جيشا ولم يأت جيش من الشام فهؤلاء كانوا من الكوفة بالخصوص !!
ثم الرأي العام المؤيد للامام الحسين عليه السلام رأيناه كيف انهزم وكيف تضعضع وكيف خان سيد الشهداء عليه السلام فهل يمكن للامام الحسين عليه السلام أن يعتمد على رأي عام غير حقيقي ؟ هذا الراي العام لم يخف على ابن عباس ولا على غيره فهل يخفي على الامام الحسين عليه السلام
واذا احتج المصنف بالنصرة الظاهرية ووجود الناصر بحسب الحديث الوارد عن الامام علي عليه السلام نقول الامام احتج بهذا الحديث لانه فعلا قد وجد الناصر بدليل تسلم امير المؤمنين عليه السلام الخلافة ثم قاتلوا معه بثلاثة حروب كلها الغلبة كانت له لولا غدر في صفين فهل يمكن أن يقاس موقف الامام علي عليه السلام مع موقف الإمام الحسين عليه السلام ونحتج بنفس الحديث ؟!!!
نعم لم يتبق إلا مسألة أهلية القائد وهو الامام الحسين عليه السلام وهذا لانقاش فيه ابدا
اما مسألة الأنصار المتطوعين فهذا لعمري أكثر بطلانا من غيرها وكربلاء شاهد على ذلك فأين هؤلاء من الامام عليه السلام الذي حوصر في كربلاء وقتل مظلوماً عطشانا مع اهل بيته وصحبه ثم سبيت عياله؟
ولا شك ان اي ثورة تقتلع الحكم السابق تحتاج إلى عدة وعدد خصوصاً في قبال حكم مثل الحكم الأموي
ونجاح اي ثورة يتوقف على عوامل عدة منها الرأي العام وقد ولم يوجد وأنصار كثيرين ولم يوجد ، ومتطوعين وهو كسابقه ومشروع صحيح واضح وقائد حقيقي وقد توفرت هذه العوامل أو بعضها للامام علي عليه السلام بل هو فعليا لم يشارك في الثورة وجائت له الخلافة مما يدلل على أهمية الناس ورايهم ووجود ثوار حقيقيين ، اما الامام الحسين عليه السلام فلم يتوفر الا وجود القائد وبعض الأنصار مما يسقط فرضية كون سيد الشهداء عليه السلام أراد الخلافة ،فنحن نرى ان من يدلل على ذلك إنما يسوق الرأي لأجل تأييد ما تصوره مسبقاً ،ولايتوفر اي دليل موضوعي على ما مال اليه .