الشاهد ببراءة يوسف - عليه السلام -
الشاهد ببراءة يوسف - عليه السلام -
ذكرَ القرآنُ أَنه بعد أَن اتهمت امرأةُ العزيزِ يوسفَ بمراودتِها، ودافعَ
يوسفُ عن نفسِه، تدخَّلَ أَحَدُ أَفرادِ الأُسرةِ للحكْمِ في هذه المسألة.
قال تعالى: (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29) .
وذهبَ الفادي إِلى تفسيرِ البيضاويِّ ليتعَرَّفَ منه على هويةِ هذا الشاهد،
وأَخَذَ عن البيضاويِّ قولَه: " قيل: هو ابنُ عَمٍّ لها، كان صبيّاً في المهد ".
واتَّهَمَ الفادي القرآنَ بالخَطأ، لأَنَّ البيضاويَّ ذَكَرَ ذلك! وكيفَ يتحملُ
القرآنُ مسؤولية كلامٍ لم يَقُلْه؟ ! ولذلك عَلَّقَ على ذلك بقوله: " ونحنُ نسأل: من أَينَ جاءَ هذا الشاهد؟
هل كانَ في البيت؟ ومعَ مَنْ كان؟
والبيتُ لم يكنْ به أَحَد؟..".
ويمكنُ أَنْ يصحَّ اعتراضُ الفادي لو قُلْنا: كان الشاهدُ طِفلاً صغِيراً في
المهد! مع أَنَّ هذا الكلامَ الذي رواهُ البيضاويُّ لم يصِحّ، ولا نقولُ به، إِذ
كيفَ يشهدُ هذه الشهادةَ الواعيةَ طفلٌ صغيرٌ في المهد؟
وأَينَ كانَ هذا الطفل؟
هل كانَ داخلَ البيتِ وشاهَدَ مراودةَ المرأةِ ليوسف؟.
الراجحُ أَنَّ هذا الشاهدَ كانَ رجلاً واعياً حصيفاً حكيماً، ولا نَعرفُ شيئاً
عن هوية هذا الشاهد، إِلّا أَنَّه من أَهْلِ امرأةِ العزيز.
ولا يَلْزَمُ أَنه شاهدَ مراودةَ المرأةِ ليوسفَ، كما أَنه لا يلزمُ أَنه كانَ معَ العزيزِ عندما رآهُمَا لدى الباب ...
فمن المعقولِ - بعدَما اتَّهمت المرأةُ يوسفَ، ودافعَ يوسفُ عنِ
نفْسِهِ - أَنْ يَطلبَ العزيزُ حَكَماً ليحققَ في الأَمْرِ ويُصْدِرَ حُكْمَه، وأَنْ يُختارَ هذا الحَكَمُ الشاهد القاضي من أَهْلِها ليكونَ أَبعد عن التهمة.
وتدلّ شهادةُ الشاهدِ على رجاحَةِ عقْلهِ واتزانِه، حيثُ دَعا إِلى النظرِ إِلى
القميصِ الذي يَرتديه يوسف، فإِنْ قُدَّ من الأَمام كانت المرأةُ صادقةً في
دَعْواها، وكان هو كاذباً، لأَنَّه يكونُ قد هَجَمَ عليها، وهي تَردُّهُ وتُدافعُ عن نفسها، فتَقُدُّ قَميصَه من قُبُك، وإِنْ قُدَّ قَميصه من دُبُرٍ كانَ يوسفُ صادقاً وهي
كاذبة، لأَنه يكون هارباً منها، وهي تَلحقُ به لتُعِيدَهُ إليها، وتَشُدُّ قميصَه من
الخلفِ فَتَقُدُّه!.
ولما رأَى العزيز القميصَ قُدَّ من دُبُرٍ، عَرَفَ أَنَّ امرأَتَه هي التي
راودَتْ يوسف، فقال لها: هذا من كيدِكُنَّ، إِنَّ كيدَكُنَّ عظيم.
وبهذا نعرفُ خَطَأَ الفادي عندما خَطَّأَ القرآنَ في كلامِه عن هذا الشاهد،
وعندما وَضَعَ عنواناً تهكُّمياً، وهو: " اختراعُ طِفْلٍ يَنطقُ بالشهادة "! والاختراعُ يَعْني الادِّعاءَ والافتراءَ والكَذِب.
وبما أَنَّ القرآنَ أَخبرَ عن الشاهدِ وشهادتِه فهو الصحيح، لأَننا نَثِقُ ونؤمنُ
بكلِّ ما وَرَدَ في القرآنِ!.
وفي الوقتِ الذي خَطَّأَ فيه الفادي القرآنَ في كلامِه عن الشاهد، فقد
اعتمدَ كلامَ الكتابِ المقَدَّس، الذي زعمَ مُؤَلِّفوه الأَحبارُ أَنه لما راودت المرأةُ
يوسفَ أَمسكَتْه من ثوبه، فتركَ ثوبَه مَعَها وهَرَب!..
ونحنُ ننكرُ ذلك ونَرُدُّه، ولا نقولُ إِلّا بما قال به القرآن.
ويُنكرُ الفادي المفْتَري أَنْ تكونَ المرأةُ قالَتْ لزوجِها ما ذَكَرَه القرآن
عنها: (قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) .
وذلكَ في قولِه: " وكيفَ يُعلنُ فوطيفارُ براءةَ يوسفَ وذَنْبَ امرأتِه، ثم يُبْقيها هي ويوسف في البيت، ويرضى بهذا العار؟
وكيفَ بَعْدَ أَنْ يَحكُمَ فوطيفارُ ببراءةِ يوسف، وبعدَ أَنْ تُصَرِّحَ زوجتُه أَنها راودَتْه عن نفسِه فاستعصم، تعودُ لِتهدِّدَ يوسفَ بالسجنِ إِنْ لم يَفعلْ ما أَمَرَتْه به من فحشاء، فَيَقْبَلُ فوطيفارُ أَنْ يسجنَه، لا لشَرّهِ بل لِعفَّتِهِ.. ".
واعتراضُ الفادي على هذا دليلُ جهلِه وغبائِه، وهو اعتراضٌ لا مَعنى
له، فبما أَنَّ اللهَ ذَكَرَ ذلك في القرآن فإِننا نجزمُ بأنه حَصَلَ كما أَخبرَ الله.