طرد الرسول - صلى الله عليه واله وسلم - الفقراء والعبيد

بواسطة |   |   عدد القراءات : 2162
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

طرد الرسول - صلى الله عليه واله وسلم - الفقراء والعبيد
اتَّهَمَ الفادي المجرمُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه واله وسلم - بأَنه طَرَدَ الفقراءَ من أَتْباعِهِ من أَجْلِ كسبِ رضا الأَغنياءِ من الكفار!.
ذَكرَ تحتَ عنوان: " يَطْرُدُ الفقراء " قولَ الله - عز وجل -: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) .

وعَلَّقَ على الآيةِ قائلاً: " جاءَ الأَقرعُ بنُ حابس التميمي وعيينةُ بنُ
حصن الفَزارِي، فوجَدوا محمداً قاعداً مع صُهيبٍ وبِلال وعمارٍ وخَبّاب،
في نَفَرٍ من ضعفاءِ المسلمين، فلما رأوهم حولَه حَقَّروهم، فقالوا لمحمد:
لو جلستَ في صَدْرِ المجلس، ونَفيتَ عَنّا هؤلاء وأَرواحَ جِبابِهم - وكانتْ
عليهم جِبابُ صوف، لها رائحةٌ كريهة - وأَخَذْنا عنك، ونحبُّ أَنْ تجعلَ لنا
منك مجلساً، تعرفُ به العربُ فَضْلَنا، فإِنَّ وُفودَ العرب تأتيكَ، فنستحيي
أَنْ تَرانا مع هؤلاءِ العبيد، فإِذا نَحْنُ جئْناكَ فأَقمهم عَنَّا، وإِذا نحنُ فَرَغْنا
فأَقْعِدْهم حيثُ شئتَ.
فقالَ لهم: نَعَم أَفعل.
قالوا: فاكتبْ لنا عليكَ بذلكَ كتاباً.
فأَتى بالصحيفة، ودَعا عَلِيّاً ليكتبَ..
ولما راجَعَ نفسه، ورأى أَنها أُحبولة، قالَ: إِنَّ جبريلَ نهاه.
وقالَ ابنُ عباس: إنّ ناساً من الفقراءِ كانوا مع النبيِّ، فقال ناسٌ من
أَشرافِ الناس: نؤمنُ بك، وإِذا صَلّيْنا فأَخِّرْ هؤلاء الناسَ الذين معك،
فلْيُصَلّوا خَلْفَنا، فكادَ أَنْ يُجيبَ الطلب، ولما رأَى ما فيه من الظلمِ قال:
إِنَّ اللهَ نَهاهُ عن ذلك ".
الروايةُ التي نقلَها الفادي عن بعضِ الكتبِ الإِسلاميةِ غيرُ صحيحة؛ لأَنَّ
الآية (52) هي من سورة الأَنعام، وسورةُ الأَنعام مكية، وكان نزولُها قبلَ
الهجرةِ بحوالي خمس سنوات، وكان إِسلامُ الأقرعِ بنِ حابس وعيينةَ بن حصن
في عامِ الوفود، في السنةِ التاسعةِ للهجرة.
أَيْ أَنَّ نُزولَ الآيةِ كان قبلَ وُقوعِ الحادثة بحوالي أَربعَ عشرة سنة، فكيف تَنزلُ الآيةُ قبلَ وقوعِ السببِ بهذه السنواتِ الطويلة؟!.

إِنَّ الفادي جاهلٌ غَبيٌّ، لا يَعرِفُ معنى سببِ النزول، ولذلك وَقَعَ في
هذا الخطأ!
إِنَّ التعريفَ المعتمدَ لسببِ النزولِ هو: ما نَزَلَتِ الآيةُ تُبَيِّنُ حُكْمَه
عندَ نزولِها.
أَما آيةُ سورةِ الأَنعام المذكورةُ فإِنها نزلَتْ لتثبيتِ رسولِ الله - صلى الله عليه واله وسلم - على الحقّ، وللرّدّ على طلبِ المشركينَ الغريب.
وخَيْرُ مَنْ يُخبرُ عن سببِ نزولِها أَحَدُ الذين أُنزلَتْ فيهم، وهو سَعْدُ بنُ أَبي وقاص - رضي الله عنه -.
روى مسلمٌ عن سعدِ بن أَبي وقاص - رضي الله عنه -، قال: كُنّا معَ النبيِّ - صلى الله عليه واله وسلم - ستة نفر.
فقالَ المشركون للنبيِّ - صلى الله عليه واله وسلم -: اطردْ هؤلاء، لا يَجْتَرِئونَ علينا! قَال: وكنتُ أنا وابنُ مسعود، ورجلٌ من هُذَيْل، وبلالٌ، ورَجُلانِ لستُ أُسَمّيهما، فوقَعَ في نفسِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه واله وسلم - ما شاءَ اللهُ أَنْ يَقَع، فأنزلَ اللهُ قولَه تعالى: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) .
تدلُّ الروايةُ على أَنَّ المشركينَ أَرادوا إبعادَ الفقراءِ والعبيدِ عن مجلسِ
رسولِ اللهِ - صلى الله عليه واله وسلم -، وطلبوا ذلك منه، لكنَّ الرسولَ - صلى الله عليه واله وسلم - لم يَستجبْ لهم، ولم يَطردْ هؤلاءِ الفقراء، كما ادَّعى الفادي الكاذبُ المفترِي..
وإِنزالُ الآية المذكورةِ عليه، وأَمْرُهُ أَنْ يَبقى مع هؤلاء الفقراء، لا يدلُّ على أَنه طَرَدَهم، أَو اتفقَ مع المشركين على طردهم، أَو فَكَّرَ في طَرْدِهم، والآيةُ توجيهٌ وتذكيرٌ للرسول - صلى الله عليه واله وسلم -.
وتلتقي عدةُ آياتٍ على تَقريرِ وتأكيدِ وترسيخِ هذه الحقيقة، منها قوله تعالى:
(وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ..) .
وقوله تعالى (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ..) .
وقوله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) .

استعاذة الرسول - صلى الله عليه واله وسلم - من الشيطان
جَعَلَ الفادي المجرمُ علاقةً للشيطان بالقرآن، وسَجَّلَ تحتَ عنوان:
" علاقةُ الشيطانِ بالوحي " قول الله عبن: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202) .
ونَقَلَ خلاصةَ تفسير البيضاويِّ للآيات، الذي بَيَّنَ فيه مَعْنى النَّزغ.
ومِن جَهْلِ المجرمِ وغَبائِه أَنه لا يُحسنُ النقلَ عن البيضاويّ، فالنَّزْغُ في تفسيرِ
البيضاوي هو الغَرْزُ، بِالغَيْن، لكنَّ هذه الغينَ عند الجاهلِ صارَتْ فاءً، وصارَ الغَرْزُ فَرْزاً، وبذلك تَغَيَّرَ المعنى.
والنَّزْغُ هو الوسوسة، وكأَنَّ وسوسةَ الشيطانِ التي يُغْري الناسَ بها على
المعاصي غَرْزٌ وسَوْقٌ، كالرجلِ يَسوقُ دابّتَه ويَغْرِزُ عصاهُ فيها لتَسير.
ومِن جهْلِ الفادي المجرمِ وغبائِه ولؤمِه أَنه وَظَّفَ الآيةَ لإِدانةِ
رسولِ الله - صلى الله عليه واله وسلم -، وأَنَّ الشيطانَ يَنزغُه ويَنخسُه، ويَغرزُ فيه مغارِزَه، ويَسوقُهُ أَمامَه، وهو مستسلمٌ لنزغ وغَرزِ وسَوْقِ الشيطان!!.
قال فَضَّ اللهُ فاه: " ونحنُ نسأل: إِذا كانَ إِبليسُ يَسوقُ محمداً وينخَسُه،
فكيفَ يكونُ نبياً؟!
ما أَعظمَ الفرقَ بينَه وبين المسيح، الذي لما جاءَه إبليسُ - على قولهم - ينخسُه، فَنَخَسَ في الحجاب، والذي قالَ عن نفسه: رئيسُ هذا
العالِم يأتي، وليسَ له فيَّ شيءٌ ".

إِنَّ النزغَ هو الدخولُ للإفساد.
يقال: نَزَغَ بينهم.
أَي: دَخَلَ بينَهم ليُفْسِدَ صِلاتهم وعلاقاتِهم.
والشيطانُ حريصٌ على أَنْ يَنزغَ ويُفسدَ العلاقاتِ بين الناس، قال تعالى:
(وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) .
وقد صوَّرَ الفادي الملعونُ الشيطانَ مسيطراً على رسولِ الله - صلى الله عليه واله وسلم -، ينزغُهُ ويَدفعُه أَمامَه، وهو مستسلمٌ له، وهذا معناهُ أَنَّه ليسَ نبيَّاً! وأَنَّ ما عندَه من القرآنِ ليسَ من عندِ الله، وإنما من وحْي الشيطان ونزغاتِه ووساوسِه!!.
ومن المعلومِ بَدَاهَةً أَنه لا سُلطانَ للشيطانِ على رسولِ اللهِ - صلى الله عليه واله وسلم -، ولا غيرِه من الأنبياء، فاللهُ عَصَمَهم وحَفِظَهم، وحَماهُم من الشيطانِ ونزغاتِه ووساوسِه.
الخطابُ في قولِه تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ)
للرسولِ - صلى الله عليه واله وسلم - في ظاهره، ولكنَّه ليس المقصودَ منه، لأَنَّ اللهَ حماهُ منه، وإنما المقصودُ كلُّ مسلمٍ من بعدهِ، يُعَلِّمُه الله كيفيةَ التخلصِ من وساوسِ الشيطانِ ونزغاتِه، وذلك بأَنْ يستعيذَ باللهِ ويلجأَ إِليهِ.
وكثيراً ما كانَ اللهُ في القرآنِ يُخاطبُ المسلمين من خلالِ خطاب الرسولِ - صلى الله عليه واله وسلم -، فكان يقول: (يا ايُّهَا النَّبيُّ)
والمقصودُ بذلك أُمَّتُه، يوجِّهُهم أَو يأمُرُهم أَو يَنهاهم.
ومن خصوصياتِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه واله وسلم - التي خَصَّهُ اللهُ بها، أَنَّ اللهَ جعلَ شيطانَه يُسلم.
فقد روى البخاريُّ عن عائشةَ - رضي الله عنها -: أَنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه واله وسلم - قال: " كُلُّ إِنسانٍ وَكَّلَ اللهُ به شيطاناً.
قالت: حَتى أَنتَ يا رسولَ الله؟
قال: حتى أنا، ولكنَّ اللهَ أَعانَني عليه فأَسلمَ فلا يأمُرُني إِلّا بخير "!.
شيطانُ الرسول - صلى الله عليه واله وسلم - أسلم، وبذلك صارَ لا يأمره إِلّا بخَيْر، وذهبَتْ نَزغاتهُ ووساوسُه الشريرة.
وهذا كخصوصية عِيسى ابنِ مريم - عليه السلام - حيثُ حَماهُ الله من الشيطانِ عند ولادتِه، قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه واله وسلم -: "كُلُّ مولودٍ يولَدُ ينخَسُه الشيطانُ حينَ ولادتِه،

لذلك يستهلُّ صارِخاً، إِلّا عيسى ابن مريم، فإِنه حينَ ذَهَبَ ينخَسُه نَخَسَ في
الحِجاب ".
أي: لَمَّا نَخَسَه لم يُصِبْ بَدَنَه، وإِنما وَقَعت النخسَةُ في ملابِسه..
وقد استجابَ اللهُ دُعاءَ أُمِّ مريم - عليها السلام -، عندما عَوَّذَتْها بالله.
قال تعالى: (وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) .
ولا علاقةَ للشيطانِ بالقرآن، وقد كانَ القرآنُ صريحاً في نفي هذه العلاقةِ
في آياتٍ كثيرة، منها قولُه تعالى: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) .
وقوله تعالى: (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) .

Powered by Vivvo CMS v4.7