هل الرسول - صلى الله عليه واله وسلم - بدون معجزات؟
هل الرسول - صلى الله عليه وسلم - بدون معجزات؟
زَعَمَ الفادي المفترِي أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان بدونِ معجزات، أَيْ أَنّه لم يُقَدِّمْ للناسِ أَيَّةَ آيةٍ أَو معجزة دالَّةٍ على نبوَّتِه.
وهذا كذبٌ وافتراءٌ منه.
وزَعَمَ أَنه لما طلبَ خصومُه منه معجزةً، اعترفَ بعجْزِه التامِّ عن ذلك.
قال: " حاوَلَ اليهودُ والعربُ مراراً أَنْ يَحْملوا محمداً على الإتيانِ بمعجزةٍ،
لتأييدِ دَعْواه بالنبوة.
فاعترفَ بعجْزِه التَّامِّ، وانتحلَ لذلك أَعذاراً ".
وهذا كَذِبٌ مَفْضوحٌ من الفادي المفترِي، فلم يكن الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - بدونِ آياتٍ أَوْ معجزات.
وقد آتاهُ اللهُ الكثيرَ من المعجزاتِ المادية، وفي مقدمةِ آياتِه
ومعجزاتِه كان القرآن الكريم.
وعلى هذا قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "ما من الأَنبياءِ من نبيٍّ إِلّا
أُوتيَ من الآياتِ ما مِثْلُه آمَنَ عليه البَشَر، وإنما كان الذي أوتيتُه وَحْياً أَوحاهُ اللهُ إِليَّ، وإِني لأَرجو أَنْ أَكونَ أَكثَرهم تابعاً يوم القيامة ".
ولما كانَ الكافرونَ يَطلبونَ منه معجزاتٍ ماديَّة، ويَزْعُمُونَ أَنه هو الذي
يَختارُ الآيات والمعجزاتِ من نفسهِ، كان يُخبرُهم أَنه لا اختيارَ له للمعجزات؛ لأَنَّها عندَ الله، هو الذي يُنزلُ منها ما يشاء، وقَرَّرَتْ هذه الحقيقةَ آياتٌ كثيرةٌ.
منها قولُه تعالى: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ) .
وقولُه تعالى: (وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) .
وليس هذا الموقفُ خاصّاً برسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فكلُّ إِخوانِه الأَنبياء هكذا، ومنهم موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام.
فلما كانَ أَقوامُهم يَطلبونَ منهم الآيات، كانوا يُخبرونَهم أَنَّ الله هو الذي يَأتيهم بها.
قال تعالى: (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10) قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) .
أَمَرَ اللهُ رسولَه محمداً - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يقولَ للكفارِ الذين طَلَبوا منه معجزاتٍ:
(قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ) .
وأَمَرَ اللهُ الرسلَ أَنْ يقولوا لأَقوامِهم: (وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) .
وبذلك يتكامَلُ القولان، ويكونُ محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - كإخوانهِ الأَنبياء السابقين.
وعرضَ الفادي المجرمُ بعضَ آياتِ القرآن التي تُقررُ أَنَّ الآياتِ عندَ الله،
وأَنَّ الله يُنزلُ منها ما يَشاء وفْقَ حكمتِه، ولا اختيارَ لرسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لها.
وعَلَّقَ المجرمُ عليها تَعليقاً فاجراً، هاجمَ فيه رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -.
وفيما يلي بعضُ تعليقاتِه على بعضِ الآياتِ التي أَوردَها:
1 - قال تعالى: (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) .
نَقَلَ عن تفسيرِ البيضاويِّ قولَه: " (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ) أيْ: ما
صَرَفَنا عن إِرسالِ المعجزاتِ التي اقترحَتْها قريش: (إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) : إلّا تكذيبُ الأَوَّلين، الذين هم أَمثالُهم في الطبع كعادٍ وثمود، وإنها
لو أُرسلَتْ لكَذَّبوا بها كتكذيبِ أَولئك ".
ثم عَلَّقَ على ذلك بوقاحةٍ وبَذاءَةٍ فقال: " ونحنُ نَسأل: إِنْ كانت الآياتُ
بلا فائدةٍ مُطلَقاً، عندَ الذين عُمِلَتْ معهم قديماً وحديثاً، فلماذا عَمِلَها الله؟
وما الذي يَمنعُ اللهَ عن عَمَلِها على يَدِ محمدٍ، كما عملَها على يَدِ جميعِ الأَنبياءِ الصادقين، كموسى وإيليا واليسع والمسيح؟
هذا عُذْرٌ أَبداهُ محمدٌ للتملُّص فقط، وإِذا كانت الآيات ُ ممتنعةً لتكذيبِ الناسِ إِياها، فلماذا لا يكونُ التبليغُ ممتنِعاً لتكذيبِ الناسِ إِياهُ أَيْضاً؟ ".
لم يَقُلْ أَحَدٌ: إِنَّ الآياتِ بلا فائدة، وإِنَّ اللهَ يَعلمُ أهميةَ الآيات ِ للأَنبياء،
ولذلك كان يُعطي كُلَّ نبيٍّ آياتٍ لِقوْمِهِ، دالَّةٍ على صِدْقِ نبوَّتِه، وهذا ما صَرَّحَ به رسولُ - صلى الله عليه وسلم - بقوله: " ما من الأنبياء من نبي إلا أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ... ".
وآيةُ سورةِ الإِسراءِ لا تُلغي الآيات، ولا تَنفي فائدتَها مطلقاً، كما فهمَ
الفادي الجاهلُ منها ذلك لجهْلِه وغَبائِه، إِنما تَنفي استجابَةَ اللهِ لطلب
المشركين إِنزالَ الآيات، فلم يَستجب اللهُ لهم، ولم يُنزل الآياتِ التي طَلَبوها؛ لأَنه يَعلمُ أَنه لو أَنزلَها كما طلبوا فإِنهم لن يُؤْمِنوا بها، وبعدَ ذلك سيعَذَبُهم
ويُهْلكُهم، ولذلك لم يَستجب اللهُ لهم رحمةً بهم، لئلا يُعَذِّبَهم ..
وليس معنى هذا أَنَّ اللهَ لم يُنزل الآياتِ على - النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا على غيرِه من الأَنبياء السابقين.
وهذا ما ذَكَرَهُ البيضاويُّ صَريحاً في تفسيرِ الآية: " وما صَرَفَنا عن إِرسالِ
المعجزاتِ التي اقترحَتْها قريش ...
" فهذا موضوعُ الآية، وهي لا تنفي إِنزالَ المعجزات مطلقاً.
وعلى هذا قولُه تعالى: (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111) .
2 - قال تعالى: (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) .
ولما نَقَلَ الفادي المفترِي المجرمُ من تفسير البيضاوي، أَخَذَ بعضَه الذي
يتفقُ مع هَواه، وتركَ بعضَه الضروريَّ لفهمِ الآية.
قال في النقلِ عن البيضاوي: (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ) : مثلُ ناقةِ صالح، وعصا موسى، ومائدةِ عيسى.
(قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ) : يُنزلُها كما يَشاء، لستُ
أَملكُها، فآتيكم بما تَقْتَرحونه..
(وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) : ليس من شأني إِلّا الإنذار ".
وحَذَفَ الفادي المجرمُ من تفسيرِ البيضاويّ الجملةَ الأخيرة، فكلامُ
البيضاويّ هكذا: " ليس من شأني إِلّا الإِنذار، وإِبانَتُهُ بما أُعطيتُ من الآيات"
فَحَذَفَ الجملةَ الأَخيرةَ قاصداً، لأَنها صريحةٌ في أَنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - أُوتيَ ما أُوتيَ من الآيات، وهي لا تَخدمُ الفادي المجرم في اتِّهامِه النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك حَذَفَها!
وعلى البحثِ والأَمانةِ العلمية السَّلام!!.
وسَجَّلَ الفادي المجرمُ تَساؤُلَه الخبيث: " ونحنُ نسأل: إِذا كانت الآياتُ
عندَ الله، وكان لمحمد صلةٌ بالله كالأَنبياءِ والرسل، فلماذا لم يَسمح اللهُ بتأييدِه بها؟ ".
وجوابُ تساؤلِه موجودٌ في تفسيرِ البيضاوي، الذي نجزمُ أَنَّ المجرمَ
قرأَه، ولكنَّه تجاهلَه ولم ينقُلْهُ، لأَنه يُصرحُ بأَنَّ اللهَ آتى نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - أَعظمَ آية، هي القرآنُ الكريم.
قال البيضاويّ في تفسير الآية الثانية: " (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ) .
أَوَلَم يكْفِهم آيةٌ مغنيةٌ عما اقْترحوه، أَنا أَنزلْنا عليكَ الكتاب، تَدومُ عليهم تلاوتهُ، ويَدومُ تحدِّيهم به، فلا يَزال معهم آيةً ثابتةً
لا تَضمحلّ، بخلافِ سائرِ الآيات، فهذا الكتابُ آيةٌ مستمرة، وحُجَّةٌ
مُبَيِّنة ... ".
3 - قولُه تعالى: (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ) .
اعتبرَ الفادي المفترِي الآيةَ خِطاباً من اللهِ لليهودِ في المدينة، وأَنها رَدّ
على ما طَلَبَه اليهودُ من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال المفترِي: " قالَ اليهودُ لمحمد: ائتنا بكتابٍ من السماء جُمْلَة، كما أَتى موسى بالتوراة، أَو فَجِّرْ لنا أنهاراً، نتبعْك ونُصدقْك، كما فَعَلَ موسى، فإِنه ضَرَبَ الصخرةَ فانفجرت المياه.
فقالَ لهم: أَم تريدونَ أَنْ تسألوا رسولَكم؟
وسألوه هذا السؤالَ مراراً، وعَجَزَ عن إِجابتِهم بإتيانِ معجزة.
ونحَنُ نسأل: أَليسَ لليهودِ حقّ في سؤالِهم؟
فكيفَ يَعتبرُ محمدٌ نفسَه نبياً، وهو لا يماثلُ الأَنبياءَ في شيء؟! ".
ادعى الفادي الجاهلُ أَنَّ الآيةَ خِطابٌ من اللهِ لليهودِ للإِنكارِ عليهم؛ لأَنهم سأَلوا الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - ما نَسَبَهُ الفادي إِليهم، وهذا ادِّعاءٌ باطل، يدلُّ على جَهْلِهِ.
الخطابُ في الآيةِ من الله للمسلمين وليسَ لليهود، بدلالةِ إضافةِ الرسولِ
إِليهم: (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ) .
وهو رسولُ اللهِ محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -.
والمسلمونَ لم يَسْأَلوا رسولَهم - صلى الله عليه وسلم -، بدلالةِ قوله: (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ) .
والهدفُ منه تحذيرهم من السؤال.
وإِذا كان معنى الآيةِ هكذا، يكونُ كلامُ الفادي باطِلاً مردوداً عليه،
عندما اعتبرَها دالَّةً على عدم نبوةِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم -.
وهناك آيةٌ أُخرى صَرَّحَتْ بأَنَّ اليهودَ سأَلوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إِنزالَ كتاب
عليهم من السماء، ورَدَّتْ عليهم.
قال تعالى: (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) .
يَذُمُّ اللهُ اليهودَ في طلبهم من الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُنزلَ عليهم كتاباً من السماء، ويُذَكِّرهم بماضيهم الأَسودِ، فقد سأَلوا موسى - عليه السلام - أَنْ يُريهم اللهَ بعيونِهم، فعاقَبَهم اللهُ بالصاعقةِ التي أَخَذَتْهم.
ولماذا يطلبُ اليهودُ من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُنَزِّلَ عليهم كتاباً من السماء؟
أَلا يكفيهم القرآنُ الذي أنزلَه اللهُ عليه من السماء؟
وجعَلَهُ آيته البينةَ له!
قال تعالى: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ) .
4 - قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) .
زَعَمَ المفترِي أَنَ اليهودَ لم يَطلُبوا من موسى - عليه السلام - أَنْ يَرَوا اللهَ جهرة.
قال في تعليقِه على هذه الآية: " قالَ رافعُ بنُ خزيمة لمحمد: إِنْ كنتَ رسولاً
من الله كما تقول فقُلْ لله يكلِّمنا حتى نسمعَ كلامَه، أَو اصْنَعْ آيةً حتى نؤمنَ بك..
فأَجابَه: إِنَّ اليهودَ سألوا موسى أَن يريهم اللهَ جهرة.
وهذا الجوابُ خَطَأ، لأَنَّ اليهودَ سأَلوا عَكْسَ ذلك، وقالُوا لموسى:
تكلَّمْ أَنتَ معنا فنسمع، ولا يتكلمُ اللهُ مَعَنا لئلا نَموت!.
ونحنُ نسأل: أليسَ من حَقِّ الناسِ أَنْ يَفْحَصوا كُلَّ رسالة يقولُ
صاحبُها: إِنها من عندِ الله ".
أَخبرَ اللهُ أَنَّ الذين لا يَعلمونَ طَلَبوا أَنْ يُكَلِّمَهم اللهُ مباشرة، أَو يأتيَهم
الرسولُ - عليه السلام - بآية.
والمرادُ بهم اليهودُ في المدينة، وهذا الطلبُ الذي طلَبوهُ من
الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - يُشابِهُ الطلبَ الذي طَلَبَه آباؤُهُم من موسى - عليه السلام -.
وقد أَخْبَرَنا اللهُ أَنهم طلبوا من موسى - عليه السلام - أَنْ يَروا اللهَ جهرة.
قال تعالى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) .
ولما طلبَ اليهودُ في المدينةِ من رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُنزلَ عليهم كتاباً من السماءِ ذَكَّرَهُمُ اللهُ بما طَلَبَه آباؤُهم من موسى - عليه السلام -.
قال تعالى: (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) .
ورغم هذه الآياتِ الصريحةِ التي أَخبرتْ عن قولِهم وطلبِهم إِلّا أَنَّ
الفادي المفتريَ المجرمَ خَطَّأَها وكَذَّبها، وقال في تكذيبه: " أَجابَهُ أَنَّ اليهودَ
سألوا موسى أَنْ يُريهم الله جهرة، وهذا خطأ، لأَنَّ اليهودَ سَألوا عكسَ
ذلك ... "!!.
5 - قوله تعالى: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) .
نقلَ الفادي في سببِ نزولِ الآيةِ أَنها أُنزلَتْ للرَّدّ على طلبِ قريش،
عندما طلبوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يأْتيهم بآيةٍ، مثل الآياتِ التي جاءَ بها الأَنبياءُ السابقون، كموسى وعيسى وصالح - عليهم السلام -، وزَعَمَ أَنه وافَقَهم ودعا الله.
قال: " قالَتْ قريش: يا محمد: إِنك تخبرُنا أَنَّ موسى كانت له عصا يَضربُ بها الحجر، فتنفجرُ منه اثنتا عشرةَ عيناً، وتخبرُنا أَنَّ عيسى كان يُحيي الموتى، وأَنَّ ثمودَ لهم ناقة، فأتِنا بآيةٍ حتى نُصَدِّقَك ونؤمنَ بك ...
فقال محمد: أَيّ شيءٍ تُحبون؟
قال: تجعلُ لنا الصفا ذهباً، وابعثْ لنا بعضَ موتانا نسأَلْهم
عنك: أحقٌّ ما تَقولُ أَم باطل؟
وأَرِنا الملائكة يَشهدونَ لك..
فقال محمد: إِنْ فعلْتُ بعضَ ما تقولون أَتصدقونَني؟
قالوا: نعم والله، لئن فعلْتَ لنتبعنَّك أَجمعين..
وسأَلَ المسلمون محمداً أَنْ يُنزلَها عليهم حتى يؤمنوا، فقامَ محمد
وجعلَ يدعو اللهَ أَنْ يَجعَل الصفا ذهباً، فجاءَه جبريل فقال: إِنْ شئتَ أَصبحَ
الصَّفا ذَهباً، ولكن إِنْ لم يُصَدِّقوك لنعذبنَّهم، وإِنْ شئت تركْتَهم حتى يتوبَ
تائبُهم..
فقال محمد: أَتْرُكُهُم حتى يتوبَ تائبُهم..
وهكذا تخلَّص مَحمدٌ أَنْ يأتيَ بمعجزة!.. ".
صحيحٌ أَنَّ قريشاً طَلبُوا من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يأتيَهم بآياتٍ ليؤمنوا به، كتحويلِ الصَّفا ذَهَباً، أَو إِنزالِ الملائكةِ عليهم، أو إِحياءِ آبائِهم الأَموات، وهذا ما أَشارتْ له الآية..
لكنَّه ليس صحيحاً استجابةُ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - لطلبِهم،
وأَنه دعا اللهَ أَنْ يَجعلَ لهم الصَّفا ذهباً، وأَنَّ جبريلَ حَدَّثَه بالأَمر، فتوقَّفَ عن الدُّعاء حتى لا يَهلكوا..
كما ادَّعى الفادي المفترِي، وخَرَجَ من هذه الروايةِ
المردودةِ أَنَّ محمداً - صلى الله عليه وسلم - تخَلصَ وتهرَّبَ من الإتيان بمعجزة.
لم يطلب الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - من ربِّه أَنْ ينفِّذَ لهم ما طَلَبوا منه؛ لأَنه يَعلمُ أَنَّ الآياتِ والمعجزاتِ بيد الله، وهذا ما صرَّحَتْ به آياتُ القرآن.
كقولِه تعالى: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111) .
6 - قولُه تعالى: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) .
تُسجّلُ هذه الآياتُ بعضَ الطلباتِ التي طَلَبَها كفارُ قريشٍ من
رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: طَلَبوا منه أَنْ يُفَجِّرَ لهم الينابيعَ من الأَرض، أَو تكونَ له جنةٌ
من نخيلٍ وعنبٍ تتفجرُ الأَنهارُ خلالَها، أَو يُسقطَ السماءَ عليهم، أَو يصعدَ هو في السماء، وَيَنْزِلَ عليهم منها بكتابٍ خاص، موجَّهٍ من الله لهم،..
ورَدَّ على هذه الطلباتِ التعجيزيةِ بقولِه لهم: سبحانَ رَبّي، هل كنتُ إلّا بشراً رسولاً.
أَيْ ما أَنا إِلا بَشَرٌ رسول، لا دَخْلَ لي في المعجزات، فأَنا لا أَختارُها
ولا أَفْعَلُها؛ لأَنَّها عند الله، يُنزلُ عليَّ ما شاءَ منها، وأَنا أُقدمُ لكم ما آتاني
منها.
وقد فهمَ الفادي الجاهلُ الآياتِ فهماً خاطئاً، وجعلَها دالَّةً على عَدَمِ
نبوَّتِه.
قال المجرم: " ونحن نسأل: أَلم يكنْ موسى وإِيليا وأَليشع ودانيال من
البشر الرُّسُل؟
ومع ذلك كانوا أَصحابَ معجزات، فإِنْ كانَ محمدٌ صاحبَ
رسالةٍ سماويةٍ فلماذا لا تساندُ السماءُ رسالتَه؟! ".
إِنَّ الجاهلَ يَظُنُّ أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بدونِ معجزات، ولو كانَ اللهُ أَرسلَه لسانَدَه وأَيَّدَه بها، وهذا ظَنٌّ باطلٌ وَقَعَ فيه المفترِي الجاهل!
لقد آتى اللهُ رسولَه - صلى الله عليه وسلم - أَعظمَ آيةٍ عقليةٍ بيانية، مستمرةٍ حتى قيامِ الساعة، وهي القرآنُ العظيم..
كما آتاهُ كثيراً من الآياتِ الماديةِ المحسوسة، مثلُ: شَقِّ صَدْرِه، والإِسراءِ والمعراج، وانشقاقِ القمر ...
والجاهلُ مصممٌ على جَهْلِه وافترائه، وسوءِ فهمِه للحقائق، ولذلك ذَكَرَ
سبْعَ آياتٍ متفرقة، واعتبرَها دَليلاً من القرآنِ على أَنَّ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - لم يُؤْتِه اللهُ أَيةَ معجزة!.
الآياتُ التي أَساءَ فَهْمَها والاستدلالَ بها هي:
1 - قولُه تعالى: (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) .
لا تَدُلُّ الآيةُ على أَنَّ الله لم يُؤْتِ رسولَه أَيَّةَ معجزة، إِنما تدلُّ على أَنه
مهما قَدَّمَ من الآياتِ والمعجزاتِ لأَهْلِ الكتاب فلن يُصَدِّقوهُ، ولن يَتَّبِعوا
قبلَتَه، لأَنهم يَتَّبعون أَهواءَهم.
2 - قوله تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) .
لا تَدُلُّ الآيةُ على أَنَّ اللهَ لم يُنَزِّلْ على رسولِه أَيةَ معجزة، إِنما تَرُدُّ على
الكفار، الذين عَلَّقوا إِيمانَهم بالحقِّ على إِنزالِ الآيةِ التي طَلَبوها، وتُخبرُهم أَنَّ الإِيمانَ ليس مُعَلَّقاً على إِنزالِ الآيات، لأَنَّ اللهَ يُضِلّ مَنْ يَشاء، ويَهدي إِليه مَنْ أَناب.
3 - قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا) .
لا تدلُّ الآيةُ على أَنَّ القرآنَ ليس آيةً للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وإِنما تَدُلّ على أَنَّ اللهَ لو خاطَبَ بالقراَنِ الأَرضَ أَو الجبالَ أَو الموتى لأَثَّر فيهم، ولو أَرادَ ذلك لفَعَل، لأَنه لا يمنَعُه من ذلك أَحَد.
ولكنَّه لم يَشأْ، وإِنما خاطبَ بالقرآنِ الإنسانَ.
4 - قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124) .
لا تَدُلُّ الآية ُ على أَنَّ الله لم يُؤْتِ رَسولَه مُعجزة، وإِنما تُصرحُ بأَنَّ اللهَ
كان يُؤْتِيه كثيراً من الآيات، ولكنَّ الكفَّارَ مُعانِدون، يَرفضونَ قَبولَ الحَقِّ، ْ
فعندما كانتْ تَأتيهم الآية ُ من عند الله، كانوا يُصِرُّون على كفرِهم ويقولون: لن نؤمن حتى نُؤْتى مثْلَ ما أُوتيَ رسلُ الله!!
5 - قولى تعالى: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37) .
لا تدلّ الآيةُ على أَنَّ اللهَ لم يُؤْتِ رسولَه معجزة، إِنما تَرُدُّ على طلبِ
الكفارِ آياتٍ مخصوصة، وتُخبرهم أَنَّ إِنزالَ الآياتِ ليس خاضِعاً لطَلَباتهِم
وأَهوائِهم، وإنما يُنزلُ اللهُ منها ما يَشاءُ وفقَ حكمتِه سبحانه.
6 - قوله تعالى: (وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) .
لا تدلُّ الآيةُ على أَنَّ الله لم يؤْتِ رسولَه معجزة، إِنما تُقَدِّمُ رَدّاً آخَرَ على
ما طَلَبَة منه المشركون، حيثُ كانوا يَطلبونَ منه أَنْ يَجْتبيَ ويَصطفيَ ويختارَ
الآياتِ التي يَطلبونها، أَيْ أَنه هو الذي يَأتي بها، فَرَدَّ عليهم بأَنه لا دَخلَ له
في اختيارِ المعجزات، لأَنه يَتَّبعُ وَحْيَ الله، ويتلَقّى الآياتِ التي يُؤْتيهِ اللهُ
إِياها، ويُقَدِّمُها لهم، وكلُّ ما آتاهُ الله من الآياتِ قَدَّمَه لهم ...
7 - قوله تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7) .
لا تدلُّ الآيةُ على أَنَّ اللهَ لم يُؤْتِ رسولَه معجزة، إِنما تَرُدُّ على طَلَبِ الكفارِ
إِنزالَ الآياتِ التي يَطلبونَها منه، وتُخبرهم أَنَّ إِنزالَ الآياتِ خاضغ لحكمةِ الله، وليس لطلباتِهم، ولا لاختيارِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، والرسولُ - صلى الله عليه وسلم - مُنذرٌ يبلِّغُهم وَحيَ الله.
وهكذا رأينا أَنه لم تَنْفِ آية واحدة من الآياتِ السبع وُجودَ معجزةٍ مع
رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، إِنَّ كُلَّ آيةٍ رَدَّتْ على طلبٍ للمشركين، أَو قَدَّمتْ حقيقةً متعلقةً بالآياتِ والمعجزات.
ولْننظر الاَنَ كيفَ فهمَ الفادي المجرمُ هذه الآياتِ السبع، وكيفَ
استنْطَقَها، وما هي النتيجةُ التي خَرَجَ بها منها في نفي نبوةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -؟
قال فَضّ اللهُ فاه: " ففي جميعِ هذه الآيات ِ يعترفُ القرآنُ أَنَّ محمداً لم يَأتِ
بمعجزةٍ واحدة.
وأَما الأَسبابُ التي انتحلَها واعتذَرَ بها فمردودة..
فالمعجزاتُ التي عملَها الأَنبياءُ أمامَ الشعوب الأَوَّلين، آمَنَ بها البعض، بينما
رفَضَها البعضُ الآخَرُ.
وعليه فالقولُ: (إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) .
عُذْرٌ مرفوض.
ولو كانَ القرآنُ معجزةً لكان قال: هاكمُ القرآنُ معجزة!! وما كانَ
ليقول: (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ)
لم يَأتِ محمدٌ بآيةٍ مُطْلقاً تُثْبتُ أَنه رسولٌ مُشرِّع، ولا حَتَّى القرآن ... ".
إِنَّ هذا القولَ الفاجرَ مردودٌ على الفادي المفترِي، ولقد آتى اللهُ نبيَّه
محمداً - صلى الله عليه وسلم - كثيراً من المعجزاتِ المادية، التي أَشَرْنا لها فيما مضى.
وهذا يُكَذّبُ قولَ المجرم: " لم يأتِ محمدٌ بآيةٍ مطلقاً تُثبتُ أَنه رسولٌ مُشَرّع "!.
أَما قولُه الفاجر: " لو كان القرآنُ معجزةً لكان قال: هاكم القرآنُ
معجزة ".
فإِنه يدلّ على جَهْلِه وغَبَائِه! إِنَّ هذا هو الذي حَصَل، فلما طَلَبَ
الكفارُ معجزةً من رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قال لهم: هاكم القرآنُ معجزة! وهذا ما وردَ في صريحِ قولِه تعالى: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) .