أسمك جمالك
بقلم السيد فاضل حاتم الموسو
من المسائل المهمة في حياة الإنسان حسن تسميته إذْ يعتبر الاسم عنوان للمسمى ودليلٌ عليه وضروري للتفاهم معه ومنه واليه ، وهو للمسمى زينه ودعاء وشعار يدعى به في الاخرة والأولى وتنويه بالدين، وهو في طباع الناس له اعتبارات ودلالات, حيث يؤكد علماء التربية أن الطفل الذي يستهزئ به من قبل الأطفال الآخرين لسوء اسمه أو لأنه ينتسب الى عشيرة ذات اسم قبيح يخسر نشاطه ويسير الى الاضمحلال والانهيار فيأخذ بتجنب الألعاب الجماعية مع الأطفال ويخاف من معاشرتهم . فينبغي على الإباء أن يتخيروا لأبنائهم من الأسماء الحسنة عند ما يولدون وان يجتنبوا تسميه الطفل باسم قبيح يسوئه في كبره حيث انه مما لا شك فيه أن لاسم الإنسان أثرا على نفسيته أما بالإيجاب أو بالسلب تبعاً لحسن الاسم أو قبحه وورد استحباب التسمية قبل أن يولد الطفل ومن لم يسمي قبل الولادة فليسمي بعدها حتى إن كان الولد سقطا ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : سمو أولادكم قبل أن يولدوا فأن لم تدروا أذكر أم أنثى فسموهم بالأسماء التي تكون للذكر و الأنثى فإن أسقاطكم إذا لقوكم يوم القيامة ولم تسموهم يقول السقط لأبيه : ألا سميتني وقد سمى رسول الله (صلى الله عليه وآله ) محسنا قبل أن يولد. ( )
فمن حق الولد على والده أن يحسن تسميته , ومن أفضل الأسماء وأشرفها اسم رسول الله محمد (صلى الله عليه واله) وما أعطاه الله من خصيصة وكرامة ، عن أبي هارون قال: كنت جليسا لأبي عبد الله (عليه السلام ) بالمدينة ففقدني أياما ثم إني جئت إليه فقال لي: لم أرك منذ أيام يا أبا هارون، فقلت: ولد لي غلام، فقال: بارك الله لك , فما سميته؟ قلت: سميته محمدا , قال: فأقبل بخده نحو الأرض وهو يقول: محمد محمد محمد , حتى كاد يلصق خده بالأرض ثم قال: بنفسي وبولدي وبأهلي وبأبوي وبأهل الأرض كلهم جميعا الفداء لرسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تسبه ولا تضربه ولا تسئ إليه، واعلم أنه ليس في الأرض دار فيها اسم محمد، إلا وهي تقدس كل يوم . ( ) وكان العرب قديماً يسمون أبنائهم بأسماء مثل فهد ونمر وكلب وهكذا لأنهم كانوا أصحاب حرب يخيفوا بها أعدائهم . وقد يعجب المرء بزعيم أو عالم أو فنان مشهور أو ممثلة معروفة أو لاعب كرة قدم فيسمي ولده باسمه أو باسمها دون ملاحظة الآثار السلبية لهذه التسمية حيث سيكون صاحب الاسم الذي سمينا الطفل عليه - في الأغلب - قدوة له في حياته ومن المتأثرين به ، ورد أن رجلا جاء الى رسول الله (صلى الله عليه واله) قال: يا رسول الله ما حق ابني هذا ؟ قال: تحسن اسمه وأدبه، وتضعه موضعا حسناً ( )، ولا ينبغي أن نتصور أن الاسم من مختصات عالم الدنيا فقط وإنما هو في منظومة المفاهيم الإسلامية يصاحب الإنسان في عالم الآخرة ، حيث ينادى يوم القيامة كل باسمه ، عن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال : استحسنوا أسماءكم فإنكم تدعون بها يوم القيامة، قم يا فلان بن فلان إلى نورك، وقم يا فلان بن فلان لا نور لك. ( ) وكانت سيرة النبي (صلى الله عليه واله) يغير الأسماء القبيحة في الناس الى الحسنة روى مسلم في صحيحه. انه عليه الصلاة والسلام غيّر اسم (عاصية) بنت سماها أهلها الى (جميلة) , وأُتي برجل يقال له أصرم - مأخوذ من الصرامة – فسماه ( صلى الله عليه واله) زرعه - رواه أبو داود- ، واقتدى ألائمة (عليهم السلام) بهذه السيرة بعده روى احد أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) قال : دخلت على الإمام وهو واقف على رأس ابنه موسى (عليه السلام) وهو في المهد فدنا هذا الرجل من الإمام فقال (عليه السلام) اذهب فغير اسم ابنتك التي سميتها أمس فإنه أسم يبغضه الله . ( ) وكان رسول الله (صلى الله عليه واله) يحب الأسماء الحسنة ، وكان يكلف من يحملونها بالمهام والأعمال ويعفي غيرهم . روى مالك في الموطأ ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلَقْحَةٍ تُحْلَبُ : مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ ؟ فَقَامَ رَجُلٌ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا اسْمُكَ ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : مُرَّةُ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اجْلِسْ ، ثُمَّ قَالَ : مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ ؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا اسْمُكَ ؟ ، فَقَالَ حَرْبٌ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اجْلِسْ ، ثُمَّ قَالَ : مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ ؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا اسْمُكَ ؟ ، فَقَالَ : يَعِيشُ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : احْلُبْ . ( ) ، كما كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يغير الأسماء المستنكرة للاماكن، فقد مر على قرية تسمى عَفِره , ألعفره - أي لون الأرض - فسماها خَضِرة ولما قَدِم المدينة وكان اسمها يثرب غيرها الى طيبة.
ويبدو من بعض الروايات أن هناك آثارا عملية وفوائد واقعية للأسماء , عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمّد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء.( ) وعن الإمام الباقر (عليه السلام ) قال لولد صغير : ما اسمك ? قال : محمد, قال:" بم تكنى"? قال: بعلي, فقال أبو جعفر: لقد احتضرت من الشيطان احتضارا شديدا, إن الشيطان إذا سمع مناديا ينادي : يا محمد أو يا علي ذاب كما يذوب الرصاص( ) .
ومن الحالات المتداولة في المجتمعات الجاهلية وبقيت آثارها في المجتمع المسلم - مع الأسف - وكثيراً ما تسببت في خلق نزاعات وخلافات بين أهل بلد وآخر أو عشيرة و أخرى وهكذا , هي مسالة التنابز بالألقاب حيث يكون هذا اللقب سمة تلاحق شخص أينما حل وذهب وربما بعد مماته أيضا فوقف الإسلام موقف الرافض لهذا السلوك في المجتمع ، قال تعالى: وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.( )
إن احترام أبناء المجتمع بعضهم لبعض هو تعزيز قيمتهم في ذاتهم حتى الصغار ، أما إذا أهان كل واحد منهم الآخر فان المجتمع سيعيش حالة من الإذلال والهوان ، فهذه الآية الشريفة تنبهنا الى هذه الحقيقة وإلا كيف نتوقع من الطفل أن يكون قوي الشخصية وثقته عالية بنفسه وهو يرى من حوله يستنقصون منه فلذلك كان أهل البيت (عليهم السلام) يكنون أطفالهم و ينادونهم بتلك الكنى ويأمرون الناس بذلك .
) الكافي ، الكليني ، ج 6 ، ص 18
) بحار الأنوار ، ألمجلسي ، ج 30 ، ص 17
) وسائل الشيعة ، الحر ألعاملي ، ج 15 ، ص 124
) وسائل الشيعة ، الحر ألعاملي ، ج 15 ، ص 123
) وسائل الشيعة ، الحر العاملي ، ج 15 ، ص 123
) موطأ مالك ، مالك بن أنس ، ج 6 ، ص 18، رقم الحديث : 1789
) بحار الانوار ، المجلسي ، ج 16 ، ص 130
) وسائل الشيعة ، الحر العاملي ، ج 15 ، ص 128
) سورة الحجرات ، الآية : 11