هل يصدق على الاطفال أنَّهم مصرف الكفارات
السيد علي جميل الموزاني
بسمه تعالى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد واله الطيبين الطاهرين.
تقوم المؤسسات الخيرية اليوم جزاهم الله خيراً بالنيابة عن بعضهم في دفع الكفارات وإيصالها الى مستحقيها, وطبيعة عملهم بوصفهم مؤسسات فإنّها لا تُعطي لكل فرد حصته بيده وإنما تُعطي لرب الأسرة أو من يقوم مقامه حصص متعددة على وفق عدد عائلته, ولا يُلتفت إلى أنَّ فيهم الرضيع وهل يصدق عليه أنَّه مصرف للكفارة أو لا.
والمشهور بين الفقهاء أنَّه لا يجزي إطعام الصغار (غير الرضع) منفردين، ويجوز منضمّين مع الكبار. ولو انفردوا أحتسب الاثنان بواحد, ولو سلّم المدّ فلا يفرق في ذلك بين الكبير والصغير, لان المدار في ذلك على الحصة لا الإشباع الذي يختلف فيه الكبير عن الصغير.
قال السيد اليزدي (إذا كان للفقير عيال متعددون ولو كانوا أطفالاً صغاراً يجوز إعطاؤه بعدد الجميع لكل واحد مداً.
وعلَّق السيد الخميني بقوله: مع كونه ثقة في إيصاله إليهم أو إطعامهم.
والسيد الحكيم بقوله: لا يجزي إعطاؤه إلا إذا كان وكيلاً عنهم أو ولياً عليهم فيكون المدفوع ملكاً لهم ولا يجوز تصرفه فيه إلا بالإذن منهم أو الولاية إن كانوا قاصرين)(1).
وقد ورد النصّ آية ورواية على الاطعام, أو التسليم بلا فرق بينهما, قال تعالى [فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ](المائدة:89).
وفي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في كفارة قتل الخطأ قال: (فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً مدّاً مداً)(2).
وصحيحة أبي خالد القمّاط انه سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (من كان له ما يطعم فليس له أن يصوم، يطعم عشرة مساكين مداً مداً)(3), وصحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في كفارة اليمين (كفارته إطعام عشرة مساكين مداً مداً دقيق أو حنطة)(4).
وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: (في كفّارة اليمين يطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّين من حنطة، ومدّ من دقيق)(5).
وصحيحة يونس بن عبد الرحمن، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: سألته عن رجل عليه كفارة إطعام عشرة مساكين، أيعطي الصغار والكبار سواء والنساء والرجال، أو يفضل الكبار على الصغار، والرجال على النساء؟ فقال: (كلهم سواء)(6)، وهي تدل على التسوية وكفاية التسليم.
ولا إشكال في عدم جواز اطعام الرضيع في الكفارة لعدم الصدق العرفي عليه, ولعدم وجود المقتضي.
وأما في التسليم فالظاهر عدم الجواز كذلك, لعدم الصدق العرفي عليه, حتى وان استلم وليّه عنه.
واحتاط الشيخ صاحب الجواهر في إطعام الصغير, فضلاً عن الرضيع بقوله: (ومن هنا كان الاحتياط بالاقتصار على الكبار لا ينبغي تركه، خصوصاً مع عدم تنقيح للصغر والكبر هنا، وإن صرح بعضهم بالرجوع فيها هنا إلى العرف، ويحتمل مراعاة البلوغ وعدمه)(7).
ويرى بعض أئمة مذاهب المسلمين القول بالجواز حتى ولو كان رضيعاً لا يأكل نقل عنهم الدكتور وهبه الزحيلي قولهم: (ويجوز صرفها إلى الصغير والكبير ولو لم يأكل الطعام عند الحنابلة, "على احد قوليه(8)" لأنَّه مسلم محتاج أشبه الكبير، لكن يقبضها ولي الصغير, لأن الصغير لا يصح منه القبض)(9).
ويرد عليه:
إنَّ التعليل بالاحتياج لو صدق في الزكاة وجاز لهم التسوية بين الكبير والصغير والرضيع, فإنَّه في الكفارات لا يصدق, وليس المدار على الاحتياج فحسب, بل لابد من تحقق أهليته للأكل, وهي في الرضيع منتفية.
وذهب ابن قدامه إلى القول بعدم جواز ذلك بقوله: (فإن كان طفلاً لم يطعم لم يجز الدفع إليه في ظاهر كلام الخرقي، وقول القاضي وهو ظاهر قول مالك، فإنه قال: يجوز الدفع إلى الفطيم وهو إحدى الروايتين عن أحمد. -واستدل لعدم الجواز- بقوله تعالى [إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ](المائدة: 89) وهذا يقتضي أكلهم له فإذا لم يعتبر حقيقة أكلهم وجب اعتبار امكانه ومظنته ولا تتحقق مظنته فيمن لا يأكل ولأنه لو كان المقصود دفع حاجته لجاز دفع القيمة ولم يتعيَّن الإطعام وهذا يفسد ما ذكروه)(10).
هوامش:___________
(1) العروة الوثقى مع التعليقات- السيد اليزدي: 3/602.
(2) تهذيب الأحكام - الشيخ الطوسي: 8/322.
(3) الكافي - الشيخ الكليني: 7/454.
(4) الكافي - الشيخ الكليني: 7/453- الفقيه - الشيخ الصدوق: 3/363.
(5) وسائل الشيعة - الحر العاملي: 22/383.
(6) الاستبصار- الشيخ الطوسي: 4/53.
(7) جواهر الكلام - الشيخ الجواهري: 33/269.
(8) الهداية على مذهب الإمام أحمد- أبو الخطاب الكلوذاني: 475.
(9) الفقه الإسلامي وأدلته - وهبة الزحيلي: 7/618.
(10) المغني- ابن قدامة: 9/539.