فلسفة تشريع الصوم
بقلم فضيلة الشيخ ميثم الفريجي
الأحكام والتكاليف الشرعية التي شرّعها الله تعالى في الكتاب الكريم، والسنة الشريفة، إنّما هي بمثابة التشريف للناس ، لعدة جهات منها:
ـ انه تعالى أهل للعبادة والطاعة ، وهو بحد ذاته تشريف أن يطيع الانسان من هو أهل لطاعته وامتثال تكاليفه ، وكما ورد في مناجاة أمير المؤمنين (عليه السلام): (إلهي ما عبدتك خوفا من عقابك، ولا رغبة في ثوابك، ولكن وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك)1، وجاء في نهج البلاغة : (إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار) 2
ـ والإنسان سيكون في محط نظر الله تعالى واهتمامه وألطافه، وأيّ تشريف أبلغ من ذلك.
ـ وهذه التكاليف والتشريعات عموماً، كالصلاة، والصيام، والحج ، والزكاة ، والخمس ، والجهاد ، ونحوها الكثير ، إنما وراؤها مصالح للعباد ، وتدفع مفاسد عنهم ، ومن هنا عرفت في اصطلاح الفقهاء (بملاكات الاحكام) ، فشرّعها الله تعالى ، ليوصل هذه المصالح الى الناس، من دون أن يناله الانتفاع منها، بل ولا من طاعة الناس وامتثالهم،فالله غني عن العباد، فلا تنفعه طاعة المطيع، ولا تضره معصية العاصي.
قال تعالى: ( أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد) فاطر: 15
و الصوم من التشريعات التكاملية المهمة التي أراد الله تعالى فيها خيرا وكمالا للعباد لينالوا الدرجات العالية من الكمال ويقتربوا الى الهدف المنشود ، وهو والتقوى ومعرفة الله تعالى .
وعندما نراجع مصادر التشريع: كتابا وسنة، نجد أنَّ الصوم له فلسفته وحكمته الخاصة في فضاء التشريع .
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون) البقرة : 183
فالمستفاد من الآية الشريفة اَّنّ الله تعالى قد شرَّع الصوم برجاء وصول العباد الى مرتبة التقوى التي هي زاد المؤمن : (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) البقرة : 197
فالزاد الحقيقي للمؤمن هو التقوى ، والصوم هو الوسيلة المهمة لبلوغ درجاتها ، فمن أمتثل وأتى به كما يريده الله تعالى ، فقد نال الحظ الأوفر .
في الرواية عن أبي جعفر(عليه السلام ) ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لجابر بن عبد الله : (يا جابر هذا شهر رمضان من صام نهاره وقام وردا من ليله، وعف بطنه وفرجه، وكف لسانه خرج من ذنوبه كخروجه من الشهر، فقال جابر: يا رسول الله! ما أحسن هذا الحديث ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جابر وما أشد هذه الشروط )3
وفي قوله تعالى: (اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ) البقرة: 45
والصوم من أوضح مصاديق الصبر، فقد روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) : (وعلة الصوم لعرفان مس الجوع والعطش ليكون العبد ذليلا مسكينا مأجورا محتسبا صابرا فيكون ذلك دليلا له على شدائد الاخرة )4
فيستمد من الصوم صبرا ومقاومة لتقوى ارادته في الامتناع عن شهوات النفس الامارة بالسوء ، ومغريات الشيطان ، فيضبط نفسه ويكبح جماحها.
وفي نفس الرواية السابقة :(مع ما فيه ـ يعني الصوم ـ من الانكسار عن الشهوات)5 ، فالصوم يكشف امام الإنسان قدرته على السيطرة على شهواته لينظمها ولا يستهين بها لمواجهة التحديات الأخلاقية من الملذات والمغريات ممّا يسوّل به الشيطان ، وتأمر به النفس الخداعة ّ.
وهناك جملة من المصالح الإنسانية ، والاجتماعية ، والاخلاقية ، والمعنوية للصوم ذكرتها روايات المعصومين (عليهم السلام) ، نشير الى بعض منها :
روي عن الإمام الصادق (عليه السلام ) : ( إنّما فرض الله عزّ وجل الصيام، ليستوي به الغنيّ والفقير، وذلك أنّ الغنيّ لم يكن ليجد مسّ الجوع فيرحم الفقير، لأنّ الغنيّ كلّما أراد شيئاً قدر عليه، فأراد الله عزّ وجل أن يسوّي بين خلقه، وأن يذيق الغنيّ مسّ الجوع والألم، ليرقّ على الضعيف، فيرحم الجائع )6
وفي حديث لأمير المؤمنين (عليه السلام) : (وعن ذلك ما حرس الله عباده المؤمنين بالصلوات والزكوات، ومجاهدة الصيام في الأيام المفروضات، تسكيناً لأطرافهم، وتخشيعاً لأبصارهم، وتذليلاً لنفوسهم، وتخفيضاً لقلوبهم، وإذهاباً للخُيلاء عنهم. ولما في ذلك من تعفيرِ عتاق الوجوه بالتراب تواضعاً، والتصاق كرائم الجوارح بالأرض تصاغراً، ولُحُوق البطون بالمتون من الصيام تذلُّلاً )7
وفي خطبة السيدة الزهراء عليها السلام: (فرض… الصيام تثبيتاً للإخلاص)8
وفي حديث لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:( واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه)9
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله : (صوموا تصحّوا )10
المصادر :
1 / بحار الانوار ج 41 ص 14
2 / نهج البلاغة الحكمة 237
4 / عيون أخبار الرضا ج2 باب 33 ح 1
5 / نفس المصدر
6 / علل الشرائع ج2 باب 108 ح 2
7 / نهج البلاغة / شرح ابن ابي الحديد ج 13 ص 123
8 / بحار الانوار ج93 ص 368
9 / عيون اخبار الرضا ع / ج2 ص 265
10 / ميزان الحكمة : ج 2 ص 1686