ما هو النسيء؟

بواسطة |   |   عدد القراءات : 3591
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

ما هو النسيء؟
اعتبرَ الفادي حديثَ القرآنِ عن النَّسيءِ خَطَأً جُغرافيّاً فَلكيّاً وَقَعَ فيه
القرآن، واعترضَ على آيتَيْنِ تَتَحدثان عن عِدةِ شهورِ السنة وعن النسيء؟
وهما قولُ اللهِ - عز وجل -: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37) .

ولم يَفْهَم الجاهلُ معنى النسيء، ولذلك طَرَحَ سؤالاً دالّاً على جَهْلِه
وغَبائِه، فقالَ: " ونحنُ نسأَلُ: يُؤَزخُ جَميعُ العلماءِ بالسَّنَةِ الشمسية، التي تَفْرُقُ عن السنةِ القمريةِ شَهْرَ النَسيء؟
فهل في هذا كُفْرٌ؟
وكيفَ نَعتبرُ الحسابَ الفلكيَّ الطبيعيَّ كُفْراً؟.
كان الفادِي كاذِباً مَفْتَرِياً عندما زَعَمَ أَنَّ جميعَ العلماءِ يُؤَرِّخونَ بالسنةِ
الشمسية، فمن المعلومِ أَنَّ هناكَ تقويمَيْن للتاريخ: التقويمَ الشمسيَّ، وهو
الذي يَتبعهُ العالمُ الغربيُّ، والذي أَخَذَه عن الرومان..
والتقويمَ القمريَّ، وهو الذي أَرَّخَ به المسلمون، منذُ هجرةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلى المدينة..
وإذا كان الغربيّون قد دَخَلوا في القرنِ الحادي والعشرين الميلاديّ الشمسي، فإِنَّ المسلمينَ قد دَخَلوا في الربع الثاني من القرنِ الخامس عشر الهجريِّ القمري.
وكانَ الفادي جاهلاً عندما جَعَلَ الفرقَ بينَ السنةِ الشمسيةِ والسنةِ القمريةِ
شَهْراً، أَيْ أَنَّ السنةَ الشمسيةَ تَزيدُ على السنةِ القمرية شهراً كاملاً!! وهذا ما لم يَقُلْه أَحَدٌ إ!.
إِن السنةَ الشمسيةَ تَزيدُ على السنةِ القمريةِ ما بينَ عشرةِ أَيامٍ إِلى أَحَدَ
عَشَرَ يوماً.
قالَ المؤرخُ الإِسلامِيُّ المعاصر أحمد عادل كمال في الفرقِ بينَ التقويم
الشمسيِّ والتقويم القمري: " يزيدُ اليومُ الشمسيُّ عن اليومِ القمريّ ثَلاثَ
دقائق، وخَمْساً وخمسين ثانية، وتسعةً في العشرةِ من الثانية! (9، 3: 55) !

واليومُ عندَ العرب يبدأُ من غروبِ الشمس، ويمتدُّ إِلى غُروبِها في اليوم
التالي!..
والشهرُ القمريُّ: (588 530، 29) يوماً! والسنةُ القمريةُ (354)
يوماً، وثماني ساعات، و (48) دقيقة، و (36) ثانية! أَما السنةُ الشمسيةُ فإِنَّها (365) يوماً، وستُّ ساعات، وتسعُ دقائق، و (5.9) ثانية!!
فالفرقُ بين السنةِ الشمسيةِ والسنةِ القمريةِ حوالي أَحَدَ عَشَرَ يوماً! ".
فكيفَ يقولُ القسيس بعد هذا الضبطِ الدقيقِ لجزءٍ من الثانية إِنَّ الفرقَ
بينَ التقويمَيْن شهرٌ كامل، وليس أَحَدَ عشر يوماً؟
وكيفَ يقعُ في هذا الخطأ
الحِسابيّ الفلكيِّ الشنيع؟
وكيفَ يدخُلُ في ما لا يَعرفُهُ؟
ويَتَعالَمُ بعد ذلك على القرآن!.
وانتقلَ الجاهلُ الذي يُريدُ أَنْ يُخَطِّئَ القرآنَ من خطئِه في الحساب إِلى
خَطَأ أَقبَح، حيثُ لم يَفْهَمْ معنى " النسيء " في الآية، فاعتبرَ النسيءَ هو
" التأريخ بالسنةِ الشمسية "، ولذلك تَساءَلَ بغَباء: كيف نَعتبرُ الحسابَ الفلكي الطبيعيَّ كُفراً؟.
ولا يَقولُ عاقل: إِنَّ النسيءَ هو التاريخُ الشمسي، وإِنَّه كفر! فضلاً عَنْ
أَنْ يقولَ القرآنُ بذلك!!
" النسيءُ " في قوله تعالى: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ) اسْم، بمعنى
التأخير، مُشْتَقٌّ من " نَسَأَ " بمعنى: أَخَّرَ.
ونَسْءُ الشيءِ تَأخيرُه.
وهو في الآيةِ تأخيرٌ خاص، إِنَّه " نَسيء" في حرمةِ الأَشهرِ الحُرُم، كانَ يمارسُه الكفارُ في الجاهلية.
لقد جَعَلَ اللهُ أَربعةَ أَشْهُبر حُرُماً، من شهورِ السنةِ الاثْنَي عَشَر: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ... ) .

وهي أَربعةُ أَشهر، لأَنَّ اللهَ حَرَّمَ فيها القتال، وجعلَها أَشْهُرَ أَمْنٍ وأَمان،
وَسْطَ باقي الشهور، القائمةِ على القتل والسَّلْبِ والنهبِ والعُدوان.
والأَشهرُ الحُرُمُ هي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب.
ويُلاحَظُ أَنَّ الأَشهرَ الثلاثةَ مُتَتابعة، أَمّا الشهرُ الرابعُ رجب فهو مُتَأَخّرٌ عنها.
وكان الكفارُ في الجاهليةِ يَتَعاملونَ مع الأَشهرِ الحُرُمِ بالهوى والمزاجية،
ويَتَلاعَبونَ فيها، فإِنْ دَخَلَ عليهم شَهْرٌ من الأَشهرِ الحُرُم، وَوَجَدوا لهم مصلحةً في انتهاكِ حرمتِهِ وقتال الآخَرين فيه، " نَسَؤُوه ": أَيْ: نَقَلوا حرمَتَهُ إِلى شهرٍ آخَرَ بعْدَه، واسْتَباحوا القتال فِيهِ.
شَهْرُ " مُحَرَّم " مَثَلاً من الأَشهرِ الحُرُم، فإِنْ دَخَلَ عليهم شهرُ مُحَرَّم حَرُمَ
عليهم قِتال الآخرين فيه، فإِن وَجَدوا لهم مصلحةً في القتال فيه قالوا: نَنْقُلُ
حرمَتَهُ إِلى شهرِ " صفر " بعدَه، ونُقاتلُ أَعداءَنا فيه، فهو " نَسيءٌ "، بهذا
الاعتبار!!.
الذين وهذا تلاعُبٌ منهم بأَحكامِ الله، يقودُ إِلى زيادةٍ في كُفرِهم وجرائِمهم
وضلالِهم، فهو ليس مجردَ كُفْر، وإِنما هو زيادةٌ في الكفر! وعلى هذا قولُه
تعالى: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37) .
وقد فَسَّرت الآيةُ معنى النَّسيء، وذلك في جملةِ (يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا) أَيْ أَنهم كانوا يُحِلُّونَ القتال في أَحَدِ الأَشهرِ الحُرُمِ عاماً، ويُحَرِّمونَ
القتال في نفسِ ذلك الشهرِ الحرامِ عاماً اَخر!.
ومعنى قوله: (لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) : أَنهم كانوا يقولون: نحنُ
نلتزمُ بعدَدِ الأَشهرِ التي حَرَّمَها الله، فالمهمُّ أَنْ نُحَرّمَ في السنةِ أَربعةَ أَشهر،
ولا يُهِمُّ عندنا أَسماؤُها أَيَّ أَشهرٍ تَكون.
كانوا يُريدونَ أَنْ " يُواطِئوا " ويُوافِقوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، أَربعةُ أَشهرٍ بأربعةِ أَشهر، ومع هذه المواطأةِ والموافقةِ كانوا

يُحِلّونَ ما حَرَّمَ الله، فكانوا يُحِلّونَ القتالَ في شهر ذي القعدة أَحياناً، ويُحِلّونَه في شهر ذي الحجةِ أَحياناً أُخرى.
وبهذا نَعرفُ معنى " النسيءِ " الذي كان يفعلُه المشركونَ في الجاهلية،
وأَنه قائم على معنى التأْخيرِ والنقلِ والتلاعبِ والتغييرِ والتبديل! وليس بمعنى
تركِ التاريخِ بالحسابِ القمري، والتاريخِ بالحسابِ الشمسي، وأَنَّ استعمالَ
الحسابِ الشمسيِّ في التقويمِ والتاريخِ حرامٌ وكفر! كما فهم ذلك الجاهلُ
المتعالم! وصَدَقَ فيه قولُ الشاعر:
وكَمْ مِنْ عائِبٍ قَوْلاً صحيحاً ... وآفَتُهُ هي الفهمُ السقيم

Powered by Vivvo CMS v4.7