لابدية وجود المصلح
لابدية وجود المصلح
لم يتفق أتباع الأديان على شيء كما أتفقوا على وجود المصلح مع أختلاف أعراقهم وأديانهم والثقافات التي ينتمون أليها وذلك يعود الى الشعور الوجداني لدي الجميع بضرورة زوال الظلم يوما ما ليحل محله العدل والامن والاستقرار وتنتشر روح الحب والرحمة بين جميع أفراد الإنسانية بل تعم لتشمل جميع المخلوقات على سطح هذا الكوكب , فأمنية الجميع هي السعادة المنشودة في دولة العدل والروح الإنسانية وهو ما يدفعهم للسعي في أيجاد هذه الدولة والتأسيس لها أما بمشاريع بشرية ناقصة وغير ناضجة لها ما لها من السلبيات مع ما لها من بعض الإيجابيات , وقسم آخر ينظر الى التغيير العالمي على يد شخصية متميزة عن الاخرين تمتلك من الخصائص التي عجز الاخرون عن أمتلاكها أضافة الى أتصالها بالسماء لتكتسب الشرعية والقدرة على التغيير وأستيعاب العالم وهؤلاء قد أختلفوا في بعض الجزئيات كذلك ولكنهم أتفقوا على أمر واحد أساسي وهو وجود المصلح , ومن هنا وبناءا على أن التغيير يجب أن يكون على يد من له القدرة على ذلك فنرى أنهم سلموا وأقروا بوجود المصلح وأن أختلفوا بزمانه ومكانه وأسمه ونسبه والصفات التي يتمتع بها وقدراته العلمية والنفسية والالية التي يعمل بها وآلية نشر مشروعه على الأرض.
وهل يلزم كون المصلح مؤيدا ومرسولاً الهيا , أم يكفي كونه صاحب مشروع أصلاحي دنيوي ناجح بغض النظر عن أرتباطه بالسماء , بحسب نظر القسم الاول - المادي - فهو يرى أن البشر قادر على أعطاء وأيجاد الحلول بمعزل عن فكرة الاله , وهنا جاء دور السماء في أعطاء مفهوم جديد للمصلح يبين لنا الكثير من صفاته وعلاماته لكي لا تقع البشرية فريسة سهلة بيد المتصيدين بالماء العكر لاجل مصالح ومكاسب دنيوية كأمثال من يدعون أنهم مخلصين ويطرحون مشاريع الخلاص كالشيوعية والرأسمالية بمشروعها الخطير المسمى بالعولمة والذي يمثل باكورة منجزاتهم التي يدعون بأنهم قادرين من خلالها على أنتشال البشرية من واقعها المأساوي .
فالخلاص المطروح اليوم أما ناشئ من الفكر المادي الدنيوي أو من الفكر الديني الإلهي , وبالنسبة للفكر المادي الدنيوي فقد أستنفذ كل طاقاته وأمكانياته وطرح كل ما لديه وعلى مدى سنين طويلة وبصيغ متعددة عانت فيها البشرية ماعانت ولاقت من صنوف العذاب ما لاقت , والحال هو ما نراه من مجاعة وظلم لا يترك شبرا من الأرض , دفعت فيها البشرية ضريبة قبولها بهكذا مشاريع تاركة العرض الإلهي المتمثل بمشروع المخلص الإلهي الموعود ( أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ) البقرة61. وهذه النكبات المتكررة لم تترك مجالا للشك في فشل هذه المشاريع الدنيوية مما سيضظر البشرية للرجوع الى خيار القسم الثاني – الذي يؤمن بوجود المصلح – الخيار الإلهي لها وهو أتباع المصلح الإلهي الذي بشرت به السماء وحددته في آخر رسالة لها وعلى لسان خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه واله .
ويبقى السؤال متى ستخضع البشرية لوجدانها وتتبع من يبشرها بالخلاص فكل تأخير في قبول عرض السماء ما هو الا أطالة لمدة سيطرة الظلم والجور وزيادة المرارة لمن يعانون من الفقر والجوع والالم والحرمان وكأننا أمام أمر حتمي ليس فيه خيار الا الخضوع والايمان وكل تأخير أنما هو في حقيقته زيادة معاناة البشرية وأطالة أمد بقائها أسيرة الأوهام والشك وسيطرة الظالمين فهل يرضى عاقل بتأخير الدواء الناجع لمن يرى حاجتهم اليه أم أن الاعراض عن القبول ليس ألا جنون اللذة بالالم والحرمان وهو شعور غير أنساني .
[ هل الإصلاح ممكن للبشرية على نحو الاستقلال عن تدخل السماء ؟ ]
· الامر الثابت والمتفق عليه أن قدرات الانسان محدودة نظرا لما يمتلكه من أدوات هي محدودة بطبعها فنراه يستطيع أن يعالج بعض المسائل التي تكون تحت سيطرة قدراته ولكنه يقف عاجزا حائرا أمام بعض المشاكل والمعوقات فهو بوجدانه يؤمن أنه غير قادر على مواجهتها وحلها , وبما أن الصراع على الأرض دائر بين الانسان ومخلوقات أخرى لا يمكن للإنسان أدراك حقيقتها وماهيتها بصورة كاملة مضاف لكون الانسان لا يدرك في بعض الأحيان ما هيته ويجهل الكثير عن نفسه فضلا عن العوالم الأخرى والكون الفسيح فكان لزاما أن يأتيه العون ممن خلقه ويضع له حلولا لمشاكله لكن بشرط أن يقبل هو بهذه الحلول ويؤمن بما يطرحه الخالق من مشروع وبمن يرتضيه عنه خليفة ليأخذ بيده الى حيث الخلاص المنشود , وبخلاف ما بينا ستبقى البشرية تعاني وتعاني حتى تنزل على أمر الله تعالى وفيه سعادة الدنيا والاخرة .
[ لم الإصرار على فكرة أن يكون المصلح شخصا بعينه فلا يكون جهة أو مجموعة بشرية تحكم الاخرين ؟ ]
تتجه البشرية فطريا الى قيادة الفرد الواحد لا قيادة المجموعة فهي تدرك جيدا السلبيات في قيادة المجموعة النابعة من أختلاف هؤلاء فيما بينهم فكريا فأنه يستحيل أن تجد مجموعة بشرية تعمل على نسق فكري واحد , فلكل شخص نظرته الخاصة للامور وطرقه لحل المشاكل التي تواجهه ومن هنا سيكون من الصعب أن تفكر المجموعة بنفس الطريقة وتعطي نفس النتائج مما سيثير الصراع فيما بينهم . نعم قد يحتاج القائد الى بعض المستشارين لكن يبقى القرار المنتقى في نهاية المطاف قراره الخاص وهو يتحمل مسؤوليته , ومن هنا نرى أن الامم الماضية وضعت ملوكا أو قياصرة أو زعماء قبائل وغير ذلك وما أتفاقهم في هذه الالية الا لشعورهم بما بيناه هنا من الارباك الذي سيصيب مجتمعاتهم ما لو كان القائد لهم مجموعة بعينها , والنتيجة فهم حين نشدوا يوم الخلاص والسعادة لم يختلفوا عن أسلافهم في أدراك خطورة هذا الامر فأتفقوا على وجود شخصية ستقوم بقيادة مشروع الاصلاح والتغيير العالمي . ومن وجهة نظر دينية فأن الخليفة يأخذ صفات المستخلف ومنها عدم الاشتراك في القيادة قال تعالى ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) الأنبياء-22- فتعدد جهات القيادة يسبب فساد الحكم وأنتشار الفساد في جميع أركان المعمورة والحكمة تقتضي كون القيادة لجهة أو شخص واحد فقط ليكون حكما قويا صالحا لادراة شؤون المجتمع .
[ حتمية الخلاص قرآنيا ]
ننتقل الان الى البحث القرآني لنرى كيف بين القرآن الكريم قضية المصلح وأشاراته لها وما هي مدى أهميتها للعالم , وسنرى أننا أمام حتمية قرآنية تبشر المظلومين والمظطهدين والمؤمنين بأحقاق الحق وأرجاعه الى أهله وعملية الاحقاق هذه ستتم في هذا العالم لكي لا يخلو جزء من الكون من سيطرة الله وقدرته وعدله ونصرته للمؤمنين والمستضعفين , وهنا نذكر بعض الايات الكريمة , ومنها :
قال تعالى / (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) البقرة
الهدى الهداية الإلهية التي قارنها برسوله ليهدى بأمره، ودين الحق هو الاسلام بما يشتمل عليه من العقائد والاحكام المنطبقة على الواقع الحق.
والمعنى أن الله هو الذي ارسل رسوله وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم مع الهداية - أو الآيات والبينات - ودين فطرى ليظهر وينصر دينه الذي هو دين الحق على كل الأديان ولو كره المشركون ذلك. وفي الواقع الخارجي لم يأخذ هذا الدين موقعه المحدد له , فلا بد من يوم يتحقق فيه هذا الوعد الالهي وهنا فيه أشارة واضحة لما نحن بصدد بيانه وهو أن هذا الدين سيملئ الخافقين على يد المصلح العالمي وهو الامام الحجة بن الحسن عليه السلام .
قال تعالى ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) القصص -5-
ان الآية المباركة وان كان السياق واللفظ فيها عاما الا ان المراد لا ينحصر بذلك فلاية القرانية تجري قد تنطبق على عدة مصاديق وقد وردت روايات فسرت ذلك بقيام دولة الحق في اخر الزمان وهذا لا يناقض انها نزلت في بني اسرائيل حيث ان القرآن يجري كما يجري الليل والنهار فالتنزيل في بني اسرائيل والجري في اهل البيت عليهم السلام فعن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
إن رسول الله صلى الله عليه وآله نظر إلى علي والحسن والحسين عليهم السلام فبكى وقال : أنتم المستضعفون بعدي . قال المفضل : فقلت له : ما معنى ذلك يا ابن رسول الله ؟ قال : معناه أنكم الأئمة بعدي، إن الله عز وجل يقول : (( وَنُرِيدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ استُضعِفُوا فِي الأَرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوَارِثِينَ )) (القصص:5) فهذه الآية جارية فينا إلى يوم القيامة .
وقال صاحب تفسير الامثل 12/ 175 حول الاية المباركة :
فهي بشارة في صدد انتصار الحق على الباطل والإيمان على الكفر .
وهي بشارة لجميع الأحرار الذين يريدون العدالة وحكومة العدل وانطواء بساط الظلم والجور .وحكومة بني إسرائيل وزوال حكومة الفراعنة ما هي إلا نموذج لتحقق هذه المشيئة الإلهية والمثل الأكمل هو حكومة نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) وأصحابه بعد ظهور الاسلام..
قال تعالى ( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ) الحج -41-
المراد من تمكينهم في الأرض إقدارهم على اختيار ما يريدونه من نحو الحياة من غير مانع يمنعهم أو مزاحم يزاحمهم.
يقول تعالى: إن من صفتهم أنهم إن تمكنوا في الأرض و أعطوا الحرية في اختيار ما يستحبونه من نحو الحياة عقدوا مجتمعا صالحا تقام فيه الصلاة و تؤتى فيه الزكاة و يؤمر فيه بالمعروف و ينهى فيه عن المنكر و تخصيص الصلاة من بين الجهات العبادية و الزكاة من بين الجهات المالية بالذكر لكون كل منهما عمدة في بابها.
و إذ كان الوصف للذين آمنوا المذكورين في صدر الآيات و المراد به عقد مجتمع صالح و حكم الجهاد غير خاص بطائفة خاصة فالمراد بهم عامة المؤمنين يومئذ بل عامة المسلمين إلى يوم القيامة و الخصيصة خصيصتهم بالطبع فمن طبع المسلم بما هو مسلم الصلاح و إن كان ربما غشيته الغواشي.
و ليس المراد بهم خصوص المهاجرين بأعيانهم سواء كانت الآيات مكية أو مدنية و إن كان المذكور من جهة المظلومية هو إخراجهم من ديارهم و ذلك لمنافاته عموم الموصوف المذكور في صدر الآيات و عموم حكم الجهاد لهم و لغيرهم قطعا. وفي هذه الاية أشارة واضحة للتمكين على ألارض بأجمعها وهو مما لم يتم للمؤمنين والمأمول أن يتم في دولة العدل الإلهي .
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) المائدة-54-
لهذه الآية عدة مصاديق ففي بعض الاخبار ان المقصود بها أمير المؤمنين عليه السلام وشيعته (انظر تفسير فرات ص123) أوهي علي واصحابه حين قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين وهو المروي عن حذيفة وعمار وابن عباس والمروي عن ابي جعفر وابي عبد الله عليهما السلام انظر بحار الأنوار 36/32 نقلاً عن الشيخ الطبرسي.
وفي بعض الأخبار ان المقصود بهم القائم واصحابه انظر تفسير القمي 1/170 وورد في الخبر عن ابي عبد الله ان المقصود بالقوم هم الموالي انظر تفسير العياشي 1/326 ولا يمكن أن يكون المقصود بهذه الآية أبو بكر وأصحابه الذين قاتلوا المرتدين لأنهم لم يقاتلوا المرتدين بل قاتلوا مالك بن نويرة وقومه الذين منعوا الزكاة عن أبي بكر لأنه ليس الخليفة الشرعي ولو سلمنا ان ابا بكر قاتل بعض المرتدين فان مواصفات القوم لم تثبت لا لأبي بكر ولا لأصحابه فاين محبتهم لله ومحبة الله لهم واين ذلتهم على المؤمنين ومتى كان جهادهم في سبيل الله. ولا يخفى ما في هذه الاية المباركة من أشارة واضحة لقيام دولة العدل الإلهي حيث أن الصفات متوفرة في شخص الامام عليه السلام وأصحابه المؤمنين .
قال تعالى ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ) النمل -62-
وفي تفسير القمي في قوله تعالى: «أمن يجيب المضطر إذا دعاه» الآية،: حدثني أبي عن الحسن بن علي بن فضال عن صالح بن عقبة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نزلت في القائم من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو و الله المضطر إذا صلى في المقام ركعتين و دعا إلى الله عز و جل فأجابه و يكشف السوء و يجعله خليفة في الأرض. وعلى كل حال فأنه سلام الله عليه خير مصداق لهذه الاية فهو المثال الاتم للمظطر .
قال تعالى ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) الأنبياء -105-
والمراد من وراثة الأرض انتقال التسلط على منافعها إليهم واستقرار بركات الحياة بها فيهم، وهذه البركات أما دنيوية راجعة إلى الحياة الدنيا كالتمتع الصالح بأمتعتها وزيناتها فيكون مؤدي الآية أن الأرض ستتطهر من الشرك والمعصية ويسكنها مجتمع بشري صالح يعبدون الله ولا يشركون به شيئا كما يشير إليه قوله تعالى: " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض - إلى قوله - يعبدونني لا يشركون بي شيئا: النور: 55.
وإما أخروية وهى مقامات القرب التي اكتسبوها في حياتهم الدنيا فإنها من بركات الحياة الأرضية وهي نعيم الآخرة كما يشير إليه قوله تعالى حكاية عن أهل الجنة: " وقالوا الحمد لله الذي أورثنا الأرض نتبوء من الجنة حيث نشاء الزمر: 74، وقوله: " أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس " المؤمنون: 11. والاشارة في هذه الاية واضحة أن الأرض بأجمعها لم يرثها المؤمنون وهي بشارة في حكم الامام وأصحابه الأرض بحكم الله عز وجل .
قال تعالى ( بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ ) هود-86-
البقية بمعنى الباقي والمراد به الربح الحاصل للبائع وهو الذي يبقى له بعد تمام المعاملة فيضعه في سبيل حوائجه، وذلك أن المبادلة وإن لم يوضع بالقصد الأول على أساس الاسترباح، وإنما كان الواحد منهم يقتني شيئا من متاع الحياة، فالمراد أن الربح الذي هو بقيه إلهية هداكم الله إليه من طريق فطرتكم هو خير لكم من المال الذي تقتنونه من طريق التطفيف ونقص المكيال والميزان إن كنتم مؤمنين فإن المؤمن إنما ينتفع من المال بالمشروع الذي ساقه الله إليه من طريق حله، وأما غير ذلك مما لا يرتضيه الله ولا يرتضيه الناس بحسب فطرتهم فلا خير له فيه ولا حاجة له إليه. ولكن يمكن أنَّ (بَقِيَّتُ اللَّهِ) هو المظهر الباقي لله تبارك وتعالى، وهو ما ينطبق على الإمام المنتظر (عليه السلام) .
والرواية وردت بذلك، في الكافي عن عمر بن زاهر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سأله رجل عن القائم يسلَّم عليه بإمرة المؤمنين؟
قال: (لا، ذاك اسم سمّى الله به أمير المؤمنين (عليه السلام)، لم يسمّ به أحد قبله ولا يتسمّى به بعده إلاَّ كافر).
قلت: جُعلت فداك كيف يسلَّم عليه؟
قال: (يقولون: السلام عليك يا بقيّة الله)، ثمّ قرأ: ((بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)) الكافي ج1 ب107 نادر ح2 ص475.
فالمراد ببقيّة الله هو الإمام المنتظر لأنَّه المظهر الباقي لله، إذ كلّ إمام وكلّ نبيّ هو مظهر لله، لكن المظهر قد يكون انتقل إلى الملأ الأعلى بالوفاة، فهم مظهر قد انقضى، وهناك مظهر ما زال باقياً إلى أن تقوم الساعة وهو المعبَّر عنه (بَقِيَّتُ اللَّهِ)، وهذا ينطبق على الإمام الحجّة (عليه السلام).
حتمية الخلاص روائيا /
1- ورد عن ورد النبي صلى الله عليه وآله قال : لو لم يبقى من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً صالحاً ، من أهل بيتي يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً .. البحار ج14ص33
2- عن الامام الباقر عليه السلام قال : فاذا خرج اسند ظهره الى الكعبة ، واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ..... فأول ما ينطق به هذه الآية :( بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) هود 86 . ثم يقول : انا بقية الله وحجته وخليفته عليكم فلا يُسلم عليه مسلم إلا قال : السلام عليك ، يا بقية الله في ارضه .. البحار ج24ص212
3- عن الامام الصادق عليه السلام قال : أيها الناس ، أين تذهبون وأين يُراد بكم ؟ بنا هدى الله أولكم وبنا يختم أخركم .. فان يكن لكم مُلك معجل ، فان لنا مُلكاً مؤجل .. وليس بعد مُلكنا مُلك ، لأنا أهل العاقبة يقول الله عز وجّل : وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ القصص 83 وكذلك الاعراف 128 والرواية في الكافي ج1ص471