تفسير القرآن بالمأثور عن النبي والأئمة
تفسير القرآن بالمأثور عن النبي والأئمة :
ومن التفسير بالمنقول هو تفسير القرآن بما أثر عن النبي والأئمة المعصومين : أو الصحابة والتابعين ، وقد ظهر هذا النوع من المنهج بعد رحلة النبي ص، ومن المعروفين في سلوك هذا المنهج بعد عهد الرسالة عبد اللّه بن عباس ، وهو القائل : ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب ع وحسبك هذه الشهادة من ترجمان القرآن.
نعم روي عن النبي صأنّه دعا له بالفقه والحكمة وتأويل القرآن.
وقد ذاع هذا المنهج من القرن الأوّل إلى عصرنا هذا ، فظهر بين المفسرين من يكتفون في التفسير بالأثر المروي ولا يتجاوزون عنه ، حتى أنّ بعض المفسرين لا يذكر الآية التي لا يجد حولها أثراً من النبي والأئمة ، كما هو ديدن تفسير البرهان للسيد البحراني ، فإليك أشهر التفاسير الحديثية بين الفريقين.
فأشهر المصنّفات على هذا النمط عند أهل السنّة عبارة عن :
1. تفسيـر أبي جعفر محمد بن جرير الطبري ( 224 ـ 310 هـ ) وهذا الكتاب أوسع ما أُلّف في هذا المجال ، ومن مزايا هذا التفسير ذكر الروايات
مسندة أو موقوفة على الصحابة والتابعين ، وقد سهّل بذلك طريق التحقيق والتثبيت منها ، نعم فيها من الإسرائيليّات والمسيحيّات ما لا يحصى كثرة.
2. ويليه في التبسط تفسير الثعلبي ( المتوفّى 427 هـ ) باسم « الكشف والبيان » وهو تفسير مخطوط ، ونسخه قليلة ، عسى أن يقيّض اللّه رجال التحقيق لإخراجه إلى عالم النور ، ومؤلّفه من المعترفين بفضائل أهل البيت : ، فقد روى نزول كثير من الآيات في حقّ العترة الطاهرة ، وينقل عنه كثيراً السيد البحراني في كتبه مثل غاية المرام وتفسير البرهان.
3. تفسير الدر المنثور للسيوطي ( المتوفّى 911 هـ ) ففيه ما ذكره الطبري في تفسيره وغيره ويبدو من كتابه « الإتقان » أنّه جعله مقدّمة لذلك التفسير ، وقد ذكر في خاتمة « الإتقان » نبذة من التفسير بالمأثور المرفوع إلى النبي صمن أوّل الفاتحة إلى سورة الناس.
هذه مشاهير التفاسير الحديثية عند أهل السنّة ، اكتفينا بذلك روماً للاختصار.
وأمّا التفسير بالمأثور عند الشيعة ، فأشهرها ما يلي :
1. تفسير محمد بن مسعود العياشي المعاصر للكليني الذي توفّي عام 329 هـ ، وقد طبع في جزأين ، غير أنّ ناسخ الكتاب في القرون السابقة ، جنى على الكتاب جناية علمية لاتغتفر حيث أسقط الأسانيد ، وأتى بالمتون ، وبذلك سدّ على المحقّقين باب التحقيق.
2. تفسير علي بن إبراهيم القمي ( الذي كان حياً عام 307 هـ ) ، وتفسيره هذا مطبوع قديماً وحديثاً ، غير أنّ التفسير ليس لعلي بن ابراهيم القمي وحده ،
وإنّما هو تفسير ممزوج من تفسيرين ، فهو ملفّق مما أملاه علي بن إبراهيم على تلميذه أبي الفضل العباس ، وما رواه تلميذه بسنده الخاص ، عن أبي الجارود عن الإمام الباقر ع ، وقد أوضحنا حاله في أبحاثنا الرجالية
3. وقد أُلّف في أواخر القرن الحادي عشر تفسيران بالمنهج المذكور ، أعني بهما :
« البرهان في تفسير القرآن » للسيد هاشم البحراني ( المتوفّى 1107 هـ ).
و « نور الثقلين » للشيخ عبد علي الحويزي من علماء القرن الحادي عشر.
والاستفادة من التفسير بالمأثور يتوقّف على تحقيق اسناد الروايات ، لكثرة تطرق الإسرائيليات والمسيحيات والمجوسيات المروية من مسلمة أهل الكتاب إليها أو مستسلمتهم.
وهناك كلمة قيّمة لابن خلدون يقول : إنّ العرب لم يكونوا أهل كتاب ولاعلم ، وإنّما غلبت عليهم البداوة والأُميّة ، وإذا تشوّقوا إلى معرفة شيء ممّا تتوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونّات ، وبدء الخليقة وأسرار الوجود ، فإنّما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ويستفيدون منهم ، وهؤلاء مثل : كعب الأحبار ووهب بن منبه ، وعبد اللّه بن سلام وأمثالهم ، فامتلأت التفاسير من المنقولات عنهم وتُلقّيت بالقبول ، وتساهل المفسرون في مثل ذلك ، وملأوا كتب التفسير بهذه المنقولات ، وأصلها كلها ـ كما قلنا ـ من التوراة أو مما كانوا يفترون
ولأجل ذلك ترى أنّ ما أتى به الطبري في تفسيره حول قصة آدم وحواء تطابق ما جاء في التوراة.
والعجب أنّ كتب التفسير مملوءة من أقاويل هؤلاء ( أي مسلمة أهل الكتاب ) ومن أخذ عنهم ، من المسلمين أمثال عكرمة ومجاهد وعطاء والضحاك.
فهؤلاء مضافاً إلى ما ورد فيهم من الجرح والطعن في كتب الرجال المعتبرة عند أهل السنّة ، كانوا يأخذون ما أثر عنهم من التفاسير من اليهود والنصارى.
وأمّا ما يتراءى من نقل أقوالهم في تفاسير الشيعة كـ « التبيان » لشيخ الطائفة الطوسي ، و « مجمع البيان » للشيخ الطبرسي ، فعذرهم في نقل أقوالهم هو رواجها في تلك العصور والأزمنة بحيث كان الجهل بها نقصاً في التفسير وسبباً لعدم الاعتناءبه.
وعلى كل تقدير فالتفسير بالمأثور يتوقف على توفر شرائط الحجية فيه ، إلاّ إذا كان الخبر ناظراً إلى بيان كيفية الاستفادة من الآية ، ومرشداً إلى القرائن الموجودة فيها ، فعندئذ تلاحظ كيفية الاستفادة ، فعلى فرض صحة الاستنتاج يؤخذ بالنتيجة وإن كان الخبر غير واجد للشرائط. كما عرفت نماذج منه.
وأمّا إذا كان التفسير مبنياً على التعبّد فلا يؤخذ به إلاّ عند توفر الشرائط.
هذه هي المناهج التفسيرية على وجه الاختصار قد عرفت المقبول والمردود ، غير أنّ المنهج الكامل عبارة عن المنهج الذي يعتمد على المناهج الصحيحة ، فيعتمد في تفسير القرآن على العقل القطعي الذي هو كالقرينة ، كما يفسر القرآن بعضه ببعض ويرفع إبهام الآية بأُختها ، ويستفيد من الأثر الصحيح الذي يكون حجّة بينه وبين ربّه ، إلى غير ذلك من المناهج التي مر بيانها.