شريط الأخبار
هل الزلزال الذي وقع مؤخرا في بعض مناطق تركيا وسوريا يعتبر من علامات الظهور؟     اسئلة مهدوية     (‏يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي)     هل سيتمكن الناس بعد ظهور الامام المهدي عليه السلام من أن يعملوا المعاصي؟ باعتبار ماهو معروف من دور الامام عليه السلام بعد ظهوره هو تطهير الارض من الظلم ونشر العدل، والمعاصي والذنوب من اوضح صور ظلم الفرد لنفسه ولدينه     بيعة الامام المهدي عليه السلام من تمام اعمال يوم الغدير.     الاسلوب الامثل لتوفير ردود علمية لشبهات احمد الكاتب حول العقيدة المهدوية .     يذكر بعض الناس روايات مضمونها ان مولانا الامام المهدي عليه السلام إذا خرج يقتل تسعين الف عالم في الكوفة ، ويدعي هذا البعض ان مصداق هؤلاء هو: علماء الشيعة الموجودون في العراق ...؟     غيبة الإمام والانتفاع بوجوده المبارك من الأسئلة الموجهة الى قناة المركز للأسئلة المهدوية:     هناك شبهة يتداولها بعض المغرضين مفادها ان الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري انقسموا الى أربعة عشرة فرقة.ولم يقل بوجود وولادة وإمامة ومهدوية (محمد بن الحسن) إلا فرقة واحدة وهي شرذمة قليلة من تلك الفرق الأربعة عشر . ماهو ردكم ؟     هل هناك فرق بين لفظي الظهور والخروج الواردين في الروايات الخاصة بالامام المهدي عجل الله فرجه ؟    
  • Post on Facebook
  • Twitter
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save
الأكثر شعبية

الاسلوب الامثل لتوفير ردود علمية لشبهات احمد الكاتب حول العقيدة المهدوية .

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1657
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الاسلوب الامثل لتوفير ردود علمية لشبهات احمد الكاتب حول العقيدة المهدوية .

فضيلة الشيخ حميد وناس

قسم الدراسات المهدوية 

مركز الامام الصادق (عليه السلام)

يمكن الانطلاق لتوفير ردود علمية لشبهات الكاتب حول العقيدة المهدوية، بعد معرفة وتحديد السبب وراء سهولة فهم غيبة الامام المهدي عليه وتقبلها عند عامة الامامية, وصعوبتها وعدم تقبلها عند احمد الكاتب وامثاله، ونفرض هنا ان السبب يرجع لخطا في التفكير والاستدلال العلمي عند الكاتب وبعيدا عن فرضيات الاسترزاق والانتفاع المالي من اثارة ونشر هذه الشبهات، والتي هي في حقيقتها قائمة على اساس الانكار والنفي وتجاوز البديهيات التاريخية والقرانية وغيرها .

وننطلق في مقالنا هذا مما ذكره السيد الشريف الرضي رحمه الله تعالى في المقنع في الغيبة, ص 33 – 34 حيث يقول: ( وإنّي لأرى من اعتقاد مخالفينا: صعوبة الكلام في الغيبة وسهولته علينا، وقوته في جهتهم، وضعفه من جهتنا, عجباً! والامر بالضد من ذلك وعكسه عند التأمل الصحيح، لأن الغيبة فرع لأصول متقدمة، فإن صحت تلك الأصول بأدلتها، وتقررت بحجّتها، فالكلام في الغيبة أسهل شيء وأقربه وأوضحه، لأنها تبتني على تلك الأصول وتترتب عليها، فيزول الإشكال.

وإن كانت تلك الأصول غير صحيحة ولا ثابتة، فلا معنى للكلام في الغيبة قبل إحكام أصولها، فالكلام فيها من غير تمهيد تلك الأصول عبث وسفه, فإن كان المخالف لنا يستصعب ويستبعد الكلام في الغيبة قبل الكلام في وجوب الإمامة في كل عصر وصفات الإمام، فلا شك في أنه صعب، بل معوز متعذر لا يحصل منه إلاّ على السراب, وإن كان له مستصعباً مع تمهد تلك الأصول وثبوتها، فلا صعوبة ولا شبهة، فإن الأمر ينساق سوقاً إلى الغيبة ضرورة إذا تقرّرت أصول الإمامة ) .

حيث اننا يمكن أن نلاحظ وبكل وضوح, أن التصديق بمسألة وجود شخص حي منذ أكثر من ألف سنة, وهو غائب عن الابصار لا يطلع على حاله أحد من الناس ولا يعرف تفاصيل واقعه الذي يعيشه, وهو مولانا الامام المهدي عليه السلام, التصديق بذلك وغيره سهل يسير عند الشيعة الامامية الاثناعشرية, بل هذه المسالة بخطوطها العريضة أقرب ما تكون للمسلمة العقائدية والبديهية التاريخية التي لا يدانيها شك أو شبه, ولكن نفس هذه المسالة بتلك التفاصيل تعتبر ضرب من الخيال واقرب للوهم والخرافة عند غير الامامية, وهذا التنافي الشديد بين العقيدتين ليس مرده دائما للتعصب للمذهب والتسليم بالمتوارث, والابتعاد عن نقاش المقدسات الاكثر أهمية عند الفرد الامامي، ولا التجرد العلمي والفكر الحر عند الطرف الاخر .

بل يمكن القول ان مرد هذا التنافي لامور علمية أخرى قبلية عند الطرفين, وهذه المقدمات العلمية آمن بها الامامية وصدقوا بها فقادتهم طوعا للقبول بالقضية المهدوية وتفاصيلها المعروفة, ورفض الاخرون تلك الامور قبلا او شككوا فيها فانسد عليهم باب التصديق والقبول بالقضية المهدوية ضمن الاطار الذي يطرحه الامامية الاثناعشرية .

حتى لعله يتوهم الطرف المخالف للامامية ان هذا التنافي بين الطرفين يمثل قوة في جهته, وضعف في جهة الإمامية, لانه صاحب نقاشات علمية مجردة بخلاف الامامية الذين يؤمنون بالعقيدة المهدوية دون اي تفكير تحقيقي او تحرر من الموروث العقائدي، فيدعي ان الامامية يصعب عليهم إقامة الأدلة المقنعة على وجود وطول عمر الامام المهدي عليه السلام, وصعوبة إثبات ضرورة حصر مبدا المهدوية بالامام الثاني عشر عليه السلام دون غيره من سائر الناس, وصعوبة توضيح معنى الغيبة المهدوية والدور الذي يقوم به الإمام المهدي عليه السلام أثناءها, وغيره ذلك الكثير من التفاصيل التي لا تخفى على أي باحث أو مطلع على البحوث المهدوية, والصحيح ان الأمر بالضد من ذلك وعلى عكسه تماما عند التأمل, حيث يسهل على الامامية الاستدلال على العقيدة المهدوية بتفاصيلها المختلفة بادلة علمية رصينة، الا ان هذه الادلة لا تكون مقبولة او مقنعة عند الطرف الاخر وذلك لعدة اسباب, أهمها:

السبب الاول: إن مسألة وجود وغيبة الإمام المهدي عليه السلام بحسب المفهوم الإمامي الإثني عشري, تعتبر من المسائل الفرعية المعتمدة والقائمة على أصول متقدمة عليها، تلك الإصول التي لا يمكن إهمالها وغض الطرف عنها في بحوث الغيبة المهدوية, فالوجود والغيبة المهدويان فرع أخير من شجرة عقائد تمثل الأصول لذلك الفرع, ومن الطبيعي جدا أن نقول: إن نزع هذا الفرع من تلك الشجرة الاصل والمنظومة العقائدية التي ينتمي اليها, يجعل هذا الفرع غريبا مستغرب .

فوجود الامام المهدي عليه السلام قائم على اساس وجود اثني عشر امام وخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه واله، وهؤلاء لقولهم وفعلهم حجية تساوي حجية قول وفعل وتقرير النبي الاعظم صلى الله عليه واله وسلم،وتعتبر مفسرة ومبينة للنصوص القرانية المنزلة، فالاستدلال برواية واردة عن الامام الصادق او الباقر عليهما السلام مثلا، تفسر آية قرانية بالامام المهدي عليه السلام، يكون في منتهى العلمية والرصانة عند من يعتقد بامامتهم وعصمتهم وحجية قولهم، اما من ينكر امامتهم وعصمتهم وبالتالي حجيتهم، لن يجد في هذه الرواية الا ادعاء خال من الدليل، وبالتالي فان الاستدلال بها مناف للعلمية .

اذن فقبول فكرة غيبة الامام المهدي عليه السلام طبقا لذلك او رفصها، ليس راجع لمعقولية الفكرة وانسجامها مع العقيدة الاسلامية والنصوص القرآنية وعدمهما، بل هو راجع لمعقولية فكرة وجود امام معصوم بعد النبي الاكرم صلى الله عليه واله، لاقواله وافعاله حجية، والايمان بانسجام وجود الامام المعصوم مع العقيدة الاسلامية والنصوص القرانية وعدمهما .

فاحمد الكاتب مثلا حين يرفض التصديق بوجود الامام المهدي عليه السلام وغيبته، ليس السبب في ذلك هو فقدان الدليل الصحيح الكافي لاثبات العقيدة المهدوية، بل هو يرفض العقيدة المهدوية لانه يرفض عقيدة وجود الائمة المعصومين، ولا يستطيع تفسير وجود الكم الهائل من كلماتهم التي اطلقوها خلال فترة طويلة تمتد لاكثر من مئتين سنة، وربوا شيعتهم عليها، لا يستطيع تفسير ذلك الا باخذ جانب السلبية غير العلمية بانكار صدور هذه الكلمات منهم عليهم السلام، او عدم حجيتها لعدم عصمة مطلقها، والغريب ان الكاتب وامثاله يرفضون الموروث الروائي الاسلامي بصورة عامة ما دام يخالف افكارهم وما يروجون له من افكار، ويحاولون حصر مصدر العقيدة الاسلامية بالنصوص القرانية طبقا لاذواقهم الخاصة وما يفهمونه هم من تلك النصوص .

اذن فمشكلة احمد الكاتب وامثاله، هي في الموروث الروائي الاسلامي عامة، وصعوبة انسجام اذهانهم لسبب او اخر مع اكثر هذا الموروث الروائي، وبعبارة اوضح: ان احمد الكاتب وامثاله يرون ان من حقهم تاسيس اسلام جديد ليس له اي جذر روائي، بل هو اسلام قائم على مخرجات ونتائج واقعنا المعاش، وجعل هذا الواقع المعاصر ومتطلباته مقياسا لقبول الافكار وامكان نسبتها للاسلام او ردها ووصفها بالخرافة والبدعة وما شاكل .

ونحن لا نعلم من الذي اعطى احمد الكاتب هذا الحق في التاسيس والدعوة لاسلام يختلف عن الاسلام الذي توارثه المسلمون، واي جهة اكسبت اقواله الحجية المطلوبة لنسبة افكار لله تعالى ونبيه ودينه .

بل اننا لو سلمنا بوجود هذا الحق في التفسير والفهم للنصوص الاسلامية بمعزل عن الموروث الروائي لعامة افراد الامة، او للعلماء منهم، فاننا نجد انفسنا امام خيارين اما القبول بالدين الكاتبي او القبول بالدين الامامي الذي تسلسل على بنائه اثنا عشر امام معصوم، والعقل يجزم بكل وضوح بالاخذ بالدين الثاني دون الاول، باعتبار ان كل فرد من هؤلاء الافراد الاثني عشر هو اعلم من احمد الكاتب واكثر فهما للنصوص القرانية، وبقطع النظر عن عصمته بل باعتباره فرد بشري مسلم صاحب فكر خاص به لا اكثر، فضلا عن مجموع الاثني عشر .

اذن فتقديم البحث في تلك الاصول العقائدية أو بعضها التي تقوم عليها العقيدة المهدوية وخاصة الامامة والعصمة، ليس تطويلا لا مبرر له ولا خروج عن جوهر القضية المهدوية والاستدلال المباشر لتفاصيلها، وذلك لأنه إن صحت تلك الأصول المتقدمة أولا بأدلتها وتقررت بحجتها، وصارت واضحة مسلمة الصحة, يكون البحث في مسألة غيبة الإمام المهدي عليه السلام سهلا وواضحا في الخطوة التالية المتأخرة، لاننا سنجعل من تلك الاصول المسلمة الواضحة لبنات لبناء الاستدلال المهدوي،

فمسألة الغيبة للامام المهدي عليه السلام ووجوده في زماننا هذا تبتني أساسا على تلك الأصول القبلية وتترتب عليها وتتفرع منها .

وفي المقابل فإن كانت تلك الأصول غير صحيحة ولا ثابتة عند الطرف الاخر مثل احمد الكاتب وامثاله, الذي يريد كشف واقع الغيبة والبحث في معقوليتها ومقبوليتها وانسجامها مع العقائد والنصوص القرانية, وبيان معناها بشكل جلي يفهمه ابناء الجيل المعاصر من المسلمين، فلا معنى للكلام معه في هذه المسألة قبل إحكام أصولها، ويكون الكلام معه في هذه المسألة الفرعية من غير تمهيد لتلك الأصول الاولية عبث وسفه, أو هو كلام في معنى آخر للغيبة غير ذلك المعنى الذي يؤمن به الاثنا عشرية, وهذا المعنى الاخر ينسب لمهدي ومخلص موعود هو غير الامام الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام .

وبعبارة أخرى اوضح: أن إختلاف صفات المهدي المخلص الموعود في الموروث الروائي للمذاهب الاسلامية والديانات المختلفة من جهة, وصفات المهدي المخلص بحسب الفهم المجتزء للواقع المعاصر وما انتجه من منظومة فكرية قانونية وسياسية واجتماعية تباين في كثير من المسائل ما ورد من نصوص في الموروث الروائي الديني العام، أوجب ظهور إختلاف في فهم غيبة وإحتجاب ذلك المهدي وبما ينسجم مع أصول ومبادئ تلك الاديان والمذاهب واصحاب الفكر الحداثوي التشكيكي, فلا يعود البحث هنا مفيدا قبل مناقشة تلك الاصول المختلفة الواردة في موروثنا الاسلامي الروائي ورد الباطل منها والقبول بما ينسجم مع الدليل الصحيح .

إشكال وجوابه :

وليس لقائل أن يقول: أنكم على هذا توجيبون تشيع احمد الكاتب وامثاله وتسليمهم بالعقيدة الامامية الاثني عشرية قبل طرح مسأئل وجود وغيبة الامام المهدي عليه السلام طبقا للفهم الاثني عشرية عليه, بوجه يقبله وباستدلال علمي رصين يسلم بصحته ويخضع له, واحمد الكاتب في مثل هذا الفرض إنما يكون قبوله بمفاهيم وجود الامام المهدي وغيبته وتبعا لتشيعه من تحصيل الحاصل, فهو سيقبل بمفهوم الغيبة لأنها منسجمة مع دينه ومذهبه الجديد, لا لأنها صحيحة ومعقولة بحد ذاتها, او لاطلاعه على استدلالات علمية رصينة، ومن الطبيعي أن من أختار التشيع الاثني عشري مذهبا يتعبد به، ستنقاد نفسه طوعا لقبول أية فكرة أو عقيدة تنسجم مع هذا المذهب, ولا خصوصية لمسألة غيبة الامام المهدي عليه السلام ووجوده في المقام ...

لأنه يقال في الجواب: أننا لا نقول بهذا المقدار الواسع من التمهيد الفكري لطرح ادلة مسألة الغيبة على احمد الكاتب, بمعنى إشتراط قبوله لكل العقائد الاسلامية الامامية الاثني عشرية جملة واحدة, بل نقول بضرورة إنطلاق البحث في القضية المهدوية من إصول مفهومة المعنى لحد ما, ومسلم بصحتها ولو بدرجة من الفهم والتسليم هي دون القبول المطلق والإيمان بتلك الإصول والتصديق بها, فالمهم عندنا هو طرح مسألة الغيبة ضمن المنظومة الفكرية الاسلامية الامامية, وبصفتها فرع من تلك المنظومة التي يسند بعضها بعضا, ومن ثم محاكمة عقيدة الغيبة مع مراعاة خصوصيات تلك المنظومة الفكرية المتكاملة التي تمتاز بها عن باقي المنظومات الفكرية .

وبعبارة واضحة: اننا نستهدف طرح مسائل القضية المهدوية ومناقشتها مع احمد الكاتب، بعد تسليمه بوجود درجة معتد بها لقبول العقيدة الامامية الالهية المعصومة، فهو له الحق في الرد علينا والاشكال ضمن هذه المنظومة الفكرية، ونحن لنا الحق في الرد عليه والاشكال ضمن المنظومة الفكرية التي يتبناها هو، وبقطع النظر عن هويتها، فالنقاش بيننا وبينه قائم على اساس الجدال والمناظرة العلمية، حيث يحاكم كل فرد طبقا لما يعتقده ولما هو متوفر عنده من موروث روائي او استنتاج واستدلال ذوقي منطقي، ودون الزام الطرف المقابل بالاخذ بعقيدة لا يتبناها، فنحن حين نقول اننا نؤمن بوجود الامام المهدي الغائب عليه السلام وطبقا لروايات وردتنا صحيحة عن ائمة اهل البيت عليهم السلام، فعلى احمد الكاتب ان لا يصف هذا الايمان بانه خرافي وافتراضي وخال من الادلة، بل عليه ان يسلم بصحة هذه العقيدة ومعقوليتها طبقا للادلة المذكورة، لكنها صحة ومعقولية محدودة بحدود الايمان بعصمة وامامة، اصحاب الروايات المستدل بها، فيقول: نعم كلامكم صحيح ومقبول وحجة على من يقول بامامة وعصمة الائمة عليهم السلام، الا اني لست من هؤلاء فلا تلزموني بها، فيرد عليه: نعم الامر كذلك ونحن لا نلزم اي فرد لا يؤمن بامامة وعصمة ائمة اهل البيت عليهم السلام بما نعتقده من عقيدة مهدوية، لكن عدم الالزام هذا لايبرر للاخر وصف عقائدنا المهدوية بالوهم والخرافة وكونها مجرد فرضيات، بل عليه التسليم بصحتها ومعقوليتها بناء على العقيدة الامامية الاثنا عشرية ونصوصها الموروثة منهم عليهم الصلاة والسلام .

واذا كان مقصد احمد الكاتب نزع الخصوصية عن عقيدة الغيبة للامام المهدي عليه السلام وجعلها بمصاف العقائد الامامية الاخرى, التي تحتاج لادلة اثباتية صحيحة، فهذا مما لا ننفيه ولانحاول دفعه عن عقيدة الغيبة بل عامة القضية المهدوية بكل تفاصيلها, فالغيبة عندنا كذلك ليست هي الا عقيدة دينية محتاجة للادلة الاثباتية الصحيحة, ولا ندعي ان لها خصوصية تجعلها واضحة ومسلمة لكل احد ايا كانت عقيدته التي يومن بها والدين والمذهب الذين ينتمي اليهما ..

 لكننا ندفع إسلوب طرح ونقاش ومحاكمة عقيدة الغيبة بعيدا عن جوها الفكري الامامي وبيئتها العقائدية التي نمت فيها وتفرعت منها, بل نحن نصرح ونقول بأن عقيدة الغيبة لم تكن واضحة ومقبولة منذ بداية ظهور التشيع الامامي الاثني عشري وتبلور منظومته الفكرية, وايضا نقر بانها إنما إحتاجت لمضي مئات السنين، بذلت خلال هذه الفترة جهود تربوية كبيرة جدا من ائمتنا عليهم السلام، ثم جهود علمية وتفسيرية كبيرة جدا من علماء زمن الغيبة وما سطروه في كتبهم ومؤلفاتهم، لتكتسب هذه العقيدة في النهاية بداهتها ووضوحها الذي هو موجود اليوم .

فلا غرابة بعد كل هذا أن يستصعب احمد الكاتب الكلام في غيبة الإمام المهدي عليه السلام, وهو لا يؤمن ولا يهتم بمتابعة مخرجات تلك الجهود المعصومية والعلمائية، لانه فضل ان يتحرك في فضاء عقائدي بكر، هو من يتكفل بتاسيسه ووضع القواعد العامة والملامح الابرز له، فنتائج حركة احمد الكاتب في ذلك الفضاء ستكون لها نتائج تختلف عن نتائج من يتحرك فكريا في فضاء له اسس وقواعد عامة تكفل برصها وتشييدها الائمة المعصومين ثم علماء الامامية في زمن الغيبة .

لان نتائج احمد الكاتب الفكرية قائمة على اصول وقواعد تختلف عن الأصول الاولى التي يؤمن بها الامامية مثل: وجوب الإمامة في كل عصر وصفات الإمام الحق، وميدان عمله والتكليف الملقى على عاتقه وعلاقته بابناء المجتمع في كل عصر .

السبب الثاني: أنه ومن حيث إن منهجية احمد الكاتب في البحث في القضية المهدوية الامامية، قائمة على النفي المباشرة لوجود الامام المهدي عليه السلام وغيبته، بينما عقيدة الامامية على الاثبات لكل ذلك، فيكون الاستدلال منه لعقيدته سهل، والاستدلال لعقيدة الامامية اصعب، والسبب في ذلك وكما هو واضح: لان نفي الافكار والعقائد بل كل ما يراد اثبات وجوده أسهل بكثير من طريقة إثبات وجوده، بل لعل النفي لا يحتاج لطريقة وإسلوب بيان ومنهجية محددة ولا إستدلال أصلا, لما يقال عادة من: أن الأصل في الأشياء هو العدم، فيكون نفي تلك الأشياء ومنها وجود الامام المهدي عليه السلام غيبته موافق لذلك الأصل الاولي مسلم الصحة، ويكون إثبات وجود الامام الامام المهدي عليه السلام ووقوع الغيبة مخالفا لهذا الأصل ويحتاج لدليل وحجة زائدة، فضلا عن البحث في تفاصيل الغيبة ومحاولة اثباتها .

لكن مع ذلك يمكننا القول: ان موافقة أية فكرة او عقيدة لأصل العدم والإنتفاء ابتداء، لا يجعل تلك الفكرة والعقيدة غير صحيحة بحد ذاتها ولا مقبولة, لإن هذه الموافقة في أقصى ما تشير اليه ةتدل عليه, أنها تجعل المخالف لها مطالب بالدليل دون غيره, فمثلا أصالة عدم بعث الله تعالى لنبي ما، واصالة عدم إنزاله لكتاب وشريعة, لا تكفي لإبطال دعوى النبوة والتنزيل والتشريع, بل تجعل أصحاب هذه الدعاوي في مقام الدفاع عما يدعونه وإثبات صدقه بالدليل المعتبر .

بل ان هذه الاصالة لاتكفي لاثبات عدم وجود الامام المهدي عليه السلام، بل هي لها قوة ومقبولية البقاء على اصل العدم حتى يتوفر الدليل الكافي لرفع هذه الاصالة، وليس لاحمد الكاتب ان يتمسك باصالة العدم بعد توفر الدليل المعتبر، وللانصاف فان هذه الاصالة لم يرد لها ذكر على لسان الكاتب حسب علمي ولم يستدل بها، لكنه يطبقها ويعمل بها ضمنا، وذلك حين يناقش ادلة اثبات وجود الامام المهدي عليه السلام ويبطلها بحسب زعمه، فيخرج بنتيجة انه غير موجود، وهذه النتيجة خاطئة بالدقة العلمية، لان ابطال الادلة نتيجته انتفاء الدليل على الوجود وليس انتفاء الوجود، فكم من موجود اليوم نحن لا نعلم به وليس لدينا دليل على اثبات وجوده، الا انه فعلا موجود ومتحقق ..

وكثير ما نسمع من الكاتب ادعاءه: عدم وجود روايات او اخبار تثبت وجود الامام المهدي عليه السلام قبل تحقق غيبته ووفاة ابيه العسكري عليه السلام، وهذه الدعوى فيها خلط من الكاتب، لان المنفي في اقصى الاحوال هو وجود روايات مدونة في كتب وصلت الينا، اما وجود الروايات متناقلة بين اصحاب الائمة او مدونة في اصول لم تصل، فليس للكاتب نفيها، لانه غير معاصر لتلك الفترة وليس لديه دليل يثبت عدم تدوين روايات الغيبة قبل وقوعها فعلا ..

واعتماد الكاتب على اصالة العدم لاثبات انتفاء الروايات المهدوية او عدم تدوينها في الكتب، لا يصمد امام الحقائق والوقائع التاريخية التي شهدت خروج اكثر من شخصية ادعت المهدوية او ادعي لها، اهمها الامام الكاظم عليه السلام واخيه اسماعيل ومحمد بن الحنفية ومحمد بن الحسن المثنى والمهدي العباسي وغيرهم .

فان هذه الحوادث التاريخية مسلمة الصحة تكفي لاثبات وجود روايات مهدوية تشير للغيبة متداولة ومنقولة في اوساط المجتمع الاسلامي طوال فترة زمنية تمتد لاكثر من مئة سنة ابتداء من محمد بن الحنفية وانتهاء بالامام الكاظم عليه السلام .

بل ان وجود دعاوي بهذا الحجم الكبير يدل على شيوع فكرة الغيبة المهدوية بشكل واسع بين افراد المجتمع، واكيدا ان شيوع هذه الفكرة مرده لروايات واخبار متداولة ومنقولة منقولة..

السبب الثالث: انه وطبقا لبعض الروايات الواردة عن ائمة الهدى عليهم السلام فان غيبة مولانا الامام المهدي عليه السلام هي: سر من سر الله وغيب من غيبه ومما تصغر عقول بعض الناس عن إدراكه، فكيف نتصور بعد ذلك سهولة البحث في الغيبة التي تتصف بهذه الصفات الغيبية الغامضة جدا، فان الكاتب وامثالهم يصعب عليهم ادراك معنى الغيبة الظاهرية الحسية التي تعني وجود الإمام المهدي عليه السلام بحيث لا يحس به احد ولا يصل اليه، أو كونه يعيش وسط المجتمع كشخص إعتيادي يخفي هويته الشخصية عن الاخرين, وهو معنى حسي مادي واضح وخالي من اي تعقيد فلسفي او مقدمات غيبية، وهو بذلك اعجز عن ادراك الغيبة بالمعنى السابق الوارد عن ائمة الهدى عليهم السلام .

فتكون عقيدة الكاتب في نفي الغيبة منسجمة مع عادة الناس وطباعهم بالتشكيك بالامور الغيبية غير الحسية وعدم قبولها بسهولة، شأنهم في ذلك شأن الاسلاف الذين ما انفكوا يطعنون بدعوات الانبياء عليهم السلام ويسفهونها ويعتبرون القائل بها مجنونا .

والالحاح على الكاتب وامثاله لقبول امور غيبية غير حسية بسوق ادلة واخبار، امر لا مبرر له ولا معنى لان طبيعته التي جبل عليها تعجز عن فهم هذا المعنى، فيكون تكثير الادلة والبراهين له مع هذه الطبيعة العاجزة، مناظر لتكثير الاثباتات والبراهين الرياضية لاثبان نظرية حسابية او معادلة رياضية معقدة لطفل لا يعي مفردات تلك المعادلة بسبب قصوره الطبيعي .

والمهم في المقام القول: ان البحث في مسألة غيبة الإمام المهدي عليه السلام مع احمد الكاتب وامثاله، لابد من الانطلاق فيه من اعتبار مسألة الغيبة مسألة فرعية تتفرع عن مسائل اخرى تكون بمثابة الاصل بالنسبة اليها، فلابد اذن من اثبات تلك المسائل الاصلية اولا قبل البحث في مسألة غيبة الإمام المهدي عليه السلام، وبدون مراعاة ذلك فالبحث في مسألة الغيبة سيكون غير واف بالمطلوب لوضوح كون البحث في المسألة حينئذ غير قائم على اسس ثابتة, مسلم بها ومقبولة من المتناقشين, فإن صحت تلك الأصول بأدلتها عند المقابل وتقررت بحجتها لديه، فالبحث في مسألة الغيبة سيكون سهل المؤونة وواضح التفاصيل .

بخلاف ما لو كانت تلك الأصول غير مسلمة الصحة عند المتلقي، فلا معنى حينئذ للكلام معه في اثبات صحة وقوع الغيبة للإمام المهدي عليه السلام وترتب الفائدة منها، ويكون الكلام فيها من غير تمهيد تلك الأصول عبث وسفه .

وايضا لابد من مراعاة القابلية الطبعية عند الكاتب وامثاله وعدم محاولة تغيير تلك الطبيعة التي فطر عليها، لانها طبيعة قاصرة عن فهم الاسرار الالهية الغيبية والتي منها وجود مولانا الامام المهدي عليه السلام غائبا كل هذه الفترة الزمنية الطويلة ...

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد واله الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم .

 

 

 

Powered by Vivvo CMS v4.7