فهم العقيدة المهدوية: مسؤولية شخصية لكل فرد مسلم امامي في زمن الغيبة.
بقلم :شيخ حميد وناس ال عجمي
سؤال: هل بإمكان شباب اليوم بناء عقيدتهم المهدوية خارج اطار التقليد وإتباع اقوال العلماء، كما هو الحال في المجال الفقهي؟ بمعنى ان يتكفل الشاب ببناء عقيدته المهدوية بنفسه من اجتهاده الخاص وفهمه للروايات الشريفة؟ ثم ما هي حدود هذا الامكان والسماح الشرعي ان كان الجواب بنعم وماهي حدود المنع ان كان الجواب بلا ؟
الجواب:
ابتداء وكتمهيد للجواب التفصيلي اريد ان اطرح سؤالا يمثل نقطة الانطلاق للجواب على السؤال السابق، وهذا السؤال هو: انت ايها الشاب الكريم بحسب فهمك هل تلاحظ ان هناك فرق بين الايمان بالعقيدة المهدوية والايمان بوجوب الصلاة؟ وما هو منشأ هذا الفرق بحسب ظنك ان كان موجودا؟ وما نتيجة وجود هذا الفرق في المجالات الدينية المختلفة؟
الجواب على هذا السؤال هو: نعم ثمة فرق واضح وجلي بين الايمان بالعقيدة المهدوية والايمان بوجوب الصلاة، فالايمان الثاني ليس له قيمة بحد ذاته ان تجرد عن ساحة التطبيق السلوكي الفعلي، فانت ايها الشاب تؤمن بوجوب الصلاة لكي تلتزم بادائها في وقتها المطلوب وليس مجرد التصديق بان وجوب الصلاة امر شرعي ورد ذكره في الادلة الصحيحة، اما الايمان بالعقيدة المهدوية ولو بحسب ظرف زماننا هذا الذي هو زمن الغيبة التامة الكبرى لمولانا الامام المهدي عليه السلام، فهو ايمان نظري فكري خال من الجوانب التطبيقية العملية كليا، واقصى ما يمكن ان ينسب للجانب العملي لهذا الايمان هو: الالتزام باحكام الشريعة الاسلامية في زمن غيبة الامام المهدي عليه السلام، وهو جانب عملي عام غير مختص بالايمان بالعقيدة المهدوية بل هو العنوان العام والاطار الجامع للسلوك العملي المطلوب من المسلم في كل زمان وفي كل ظرف، وبقطع النظر عن اي علاقة لهذا السلوك العملي بالايمان بالعقيدة المهدوية .
وهذا الفرق بين الايمانين ليس من ابتداع العلماء وتأسيسهم، بل هو من وضع وجعل الله تعالى، حين ربط الايمان الاول بجانب عملي بشكل واضح ولم يربط الايمان الثاني بجانب عملي واضح في زمن الغيبة، بل انه ومنذ صدر زمن التشريع ونزول الرسالة الاسلامية على النبي الاعظم صلى الله عليه واله وسلم، نزلت عدة ايات صريحة تذكر الصلاة وتحث المسلمين للالتزام بها عمليا، وتعمد النبي الاكرم صلى الله عليه واله ان يظهر الجانب العملي للصلاة في سلوكه ولاكثر من مرة في اليوم الواحد لعدة سنوات من عمره الشريف، حتى ترسخ الايمان بوجوب الصلاة بشكل غير قابل للنقاش في ذلك الجيل الاول المعاصر للنبي الاعظم صلى الله عليه واله والاجيال اللاحقة، وهو مالم يحصل بخصوص الايمان بالعقيدة المهدوية، لعدم نزول الايات الصريحة الواضحة الحاثة على الايمان بالعقيدة المهدوية ولعدم وقوع فعل عملي من النبي الاكرم صلى الله عليه واله يرسخ العقيدة المهدوية عمليا، لكن لا تتوهم ايها الشاب الكريم، ان القران الكريم خال من اي اشارة للعقيدة المهدوية في اياته الكريمة او ان النبي الاكرم لم يذكر الامام المهدي عليه السلام في كلامه، لا ليس هذا المعنى هو المقصود، فقد وردت عدة ايات قرانية فسرها أئمة اهل البيت عليهم السلام بالامام المهدي عليه السلام، لكنها ايات غير واضحة بحدود لفظها العام بهذا المعنى، ولولا تفسير الائمة المعصومين لما تسنى لنا فهم وجهها المهدوي، وكذلك وردت الاشارة في احاديث النبي الاكرم صلى الله عليه واله للعقيدة المهدوية مجملة .
ولهذه المنهجية القرانية والنبوية في التعاطي مع الايمانين علته واسبابه الواقعية، وهذه العلة امثلها لك بصورة عملية أمل ان تكون مفهومة ونافعة لك، وكالتالي: إن الطفل بعد ولادتهم سالما صحيحا فان الهم الاكبر عند والديه يكون الحفاظ عليه من الاخطار الجسدية، والعمل على تقوية جسده وشد عظامه الضعيفة، فاذا تحقق ذلك لدرجة مقبولة، يبدأ الابوان بتعليم ابنهم الصغير سلوكيات الحياة العامة، كيف يمشي وكيف ياكل وكيف يتكلم وكيف يعبر عن مشاعره وكيف ينظف بدنه وثيابه ومتى ينام ومتى يلعب ومن هم الاشخاص حواله وعلاقته بهم، وهم في هذه الحياة لا يتطرقون للجانب الفكري الاهم لحياة الانسان، وهو تحديد الهدف من هذه الحياة ولماذا خلقنا الله تعالى وما هي طرق الوصول لهذا الهدف وتحقيق الغاية الالهية من خلقنا، وعلى الرغم من مرور سنوات طويلة من عمر الطفل يتم فيها التركيز على الجوانب العملية الحياتية واهمال الجانب الفكري، فهذا لا يعني قلة قيمة الجانب الفكري او كون الجانب العملي الاخر اكثر اهمية منه، لان ذلك السلوك العملي اذا تجرد عن الجانب الفكري الهدفي لا تبقى له اية قيمة وهو اقرب لحياة البهائم اجل الله السامع الكريم .
ولو عكسنا هذا المثال على واقع الشريعة، فالسلوك العملي الاول هو الصلاة وامثالها من شعائر الدين، والعقيدة المهدوية هي الجانب الفكري الهدفي من حياة الدين واستمرار بقائه .
والنتيجة النهائية لهذه المنهجية القرانية والنبوية التي سبق ذكرها في التعاطي مع الايمانين، ومع ملاحظة المثال ضربناه: ينبغي للشباب فهم الموقف المطلوب من الايمانين، وحدود ما هو ممكن من تاسيس عقيدة مهدوية خاصة بفهم خاص للروايات الشريفة ودون الاعتماد على اقوال العلماء في هذه المسألة، فما سطره العلماء باجيالهم المتعاقبة من تفسير وتوضيح للروايات المهدوية، انما هو بمثابة تدريب الامة على كيفية المشي والتكلم والوقوف والجلوس العملي الاساسي، فان اتبع الشاب تلك القواعد وسار على وفقها تكون عنده فهم للعقيدة المهدوية قويم وصحيح وقوي يمكن الاعتماد عليه، وان تخلى الشاب عن تلك القواعد وفضل ان يمشي للخلف ويتكلم بلغة غير التي تعلمها ونشأ عليها، وعبر عن مشاعره وافكاره باسلوب غريب شاذ، جاءت النتيجة: عقيدة مهدوية منحرفة وغريبة وشاذة، بعيدة كل البعض عن الواقع الحقيقي لتلك العقيدة .
ثم ختما ايها الشاب لتعلم: ان الاجتهاد وتكوين الفهم الخاص في اي موضوع ديني، لا يعني بالضرورة مخالفة المشهور او تقديم اطروحات جديدة لم يقل بها احد، بل الاجتهاد معناه ان يبذل الشاب جهده وكل طاقته في فهم الروايات المهدوية، ولا مشكلة بان ينتهي بجهده الخاص هذا الى حيث انتهى غيره من العلماء والمفكرين، فمع اتحاد النتيجة تبقى صفة الاجتهاد والفهم الخاص ثابتة للجميع وبنفس المستوى .. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد واله الطيبين الطاهرين .