زر الحسين عارفا بحقّه ، مؤتماً به ، غير مستكبر ، ولا مستنكف
بقلم : الشيخ ميثم الفريجي
جاء هذا المعنى في بعض روايات الزيارة التي يرويها الشيخ الأقدم ابن قولويه القمي (رض) في كتابه كامل الزيارات ، فقد روى : ( من زار قبر الحسين (عليه السلام) عارفاً بحقه غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر ) ، وفي أخرى ( .... عارفاً بحقه يأتمً به ... ) ، وفي أخرى : ( من زار قبر الحسين عارفاً بحقه ، غير متكبّر ، ولا مستنكف .... ) .
وفي عقيدتي : أنَّ جميع روايات الزيارة التي رتّبت الثواب العظيم والكبير لزوار الامام الحسين (عليه السلام ) محكومة لهذا الميزان والضابط العام ، ( عارفا بحقه ومؤتماً به ) ، فليس كل من زار الامام الحسين (عليه السلام) كيفما اتفق وان كان لا يعتقد به ، ولا يصلّي او يرتكب المنكرات ... يُعطى ذلك الثواب العظيم ، ونحن نعلم انّه قد زار الامام الحسين (عليه السلام) عدد من سفّاكي الدماء والظلمة والجبابرة كيزيد عصره المقبور صدام ، وأمثاله كثيرون على مرّ العصور والدهور ، وانّما لابد للزائر ان يكون عارفاً بحقه مؤتماً به غير مستكبرٍ ، ولا مستنكف ، ولا نريد ان نضيّق دائرة الثواب العظيم لنحصره بأفراد معدودين ، ليس كذلك ، وانّما نريد بيان ما يلي :
المطلوب من الزائر الذي يطمح في تحصّيل هذا الثواب العظيم ، ويتمسّك به ، ويحافظ عليه الى ان يخرج من هذه الدنيا ... ان يحقّق التالي :
1 / ان يكون عارفا بحق الامام الحسين (عليه السلام ) ، بمعنى أّنّه يعتقد بالحسين ( عليه السلام ) إماماً معصوماً مفترض الطاعة ، كما كان الحال مع جده وأبيه وأخيه صلوات الله عليهم ، وهذا الاعتقاد لا ينفع وحده ، وانَّما لابد ان يُتبعه بعمل ، وسلوك ، وانقياد نظيف وعفيف مطابق للشريعة غير مستكبرٍ فيه ولا مستنكف ، كما سنبين بأذن الله .
2 / ان يكون مؤتماً بالإمام الحسين (عليه السلام) ، هذا ما أشرنا اليه من العمل والسلوك والانقياد النظيف المطابق للشريعة ، فيلتزم قول الامام وفعله وتقريره على مستوى الاعتقادات ، والواجبات ، والمحرمات ، والأكمل ان يكون ذلك في الاخلاق ، والآداب ، والسنن والمستحبات ، فيمتثل كل ما جاء به الامام الحسين (عليه السلام) ، وينتهي عن كل ما نهى عنه بالقول والعمل .
والنتيجة ان كلَّ من عرف حق الامام الحسين (عليه السلام) ، وأئتم به في العمل , والسلوك , والانقياد النظيف قولاً وفعلاً ، سيكون مؤمناً ورعاً صادقاً مقيماً للصلاة آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ملبياً دعوة الله ، وبذلك يستحق الثواب ، حتى وان صدر منه الذنب من هنا وهناك فأنه لا يُعدم التوبة ، والاستغفار والندم
قال تعالى :((وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ)) طه : 82 ، فيرجع الى مستواه من الثواب والاجر ، (( ولدينا مزيد ))
وأود ان أؤكّد : انَّ هذا المعنى ( عارفا بحقه مؤتما به ) مفهوم مشكّك ، اي يتفاوت في الانطباق على مصاديقه من الناس بحسب وعيهم ، وبصيرتهم ، وعلمهم ، وعملهم ، وتبعاً لتفاوته يتفاوت الاجر والثواب ، وهذا ما يمكن ان نفهمه من تنوّع الثواب ، وتعدّده لمن زار الامام الحسين (عليه السلام ) فتأمل جيداً وأغتنم .
فالمرأة العجوز والشيخ الهرم الذي اعتقد بالأمام الحسين (عليه السلام) ، وأئتم به ، يعامل بقدر وعيه ، ومعرفته وفطرته ؛ بينما العالم والمرجع يعامل بمستواه ممّا يفقه ويعلم ؛ وهكذا تتفاوت المصاديق التي بينهما صعوداً ونزولا ، ولله الامر من قبل ومن بعد .
ويبقى الباب مشرعاً أَمام كلّ من لم يعرف الامام الحسين ( عليه السلام ) حقيقة ، وانَّما ارتبط به عاطفياً فحسب كبعض أبناء العامة ، والمسيحيين ، والمستضعفين ونحوهم ، فان هداية الله تعالى لهم ببركة الامام الحسين ( عليه السلام ) مفتوحة ومبذولة بقدر استحقاقهم ، ولعلَّ الله تعالى يخرجهم من الدنيا على دين الاسلام ، ومذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، ولله في خلقه شؤون ومن هنا كان الامام الحسين ( عليه السلام ) سفينة النجاة ومصباح الهدى
قال تعالى : (( يَهْدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ ٱلسَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )) المائدة : 16