هل وفينا للشهيد الصدر؟؟
بسمه تعالى
الوفاء صفة انسانية حميدة، وهي مقتضى الفطرة السليمة، فالنفس مجبولة على حبِّ من أحسن اليها، وأساس الحب هو الوفاء، والعقل يحكم بلزوم شكر المحسن، وأوضح مصاديق الشكر الوفاء، و الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) قد أحسن إلى هذه الأمة وحوزتها، بعلمه ومداده ودمه وتضحياته، حيث فتح باب الهداية وأنار الطريق الى الله تعالى، ومن هنا نجد المجتمعات العقلائية تتمحّض بالوفاء لقادتها، وتجعلهم نصب اعينها، وتنسب إليهم كلَّ ما يصيبها من خير وكمال، ولا تتنكّر لهم طرفة عين، وإنّما تُحيِّ ذكراهم بكلّ وجودها وضميرها.
والآن نعاود السؤال، هل وفينا لشهيدنا الصدر؟؟
* هل وفينا لمنهجه الاخلاقي المبارك، ونكران ذاته، وصبره في ذات الله؟ بالاقتداء والتأسي، و أنْ نكون زيناً له لا شينا عليه، فلا زالت انفاسه المباركة تحيطنا، ووصاياه الأخلاقية تنجينا، وهو القائل: (أنتم لا ينبغي أنْ تنسوني إلى هذه الدرجة، ربما إنَّ في ذكري شيء من النفع إلى المجتمع) ــ بلْ كل النفع والخير والكمال ــ ، بلْ ربما تنكّرنا لفقه أخلاقه وهو يصفه: (جواهر بين التراب)، فعاد ورقاً صُفَّ في غلاف على رفوف المكاتب، فما أحوجنا اليوم إلى هذا المنهج ، ونحن نعيش أزمة أخلاقية عظمى في هذا المجتمع الطيب.
* هل وفينا لمنهجه العارف، وعلاقته الفضلى بالله تعالى ؟، وهو يلهج بدعائه: (يا مدبّري ولست أدري)، فقد أسّس بنياناً رصيناً حينما أخلص لله تعالى وجعله هدفه في كلّ وجوده ومسيره، ولسان حاله ينادي دائما وأبدا: (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ )، نعم إنَّها معيّة العارفين لله تعالى، حينما ينقطعون عن كلّ الأسباب الدنيوية، ويعيشون المعيَّة مع الله وهو مسبّب الأسباب، فما أحوجنا اليوم الى هذا المنهج من التوكّل والاخلاص والانقطاع لله تعالى دون غيره، وقد أحاطت بنا شراك الشيطان وأتباعه، وهي تحاول جرّنا إلى مستنقع المادة، وتلهينا عن السبب الحقيقي في أصل وجودنا وديمومة بقائه.
* هل وفينا لمنهجه العلمي الرصين ؟، وحكّمنا العلم والمعرفة في حياتنا لكي لا تجرفنا العاطفة وما يحوطها من الجهل الى مكان سحيق يبعدنا عمّا أراده وهدفه (قدس سره)، وكان الحريُّ بنا أنْ نهتدي به، ونواصل طريقه في التحقيق والتدقيق لنفتح أبواباً مؤصدة للجهل بمفاتيح العلم والمعرفة، بلْ ربما أسأنا فهم ما يريد !، فبدلاً من أنْ نمضي فاتحين فيما تركه لنا من علم غزير، جمدنا عليه ناكصين، ففاتنا علمٌ كبير، وما أحوجنا اليوم إلى فهم هذا المنهج العلمي الرصين، ونحن نرى كيف أصبح العلم سلاح العصر، وسيفه الذي يبين.
* هل وفينا لمنهجه العملي في الدعوة الى الله تعالى؟، وتسخير كلّ الطاقات لأجل ذلك، و( إنَّ العلم مقرون بالعمل، فإنْ اجابه وإلَّا أرتحل)، وهل واصلننا طريقه الميمون لهداية الناس وتعليمهم أمور دينهم وابعادهم عن حبائل الشيطان وأتباعه.
وهل وفينا لمنهجه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟، في وقت تكالبت على مجتمعنا خطط الالحاد والفسق والفساد، وتنوّعت أساليبهم ، وتكثّرت جحورهم، وأخذ الناس يميلون إليهم، بلْ ويتعاطفون معهم ويتبنون مشاريعهم، فصار في نظرهم المعروف منكراً والمنكر معروفاً
* وهل وفينا لجمعته المباركة ومنهجها القويم ؟، حينما هدر بصوته وصدع بالحق فالتفّت حوله النفوس الطيبة والعقول الراجحة، وقد ضيّق على الشيطان سُبُله، وفتح للرحمان فرصه، وتنكّر الناس للباطل، وقلّت الجريمة، وكثرت التوبة، وعادت النفوس الى الفطرة حتى قضى الله أمره.
وما أحوجنا اليوم الى مثل هذا المنهج العملي الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والداعي الى الخير، في وسط هذا التشويش والضلال حتى صار صوت منبر الجمعة لا يسمع الى من القلّة، بل لا يحرّك إلَّا خاصة الخاصة، بينما قد شرَّعه الله لعامة الناس
* وهل وفينا لتضحياته ودمه وجهاده في الدفاع عن حرمات الله تعالى؟ حينما أعلن نفسه الشريفة مشروع تضحية وفداء للإسلام وأحكامه وتشريعاته ومبادئه، وحينما ارتدى كفن الحب الإلهي، وسار على هدى من ربه، وهو يزرع بذور الخير والحب والصلاح في طريقه، لتثمر من بعده، ويعمَّ نتاجها الطيب على مجتمعه، فهل يناسب أنْ نعبر على ظهره طرق المخاطر وننجو من المهالك، ثم نتنكّر لمنهجه وطريقه؟!
وأخيرا، هل وفينا لمجموع وصاياه بعد رحيله، أو مارسنا لعبة الانتقاء بحسب ما يناسبنا، ووصاياه كثيرة ومتنوعة، وهو القائل: (سأذهب وضميري مرتاح، و يكفي إنَّ في موتي شفوة وفرحاً لإسرائيل وأمريكا، وهذا غاية الفخر في الدنيا والآخرة)، (الدين بذمتكم والمذهب بذمتكم ولا ينبغي التفريط فيه لا بقليل ولا بكثير أنا لست مهماً بوجهي ولا بيدي ولا بعيني، وانّما الشيء المهم هو دين الله ورسوله ومذهب أمير المؤمنين عليه السلام)، (استمروا على صلاة الجمعة حتى لو مات السيد محمد الصدر ، لأنه لا يجوز لكم، أنْ تجعلوا موت السيد محمد الصدر سبباً وذريعةً لذلّة الإسلام والتشيّع، وتفرّق الكلمة وكثرة المشاكل، بلْ الحوزة الشريفة تبقى بعون الله، وجملة من المراجع يبقون بعون الله، فتمسّكوا بالحوزة، واستمروا على شرفكم، وعزتكم الدينية، وشجاعتكم القلبية، وعنايتكم بالمصالح العامة)، وغيرها الكثير الكثير !
عذراً سيدي الصدر الشهيد، هذا هو الحال !، فـ (إنّا لله وإنّا إليه راجعون)، وسلام عليك يوم ولدت، ويوم استشهدت، ويوم تبعث حيا، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)، (و الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)
ميثم الفريجي
٣/ذو القعدة/١٤٤٣هـ
النجف الأشرف