بابل والنمرود
بابل والنمرود
أَخبرَ اللهُ أَنه دَمَّرَ بيوتَ كافرين سابقين.
قال تعالى: (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26) .
وقد نقلَ الفادي المتحامِلُ قولاً ذَكَرَه البيضاويُّ في تفسير الآية، أَنه
لم يَعتمدْه، وعَرَضَه بصيغةِ " قيل " الدالَّةِ على التضعيف.
قال: " قالَ البيضاوي:
قيل: المرادُ به نُمرودُ بنُ كنعان، بَنى الصرحَ بِبابِلَ، سُمْكُهُ خمسةُ آلافِ ذراع، ليترصَّدَ أَمْرَ السماء، فأَهَبَّ اللهُ الريحَ، فَخَرَّ عليه وعلى قومِه فَهَلكوا ... " .
مع أَنَّ القولَ الذي يقولُ به البيضاوي غيرُ الذي ذكره أعلاه قال: " (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : أي: سَوّوا مَنْصوبات، لِيَمْكُروا بها رسلَ اللهِ
عليهم الصلاة والسلام.
(فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ) : فأتاها أَمْرُه من جهةِ العُمُدِ التي بَنْوا عليها، بأَنْ ضُغضِعَتْ (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) :
وصار سببَ هلاكِهم.
(وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) : لا يَحْتَسِبون ولا يتوقَّعون..
وهو على سبيلِ التمثيل.. ".
الآيةُ عامةٌ تتحدثُ عن الكفارِ الذين يمكرونَ بأولياءِ اللهِ ودينِه، على
اختلافِ الزمانِ والمكان، فيُبْطِلُ الله مكْرَهم، ويَنصرُ الحَقَّ، وهي من بابِ
التمثيل.
وهذا معناهُ أَنَّ البيضاويَّ لا يَرى أَنَّ الآيةَ تتحدَّثُ عن بابلَ والنمرود،
وأَنه أَوردَ روايةً بذلك من بابِ الذكْر، ولكنَّه لا يَقولُ بها!!.
ولكنَّ الفادي المتحامِلَ اعتبرَ هذه الروايةَ دليلَ تخطئةِ القرآنِ والبيضاوي،
تهاويل خيالية حول برج بابل
قال المؤلف: إنه جاء فى سورة النحل (قد مكر الذين من قبلهم..) ثم قال: قال البيضاوى: قيل: المراد به نمرود بن كنعان فإنه بنى صرحاً ببابل.
الرد على الشبهة:
إنه وجه الشبهة على كلام مفسر. وهذا المفسر لم يجزم بأن تفسيره هو الصحيح بدليل قوله: " قيل " فكيف يورد شبهة على كلام مفسر؟. اهـ (شبهات المشككين) .
ولذلك قال: " ونحنُ نسأَل: من أَيْنَ جاءَ للبيضاويِّ أَن نمرودَ هو ابنُ كنعان؟
فنمرودُ هو ابنُ كوش بن حام بن نوح [تكوين: 6/10 - 18] .
وأَخَذَ الناسُ بعدَ الطوفانِ يَبنونَ مدينةً وبُرْجاً عالياً يُخَلِّدونَ به اسْمَهم، فعاقَبَهم اللهُ بأَنْ بلبلَ أَلسنتهم، فلم يَستطيعوا التفاهم، وكَفّوا عن البنيان ...
ولذلك سُميت المدينة " بابل "، لأنَّ هناكَ بلبلَ اللهُ أَلسنَتَهم [تكوين: 11/ 1 - 9] ".
إِنَّ الآيةَ تتحدثُ عن الكفارِ السابقين، بدونِ تعيينٍ أَو تَحديد، كانوا
يمكرونَ بالأَنبياء، ويتآمَرون على المؤمنين، فأنجى اللهُ المؤمنين، وأوقع بهم
عقابَه، بأَنْ قَلَعَ بُنيانَهم من القواعِد، فخرَّ عليهم السقفُ من فوقِهم، وعَجَزوا عن النجاة..
وهذا ينطبقُ على كل الأَقوام الكافرين، مثل قومِ نوح، وعاد،
وثمود، ومدين، وقوم لوط، والفراعِنة، والآشوريين، والبابليين، واليونان، والرومان، وغيرهم.
وقد وردَ في سِفْرِ التكوينِ أُسطورةُ برج بابل، التي كَتَبَها الأَحبار،
وزَعَموا أَنها من عندِ الله، وخلاصةُ تلك الأُسطورةِ الخرافية، أَنه كانَ الناسُ
جميعاً مُتجمعين في بابل، ويتكلَّمون لغةً واحدة، وأَنهم أَرادوا بناءَ مدينةٍ
عظيمة، وبُرْجاً عالياً، لِيخَلِّدوا اسْمَهم، ولما رآهم الرَّبُّ على هذا الاجتماع والتعاونِ والاتفاقِ، خاف أَنْ يَغْلِبوه، إِنْ نَجحوا في تحقيقِ مُرادِهم، فعاقَبَهم بأَنْ بَلْبَلَ أَلسنَتَهم وفَرَّقَ قُلوبَهم، وشَتَّتهم، فكَفُّوا عن مشروعِهم الكَبير، وتفَرَّقوا في الأَرض..
وسُميت المدينةُ التي كانوا فيها " بابل " لهذا السبب!!.
هذه الأُسطورةُ الخرافيةُ التي كَتَبَها الأَحبارُ الكافرون في سفْر التكوين 11/ 1 - 9، يؤمنُ بها الفادي، مع أَنها أَباطيلُ وكفْز بالله، ونحنُ ننكرُها
ونُكَذِّبها ونكفُرُ بها..
أما اعتراضُ الفادي على البيضاوي لأَنه جعلَ نمرودَ ابناً لكَنْعان، فهو لا
معنى له، وما قالَه هو من أَنَّ نمرودَ هو ابنُ كوشِ بن حام بن نوح ادِّعاءٌ ليس
عليه دليل، لأَنه لم يَرِدْ في مصادِرِنا الإِسلاميةِ اليقينية، فنحنُ نتوقَّفُ فيه، لا
نَنْفيه ولا نُثبته.
فلا نقول: نمرودُ بن كنعان، ولا نقولُ: نمرود بن كوش، ولا نقول: نمرود فقط.
ونقول: اللهُ تعالى أَعلم، والجهلُ بذلك لا يَضيرنا!!.
والعجيبُ في تحامُلِ المفترِي الفادي أَنه يُحَمِّلُ القرآنَ الكلامَ الذي ذَكَرَه
البيضاوي، مع أَنه لم يأخذْه من القرآن، وإنما أَخَذه من الإخباريّين السابقين،
وإِذا كانَ ذلك الكلامُ خطأً فكيف يتحمَّلُه القَرآنُ، الذي لم يَذْكُرْهُ في آياتِه؟!.