زيارةالأربعين .. نافذة عالمية
بقلم الشيخ علي الخفاجي
غدت زيارة الأربعين خلال هذه السنين نافذة يطل منها العالم بكافة تنواعته السكانية والثقافية والجغرافية على العراق وشعبه وثقافته وعاداته وأصوله..
فإن أكبر المهرجانات والمسيرات والتجمعات في العالم لا يمكن أن تُضم هذا العدد المتنوع من كافة أقطار العالم والذي تجاوز الملايين كما حاصل في زيارة الاربعين ..
فاليوم لا تعد زيارة الأربعين طقس شعائري لطائفة خاصة وإنما هو امتزاج وتداخل وتفاعل وتبادل لثقافات وأديان وأطياف ومجتمعات يُبعد بعضها عن بعض الألف الكيلومترات وتفصل بعضها بحار ومحيطات.. وكثيراً مانتعحب عندما نسمع بإسم دولة معينة أو نشاهد عَلماً ضمن رايات الزائرين.. كيف سمع وكيف علم وكيف أقتنع حتى يقطع كل هذه المسافات والتي تحتاج إلى كلفة باهضة لهكذا سفرة طويلة وبعيدة ..
حتى إننا نتعجب أكثر عندما نشاهد مجاميع لا نتصور إنه يوجد رابط بينها وبين الشعب العراقي .. بل على العكس هناك تباين في كثير من الأمور والدين و الثقافة والتقاليد والأعراف.. ومع ذلك ترى هولاء يتداخلون وينسجمون ويتفاعلون ..
ولعله البعض يتسائل ما هو السر لعالمية هذه المسيرة .. وماهو العنصر الأساسي الذي حول أربعين الإمام الحسين ( عليه السلام )من طقس خاص لطائفة معينة إلى قطب ينجذب إليه كل التنوع البشري في العالم ..
العنصر الأول : والأساسي هو نفس شخصية الإمام الحسين عليه السلام .. فمن يتعرف على شخصيته ويقرائها أو تُعرض عليه خالية من التشويهات والخرافات فإنه لا يملك نفسه إلا أن ينتمي إلى قيم ومبادئ وفكر الحسين (عليه السلام) ..
العنصر الثاني .. الشعب العراقي فأن التضحيات الكبيرة التي يقدمها خلال هذه المسيرة الكبرى مع صعوبة الضروف والحروب التي يعيشها الشعب العراقي لهو جاذب آخر للتعرف على هذا الشعب و والاقتراب منه
وعندما جاءوا إلى العراق واشتركوا في هذه المسيرة العالمية .. لمسوا الكرم والطيبة والاحترام والإيثار وكثير من جميل الصفات التي يبديها الشعب العراقي في الأربعين..
العنصر الثالث : هو نفس تلك الشعوب التي تتعطش إلى مبدأ يروي ضمئها ... فهم مع إختلاف دينهم وثقافتهم إلا أنهم دائمي البحث عمن ينشر السلام والأمن والطمأنينة في النفوس .. خصوصاً وهم يعيشون في مجتمعات سمتها العامة هو المادية .. وفي هكذا مجتمعات ينتشر التصحر في النفوس فتتوق إلى من يغمر تلك القلوب والنفوس بالراحة والاطمئنان ..
فهذا جاذب ذاتي نحو هذه المسيرة إلى الحسين حيث يشعرون بكل تلك المعاني التي يتعطشون إليها..
وهنا يتحتم على الشعب العراقي النظر إلى مكانتهم وموقعهم وماينبغي عليهم ..
وان لايسمحوا لدعاة الهمجية والتطرف في الشعائر أن يسيئوا إلى هذا الانجاز الكبير ..
إن دور الشعب العراقي الآن هو دور المُصَدِر لثقافة عاشوراء الإنسانية التي تجمع كل الأديان والاطياف والفئات واللغات والثقافات ..
ولذا عليهم أن يحسنوا التصدير .. وأن لا يبقوا منغلقين ومنطوين على أنفسهم بسبب تمسكهم ببعض الموروثات التي ينفرها الطبع الإنساني ويأبها كل من يملك حساً نقياً..
فلو قارنا بين الاهتمام بالنظافة والتنظيم واحترام الزائر.. وبين إشهار اللعن واضهار الوحشية من خلال الادماء والتلبس بالطين والوحل .. فإن الثاني يكفي لان يغلق هذه النافذة الكبرى على زيارة الأربعين..
فإن الحسين حق عام للجميع وليس من حق الشعب العراقي أو بعضهم أن يحتكروه ..
ولعله لازال الوقت مبكراً أن نمثل الحسين تمثيلاً كاملاً .. فمع كل هذه التضحيات فأن هناك بقايا ركام مرفوض ..
فإن التدافع في الزيارة وحول المواكب وفي طريق العودة حول السيارات يفهم منه البعض إن الصفات الجميلة التي يبديها الجميع أثناء هذه المسيرة لازالت أنية وغير مستقرة .. فبمجرد أن تنتهي الفعاليات أو يخرج من كربلاء حتى يرجع إلى طبيعته وكأنه كان في تلبس مؤقت ..
ومع ذلك فنحن خلال هذه السنين لمسنا حالة التربية عند الكثير من الأفراد والمواكب ..
ولايغفل اللبيب إن كل ظاهرة حية ترافقها بين فترة وأخرى سلوكيات وأخلاقيات جديدة بعضها مرفوض وبعضها مقبول .. والدور الأساسي هو التنقية من كل مايسيئ إلى إنسانية المسيرة الكبرى ..