قواعد الحجاج في الخطبة الفدكية
بقلم فضيلة الشيخ عبد الحكيم الخزاعي
قد حاججت السيدة الزهراء عليها السلام القوم في قضية منعها ارثها واستدلت على حقها استدلالا رائعا لم يدع للخصم حجة ولا عذراً الا ان يكون متعمدا تاركاً لكتاب الله تعالى غاصبا لارث سيدة نساء العالمين.
ونحن نتحدث عنها باختصار
أولا: الاستدلال العقلي: قالت عليها السلام: يا ابن أبي قحافة اترث أباك ولا ارث ابي؟
فهنا تقرر حقيقة عقلية ثابتة اذا كان الإرث ثابتاً فلماذا يكون فيه تبعيضا ولماذا يرث الرجل ولا ترث المرأة ، ماهو المانع والسبب ؟ هل الاسلام يمنع من إرث المرأة هذا باطل بنص كتاب الله تعالى ، هل هناك مانع من ارثها ؟ لا يوجد فهي من الطبقة الاولى التي ترث دون غيرها من الطبقات ، الا ان يقولوا الانبياء لايورثوا وهذا ما ستبطله في المحاججة القرآنية إذ القران الكريم كتاب شامل أحكامه ابدية عامة وليس فيه ما يدل على عدم توريث الانبياء بل العكس صحيح ينطق القران الكريم بتوريث الانبياء أولادهم وهذا يبطل النص الذي استدل به ابو بكر عن النبي صلى الله عليه وآله إذ كل حديث يخالف كتاب الله تعالى لا حجية له .
ثانياً: المحاججة والاستدلال بكتاب الله تعالى
قالت عليها السلام في خطبتها الفدكية كما في كتاب شرح الأخبار - القاضي النعمان المغربي - ج ٣ - الصفحة ٣٧:
يا ابن أبي قحافة أفي الكتاب أن ترث أباك ولا أرث أبي! لقد جئت شيئا فريا.
جرأة منكم على قطيعة الرحم ونكث العهد.
أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم، إذ يقول:
" وورث سليمان داود " وفيما اقتص من خبر يحيى وزكريا إذ يقول " قال رب... فهب لي من لدنك وليا. يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا " وقال عز وجل: " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين " وقال تعالى: " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين.
لقد قررت عليها السلام ان القوم تركوا كتاب الله تعالى وجعلوه وراء ظهورهم وهذا الترك كان عمديا اذ اياته بينة واضحة صريحة وقد استدلت الزهراء عليها السلام بايات الارث التي ترتبط بالانبياء لان ابا بكر استدل برواية رواها لوحده ولم يسمعها غيره على عدم ارث الانبياء فقد ورث سليمان عليه السلام داود وهنا الارث لايكون بمعنى النبوة ,اذ النبوة لا تورث فهي ليست مالا او عينا من الاعيان او متاعا من الامتعة فهي ليست كسروية او ملكية حتى تنتقل بالارث بل هي اصطفاء الهي واختيار رباني , فلم يبق الا المعنى الشرعي الحقيقي بكونه قد ورث اباه داود عليه السلام لما مات والزهراء عليها السلام اعرف بكتاب الله من غيرها ولم يعترض عليها احد بكون هذه الايات خاصة بالنبوة , ولو ادعى احد ذلك لنقل الينا التاريخ , واذا كان احد يعترض فان الايات الاخرى تجيب حيث استدلت بها (يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين ) وهذه الوصية عامة واحكام الله مطلقة وعامة الا ما خص ولم ينقل المسلمون في خصائص النبي ص كونه خارجا عن احكام الارث ولو خرج عنها كان ينبغي عدم توريث نسائه جميعا .
اذا لامجال للخصم في منع الزهراء من الارث لا عقلا ولا شرعا , الا ان يكون كما قررت عليها السلام في الخطبة الفدكية (جرأة منكم على قطيعة الرحم ونكث العهد) فقد استدلت على الارث سواء على مستوى الانبياء وهذا دفعا لحجة الخصم ثم بالايات التي تثبت الارث للذكر والانثى فهي قد ابطلت الدعوى واثبتت القضية
ثالثا : الاستدلال بالقواعد المقررة المعروفة فقد يدعى الخصوص اي ان الله اخرج النبي محمد صلى الله عليه واله من حكم الارث وخصه بالناس فهذه الاية خاصة بالناس وليس بالنبي صلى الله عليه واله (فَخَصَّكُمُ اللهُ بِآيَةٍ أخْرَجَ مِنْها أبِي؟) فالخصوص بكم يحتاج الى دليل والدليل مفقود اذ الخصوص يحتاج الى دليل ويبقى العام على عمومه اذا لم يكن المخصص قويا وحجة وقد يدعى ان النبي خرج بقول ابي بكر ان الانبياء لايورثون ولكنه ساقط بدليل ايات ارث الانبياء وهذا الحديث حديث واحد نقله فقط ابو بكر وهو مدفوع ولايجوز الاستدلال به من قبل الخصم فيجب الاستدلا اما بحجة عقلية قطعية او اية محكمة واضحة او حديث معروف مشهور بين المسلمين او قاعدة شرعية مقررة ثابتة .
ثم قالت عليها السلام : أمْ هَلْ تَقُولونَ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ لا يَتَوارَثَانِ، أوَ لَسْتُ أَنَا وَأَبِي مِنْ أَهْلِ مِلَّةٍ واحِدَةٍ فالمعروف فقهيا ان الكافر لايرث المسلم فمن موانع الارث الكفر وهذا مقرر عند السنة والشيعة وقد طبقه النبي صلى الله عليه واله فهو حكم معروف مشهور .
ثم قالت فهل انت اعلم بالقران من ابي وابن عمي وتقصد امير المؤمنين عليه السلام فهي هنا تثبت اعلمية الامام علي عليه السلام وهي سيدة نساء العالمين المصدقة التي لاتقول الا الصدق وقد اخبرت عن ذلك في خطبتها (أيُّها النّاسُ! اعْلَمُوا أنِّي فاطِمَةُ، وَأبي مُحمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، أَقُولُ عَوْداً وَبَدْءاً، وَلا أقُولُ ما أقُولُ غَلَطاً، وَلا أفْعَلُ ما أفْعَلُ شَطَطاً) فامير المؤمنين عليه السلام صدقها ومضى معها في حجتها وهو الاعلم من جميع الصحابة بالقران الكريم في عمومه وخصوصه ومطلقه ومقيده وناسخه ومنسوخه فلم يعد امام الخصم الا ماقالت عليها السلام (فَدُونَكَها مَخْطُومَةً مَرْحُولَةً، تَلْقاكَ يَوْمَ حَشْرِكَ، فَنِعْمَ الْحَكَمُ اللهُ، وَالزَّعِيمُ مُحَمَّدٌ، وَالْمَوْعِدُ الْقِيامَةُ، وَعِنْدَ السّاعَةِ يخسَرُ المبطلون، وَلا يَنْفَعُكُمْ إذْ تَنْدَمُونَ، {وَلِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ}
هذا بعض الادلة التي ساقتها الزهراء عليها السلام اشرنا اليها اشارات عابرة والا القضية تحتاج كتابا كاملا ودراسات مفصلة عن ذلك .
والحمد لله رب العالمين