تقرير الملا صدرا لبرهان الصديقين
تقرير الملا صدرا لبرهان الصديقين.
أقام الملا صدرا هذا البرهان على أساس قواعد و أصول الحكمة المتعالية التي بينها، و قد اعتبر هذا البرهان من أكثر البراهين استحكاماً، و إنه منهج الصديقين و برهانه يعتمد على عدة قواعد لا بد من توضيح هذه القواعد و الأصول ثم يقرر البرهان.
1-6 أصالة الوجود و اعتبارية الماهية. من الواضح أن كل موجود في عالم الخارج ليس له أكثر من واقعية واحدة، و إن الذهن هو الذي ينتزع مفهومي الوجود و الماهية من الموجود، مثال ذلك إن إنساناً معيناً أو شجرة معينة ليس له مسميان خارجيان، إسم أحدهما الوجود و إسم الآخر الماهية، و لكننا و بالتحليل الذهني نرى أن ماهية أي شيء و خصوصيته تختلف عن أصل وجوده. إن كيفية و ماهية الشخص أو الشجرة تأتي إلى الذهن كما هي عليه في الخارج، و لكن وجوده مختلف ما بين الخارج و الذهن، فهو في الخارج غيره في الذهن، و الآثار التي تحمل على النار و الشجرة لا تترتب على إدراكهما في الذهن، و لذا لم يتضح أن الوجود و الماهية أو الهو هوية و الماهوية مسألتان منفصلتان عن بعضهما، و إذ لم يكن هناك وجود فلا يمكن أن تتحقق أي ماهية للمخلوقات، و إن الوجود هو الذي يخرج ماهية الشجرة أو الإنسان من مرحلة العدم إلى ساحة الوجود، و إلا فإن ماهية الأشياء ليس لها أي نوع تعلق في أن تكون أو لا تكون (الماهية من حيث هي ليست إلا هي لا موجودة و لا معدومة) و كون الشيء لا يتحقق إلا بالوجود و بانتزاع الوجود منه يصير إلى العدم و الفناء، يحكي عن كون الماهية ليست أصيلة.
2ـ6 الوجود مفهوم مشكك. إن وحدة الوجود تشكيكية: فالوجود حقيقة واحدة لها مراتب في الشدة و الضعف، و إن جميع الموجودات ابتداءً من واجب الوجود و حتى الهيولا (المادة الأولى) تتمتع بهذه الحقيقة بحسب مرتبتها، أي أن الجميع يشترك في سنخ الوجود، و لكن التمايز يكون بالمرتبة.
3ـ 6 بساطة الوجود. الوجود حقيقة بسيطة، فليس له جزء و لا هو جزء لشيءٍ آخر، لأنه لا يوجد شيء غير الوجود.
4ـ6 إن المعلول هو عين الربط و الحاجة للعلة: يرى ملا صدرا أن علاقة المعلول بالعلة هي علاقة الفقر، و بما أن المعلول يأخذ كامل وجوده و هويته من العلة فإن وجوده وجود ربطي، و ليس له أي وجود بدون العلة، و أن ارتباطه بالعلة ارتباط مطلق و لا يمكن أن ننتظر من ذات المعلول إلا المحدودية و الاحتياج و الفقر.
و بالنظر لهذه الأصول يقرر ملا صدرا برهانه على النحو التالي:
أن الوجود حقيقة عينية واحدة بسيطة لا اختلاف بين أفرادها لذاتها إلا بالكمال و النقص و الشدة و الضعف أو بأمور زائدة كما في أفراد ماهية نوعية و غاية كمالها ما لا أتم منه و هو الذي لا يكون متعلقا بغيره و لا يتصور ما هو أتم منه، فإذن الوجود إما مستغن عن غيره و إما مفتقر لذاته إلى غيره.
و الأول هو واجب الوجود و هو صرف الوجود الذي لا أتم منه و لا يشوبه عدم و لا نقص.
و الثاني هو ما سواه من أفعاله و آثاره و لا قوام لما سواه إلا بواجب الوجود
و بتقرير آخر: إذا كان الوجود أصيلاً طبقاً للقول بأصالة الوجود فإنه غير محتاج إلى غيره، و بذلك حصل مطلوبنا، و ثبت واجب الوجود، و أما إذا لم يكن مستغنٍ بالذات، ففي هذه الحالة يكون معلولاً و محتاجاً بالذات إلى ما هو غني بالذات، لأن تحقق أمر فقير ذاتاً كه كونه عين التعلق و الربط، بدون وجود غني و مستقل، محال
و من الجدير بالذكر أن هذا البرهان اعتبر في الفلسفة الإسلامية من أكثر البراهين استحكاماً و رسوخاً في مسألة إثبات وجود الله، و هذا من الأسباب التي أدت إلى تسميته ببرهان الصديقين، و لهكذا سنشير الى امتيازات برهان الصديقين على سائر البراهين.