التفسير حسب تأويلات الصوفية

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1498
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

التفسير حسب تأويلات الصوفية

التفسير الصوفي قد تأثر إلى حد كبير بأفكار الباطنية ، واستخدم القرآن في تعقيب هدف خاص وهو دعم الأُسس العرفانية والفلسفية ، وفي الحقيقة انّهم لم يخدموا القرآن الكريم بشيء وانّما خدموا آرائهم وأفكارهم من خلال تطبيق الآيات على آرائهم.

فالتفسير الصوفي شعبة من شعب التفسير الباطني في قالب معين كما أشرنا إليه.

وهو ينقسم إلى : تفسير نظري ، وفيضي.

أمّا الأوّل ، فهو التفسير المبني على أُصول فلسفية ورثوها من أصحابها ، فحاولوا تحميل نظرياتهم على القرآن الكريم.

وأمّا التفسير الفيضي ، فهو تأويل الآيات على خلاف ما يظهر منها بمقتضى إشارات رمزية تظهر لأرباب السلوك من غير دعم بحجة أو برهان.

وبعبارة أُخرى : التفسير الفيضي يرتكز على رياضة روحية يأخذ بها الصوفي نفسه حتى يصل بها إلى درجة تنهل على قلبه من سحب الغيب ما تحمله الآيات من المعارف الإلهية.


وعلى كلّ تقدير فتفاسيرهم من غير فرق بين النظري والفيضي مبنية على حمل القرآن على ما يعتقدون به من الأُصول والقواعد من دون حجة وبرهان.

وهانحن نذكر شيئاً من تفاسيرهم :

1. تفسير التستري

ولعلّ أوّل تفسير ظهر هو تفسير أبي محمد سهل بن عبد اللّه التستري ( 200 ـ 283 هـ ) وقد طبع بمطبعة السعادة بمصر عام 1908 هـ ، جمعه أبو بكر محمد بن أحمد البلدي ، فهو يفسر البسملة بالشكل التالي :

أ. الباء : بهاء اللّه ، والسين : سناء اللّه ، والميم : مجد اللّه ، واللّه : هو الاسم الأعظم الذي حوى الأسماء كلها ، وبين الألف واللام منه حرف مكنّى ، غيب من غيب إلى غيب ، وسر من سر إلى سر. 

ب. من ذلك ما ذكره في تفسير الآية ( ولا تقربا هذه الشجرة )  لم يرد اللّه معنى الأكل في الحقيقة ، وإنّما أراد معنى مساكنة الهمة لشيء هو غيره أي لا تهتم بشيء هو غيري ، قال : فآدم 7 لم يعصم من الهمة والفعل في الجنة ، فلحقه ما لحقه من أجل ذلك ، قال : وكذلك كلّ من ادّعى ما ليس له وساكنه قلبه ناظراً إلى هوى نفسه ، لحقه الترك من اللّه مع ما جبلت عليه نفسه ، إلاّ أن يرحمه الله فيعصمه من تدبيره وينصره على عدوه وعليها.

ج. ومنها ما ذكره في تفسير الآية 96 من سورة آل عمران : ( إِنّ أوّلَ بيت وُضِعَ لِلنّاسِ ... ) أوّل بيت وضع للناس بيت اللّه عزّوجلّ بمكة ، هذا هو الظاهر ، وباطنها الرسول يؤمن به من أثبت اللّه في قلبه التوحيد من الناس.

 

 

د. ومنها ما ذكره في تفسير الآية 36 من سورة النساء ( وَالجارِ ذِي القُربى وَالجارِ الجُنُبِ وَالصاحِبِ بِالجَنْبِ وَابنِ السَّبِيل ... ) : وأمّا باطنها ، فالجار ذي القربى هو القلب ، والجار الجنب : هو الطبيعة ، والصاحب بالجنب : هو العقل المقتدى بالشريعة ، وابن السبيل هو الجوارح المطيعة للّه. 

2. حقائق التفسير للسلمي

إنّ ثاني تفاسير الصوفية التي ظهرت إلى الوجود ، هو تفسير أبي عبد الرحمن السلمي ( 330 ـ 412 هـ ) المسمّى ب‍ « حقائق التفسير » وكان شيخ الصوفية ورائدهم بخراسان ، وله اليد الطولى في التصوّف.

أ. قال في تفسير الآية ( وَلَوْ أَنّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ ). قال محمد بن الفضل : اقتلوا أنفسكم بمخالفة هواها ، أو اخرجوا من دياركم ، أي أخرجوا حب الدنيا من قلوبكم ما فعلوه إلاّ قليل منهم في العدد ، كثير في المعاني ، وهم أهل التوفيق والولايات الصادقة

ب. وفي سورة الرعد عند قوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِي )

يقول : قال بعضهم : هو الذي بسط الأرض ، وجعل فيها أوتاداً من أوليائه وسادة من عبيده فإليهم الملجأ وبهم النجاة ، فمن ضرب في الأرض يقصدهم فاز ونجا ، ومن كان بغيته لغيرهم خاب وخسر. 

 

ج. وفي سورة الحجّ عند قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ أنَّ اللّهَ أنزلَ من السَّماءِ ماءً فتُصبِحُ الأرضُ مُخْضَرّة ) 

يقول : قال بعضهم : أنزل مياه الرحمة من سحائب القربة وفتح إلى قلوب عباده عيوناً من ماء الرحمة ، فأنبتت فاخضرّت بزينة المعرفة ، وأثمرت الإيمان ، وأينعت التوحيد ، أضاءت بالمحبة فهامت إلى سيّدها ، واشتاقت إلى ربها فطارت بهمتها ، وأناخت بين يديه ، وعكفت فأقبلت عليه ، وانقطعت عن الأكوان أجمع. ذاك آواها الحق إليه ، وفتح لها خزائن أنواره ، وأطلق لها الخيرة في بساتين الأنس ، ورياض الشوق والقدس. 

د. وفي سورة الرحمن عند قوله تعالى : ( فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الأَكْمامِ ) يقول : قال جعفر : جعل الحقّ تعالى في قلوب أوليائه رياض أنسه ، فغرس فيها أشجار المعرفة أُصولها ثابتة في أسرارهم ، وفروعها قائمة بالحضرة في المشهد ، فهم يجنون ثمار الأنس في كلّ أوان ، وهو قوله تعالى : ( فِيهافاكِهةٌ والنَّخلُ ذاتِ الأكمام ) أي ذات الألوان ، كلّ يجتني منه لوناً على قدر سعته ، وما كوشف له من بوادي المعرفة و آثار الولاية. 

وهاهنا كتب أُخرى أُلّفت على هذا الغرار نظير :

3. لطائف الإشارات

لأبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري ( 376 ـ 465 هـ ).

 

 

4. تفسير الخواجه

لعبد اللّه الأنصاري ( المتوفّى 480 هـ ).

5. كشف الأسرار وعدّة الأبرار

لأبي الفضل رشيد الدين الميبدي ، وهو بسط وتوضيح لمباني تفسير الخواجه عبد اللّه الأنصاري.

6. تفسير ابن عربي

هو لأبي بكر محيي الدين محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد اللّه الحاتمي الطائي الأندلسي المعروف بابن عربي ( 560 ـ 638 هـ ).

يقول في تفسير الآية 19 ـ 20 من سورة الرحمن : ( مَرجَ البَحرين يَلتقيان * بَينَهُما بَرزخٌ لا يَبغيان ) بأنّ مرج البحرين هو بحر الهيولى الجسمانية الذي هو الملح الأُجاج ، وبحر الروح المجرد هو العذب الفرات ، يلتقيان في الموجود الإنساني ، وإنّ بين الهيولى الجسمانية والروح المجردة ، برزخ هو النفس الحيوانية التي ليست في صفاء الروح المجردة ولطافتها ، ولا في كثرة الأجساد الهيولائية وكثافتها ، ولكن مع ذلك لا يبغيان ، أي لا يتجاوز أحدهما حدّه فيغلب على الآخر بخاصيته ، فلا الروح المجردة تجرد البدن وتخرج به وتجعله من جنسه ، ولا البدن يجسد الروح ويجعله مادياً 

7. عرائس البيان في حقائق القرآن

لأبي محمد روزبهان بن أبي نصر البقلي الشيرازي ( المتوفّى 666 هـ ).

 

 

8. التأويلات النجمية

لأبي بكر عبد اللّه الرازي المعروف ب‍ « داية » ( المتوفىّ 654 هـ ). إلى غير ذلك من التفاسير.

وفي الختام نكتفي بما ذكره الذهبي حول هذه التفاسير ، وقال :

نحن لا ننكر على ابن عربي ان ثم أفهاماً يلقيها اللّه في قلوب أصفيائه وأحبائه ، ويخصهم بها دون غيرهم ، على تفاوت بينهم في ذلك بمقدار ما بينهم من تفاوت في درجات السلوك ومراتب الوصول ، كما لا ننكر عليه أن تكون هذه الأفهام تفسيراً للقرآن وبياناً لمراد اللّه من كلامه ، ولكن بشرط : أن تكون هذه الأفهام يمكن أن تدخل تحت مدلول اللفظ العربي القرآني ، وأن يكون لها شاهد شرعي يؤيدها ، أمّا أن تكون هذه الأفهام خارجة عن مدلول اللفظ القرآني وليس لها من الشرع ما يؤيدها فذلك ما لا يمكن أن نقبله على أنّه تفسير للآية وبيان لمراد اللّه تعالى ، لأنّ القرآن عربي قبل كلّ شيء كما قلنا ، واللّه سبحانه و تعالى يقول في شأنه : ( كتابٌ فُصِّلت آياتُهُ قُرآناً عَرَبِيّاً لقوم يَعْلَمُون )وحاشا للّه أن يلغز في آياته أو يعمى على عباده طريق النظر في كتابه ، وهو يقول : ( وَلَقَد يَسَّرنا القُرآنَ للذِّكْرِ فَهَل مِنْ مُدّكِر ) 

التفسير الإشاري بين القبول والرفض

هناك منهج اصطلحوا عليه بالتفسير الإشاري وهو نفس التفسير الصوفي ، وعرّفوه بأنّ نصوص القرآن محمولة على ظواهرها ومع ذلك ففيها إشارات خفية إلى دقائق تنكشف على أرباب السلوك ويمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة.

وبعبارة أُخرى : ما يظهر من الآيات بمقتضى إشارات خفية تظهر لأرباب السلوك ويمكن التطبيق بينها و بين الظواهر المرادة.

وبعبارة ثالثة : القائل بالتفسير الإشاري لا ينكر كون الظاهر مراداً ، ولكن يقول بأنّ في هذه الظواهر ، إشارات إلى معان خفية تفهمه عدّة من أرباب السلوك وأولو العقل والنهى ، وبذاك يمتاز عن تفسير الباطنية فانّهم يرفضون كون الظواهر مرادة ويأخذون بالبواطن ، هذا هو حاصل التفسير الإشاري.

واستدلّ القائلون بالتفسير الإشاري بوجهين :

الأوّل : انّ القرآن يدعو إلى التدبّر والتفكّر فيه ، ومعنى ذلك هو انّ القرآن يحتوي على معاني وحقائق لا تدرك بالنظر الأُولى ، بل لابدّ من التأمّل والتعمّق حتى يقف الإنسان على إشاراته ورموزه ، يقول سبحانه :

( فَما لهؤلاءِ القومِ لا يكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً )

وقوله تعالى : ( أَفَلا يَتَدبّرونَ القُرآنَ ولَو كانَ مِنْ عِندِ غَيرِ اللّهِ لوجَدُوا فِيهِ اختلافاً كَثِيراً )

وقوله تعالى : ( أَفَلا يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ أَمْ عَلى قُلُوب أَقفالُها )

فهذه الآيات تصف الكافرين بأنّهم لا يكادون يفقهون حديثاً لا يريد بذلك أنّهم لا يفهمون نفس الكلام ، لأنّ القوم كانوا عرباً والقرآن لم يخرج عن لغتهم فهم يفهمون ظاهره بلا شك ، وإنّما أراد بذلك أنّهم لا يفهمون مراده من الخطاب ، فحضّهم على أن يتدبّروا في آياته حتى يقفوا على مقصود اللّه ومراده ، وذلك هو الباطن الذي جهلوه ولم يصلوا إليه بعقولهم. 

يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّ الاستدلال بهذه الآيات من الضعف بمكان ، فانّها تدعو إلى التدبّر في نفس المفاهيم المستفاد من ظاهر الآيات وكون القرآن عربياً ، وكون القوم عُرباً لا يكفي في فهم القرآن الكريم من دون التدبّر والإمعان ، فهل يكفي كون القوم عرباً في فهم مغزى قوله سبحانه :

( هُوَ الأَوّل وَالآخر وَالظّاهر وَالباطن وَهُوَ بِكُلِّ شَيء عَليم )؟

أو في فهم قوله سبحانه : ( لو كانَ فِيهما آلهة إِلاّ اللّه لَفَسدَتا فسُبحان اللّه ربّ العرش عَمّا يَصِفُون ) ؟

أو في فهم قوله سبحانه : ( وما َ مَعَهُ مِنْ إِله إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِله بِماخَلَقَ وَلَعَلا بَعْضهُم عَلى بَعْض سُبْحانَ اللّه عَمّا يَصِفُون ) ؟

فالدعوة إلى التدبّر لا يدلّ على أنّ للقرآن وراء ما تفيده ظواهره بطناً.

وثانياً : انّه يمكن أن يكون الأمر بالتدبّر هو تطبيق العمل على ما يفهمونه من القرآن ، فربّ ناصح يدلي بكلام فيه نصيحة الأهل والولد ، ولكنّهم إذا لم يطبقوا عملهم على قول ناصحهم ، يعود الناصح إليهم ، ويقول : لماذا لا تتدبّرون في كلامي؟ لماذا لا تعقلون؟ مشعراً بذلك أنّكم ما وصلتم إلى ما أدعوكم إليه وإلاّ لتركتم أعمالكم القبيحة وصرتم عاملين بما أدعو إليه.

الثاني : ما دلّ من الروايات على أنّ للقرآن ظهراً وبطناً ، ظاهره حكم ، وباطنه علم ، ظاهره أنيق وباطنه عميق. 

يلاحظ عليه : أنّ ما روي عن النبي الأكرم ص بأنّ للقرآن بطناً وظهراً فالحديث فيه ذو شجون ، وسيوافيك الكلام فيه في خاتمة الكتاب وأنّه يحتمل وجوهاً على نحو مانعة الخلو :

1. المقصود من البطن هو أنّ ما ورد في القرآن حول الأقوام والأُمم من القصص ، وما أصابهم من النعم والنقم ، لا ينحصر على أُولئك الأقوام ، بل هؤلاء مظاهر لكلامه سبحانه وهو يعم غيرهم ممّن يأتون في الأجيال فقوله سبحانه : ( وضَربَ اللّهُ مَثَلاً قَريةً كانَت آمنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتِيها رِزقُها رَغَداً مِن كُلِّ مَكان فَكَفَرت بِأنعُمِ اللّهِ فَأذَاقَها اللّهُ لِباسَ الجُوعِ وَالخَوفِ بِما كانُوا يَصنَعونَ * وَلَقد جاءَهُمْ رَسولٌ مِنهم فَكَذَّبُوهُ فَأخَذهُمُ العَذابُ وَهُم ظالِمون )  وإن كان وارداً في قوم خاص ، لكنّها قاعدة كلية مضروبة على الأُمم جمعاء.

2. المراد من بطـن القرآن هو الاهتـداء إلى المصاديـق الخفيـة التي يحتاج الوصول إليها إلى التدبّر ، أو تنصيص من الإمام ، ولأجل ذلك نرى أنّ علياً ع يقول في تفسير قوله سبحانه : ( وإن نَكَثُوا أيْمانَهُم مِن بَعدِ عَهدِهِم وطَعَنُوا في دِينِكُم فَقاتِلُوا أئمَّةَ الكُفْرِ إنّهُم لا أيْمانَ لَهُم لَعَلّهُم يَنتَهُون )  : « إنّه ما قوتل أهلها منذ نزلت حتى اليوم ».

وفي رواية أُخرى قال علي ع : « عذرني اللّه من طلحة والزبير بايعاني طائعين ، غير مكرهين ، ثم نكثا بيعتي من غير حدث أحدثته » ثم تلا هذه الآية . وسيوافيك الكلام فيه عند البحث في التأويل مقابل التنزيل.

3. وهناك احتمال ثالث للبطن ، وهو حمل الآية على مراتب مفهومها وسعة معناها واختلاف الناس في الاستفادة منها حسب استعداداتهم وقابلياتهم ، لاحظ قوله سبحانه : ( أنزَلَ مِن السّماءِ ماءً فَسالت أو ديةٌ بِقَدَرِها فاحتَملَ السَّيلُ زَبَداً رابِياً وَمِمّا يُوقِدُونَ عَلَيهِ في النّارِ ابتغاءَ حِلية أو متاع زَبَدٌ مِثلُهُ كَذلِكَ يَضربُ اللّهُ الحَقَّ والباطِلَ فأمّا الزَّبَدُ فَيَذهَبُ جُفاءً وأمّا ما يَنفَعُ النّاسَ فَيمكُثُ فِي الأرضِ كَذلِكَ يَضرِبُ اللّهُ الأمثال )

إنّ للآية مراتب ودرجات من التفسير كل يستفيد منها حسب قابليته والكل يستمد من الظاهر ، ونظيرها آية النور. فقد خاض المفسرون في تفسير الآية وتطبيقها على موارد مختلفة وكل استفاد من نورها حسب مؤهّلاته وكفاءاته.

وحاصل القول في التفسير الإشاري : إنّ ما يفهمه المفسّر من المعاني الدقيقة إن كان لها صلة بالظاهر ، فهو مقبول ، سواء سمّي تفسيراً على حسب الظاهر أو تفسيراً إشارياً ؛ وعلى كل تقدير فالمفسّر على حجّة من ربّه في حمل الآية على ما أدرك ، وأمّا إذا كان مقطوع الصلة عن الظاهر ، المتبادر إلى الأذهان ، فلايصح له حمل القرآن عليه إلاّ إذا حصل له القطع بأنّه المراد ، وعندئذ يكون القطع حجّة له لا لغيره وإن كان مخالفاً للواقع ، ولإيضاح الحال نأتي بأمثلة :

يخاطب سبحانه أُمّ المسيح بقوله : ( وهُزّي إلَيكِ بِجِذعِ النَّخلَةِ تُساقِطْ عَلَيكِ رُطباً جَنيّاً )

فلو قال أحد : إنّه سبحانه هيّأ مقدّمات الولادة ومؤخّراتها لأُمّ المسيح ، حتى الرطب في غير فصله من الشجرة اليابسة ، ومع ذلك أمرها أن تهُزَّ بجذع النخلة مع أنّ في وسع المولى سبحانه أن يرزقها الرطب بلا حاجة إلى الهز ، ـ أمرها بالهزّ ـ هذا لتفهيمها أنّها مسؤولة في حياتها عن معاشها ، وأنّه سبحانه لو هيّأ كل المقدّمات فلا تغني عن سعيها وحركتها ولو بالهز بجذع النخلة.

هذا ما ربما يعلق بذهن بعض المفسّرين ، ولا بأس به ، لأنّ له صلة بالظاهر.

روي أنّه بعدما نزل قوله سبحانه : ( اليومَ أكمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتمَمتُ عَليكُمْ نِعمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الإسلامَ ديناً )  فرحَ الصحابة وبكى بعضهم فقال : الآية تنعي إلينا برحلة النبي ص

وكأنّه فهم الملازمة بين إكمال الدين ورحلة النبي ص.

نعم هناك تفاسير باسم التفسير الإشاري لا يصح إسناده إلى اللّه سبحانه ، كتفسير « الم » بأنّ الألف إشارة إلى اللّه واللام إلى جبرئيل والميم إلى محمّد ص ، فإنّه أشبه بالتفسير بالرأي إلاّ إذا كان هناك نصّ من المعصوم.

ولو صحّ هذا التفسير ، فيمكن تفسيره بوجوه كثيرة بأنّ يقال الألف إشارة إلى ألف الوحدانية ، واللام إلى لام اللطف ، والميم إشارة إلى الملك ، فمعنى الكلمة : من وحّدني تلطفت له فجزيته بالملك الأعلى.

وأسوأ من ذلك تفسير قوله سبحانه : ( والجارِ ذِي القُربَى والجارِ الجُنُبِ وَالصّاحِبِ بالجَنْبِ وابنِ السّبِيل )  بأن يقال : ( والجار ذي القربى ) هو القلب ، ( والجار الجنب ) هو الطبيعة ، ( والصاحب بالجنب ) هو العقل المقتدي بالشريعة ، ( وابن السبيل ) هو الجوارح المطيعة للّه.

فمثل هذا النوع من التفسير يلتحق بتفاسير الباطنية التي مضى البحث فيها

Powered by Vivvo CMS v4.7