دروس من كربلاء الشهادة ( إقامة الصلاة )
بقلم فضيلة الشيخ مرتضى الزيدي
مما لا شك فيه أن المطالع لسير الأحداث في نهضة الحسين عليه السلام وما سبقها من معطيات، يرى بوضوح أن هذه النهضة المباركة قد ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالله سبحانه وتعالى، وقد تجلى هذا الارتباط في مواقف هذه النهضة وصورها المشرقة ابتداءً من قائدها وسيديها( صلوات الله عليه ) ومروراً بشخوصها و أفرادها سواء كانوا رجالاً أو نساءً أو حتى من الأطفال الذين لم يبلغوا الحُلم ، ولعل من أهم هذه الصور المشرقة التي تعكس بوضوح قدسية هذه النهضة، ما نراه في سلسلة أحداثها من الإهتمام بإقامة الصلاة بوصفها عمود الدين وقربان المؤمن كما ورد عن النبي الأكرم صلى ألله عليه واله، ولست بصدد تعداد هذه المواقف لأنها كثيرة ولا تناسب الاختصار في هذه السطور، وإنما أردت التعرض لموقف واحد من هذه المواقف، وهو ما حصل في ظهيرة يوم عاشوراء عندما زالت الشمس ، فإن أحد أصحاب الحسين عليه السلام وهو ابو ثمامة الصائدي تقدم نحو الحسين عليه السلام ، وقال : يا أبا عبد الله، نفسي لك الفداء إني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك إن شاء الله، وأحب أن ألقى ربي وقد صليت هذه الصلاة التي دنا وقتها؛ قال: فرفع الحسين رأسه ثم قال:
ذكرتَ الصلاة، جعلكَ الله من المصلين الذاكرين! نعم، هذا أولُ وقتها ) ومن خلال هذا الحوار الذي دار بين سيد الشهداء عليه السلام وبين أبي ثمامة الصائدي، نتبين جملة أمور:
١- ان أنصار الحسين عليه السلام قد عاشوا الإسلام بوجدانهم و ذابوا فيه وتمثلوا تعاليمه خير تمثل، وما حرصُ أبي ثمامة على أداء وإقامة الصلاة في تلك الظهيرة إلا شاهد حق على ذلك.
٢- أن أبا ثمامة قدّم مقدمة مهمة لكلامه وهي قوله( نفسي لك الفداء ) وقوله( والله لا تقتل حتى أقتل دونك إن شاء الله ) وفي هذه المقدمة كأنّ أبا ثمامة يبعث رسالة للأجيال من بعده ، مفادها: أنه باذل لنفسه وجاعل لها فداء لسيد الشهداء عليه السلام و أنه لم يكن يطلب الصلاة لتأخير ساعة الموت ، وإنما هو عازم على الموت ولإيمانه بالحسين عليه السلام و بموقفه يريد ان يتمم يومه وقد صلى هذه الصلاة مع سيد الشهداء عليه السلام.
٣- أن أبا ثمامة كان ملتفتاً - رغم شدة المعركة وإشتباك الأسنة - إلى الصلاة والى دنو وقتها حيث قال( وأحب أن ألقى ربي وقد صليت هذه الصلاة التي دنا وقتها ) وفي ذلك درس عظيم لنا جميعا للحفاظ على إقامة الصلاة والحفاظ على أوقاتها، وقد ورد عن النبي الأكرم صلى ألله عليه واله أنه قال: ما من عبد اهتمّ بمواقيت الصلاة ومواضع الشمس إلا ضمنتُ له الرَوح عند الموت وانقطاع الهموم والأحزان والنجاة من النار.
وهذا ضمان عظيم كما ترى.
وبعد أن أتم ابو ثمامة الصائدي صلاته ، قال لسيد الشهداء عليه السلام : يا أبا عبد الله إني قد هممت أن ألحق بأصحابي، وكرهت أن أتخلف وأراك وحيدا من أهلك قتيلا، فقال له الحسين (عليه السلام):
تقدم فإنا لاحقون بك عن ساعة، فتقدم فقاتل حتى أثخن بالجراحات فقتله قيس ابن عبد الله الصائدي ابن عم له، كان له عدوا .
السَّلام عَلَى الحُسَيْن ، وَعَلَى عَليِّ
بْنِ الحُسَيْنِ ، وَعَلَى أوْلادِ الحُسَيْنِ ، وَعَلَى أصْحابِ
الحُسَين.