شرح زيارة الأربعين الحلقة الأولى
بقلم فضيلة الشيخ عبد الحكيم الخُزاعي
معنى الزيارة
الظاهر أن «الزيارة» مصدر «الزوْر» بمعنى الميل والرغبة إلى طرف والعدول عن غيره، فقد ذكر ابن فارس في كتابه (معجم مقاييس اللغة) ما نصّه:
«الزاء والواو والراء، أصل واحد يدل على الميل والعدول» معجم مقاييس اللغة 3 / 36.
والزيارة هي الحضور القلبي عند المزور وحضور الجسد مقدمة لذلك ، لذا تكون من بعد ولو من دون حضور الجسد في الضريح ،فالمهم هو حضور القلب والعقل عند المزور ، والتقرب إلى الله تعالى بذكره ، واستلهام الدروس والعبر من حياته والتفكر في كلمات الزيارة فإن فيها الخير الكثير .
لماذا الزيارة ؟
لقد ربط الاسلام بين المسلمين وقادة الاسلام عبر عدة أساليب من أهمها الزيارة حتى لا يُنسى القائد ويموت ذكره ،اذ القائد المعصوم في الاسلام وفي التشيع ليس هو القائد السياسي الذي يرحل برحيله عن الحياة بل هو القائد ( القدوة والأسوة) وحياته كلها سنة حسنة ، بل قوله وفعله وتقريره حجة على الخلق .
والربط الصحيح هو دوام تذكره والحضور لديه والارتباط القلبي به ، وهذا يكون عبر اسلوب شد الرحال إليه ، وتلاوة الزيارة واستحضار وجوده في الحياة.
أئمة أهل البيت عليهم السلام يربطون الناس بالامام الحسين عليه السلام :
لقد ربط ائمة أهل البيت عليهم السلام الأمة بالامام الحسين عليه السلام بعدة أساليب ، ومن أهمها ثقافة الزيارة ،وما روي فيه اكثر من غيره وما ورد من زيارات مدونة فيه اكثر من غيره ، والايام التي يزار فيها كثيرة جدا ،وهذا يعني أن مضمون الايام والمناسبات الدينية حتى الحج تكون خالية بدون ذكر الإمام الحسين عليه السلام ،لانه روح التوحيد وجوهره ولب الولاية ونورها وهو امتداد طبيعي لرسول الله صلى الله عليه وآله الذي قال ( حسين مني وانا من حسين) .
وقد وردت روايات عن أهل البيت عليهم السلام كثيرة في زيارة الامام الحسين عليه السلام منها : : حدثني عبد الله ابن أبي يعفور، قال:
سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لرجل من مواليه: يا فلان أتزور قبر أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام)، قال: نعم اني أزوره بين ثلاث سنين مرة، فقال له - وهو مصفر الوجه -: اما والله الذي لا اله الا هو لو زرته لكان أفضل لك مما أنت فيه، فقال له: جعلت فداك أكل هذا الفضل، فقال نعم والله لو اني حدثتكم بفضل زيارته وبفضل قبره لتركتم الحج رأسا وما حج منكم أحد، ويحك أما تعلم أن الله اتخذ كربلاء حرما امنا مباركا قبل ان يتخذ مكة حرما.
قال ابن أبي يعفور: فقلت له: قد فرض الله على الناس حج البيت ولم يذكر زيارة قبر الحسين (عليه السلام)، فقال: وإن كان كذلك فان هذا شئ جعله الله هكذا، أما سمعت قول أبي أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث يقول: ان باطن القدم أحق بالمسح من ظاهر القدم، ولكن الله فرض هذا على العباد أو ما علمت أن الموقف لو كان في الحرم كان أفضل لأجل الحرم، ولكن الله صنع ذلك في غير الحرم . كامل الزيارات ص ٤٤٩
حدثني الحسن بن عبد الله بن محمد بن عيسى، عن أبيه عبد الله بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن إسحاق بن عمار، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: موضع قبر الحسين بن علي (عليهما السلام) منذ يوم دفن فيه روضة من رياض الجنة و، قال: موضع قبر الحسين (عليه السلام) ترعة من ترع الجنة .كامل الزيارات ص ٤٦٥ .
وهذا يعني من زار الحسين عليه السلام زار الجنة بنفسها إذ قبره قطعة من قطع الجنة.
زيارة الأربعين :
إن من أهم المواسم التي يقصد الناس فيها إلى الأمام الحسين عليه السلام هي زيارة الأربعين ، فهي زيارة مليونية يحضر فيها الناس الموالون من جميع أقطار الأرض ،اضافة إلى الموالين في العراق ، وهي موسم عظيم فيه انواع القربات ،والبذل والعطاء والتضحية ،وبذل الغالي والنفيس وكله قليل في حق سيد الشهداء عليه السلام ،الذي بذل نفسه في سبيل الله وسبيل احياء دينه ،لذا من المناسبة شرح النص الوارد في زيارته عليه السلام لأجل التذكرة وأخذ العبرة والفكر من هذا النص العظيم.
زيارة الأربعين في روايات اهل البيت عليهم السلام.
أورد الشيخ الطوسي قدس سره الشريف في مصباح المتهجد مانصه :وفي اليوم العشرين منه كان رجوع حرم سيدنا أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام من الشام إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله ورضي عنه من المدينة إلى كربلاء لزيارة قبر أبي عبد الله عليه السلام فكان أول من زاره من الناس، ويستحب زيارته عليه السلام فيه وهي زيارة الأربعين، فروي عن أبي محمد العسكري عليه السلام أنه قال: علامات المؤمنين خمس صلاة الإحدى والخمسين، وزيارة الأربعين، والتختم في اليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.
شرح زيارة الأربعين:
أخبرنا جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري قال: حدثنا محمد بن علي بن معمر قال: حدثني أبو الحسن علي بن محمد بن مسعدة والحسن بن علي بن فضال عن سعدان بن مسلم عن صفوان بن مهران قال: قال لي مولاي الصادق صلوات الله عليه: في زيارة الأربعين تزور عند ارتفاع النهار.
، وتقول:
السلام على ولي الله وحبيبه، السلام على خليل الله ونجيبه ، السلام على صفي الله وابن صفيه، السلام على الحسين المظلوم الشهيد، السلام على أسير الكربات وقتيل العبرات، اللهم! إني أشهد أنه وليك وابن وليك وصفيك وابن صفيك الفائز بكرامتك أكرمته بالشهادة وحبوته بالسعادة واجتبيته بطيب الولادة وجعلته سيدا من السادة وقائدا من القادة وذائدا من الذادة وأعطيته مواريث الأنبياء وجعلته حجة على خلقك من الأوصياء، فأعذر في الدعاء ومنع النصح وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة، وقد توازر عليه من غرته الدنيا وباع حظه بالأرذل الأدنى وشرى آخرته بالثمن الأوكس وتغطرس وتردى في هواه وأسخطك وأسخط نبيك وأطاع من عبادك أهل الشقاق والنفاق..الى آخره..
مصباح المتهجد الشيخ الطوسي.ص ٧٨٨.
والمتحصل إن زيارة الأربعين من علامات المؤمنين ،وايضا الشيخ الطوسي قدس سره الشريف أورد نصا عن الامام الصادق عليه السلام في الزيارة فهي من الزيارات المخصوصةوالمروي فيها النصوص ، فلا بد من الإهتمام بها وحضور القلوب فيها ،وسنشرح باذن الله تعالى هذا النص عبر حلقات نقف من خلالها على بعض المضامين العالية في هذه الزيارة النورانية والحمد لله رب العالمين
عبد الحكيم داخل