صفات أعداء الحسين في زيارة الأربعين
بقلم فضيلة الشيخ عبد الحكيم الخزاعي
بينت زيارة الأربعين وهي النص الوارد عن اهل البيت عليهم السلام العديد من المضامين المهمة ،وهذا واحد من الأمور التي تبينها الزيارات فهي فيها فلسفة كبيرة وقد بين أهل البيت عليهم السلام فيها أمورا عقائدية وفكرية واخلاقية وشرعية فالزيارة ذات البعد العاطفي أضاف لها أهل البيت عليهم السلام بعدا فكريا عظيما وهذا ما على الزائر أن يتدبره ويتأمله ويتفكر بتلك النصوص النورانية وما اجمل ان يحمل الزائر معه كتاب كامل الزيارات لابن قولويه قدس سره الشريف.
"مواصفات أعداء الحسين "
قالت الزيارة بعد بيان الهدف الحسيني ( وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة) وقد توازر عليه من غرته الدنيا ،وباع حظه بالارذل الأدنى ،وشرى آخرته بالثمن الاوكس ،وتغطرس وتردى في هواه ،واسخطك واسخط نبيك ، واطاع من عبادك أهل الشقاق والنفاق وحملة الاوزار المستوجبين النار .
لماذا الإمام عليه السلام يركز على الصفات ؟
عدد الامام ع هذه الصفات واستفاض فيها وكان يمكن أن يقول قتله بنو أمية لكن الامام عليه السلام في صدد ارسال رسائل عميقة للمتلقي والتي منها ان هذه الصفات وتواجدها في النفس الإنسانية هي سبب مقتل الإمام الحسين عليه السلام وهذا تحليل عميق دقيق يضع النقاط على الحروف ويغوص في العلل الحقيقية وليس في ظواهر الأمور ، وهذا الأمر إنما هو على هدي ونور القرآن الكريم ، فالقران دائما في النصر وفي الهزيمة يرجع الأمور إلى النفس الإنسانية وعلاقتها بالحق والباطل وشدة ارتباطها بالله أو تسليمها قيادها للشيطان ، لذلك في معركة أحد لم يقل ان سبب الهزيمة ظاهري بل سببه الشيطان وانقياد النفس الإنسانية له بسبب المعاصي ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَ لَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)
وهذا في النصر (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ)
لذا نص الزيارة يريد أن يلفت المتلقي إلى السبب الرئيسي لقتل الحسين عليه السلام وبما ان هذه الصفات يمكن أن تتكرر فما على الذي يريد أن ينصر الحسين عليه السلام ويسير بطريقه إلا أن يجاهد بالجهاد الأكبر ضد هذه الصفات حتى يفوز بالجهاد الأصغر .
ولنبين بعض هذه الصفات على نحو العجالة:
أولا: غرور الدنيا فالدنيا هي التي غرت هؤلاء اي خدعتهم (وَ ذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَ لَهْواً وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا ) فهؤلاء اتخذوا الدين لهوا ولعبا والدنيا كانت مبلغ همهم وغاية علمهم ومعنى غرور الدنيا هو الافتتان بها والتعلق بحبائلها وتصور أنها لا نهائية وأنها غاية وسبيل الإنسان لذا نجد ان عمر بن سعد وشمر وخولي وعبيد الله بن زياد كل هؤلاء إنما قاتلوا الامام الحسين عليه السلام طمعا بالدنيا فهذا
املا ركابي فضة وذهبا * أنا قتلت الملك المحجبا قتلت خير الناس اما وأبا * وخيرهم إذ ينسبون نسبا
وذاك يقول :أأتركُ ملكَ الرّيِّ والرّيُّ مـــنيتي * أم أرجعُ مأثــــــوماً بقتلِ حسينِ. حسينُ ابن عمي والحوادثُ جمّةٌ * لعمري ولـي في الرّيِّ قرةُ عينِ.
وهكذا ابن زياد لأجل ولاية الكوفة مع ولاية البصرة هؤلاء جميعا واحدة من أسباب قتلهم سيد الشهداء عليه السلام هو الانخداع بالدنيا وعشقها يقول امير المؤمنين عليه السلام : إن من غرته الدنيا بمحال الآمال وخدعته بزور الأماني أورثته كمها وألبسته عمى وقطعته عن الأخرى وأوردته موارد الردى .غرر الحكم.
ويقول عليه السلام في نهج البلاغة ( المغرور من غرته) اي الدنيا.
عاقبة من غرته الدنيا: يقول الامام علي عليه السلام:إن من غرته الدنيا بمحال الآمال وخدعته بزور الأماني أورثته كمها، وألبسته عمى، وقطعته عن الأخرى، وأوردته موارد الردى
غرر الحكم الامدي
وهذا الذي وقع فقد ورث هؤلاء الهم والحزن في الدنيا قبل الآخرة فلا هم حصلوا مرادهم الدنيوي حيث لم يفي له بنو أمية بما وعدوا ولا هم حصلوا الآخرة فخسروا الدنيا والآخرة الا لعنة الله عليهم.
وهذا درس بليغ لنا لأن الدنيا تطاردنا صباحا مساء لذا يحذرنا الله منها كثيرا
فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور)
• (يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور).
ويحذرنا أهل البيت عليهم السلام منها
عن الإمام علي عليه السلام
: فلا يغرنكم كثرة ما يعجبكم فيها لقلة ما يصحبكم منها.البحار: ٧٣ / ١١٨ / ١٠٩.
ثانياً: باع حظه بالارذل الأدنى :فبقتلهم سيّد شباب الجنّة الحسين بن علي عليهالسلام حجّة الله على الخلق ، فقد باعوا آخرتهم الّتي هي دار الخلود ، والبقاء مقابل دنيا زائلة فانية والتي عبر عنها الإمام الصادق عليهالسلام في الزيارة « بِالْأَرْذَلِ الْأَدْنىٰ » فإنهم لم يخسروا الآخرة فحسب بل خسروا حتى الدنيا بقتلهم أبي عبد الله الحسين عليهالسلام وأهل بيته ( أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) النور المبين في شرح زيارة الأربعين ص١٤١ .
فهؤلاء قد عقدوا صفقة لكنها خاسرة باعوا حظهم الذي ينتظرهم لو وقفوا مع الحق وهو الجنان ومجاورة الصالحين بأدنى صفقة حيث وقفوا مع الظالمين واصبحوا لعنة اللاعنين ابد الابدين.
والإنسان في كل لحظة يعيش هذه المقايضة فاما يربح حظه العظيم أو يخسر الخسران المبين فعليه أن يعرف قيمة العمر وقيمة الحياة وقيمة الآخرة حتى يستطيع المقايضة الحقيقية والتي هي بالحقيقة مع الله تعالى الذي يوفي الأجور بغير حساب.
ثالثاً: شراء الآخرة بالثمن الاوكس اي باعوا اخرتهم بثمن الناقص القليل والحقيقة لا يوجد ثمن للاخرة مهما كان الا وهو قليل لأنها دار الخلود والبقاء والحيوان .
فالإمام الصادق عليهالسلام يريد أن يقول في هذه الزيارة ان الذين حضروا كربلاء وتوازروا على قتل الإمام الحسين عليهالسلام بما غرتهم هذه الدنيا وباعوا حظهم ونصيبهم من الخير مقابل دنيا زائلة وبثمن اوكس قليل ، وباعوا آخرتهم وسعادتهم بلا مقابل ، كل ذلك لانهم عبيد الدنيا وعبيد شهواتهم واهوائهم كما قال الإمام الحسين عليهالسلام في حقهم : « الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم ... » ، نعم باعوا آخرتهم بثمن قليل ، قال الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام : من ابتاع آخرته بدنياه ربحهما ، ومن باع آخرته بدنياه خسرهما ، وقال : مَن عمّر دنياه خرّب ماله من عمّر آخرته بلغ آماله. النور المبين في شرح زيارة الأربعين ص١٤٤ .
رابعاً: الغطرسة والهوى: والغطرسة هي الاعجاب بالنفس والتطاول والظلم والتكبر للآخرين والهوى هو اتباع النفس وما تحب دون رقيب من عقل او شرع ( وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ ) .
والهوى مدمر للإنسان والقرآن الكريم يقول انه قد يكون هو المعبود ( أرأيت من اتخذ الهه هواه) لذا قال الامام علي عليه السلام : « إنما أخاف عليكم اثنتين اتباع الهوى وطول الأمل ، إما اتباع الهوى فإنه يصدّ عن الحق وإمّا طول الأمل فينسي الآخرة » اُصول الكافي ٢ : ٢٥٢ ، باب اتباع الهوى .
وعن الإمام الصادق عليهالسلام : « احذروا اهوائكم كما تحذرون اعدائكم فليس شيء أعدى للرجال من اتباع أهوائهم وحصائد السنتهم » نفس المصدر السابق
فالغطرسة والتكبر والظلم وطاعة الهوى من أبرز صفات الذين قاتلوا الحسين عليه السلام في كربلاء لأنهم تكبروا على الحق واتبعوا الباطل لما اطاعوا الهوى رغم معرفتهم بمقام الامام الحسين عليه السلام حتى قالوا نقاتلك بغضا بابيك فكل الصفات النفسية القبيحة توفرت فيهم بينما توفرت في الإمام الحسين عليه السلام واهل بيته وأصحابه كل صفات الخير والفضيلة والعدل .
فالسائر على طريق الحسين عليه السلام يحتاج إلى عدة كبيرة لمعرفة افات النفس ومعرفة الهوى وعليه أن يتعب نفسه ويروضها بالتقوى ويعلمها اتباع الحق والخضوع للحقيقة وهذا يحتاج مجاهدة وصبر واتباع .
خامساً: عصيان الله واسخاطه واسخاط النبي صلى الله عليه وآله: فهؤلاء بفعلتهم المنكرة العظيمة اسخطوا الله واسخطوا رسول الله صلى الله عليه وآله فالله غضب عليهم لقتلهم سيد الشهداء عليه السلام ، والنبي كذلك لأنهم قتلوا ريحانته وحبيبه وسبطه وابن بنته وسيد شباب اهل الجنة رغم بيانه ص المتكرر أمام أعين المسلمين لفضل الامام الحسين وأخيه الامام الحسن عليهما السلام لكنهم قتلوه شر قتلة وذبحوه ورفعوا رأسه على الرماح وسبوا عياله .
وسيكون جزائهم جهنم وساءت مصيرا ففي تفسير البرهان في ذيل قوله تعالى : ( وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ ) باسناده عن أبي عبد الله عن أبيه عن جده عليهالسلام قال : « للنار سبع أبواب باب يدخل منه فرعون وهامان وقارون ، وباب يدخل منه المشركون والكفار ممن لم يؤمن بالله طرفة عين ، وباب يدخل منه بنو اُمية هو لهم خاصة لا يزاحمهم فيه أحد وهو باب لظى وهو باب سقر وهو باب الهاوية تهوي بهم سبعين خريفاً فكلما فارت بهم فورة قذف بهم في أعلاها سبعين خريفاً فلا يزالون هكذا أبداً مخلدين ، وباب يدخل منه مبغضونا ومحاربونا وخاذلونا وإنه لأعظم الأبواب وأشدها حرّا » النور المبين في شرح زيارة الأربعين ص١٤٩.
وسخط الله وسخط النبي صلى الله عليه وآله أمر وارد في كل مخالفة للدين فعلى الإنسان المؤمن الابتعاد عن هذه الرذيلة وطلب رضا الله تعالى ومعرفة ما يسخط الله ويرضيه.
سادساً: طاعة المنافقين وأهل الشقاق وأصحاب الاوزار والذنوب:
.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : من ارضى سلطاناً بما يسخط الله خرج عن دين الله عزّ وجل ، وقال علي عليهالسلام : لا دين لمن دان بطاعة المخلوق ومعصية الخالق .
فالذين حضروا كربلاء وحاربوا الإمام الحسين عليهالسلام قد حملوا هذه الصفات الرذيلة من الشقاق والنفاق والتي ورثوها من آبائهم وأجدادهم ضد أهل البيت عليهمالسلام ، وكما قالوا للإمام الحسين عليهالسلام نقاتلك بغضاً منّا لأبيك وما صنع بأشياخنا يوم بدر وحنين ، وهذا الكلام يدل على عدم إيمانهم بالله وبالرسول وبالآخرة لأنهم قدموا لأخذ ثارات بدر وحنين أي ثارات أهل الكفر والشرك .
وقد أشار إلى هذا النفاق والكفر ـ بما جاء به النبي صلىاللهعليهوآله ـ يزيد بن معاوية حيث قال ابياته المعروفة في قصره :
ليت أشياخي ببدر شهد
جزع الخزرج من وقع الأسل
لا هلوا واستهلوا فرحا
ثم قالوا يا يزيد لا تشل
النور المبين في شرح زيارة الأربعين ص١٥٢ .
فهؤلاء اطاعوا أهل النفاق بينما كان المطلوب منهم طاعة الله ورسوله وأهل بيته عليهم السلام بحسب قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) بينما أصحاب الحسين عليه السلام اطاعوا ولاة الأمر وجاهدوا بين يدي ابي عبد الله عليه السّلام طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وآله.
والإنسان اما يطيع الله أو يطيع الشيطان ومن لم يطع الله وقع في مصيده وحبائل الشيطان الرجيم وهذا ما كان عليه الذين قاتلوا الحسين عليه السلام وعلى من يريد أن يسير على طريق الحسين عليه السلام أن يبحث عن طاعة الله ورسوله وأهل بيته ويبتعد عن طاعة الشيطان فإن أولياء الله وشيعة أهل البيت عليهم السلام من اطاعوا الله تعالى وهذا ما اكد عليه أهل البيت عليهم السلام
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يا معشر الشيعة شيعة آل محمد كونوا النمرقة الوسطى يرجع إليكم الغالي؟ ويلحق بكم التالي، فقال له رجل من الأنصار يقال له سعد: جعلت فداك ما الغالي؟ قال: قوم يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، فليس أولئك منا ولسنا منهم، قال: فما التالي، قال: المرتاد يريد الخير، يبلغه الخير يوجر عليه ثم أقبل علينا فقال: والله ما معنا من الله براءة ولا بيننا وبين الله قرابة ولا لنا على الله حجة ولا نتقرب إلى الله إلا بالطاعة، فمن كان منكم مطيعا لله تنفعه ولايتنا، ومن كان منكم عاصيا لله لم تنفعه ولايتنا، ويحكم لا تغتروا، ويحكم لا تغتروا. الكافي ج٢ ص ٧٦
والخلاصة ان هؤلاء توفرت فيهم صفات قبيحة من كثيرة اجتمعت وتسببت في اكبر جريمة عرفتها البشرية وهي مقتل الامام الحسين عليه السلام واهل بيته وأصحابه وسبي عياله والإمام الصادق عليه السلام يريد أن ننتبه لهذه الصفات ونتخلى عنها ونتحلى بما يضادها حتى نقترب من المعصومين عليهم السلام ونكون في ركب أنصارهم المخلصين
والحمد لله رب العالمين
عبد الحكيم الخزاعي
١٥ صفر ١٤٤٥