• Post on Facebook
  • Twitter
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save
الأكثر شعبية

أجوبةُ حول غيبة الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف ... الحلقة الاولى

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1654
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
أجوبةُ حول غيبة الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف ... الحلقة الاولى

اية الله السيد محمد رضا الشيرازي


يدور موضوعنا حول إمام زماننا وولي أمرنا الحجة المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه)، وهو يتعلق بالسبب الكامن وراء غيبته، هذه الغيبة التي يعدّها البعض تحدّياً كبيراً للقائلين بإمامة المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، فلماذا كانت هذه الغيبة التي تعتبر محيّرة كما يقول هؤلاء؟

بدايةً ينبغي أن نعرف أن الغيبة ظاهرةٌ عامةٌ في حياة الأنبياء والأولياء ، وهي ليست حالةً استثنائيةً تفرّد بها الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) حيث يشير القرآن الكريم في مواقع متعددة إلى ظاهرة الغيبة في حياة الأنبياء والأولياء ، فلعلّ الإنسان إذا قرأ القرآن الكريم بهذا المنظار يجد هنالك إشارات وتلويحات كثيرة في مواقع متعددة من القرآن الكريم تشير إلى فكرة وشؤون الإمام المنتظر.

فيبين لنا القرآن الكريم أنَّ هناك غيبة لنبي الله موسى بن عمران (عليه السلام)، كما تقول الآية الكريمة: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)(1)، إذن فقد غاب موسى بن عمران (عليه السلام) عن قومه أربعين يوماً وهو نبيٌّ من الأنبياء العظام، حتى أنه لم يصطحب معه أخاه

 

هارون (عليه السلام) في هذه الغيبة، فكان وحيداً كما يبدو في هذه الغيبة القصيرة. ويثبت القرآن الكريم غيبةً أخرى، فإذا كانت غيبة موسى (عليه السلام) قصيرة، فهنالك غيبةٌ أخرى طويلة في القرآن الكريم، فقد غاب نبي الله عيسى بن مريم (عليه السلام) عن قومه بل غاب عن البشرية كلها، فقد مرّ على غيبة عيسى بن مريم (عليه السلام) حوالي ألفَي عامٍ.. وجاء في القرآن الكريم:

(وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ)(2)، وجاء في آية أخرى: (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ)(3)، ولا يزال عيسى بن مريم (عليه السلام) يعيش حالة الغيبة إلى الآن(4).

 

كذلك يثبت القرآن الكريم غيبة نبي الله يونس بن متّى (عليه السلام): (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)(5)، فكم يوماً بقي في بطن الحوت؟ يقول بعض العلماء: بقي أربعين يوماً(6)، ومع أنه نبي مبعوث لكنه عاش أربعين يوماً في بطن الحوت، فهل قدح ذلك في نبوّته؟ وهل انْتَفَتْ عنهُ صفةُ النبوة بسبب هذه الغيبة؟ كلا..

ويثبت القرآن الكريم غيبة أهل الكهف: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا)(7)، فقد غابوا ثلاثمائة عام حسب السنوات الشمسية وثلاثمائة وتسعة أعوامٍ حسبَ السنينَ القمريةِ، وكان هنالك كلام - كما أتذكر- هل يوجد أفراد بهذا الشكل أم لا؟ لأنه هناك أجيال عديدة تبدلت بعد مرور ثلاثمائة عام حيث يقول بعض علماء الحضارات: إنَّ الجيل يتبدل كل أربعين عاماً، ولذلك يوجد في الآية: (أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ)(8)، حتى يتبدل هذا الجيل، فكم جيلاً تبدل في خلال هذه الأعوام الطويلة، لعلّ القضية نسيت أو اختلف فيها ولكن بعد هذه المدة الطويلة، (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ)(9)، وإذا بأهل الكهف يعودون إلى الظهور بعد هذه الغيبة.

سبب الغيبة؟

إذا كانت ظاهرة الغيبة عامة فالسؤال عن علة الغيبة وسببها يكون سؤالاً عاماً أيضا، كما أن هذا السؤال لا يختص بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، إذ يجب أن يُقال لماذا غاب عيسى بن مريم؟ فالسؤال نفسه يرد، فهو إذن سؤال عامٌّ وليس سؤالاً خاصّاً، نعود بعد هذا المدخل إلى الأجوبة عن هذا السؤال بصيغته الخاصة، لماذا غاب الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)؟

هنالك عدة إجابات في هذا البحث :

الإجابة الأولى:

هي التي أجاب بها الشيخ الطوسي(10) (رحمة الله تعالى عليه) في كتابه (الغيبة (11) في ص85)، ونحن نعتقد أن هذه الإجابة مفتاحٌ مهم من مفاتيح التعامل مع الدين ككل، ويمكن أنْ نُعَبِّرَ عنها بفكرة الحكـمة الـمجهولة -على الرغم من أنَّ الشيخ لا يستخدم هذا التعبير- حيث هنالك في الحياة نقاط غموض تخص دائرة التكوين والتشريع، ونقاط الغموض هذه، أما أنّ عقلية البشر لا تستطيع فهمها، وأمّا أنَّ الله سبحانه وتعالى جعل هذه النقاط غامضة لحكمة من الحكم..

في دائرة التكوين هنالك نقاط غموض ، فأن يلاحظ الإنسان هذه النقاط بعيداً عن نظرية الحكمة المجهولة فربما يُبتلى بحالة من الإحباط والنكوص والارتداد.

ربما نُقل لكم قديماً، إنَّ رجلاً قال : ذات مرة ذهبت إلى أوربا فرأيت هنالك امرأة كانت تنكر وجود الله سبحانه وتعالى وتقول : لو كان الله موجوداً لما قامت الحرب العالمية الثانية ، يبدو أنها اكتوت بنيران الحرب العالمية الثانية، وإنَّنا كبشر نعيش أحياناً مشكلات محيّرة في حياتنا ، فلماذا يحدث هذا الشيء ؟ فهو إما حدثٌ يتعلق بحياتنا الشخصية أو حدث يتعلق بالبشرية ككل، إنها نقاط غموض في الإطار التكويني، وهنالك نقاط غموض وإبهام في الإطار التشريعي، كم مثالاً لدينا؟ هنالك مئات الأمثلة على ذلك.

فكيف نواجه نقاط الغموض وفق نظرية الحكمة المجهولة، إنَّ هذه النظرية ترتبط ارتباطاً عضوياً مع مستوى الإيمان، أي كلما كان مُستوى الإيمان عالياً يكون الإيمان بالحكمة المجهولة أقوى، فنحن عندما آمنا بالله سبحانه وتعالى إيماناً يقينيّاً قاطعاً، وآمنا بأن الله سبحانه وتعالى حكيم ورحيم و ودود، (لاحظ مفردة (ودود) كم هي لفظة جميلة).

ويمكن كل انسان ان يبتلى مرةً بمشكلة مدمِّرة في حياته، والله تعالى يعرف كيف يبتلي الفرد في نقطة مدمرة من حياته، فكل شخص يبتليه الله تعالى بشكل أو طريقة ما، فيقول لماذا يا الله..؟ إن القضية تعد محلولة لأنك آمنت بالله وبحكمته، إنك تؤمن بأن الله ودود رحيم، وتؤمن بأن الله تعالى ما قدّر للمؤمن شيئاً إلا وهو خير له، إذن حُلّت المشكلة. نعم إذا كان الشخص عديم الإيمان يجب أن يعود إلى الجذور، فإذا شعر أنَّ لديه شكّاً يجب أن يعود إلى إيمانه وجذوره.

 

العقيدة أولا

لا بأس أن ننقل لكم هذه القضية، ربما يكون مضمونها مفيداً، يقول العَمُّ (12) (حفظه الله): عندما جاءت الموجة الشيوعية إلى العراق قبل خمسة وأربعين عاماً تقريباً -كما أظن- قلت لوالدي (قدس سره)(13): ماذا نبحث مع الشباب؟ (لأننا كُنّا ندير هيئات شبابية) فقال والدي: ابحثوا معهم في أصول الدين فقط، ولا تبحثوا في أي شيء آخر، فلا تبحث معه لماذا حُرِّم خاتم الذهب على الرجل مثلاً، لأن هذه الأسئلة تبدأ ولا تنتهي، إنك وصلت إلى حل هذه المشكلة، لأن خاتم الذهب يحتوي على إشعاعات تؤثر على الكريات الحمر أو البيض لدى الرجال ولا تؤثر في النساء.

سؤال ثان: لماذا تشتمل صلاة الصبح على ركعتين وليست ركعة واحدة؟ ولماذا ليست ثلاث ركعات؟ كذلك لماذا يكون الطواف حول الكعبة سبعة أشواط وليس ثمانية أو ستة أشواط؟ قد يقول أحدهم: أنا اليوم مرتاح وصحتي جيدة ويعجبني أن أتوجه إلى الله سبحانه وأصلي صلاة الصبح أربع ركعات، لِمَ هذا غير ممكن؟!

 إن هذه الأسئلة التي تتعلق بالفروع تبدأ ولا تنتهي، لأنكم لا تصلون إلى نتيجة في هذا الجانب فينبغي عليك أن تثبّت قاعدة، والقاعدة هي: (الله، النبي، الإمام، المعاد) فإذا حُلَّت قضية العقيدة لدى الشاب فإن كل القضايا لديه تصبح محلولة، ولا يقتصر هذا الأمر على الدين بل في أمور الحياة الأخرى أيضا، فعندما آمنتم بأن هذا طبيب حاذق وفاهم ورحيم وودود، فكل ما سيقوله ستعملون به، إننا لا نفهم كثيراً من التعليمات التي يقولها لنا الأطباء، بل لا يمكن أن نفهمها، لأن الطبيب لا يتمكن من أن يُفهمنا إياها، كما لا يتمكن عالم من علماء الأصول أن يُفهم (المعنى الحرفي) لبقالٍ في رأس المحلة ، لأن إفهام المعنى الحرفي لهذا البقال غير ممكن ، ولكن عندما آمنت بالطبيب ستخضع لكل تعليماته ، ولكن لماذا جاء قول الطبيب هكذا؟ إذن هي الحكمة المجهولة التي جاءت من خبيرٍ ودود ، ولأنه عليم حكيم فقد حُلَّتْ المشكلة.

إذن النظرية الأولى التي يطرحها الشيخ الطوسي (رحمة الله عليه) في هذا المجال هي الحكمة المجهولة، فهنالك حكمةٌ كامنة وراء الغيبة لا نعلمها ولا يُشترط أن نعلمها، هل تظهر لنا هذه الحكمة في يوم من الأيام ؟ ربما تظهر لنا في عهد الظهور، وإذا شكك أحد في هذا فيجب أن يشكك في إيمانه ، إذن يجب علينا أن ننتقل إلى مرحلة متقدمة من الإيمان، فهل نؤمن بالله والنبوة والإمامة وبالإمام المنتظر؟ إذا انتهينا من هذه المرحلة فستكون جميع الفروع محلولة.

 

 ..............................................................

(1) سورة الأعراف: 142.

(2) سورة النساء: 157.

(3) سورة النساء: 158.

(4) نزول عيسى (عليه السلام) عند ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) ثم صلاته خلفه، دليل على بقائه حياً إلى ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، وهذه جملة من المصادر من كتب العامة التي تدل على ذلك منها: ما رواه البخاري في صحيحه: ج4 ص143 كتاب بدء الخلق ومسلم في صحيحه: ج1 ص94،  

(5) سورة الأنبياء: 87.

(6) انظر(التبيان): ج8 ص530 سورة الأنبياء، وهو منقول عن عبد الله بن مسعود والسدي ومقاتل بن سليمان والكلبي، وغيرهم.

(7) سورة الكهف: 25.

(8) سورة المائدة: 26.

(9) سورة الكهف: 21.

(10) شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي

(11) كتاب الغيبة: من أهم الكتب المعتبرة في هذا المضمون وفيه ثمانية فصول وفي كل فصل مجموعة من المطالب المهمة في إثبات الغيبة ورد الشبهات حولها وما يتعلق بها من مسائل ويحتوي على (505) حديثاً

(12) المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق بن المهدي الحسيني الشيرازي،  

( 13) آية الله العظمى السيد مهدي بن حبيب الله الحسيني الشيرازي  

 

Powered by Vivvo CMS v4.7