• Post on Facebook
  • Twitter
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save
الأكثر شعبية

التفسير على ضوء العلم الحديث

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1085
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

التفسير على ضوء العلم الحديث

ومن المولعين بهذا النمط من التفسير الشيخ طنطاوي جوهري ( 1287 ـ 1358 هـ ) في كتابه المعروف « الجواهر في تفسير القرآن » وهو يهتم بهذا النمط ، قائلاً بأنّ في القرآن من آيات العلوم ما يربو على 750 آية في حين انّ علم الفقه لا تزيد آياته الصريحة على 150 آية.

ثمّ إنّه يهيب بالمسلمين أن يتأمّلو في آيات القرآن التي ترشد إلى علوم الكون ويحثّهم على العمل بما فيها ويندد بمن يغفل عن هذه الآيات على كثرتها ، وينعى على من أغفلها من السابقين الأوّلين ووقف عند آيات الأحكام وغيرها ممّا يتعلق بأُمور العقيدة.

ثمّ إنّ الشيخ الذهبي قد ذكر نماذج من هذا النوع من التفسير استخرجها من دراسة هذا التفسير وقال : إنّا لنجد المؤلف ; يفسر آيات القرآن تفسيراً علمياً يقوم على نظريات حديثة وعلوم جديدة لم يكن للعرب عهد بها من قبل ثمّ قال : وإليك بعض ما جاء في هذا التفسير.

1. يقول سبحانه : ( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتهُمْ وَأَيديهِم وَأَرجُلهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُون )  وقوله سبحانه : ( اَلْيَومَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيديهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُون )  والشيخ طنطاوي يفسر الآيتين ونظائرهما بما اثبته العلم.

يقول : « أو ليس الاستدلال بآثار الاقدام ، وآثار أصابع الأيدي في آياتنا الحاضرة ، هو نفس الذي صرح به القرآن ، وإذا كان اللّه يعلم ما في البواطن بل هو القائل للإنسان : ( فى بِنَفْسِكَ الْيَوم عَلَيْكَ حَسيباً ) والقائل : ( بَل الإِنْسانُ عَلى نَفْسهِ بَصيرة )  أفلا يكون ذكر الأيدي والأرجل والجلود وشهادتها يوم القيامة ليلفت عقولنا إلى أنّ من الدلائل ما ليس بالبينات المشهورة عند المسلمين؟ وانّ هناك ما هو أفضل منها؟ وهي التي يحكم بها اللّه فاحكموا بها. ويكون ذلك القول لينبهنا ويفهمنا انّ الأيدي فيها أسرار ، وفي الأرجل أسرار ، وفي النفوس أسرار ، فالأيدي لا تشتبه ، والأرجل لا تشتبه ، فاحكموا على الجانين والسارقين بآثارهم أو ليس في الحق أن أقول : إنّ هذا من معجزات القرآن وغرائبه؟ وإلاّ فلماذا هذه المسائل التي ظهرت في هذا العصر تظهر في القرآن بنصها وفصها. 

2. يقول سبحانه : ( أَوَ لَمْ يَر الَّذين كَفَرُوا انّ السَّماوات وَالأرْض كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلّ شَيء حَيّ أَفلا يُؤمِنُون )

فقد فسر القدماء فتق السماء بنزول المطر وفتق الأرض بخروج النبات غير انّ الشيخ طنطاوي يفسره بما يوحي إليه العلم الحديث ، يقول : ها أنت قد اطّلعت على ما أبرزه القرآن قبل مئات السنين ، من أنّ السماوات و الأرض أي الشمس والكواكب وما هي فيه من العوالم ، كانت ملتحمة فصلها اللّه تعالى ، وقلنا : انّ هذه معجزة ، لأنّ هذا العلم لم يعرفه الناس إلاّ في هذه العصور ، ـ إلى أن قال : ـ كأنّه يقول : سيرى الذين كفروا انّ السماوات والأرض كانت مرتوقة ففصلنا بينهما ، فهو و ان ذكرها بلفظ الماضي فقد قصد منه المستقبل كقوله تعالى : أتى أمر اللّه وهذه معجزة تامة للقرآن ، وعجيبة من أعجب ما يسمعه الناس في هذه الحياة الدنيا. 

3. يذكر في تفسير قوله سبحانه : ( وَخَلَقَ الجانّ مِنْ مارِج مِنْ نار )  قوله : والمارج المختلط بعضه ببعض ، فيكون اللهب الأحمر والأصفر والأخضر مختلطات ، وكما انّ الإنسان من عناصر مختلفات هكذا الجان من أنواع من اللهب مختلطات ، ولقد ظهر في الكشف الحديث انّ الضوء مركب من ألوان سبعة غير ما لم يعلموه. فلفظ المارج يشير إلى تركيب الأضواء من ألوانها السبعة ، وإلى انّ اللهب مضطرب دائماً ، وإنّما خلق الجن من ذلك المارج المضطرب ، إشارة إلى انّ نفوس الجان لا تزال في حاجة إلى التهذيب والتكميل. تأمل في مقال علماء الأرواح الذين استحضروها إذ أفادتهم إنّ الروح الكاملة تكون عند استحضارها ساكنة هادئة ، أمّا الروح الناقصة فانّها تكون قلقة مضطربة. 

هذه النماذج ونظائرها استخرجها الأُستاذ الذهبي من تفسير الشيخ طنطاوي ، وأعقبها بقوله :

والكتاب ـ كما ترى ـ موسوعة علمية ، ضربت في كلّ فن من فنون العلم بسهم وافر ، ممّا جعل هذا التفسير يوصف بما يوصف به تفسير الفخر الرازي ، فقيل عنه ( فيه كلّ شيء إلاّ التفسير ) بل هو أحقّ من تفسير الفخر بهذا الوصف وأولى به ، وإذا دلّ الكتاب على شيء ، فهو انّ المؤلف كان كثيراً ما يسبح في ملكوت السماوات والأرض بفكره ، ويطوف في نواح شتى من العلم بعقله وقلبه ، ليجلي للناس آيات اللّه في الآفاق وفي أنفسهم ، ثمّ ليظهر لهم بعد هذا كلّه انّ القرآن قد جاء متضمناً لكلّ ما جاء به الإنسان من علوم ونظريات ، ولكلّ ما اشتمل عليه الكون من دلائل وأحداث ، تحقيقاً لقول اللّه تعالى في كتابه : ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) ولكن هذا خروج بالقرآن عن قصده ، وانحراف به عن هدفه. 

ويلاحظ على ذيل ما ذكره الذهبي انّ المراد من « الكتاب » في الآية هو الكتاب التكويني للّه سبحانه ، لا التدويني ، يظهر ذلك لمن أمعن في الآية وسياقها.

Powered by Vivvo CMS v4.7