هل الشمس ثابتة؟

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1651
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

هل الشمس ثابتة؟
وقفَ الفادي وقفةً غبيةً أمامَ حديثِ القرآنِ عن جريانِ الشمس، الذي
وَرَدَ صريحاً في قوله تعالى: (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) .
نَقَلَ من تفسيرِ البيضاوي خمسةَ أَقوالٍ في معنى اللّامِ في جملةِ:
(وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا) ، وفي بيانِ معنى هذه الجملةِ القرآنية:
1 - الشمسُ تَجْرِي لحدٍّ معينٍ يَنْتهي إِليه دَوْرُها.
2 - أَو: الشمسُ تَجري لكبدِ السماء، فإِنَّ حركَتَها هناكَ أَبطأُ، بحيثُ يُظَنُّ
أَنَّ لها وقْفَة.
3 - أَو: الشمسُ تجري لاستقرارٍ لها على نَهْجٍ مخصوص.
4 - أَو: الشمسُ تَجري لمنتهى مقدَّرٍ لكلِّ يومٍ من المشارقِ والمغارب.
5 - أَو: الشمسُ تجري لمنقطعِ جَرْيِها عند خرابِ العالَم!.
والأَقوالُ الخمسةُ متقاربةٌ في المعنى.
و" مُسْتَقَرٌّ ": اسْمُ مكان، وهو مكانُ استقرارِ الشمس.
والشمسُ لا تستقرُّ إِلّا عندما تتوقَّفُ عن الجريانِ والسَّيْر، وهذا يكونُ عند قيامِ الساعة!.
والراجحُ أَنَّ اللامَ في: (لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا) بمعنى " إِلى "، وحرفُ " إِلى "
يدلُّ على الغايةِ والنهاية، فمعنى الآية: آيةٌ للناسِ في الشمس وجريانِها، فهي

تجري بسرعةٍ محدَّدَة، منذُ أَنْ خَلَقها الله، وستَبْقى تَجْري بنفسِ السرعةِ التي
حَدَّدَها لها الله، إِلى أَنْ تَبلغَ مُسْتَقَرَّها، وتَصلَ إِلى مكانِ استقرارِها، وهو ما
سيكونُ عند قيامِ الساعة!.
وهذا ما قصدَه الإمامُ البيضاويُّ بقولهِ: " (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا) : " لحَد مُعَيَّنٍ يَنتهي إِليه دورُها، شُبِّهَ بمستقَرِّ المسافرِ إِذا قَطَعَ مَسيرَه..
وقولِه: " أَو لمنقطعِ جَرْيها عندَ خَرابِ العالم ".
إِنَّ الآيةَ تصرحُ بأَنَّ الشَّمْسَ تَجْري وتَتَحركُ وتَسير، وتَسيَحُ في الفضاء،
وهي في حالةِ جَرَيانٍ دائم، بدونِ تَوَقُّف، إِلى أَنْ تَصِلَ مُسْتَقَرَّها، وتبلغَ
نهايتَها، وهذا عندَ قيامِ الساعة.
وهذا كلامٌ لا يُوافقُ عليه القِسّيسُ الفادي، ويَعتبرُه خَطَأً في القرآن، لأَنَّه
يرى أَنَّ الشمسَ ثابتة لا تَجْري ولا تَتحرك.
ولذلك اعترضَ عليه قائلاً: " ونحنُ نَسْأَل: الشمسُ ثابتة، تَدورُ حولَ
نفسِها، ولا تَنتقلُ من مكانها، والأَرضُ هي التي تَدورُ حولَها، فكيفَ يَقولُ
القرآنُ: إِنَّ الشمسَ تَجْري، وإِنَّ لها مُسْتَقَرَّاً تَسيرُ إِليه؟ ! ".
وما يقولُه الفادي يُخالفُ مقرراتِ الفَلَكِ المعاصِرِ، فقد كانَ علماءُ
الفَلَكِ السابقونَ يَظُنّونَ أَنَّ الشمسَ ثابتة في مكانِها، لا تَجري ولا تَتحرك..
ولكنْ ثَبَتَ في الفَلَكِ حَديثاً أَنَّ الأَرضَ تَجري، وأَنَّ الشمسَ تَجري، وأَنَّ
الكواكبَ تَجري، وأَنَّه لا أَحَدَ ثابتٌ واقفٌ في مكانِه، وكلّ في فَلَكٍ يَسْبَحون، وسَيَبْقى جَرَيانُ هذه الكواكبِ إِلى أَنْ تَبْلُغَ مستقرَّها، فتتوقَّفَ عن الجَرَيان، وهذا عندَ قيامِ الساعة!.
إِنَّ الفادي هو الذي أَخْطَأَ خَطَأً جُغْرافياً فَلَكيّاً عندما زعمَ أَنَّ الشمسَ
ثابتة، لا تنتقلُ من مكانِها، وأَنَّ القرآنَ أَخْطَأَ عندما أَخبرَ أَنها تَجري لمستقَرٍّ
لها ...
فما قالَه القرآن فهو الصواب، المتفقُ مع آخرِ مُقَرَّراتِ علْمِ الفَلَكِ

الحديث، وما قالَه الفادي فهو الخطأُ، المتعارضُ مع تلك المقَرَّرات!!.
واتفاقُ القرآنِ مع اَخرِ مُقَرَّراتِ عِلْمِ الفَلَكِ الحديث يدل على أَنَّ القرآنَ
من عندِ الله.
ووقعَ الفادي في مُغالطةٍ مفضوحة، عندما نَقَلَ عن تفسيرِ البيضاوي قولاً
بوجودِ قراءةٍ أُخرى في قولِه تعالى: (تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا) .
قالَ البيضاوي: " وقُرِئ ": " لا مُسْتَقَرَّ لها ".
أَيْ: لا سُكونَ لها، فإِنها متحركةٌ دائماً، ولا مستقرَّ لها، على أَنَّ " لا " بمعنى: " ليس ".
وعَلَّقَ الفادي على ذلك بقوله: " وأَمّا القولُ بوجودِ قراءةٍ في القرآن: أَنَّ
الشمسَ تَجْري ولا مستقرَّ لها، فيدلُّ على اختلافِ قراءاتِ القرآن اختلافاً يُغَيِّرُ المعنى، مما يَطعنُ في سَلامةِ القرآنِ وصحَّتِه.. ".
الفادي جاهل، لا علْمَ له بالقراءات، ومع ذلك يَتَعالَمُ على القرآنِ
وقراءاتِه.
إِن من البدهيّاتِ المقَرَّرةِ أَنَ القراءاتِ الصحيحةَ " توقيفيةٌ " من عندِ الله،
واللهُ هو الذي أَنزلَها على نبيِّه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وأَذِنَ أَنْ تُقْرَأَ بما تُقْرَأُ به!!.
ولا تُقْبَلُ أيةُ قراءةٍ قرآنية إِلّا إِذا اجتمعَتْ فيها شروطٌ ثلاثة:
1 - أَنْ تكونَ القراءةُ صحيحةَ السَّنَد، منقولةً عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم.
2 - أَنْ تكونَ القراءةُ موافقةً لرسْمِ المصحفِ العثماني.
3 - أَنْ تكونَ القراءةُ موافقةً لقواعِدِ اللغةِ العربية.
فإِذا اخْتَلَّ شرطٌ من هذه الشروطِ كانت القراءةُ شاذَّةً مردودة، وليستْ
قرآناً.
وقد سَجّلَ العلماءُ القراءاتِ الصحيحةَ المقبولة، التي توفرتْ فيها
الشروطُ الثلاثة.
والقراءاتُ الصحيحةُ عَشْرُ قراءات، منسوبةٌ لأَئمتها القُرّاء، وهي: قراءةُ

نافع، وقراءةُ عاصم، وقراءةُ الكسائي، وقراءةُ حمزة، وقراءةُ ابن كثير، وقراءةُ ابن عامر، وقراءةُ أبي عمرو، وقراءةُ أبي جعفر، وقراءةُ يعقوب، وقراءةُ خلف.
وأَشهرُ القراءاتِ الشاذة أربعة، وهي: قراءةُ الحسن البصري، وقراءةُ
الأَعمش، وقراءةُ ابن محيصن، وقراءةُ اليزيدي.
وقد أَجمعَ القراءُ العشرةُ على قراءةِ قولِه تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا) بكسرِ اللّامِ والتنوين في " لِمُسْتَقَرٍّ "، فليس فيها قراءةٌ صحيحةٌ
أُخرى..
وما ذَكَرَه البيضاويُّ من القِراءةِ بحرفِ: " لا ": " لا مُسْتَقَرَّ لها "،
ليستْ قراءةً صحيحة، ولا من القراءاتِ الأَربعِ الشاذَّة، وإِنما هي موضوعةٌ
باطلة، وليستْ قرآناً!.
ولقد كان الفادي جاهِلاً عندما اعتمدَ هذه القراءةَ الموضوعةَ الباطلة،
واعتبرها قرآناً! وكان مُتَحاملاً مُغْرِضاً عندما بنى على هذا الكلام الباطل نتيجةً باطلة، وذلك في قوله: " وأما القولُ بوجودِ قراءةٍ في القرآن أَنَّ الشمسَ تَجري ولا مستقرَّ لها، فيدلُّ على اختلافِ قراءات القرآنِ اختلافاً يُغَيِّرُ المعنى، مما يَطعنُ في سلامةِ القرآنِ وصحَّته ".
إِنَ الفادي المفترِي يَزعُمُ أَنَّ اختلافَ القراءاتِ في القرآن يُغَيِّرُ المعْنى،
وهذا زَعْمٌ مردود، وكلُّ مسلم له علمٌ بالقراءاتِ يَعلمُ بُطْلانَ هذا الزعم،
ويوقنُ أَنَّ الاختلافَ بين القراءاتِ العشرِ الصحيحةِ اختلافٌ يَسير، لا يُغيرُ
المعْنى، ولا يُؤَدّي إِلى التعارض والتناقضِ والاضطراب، وإِنما تَلْتَقي كُلُّ
القراءاتِ على تقريرِ المعنى.
وهذا علمٌ نفيس، من أنفسِ علومِ القرآن، يُسَمّى " علْم توجيهِ القراءات "!.
ويريدُ الفادي المفترِي الوصولَ إِلى هدفِه الخبيث، وهو الطعْنُ في سلامةِ
القرآنِ وصحتِه، ورفْضِ كونِه من عندِ الله، فالاختلافُ في المعنى يطعنُ في
سلامةِ القرآنِ وحفْظِه! ووجودُ الأَخطاءِ في القرآن يَنفي كونَه وَحْياً من عندِ الله!

إِن القرآنَ كلامُ الله، وقد حَفِظَه الله، ونَزَّهَه عن التغييرِ والتبديلِ، والزيادةِ
والنقص، فلا خَطَأَ في القرآن، ولا تَعارُضَ بين قراءاتِه، ولا تَناقُضَ في معانيه.

Powered by Vivvo CMS v4.7