كيف دعا نوح على قومِه بالضلال؟

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1097
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

كيف دعا نوح على قومِه بالضلال؟
أَخبرَ القرآنُ عن نوحٍ - عليه السلام - أَنه دَعا على قومِه بالضلال، قال تعالى: (وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) .
واعتبرَ الفادي هذا خَطَأً في القرآن، لا يتفقُ مع نبوةِ نوحٍ - صلى الله عليه وسلم - وبِرِّه.
ولذلك اعترضَ على القرآنِ قائلاً: " كيفَ يَدْعو نوحٌ ربَّه أَنْ يَزيدَ الناسَ
ضَلالاً؟
كما أَنَّ اللهَ ليس مصدرَ الضَّلال، ونوحٌ نفسُه لا يُحِبُّ الضَّلال؟

والتاريخُ المُقَدَّسُ يَشْهَدُ له: " كانَ نوحٌ رَجُلاً بارّاً في أَجيالِه " (تكوين: 6/9) "  .
فَهِمَ الفادي الغبيُّ من الآيةِ أَنَ نوحاً يُحِبُّ ضَلالَ الناس، ولذلك دَعا اللهَ
أَنْ يَزِيدَهم ضَلالاً، ونَسَبَ الضلالَ إِلى الله، على أَنَّ اللهَ هو مصدرُ الضَّلال!
واعتبرَ هذا خَطَأً مُنْكَراً مَرْدوداً، ولذلك نَزَّهَ نوحاً عنه!.
إِنَّ نوحاً نبيّ رسولٌ، عليه الصلاة والسلام، وهو حَريصٌ على دعوةِ
الناس، ومحبٌّ لهدايتِهم، وهو لا يُحِبُّ ضَلالَهم وانحرافَهم، وقد بقيَ يدعو
قومَه أَلْفَ سنةٍ إِلّا خمسينَ عاماً، ولم يُؤْمِنْ معه إِلّا عَدَدٌ قليل.
متى دعا نوحٌ - صلى الله عليه وسلم - على قومِه بالضلال؟.
بعد أَنْ أَخبرَه اللهُ أَنه لنْ يؤمنَ منهم إِلّا مَنْ قد آمَن، وأَمَرَهُ أَن يَصنعَ
السفينة.
قال تعالى: (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) .
وهذا مَعْناهُ أَنه مهما دَعاهم فلَنْ يُؤْمنوا به، لاختيارِهم الكُفْرَ والضَّلال،
مهما دَعاهم ورَغَّبَهم وحرصَ عليهم؟
فماذا يفعلُ بعدَ ذلك؟
ليس أَمامَه إِلّاْ الدعاءُ عليهم بالهَلاكِ والفناء.
قال تعالى: (قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28) .

نوح يدعو للضلال
إن نوحاً - عليه السلام - قال لله تعالى: (ولا تزد الظالمين إلا ضلالاً) ؛ فكيف يدعو نوح ربه أن يزيد الناس ضلالاً؟
الرد على الشبهة:
إن نوحاً لم يدع ربه أن يزيد الناس ضلالاً، وإنما دعا على الظالمين من الناس. ومثل ذلك: ما فى التوراة عن الأنبياء فإنهم دعوا على الظالمين، ولم يدعوا على كل الناس. ففى المزمور الثامن عشر: " من الرجل الظالم تنقذنى " - " مثل طين الأسواق؛ اطرحهم "، وفى الإنجيل يقول المسيح لله عن الذين آمنوا به: " احفظهم فى اسمك الذين أعطيتنى " [يو 17: 11] ولم يدع للكل. اهـ (شبهات المشككين) .

لم يكنْ نوحٌ - صلى الله عليه وسلم - مخطِئاً في الدعوةِ على قومِه، لأَنه ما دَعا عليهم إِلّا بعدَ أَن اختاروا الكفْرَ والضَّلال، وأَصَرُّوا عليه..
لقد كفروا وضَلُّوا، وأَضَلُّوا
كثيراً، وكانوا دُعاةَ ضلالٍ وإِفسادٍ للآخَرين.
لقد دعا على الضالّينَ أَنْ يَزيدَهم اللهُ ضَلالاً، لأَنهم هم الذين أَرادوا
الضَّلالَ وطَلَبوهُ واخْتاروه، ودَعا على الكافرين أَنْ يُهلكَهم اللهُ ولا يُبقي منهم دَيّاراً، لأَنَّهم إِنْ بَقَوا فسوفَ يُضِلّونَ الآخَرين!.
وبذلك نَعرفُ أَنَّ نوحاً - صلى الله عليه وسلم - كانَ على صوابِ في دعائِه على القومِ الكافرينَ بالهلاك، وعلى القومِ الضّالّين بالزيادةِ من الضًّلال!.

Powered by Vivvo CMS v4.7