قِيمَة الْحَيَاة عِنْدَ الْإِمَامِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ
بقلم الشيخ حكيم الخزاعي
جَاءَ رَجُلٌ إلَى الْإِمَامِ الصَّادِق (ع) فَقَال : قَد سَئِمْت الدُّنْيَا فأتمنى عَلَى اللَّهِ الْمَوْتِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : تَمَنّ الْحَيَاة لتطيع لَا لتعصي فُلَان تَعِيش فتطيع خَيْرٌ لَك مِنْ أَنَّ تَمُوتَ فَلَا تَعْصِي و لَا تُطِيع . بِحَار الْأَنْوَار - الْعَلَّامَة المجلسي - ج ٦ - ص ١٢٨ . .
فِي التَّعَامُلِ مَعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا يُوجَد لَدَيْنَا اِتِّجَاهَاتٌ مُتَعَدِّدَة فِي تَارِيخِ الْإِسْلَام أبرزها
أَوَّلًا : تَرْكِ الدُّنْيَا كُلِّيًّا وَهَذَا مَا اُشْتُهِرَ بِهِ حَتَّى مَجْمُوعِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَهَكَذَا فِي زَمَنِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَنْ تَرْكِ الدُّنْيَا وَوَرَد عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لكلِّ نبيٍّ رهبانيةٌ ورهبانيةُ هَذِه الأمةِ الجهادُ فِي سبيلِ اللهِ
وَهَذَا التَّيَّار امْتَدَّ إلَى زَمَنِ الْإِمَامِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَبَاقِي أَئِمَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ عَلَيْهِمْ السَّلامُ بَلْ هُوَ تَيّار مُتَجَدِّدٌ يَرَى أَنَّ الدَّيْنَ بِالضِّدِّ مِنْ الدُّنْيَا مَعَ أَنَّ الدَّيْنَ الإِسْلامِيَّ هُوَ دِينُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا دَيْنٌ مُتَكامِل وَهَذَا مَاوَرْد فِي نَصِّ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ (وابتغ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارِ الْآخِرَةِ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَك مِنْ الدُّنْيَا ) فَالنَّظْرَة يَجِبُ أَنْ تَكُونَ متوازنة وَسْطِيَّة لَا إفْرَاط فِيهَا وَلَا تَفْرِيطٍ .
ثانياً : الانشداد كُلِّيًّا إلَى الدُّنْيَا ، وَهَذَا أَيْضًا تَيّار بَرَز بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ خُصُوصًا بَعْدَ الْفُتُوحَات الْإِسْلَامِيَّة وَوُجُود الْمَالِ الْكَثِيرِ مِمَّا جَعَلَ الْكَثِيرِ مِنْ الصَّحَابَةِ ينحرفون عَن المسار الْإِسْلَامِيّ الصَّحِيح وَتَسَبَّب هَذَا فِي ثورات وقلاقل هزهزت الْوَاقِع الْإِسْلَامِيّ وَأَبْرَزَهَا ثَوْرَة أَهْلِ الْمَدِينَةِ ضِدّ الْخَلِيفَةُ عُثْمَانُ بْنِ عَفَّانَ وَهَكَذَا الْحَرْب الَّتِي وَقَعَتْ ضِدّ خِلَافُه أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَبْرَزَهَا حَرْب الْجَمَل وَصْفَيْن الَّتِي كَانَتْ تستهدف الضَّرْبِ عَلَى يَدِ الْفَاسِدَيْن وَقَدْ رَفَعَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِوَاءٌ الْإِصْلَاح الْمَالِيّ وَقَدْ قَالَ لَوْ تَزَوَّجَ عُثْمَانُ بِالْمَال الْإِمَاء لارجعته إلَى بَيْتِ الْمَالِ .
ثَالِثًا : الْمَوْقِف الْوَسَطِيّ وَاَلَّذِي مِثْلَه أَهْلَ الْبَيْتِ عَلَيْهِمْ السَّلامُ وشيعتهم فَنَجِد الْإِمَام الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ كَلَامُنَا أَنَّه يُنْهِي عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِلْمَوْت بَلْ قَالَ عَلَيْك أَنْ تَطْلُبَ الْحَيَاةِ لِأَنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا دَارُ الْعَمَلِ وَكَسْبِ الصَّالِحَاتِ وَهِي مَتْجَر أَوْلِيَاءِ اللَّهِ ، بَيْنَمَا الْمَوْت دَار حِسَاب وَلَيْس عَمَلًا بِالتَّالِي لَا تَسْتَطِيعُ كَسَب الصَّالِحَات والقربات لِلَّهِ تَعَالَى وَهَذَا مَا وَرَدَ فِي رِوَايَاتِه كَثِيرًا .
١ . عَن الكليني ، فِي روايةٍ ، عَنْ ابْنِ القدّاح ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله× قَال : « جَاءَتْ امْرَأَةٌ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ إلَى النبيّ| ، فَقَالَت : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنَّ عُثْمَانَ يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ ، فَخَرَجَ رَسُولُ الله| مغضباً يُحْمَل نعلَيْه ، حتّى جَاءَ إلَى عُثْمَانَ ، فَوَجَدَه يصلّي ، فَانْصَرَف عُثْمَانَ حِينَ رَأَى رَسُولُ الله| ، فَقَالَ لَهُ : يَا عُثْمَانُ ، لَم يُرْسِلُنِي اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّهْبَانِيَّة ، ولكنْ بَعَثَنِي بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّهْلَةِ السَّمْحَة ، أَصُوم وأصلّي وَالْمَسّ أَهْلِي ، فمَنْ أحبَّ فِطْرَتِي فليستنَّ بسنّتي ، وَمَن سنّتي النِّكَاح » أُصُول الْكَافِي 5 : 496 .
٢.عن الْإِمَام الصادق قَال : « إِنَّ اللهَ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ أَعْطى مُحَمَّداً| شَرَائِعَ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى ، التَّوْحِيدَ وَالإِخْلاصَ وَخَلْعَ الأَنْدَادِ ، وَالْفِطْرَةَ الْحَنِيفِيَّةَ السَّمْحَةَ ، وَلا رَهْبَانِيَّةَ ، وَلا سِيَاحَةَ ، أَحَلَّ فِيهَا الطَّيِّبَاتِ ، وَحَرَّمَ فِيهَا الْخَبَائِثَ » . بِحَار الْأَنْوَار 65 : 317 ؛ الكليني ، أُصُول الْكَافِي 2 : 17 .
٣ . عَنِ السَّكُونِيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وآله
الاتِّكَاءُ فِي الْمَسْجِدِ رَهْبَانِيَّةُ الْعَرَبِ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ مَجْلِسُهُ مَسْجِدُهُ، وَصَوْمَعَتُهُ بَيْتُهُ»وسائل الشيعة 10: 524؛ الصدوق، معاني الأخبار: 173.
عبد الحكيم داخل قسم العقيدة مركز الامام الصادق للدراسات والبحوث