الانسان الشرعي
بقلم : السيد فاضل حاتم الموسوي
الإسلام يجعل الانسان واثقا من نفسه مؤمنا بقواه وقدرته عن طريق أساليب عديدة منها وجود القدوات الصالحة الذين هم من البشر حصرًا وليسوا غير ذلك ، وقد أكد القرآن الكريم هذه الحقيقة عِبر آيات كثيرة على لسان الأنبياء منها ، قوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰٓ إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ ۖ }( الكهف : ١١٠) وقوله تعالى : { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ( إبراهيم:١١ ) وقوله تعالى : قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا }( إبراهيم: ١٠ ) وقوله تعالى : { هَلْ هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ }( الأنبياء: ٣ ) وقوله تعالى : { مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ }( المؤمنون : ٣٣ ) وقوله تعالى : { مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ }( المؤمنون : ٢٤ ) وقوله تعالى : { مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } ( الشعراء: ١٥٤ ) ، وقوله تعالى : { وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ. ( الشعراء: ١٨٦ ) وقوله تعالى: قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَٰنُ مِنْ شَيْءٍ }( يس : ١٥ ) .
ويأتي التأكيد على هذه القضية بشكل مقصود لأن الأولياء والصالحين استطاعوا التغلب على طبيعتهم البشرية وعناصرها التي تدفعهم نحو المعصية وتجاوزوا عوامل الضعف أمام الغرائز والشهوات فانبعثت في نفس الإنسان قوة الإرادة والتحلي بالشجاعة ، فلو رجع الإنسان إلى ذاته بنظرة فاحصة تأملية لوجد عندها القدرة على عدم عصيان الله تعالى ، لكن نفسه الإمارة بالسوء وركونه إلى الشيطان وإغراءاته وتزيينه يدفعانه إلى ذلك .
وقد ورد عن الإمام علي بن الحسين (ع) في دعائه المعروف دعاء إبي حمزة الثمالي انه قال : " إِلهِي لَمْ أَعْصِكَ حِيْنَ عَصَيْتُكَ وَأَنا بِرُبُوبِيَّتِكَ جاحِدٌ وَلا بِأَمْرِكَ مُسْتَخِفٌ وَلا لِعُقُوبَتِكَ مُتَعَرِّضٌ وَلا لِوَعِيدِكَ مُتَهاوِنٌ ، لكِنْ خَطِيئَةٌ عَرَضَتْ وَسَوَّلَتْ لِي نَفْسِي وَغَلَبَنِي هَوَايَ وَأَعانَنِي عَلَيْها شِقْوَتِي وَغَرَّنِي سِتْرُكَ المُرْخَى عَلَيَّ ، فَقَدْ عَصَيْتُكَ وَخالَفْتُكَ بِجُهْدِي " ( مفاتيح الجنان : عباس القمي ) .
فالعصمة عن الذنوب والمعاصي في كثير من مراتبها أمر متاح للإنسان بشرط المجاهدة ، وهذا ما شهدناه وسمعناه في سير العلماء والصالحين .
إذن الإنسان يمتلك قابلية أن يعصم نفسه وينظم سلوكه وفق ما يتطلبه الشرع ويكون ظاهره وسيرته العملية كظاهر رسول الله (ص) والأنبياء والأئمة (ع) ، قال تعالى : { أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ ۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقْتَدِهْ ۗ قُل لَّآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَٰلَمِينَ }(الأنعام: ٩٠ ) .
وهنا يتبين لنا أن الاقتداء بالصالحين وإتخاذهم قدوة أمر غير متيسر للجميع ، قال تعالى : { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلْءَاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا }(الأحزاب: ٢١ ). فهذه الآية الشريفة تعطينا فكرة واضحة أن رسول الله (ص) النموذج الأحسن والأتم بقيد من كان دائم الذكر لله تعالى ويرجو لقائه ، أما الذين يتخذون لأنفسهم قدوات خاصةً فالباب مفتوح لهم بحسب قناعاتهم ومتبنياتهم الفكرية ولا يوجد عندنا فرض للإرادة والهيمنة على الآخرين بقدر الاحتكام الى أسلوب الحوار وسياسة الإقناع قال تعالى : { فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ . لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ }( الغاشية: ٢١ ) .