العدل الإلهي
العدل الإلهي
مسألة العدل من المسائل المهمة وهو بالأساس صفة من صفات الله ولكن لما اختلفت أقوال المذاهب فيه احتل مرتبة خاصة بحيث أصبح اصلا من أصول الدين عند الشيعة واصلا مهما عند المعتزلة وقد أطلق عليهم بالعدلية في قبال الأشاعرة الذين يقولون كل مايفعله الله عدل وليس كل عدل يفعله الله
ماهو العدل عند الفلاسفة
للعدل معاني مختلفة
المعنى الأول وهو إعطاء كل ذي حق حقه وعدم التعدي عليه وهذا هو المعنى المتداول بين المجتمع وهذا المعنى الاجتماعي الاعتباري غير متصور في حق الله لأن الله مالك كل شيء ولايوجد من يملك في قباله شيئا فملكنا للأشياء في طول ملك الله لا في عرضه فهو المالك بالملكية الحقيقية لا الاعتبارية
المعنى الثاني :يقصد به كون الشي موزونا اي متناسب يؤدي وظيفة كاملة وبهذا المعنى الكون متعادل وموزون ولو لم يكن كذلك لما قامت له قائمة ولم يوجد حساب ولا نظام ولامسير معين والعدل بهذا المعنى التناسب والتوازن من لوازم كون الله حكيما وعليما فهو سبحانه بمقتضى علمه الشامل وحكمته العامة يعلم أن لبناء اي شي مقادير معينة من العناصر فهو يركب تلك العناصر لاشادة ذلك البناء
فهنا لو لم يوجد الشي المتوازن إما غير عالم أو غير قادر وهو عالم بالعلم المطلق وقادر بالقدرة المطلقة
المعنى الثالث :التساوي ونفي اي لون من الترجيح فإذا كانت معناه النظر بعين واحدة دون مراعاة الاستحقاق فهذا عين الظلم أما لو كان معناه هو مراعاة المساواة عند وحدة الاستحقاق فهذا عدل وهو يتصف به الله لأنه عين العدل والإنصاف والحكمة
المعنى الرابع :وهو المعنى الفلسفي والذي أكد عليه الفلاسفة وهو رعاية الاستحقاق في افاضة الوجود وعدم الامتناع عن الإفاضة والرحمة حيث يتوفر إمكان الوجود أو إمكان الكمال ولاشك أن كل موجود يستحق كمالا خاصا به من حيث القابلية والعيب هنا كما يقال في قابلية القابل لا في فاعلية الفاعل ، ولما كانت الذات الإلهية كمالا مطلقا وخيرا مطلقا وفياضة على الإطلاق فهي تعطي ولا تسمك ولكنها تعطي لكل موجود ماهو ممكن له من وجود أو كمال وجود فالعدل الإلهي حسب هذه النظرية يعني أن أي موجود يأخذ من الوجود ومن كمال الوجود المقدار الذي يستحقه وبامكانه أن يستوفيه والحكماء الالهيون عندما يصفون صفة العدل على الله سبحانه فهم يقصدون بها هذا المعنى الذي ذكرناه لكي تكون لائقة لذات الله بعنوان أنها صفة كمال له فهو عادل يعني عين الفضل والجود
قال صدر المتألهين في كتابه المبدأ والمعاد في الإشارة إلى عدله في الخلق
وإنما يعرف ذلك بملاحظة أمور العالم والتفكر في أوضاعها وكيفية ترتيبها ونضدها وارتباط العلويات بالسفليات على الوجه المخصوص والتدبر في منافع حركاتها ونسب كواكبها ومنافع أعضاء الحيوان وأجزاء النبات وسائر العنصريات ثم ساق الدليل العام على العدل الالهي بمعناه الفلسفي الوجودي
حيث بما أن الله عالما بالعلم المطلق وقادر على كل شي فيوجد كل شي يستحق الوجود ولا بخل في ساحته
أقسام العدل
العدل التكويني :وهذا العالم الكوني هو انعكاس لعلم الله وقدرته فبما انه عالم بكل شي وقادر على كل شي وأنه أوجد هذا العالم فهذا يدل على أنه أفضل نظام ممكن وأنه ما كان أفضل مما كان وان النظام العيني مطابق للنظام العلمي الإلهي
العدل التشريعي :وبما أن الله خالق الإنسان وعالم به فهو يشرع له ما ينفعه ولا يضره فإذا شرع ما يضره أما يكون غير عالم وهذا باطل أو غير قادر على تشريع العدل وهو قادر بالقدرة المطلقة أو يتوصل بالظلم إلى استيفاء منفعة كالبشر وهو الغني المطلق فشرع كل شي يناسب الإنسان ولم يكلف الإنسان إلا وسعه
العدل الجزائي :فهو يجازي بحسب ظلم الإنسان فكل تعدي يحتاج إلى عقوبة مناسبة والا استوى المحسن والمسيء وهذا ظلم تقبحه العقول والله حكيم وعادل.
وعلى هذا يكون العدل بحسب المنظور الفلسفي هو نتيجة وثمرة للصفات الإلهية من علم وقدرة وحكمة فقد أوجد أفضل نظام وكل شي لم يوجد إنما بسبب قابيلته لا بسبب الفاعلية فهو تام الفاعلية والعلم والقدرة