توجيه طلبِ يوسفَ ذكرَه عند الملك

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1057
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

توجيه طلبِ يوسفَ ذكرَه عند الملك
أَخْبَرَنا اللهُ أَنه كانَ معَ يوسف في السجن رَجُلان، وأَنه رأى كلّ واحدٍ
منهما رؤيا، وأَوَّلَ لكلِّ واحدٍ منهما رُؤْياه، وطلبَ من الذي سَيفرجُ عنه أَنْ
يَذْكُرَه عند الملك، وأَنه مسجونٌ ظلماً، لعلَّ الملكَ يفرجُ عنه.
قال تعالى: (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42) .
معنى قوله: (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) : اذْكُرْ للملِك قِصَّتي، وأَخْبِرْهُ أَنني مسجونٌ ظلماً.
ومعنى قوله: (فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) : أنسى الشيطانُ الرجلَ
الناجيَ المُفْرَجَ عنه تَذكيرَ الملكِ بقصةِ يوسفَ السجين.
فالهاءُ المفعولُ به في

" أَنساهُ " تَعودُ على الرجلِ الناجي، وليس على يوسف.
و" ذِكْرَ " بمعنى تذكير، والهاءُ المضافُ إِليه في " رَبِّه " تعودُ على الرجلِ نفسِه.
و" رَبّه " هو الملك، الذي كانَ يؤمنُ أَنه ربُّه.
ولما نسيَ الرجلُ تذكير الملكِ لَبِثَ يوسُفُ في السجنِ بِضْعَ سنين، لم
يذكُرْه ولم يفطنْ له أَحَد.
وقد اعترضَ الفادي على الآية، لأَنه ظَنَّ أَنها تَنهى عن استعانة الإِنسانِ
بالإِنسان.
وذَهَبَ إِلى تفسيرِ البيضاوي، ونَقَلَ منه كلاماً مَرْجوحاً، وحَديثاً غيرَ
صحيح..
قال الفادي: " قال البيضاوي: قال محمد: رحمَ اللهُ أَخي يوسُف.
لو لم يَقُلْ: اذْكُرْني عنْدَ ربِّك، لما لبثَ في السجن سَبْعاً بعد الخمس ".
يَعْني بكلمةِ " محمد ": محمداً رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -.
فهل يُمكنُ للإمامِ البيضاويِّ أَنْ يذكُرَ كلمة " محمد " غيرَ مقرونةٍ بالصلاةِ والسلام، - صلى الله عليه وسلم -؟
لِننظُر!..
قالَ البيضاوي: " أَو أُنْسِيَ يوسفُ ذِكْرَ الله، حتَّى استعانَ بغيرِه..
ويؤَيِّدُهُ قولُه عليه الصلاة والسلام: رحم الله أخي يوسف ... ".
البيضاويُّ يَقول: " قالَ محمدٌ عليه الصلاة والسلام "، ولما نَقَلَ المفتري
الفادي هذه الجملة حَرَّفَها إِلى قوله: " قال محمدٌ ".
لأَنه لا يؤمنُ أَنَّ محمداً - صلى الله عليه وسلم - رسولُ الله، ولا يستحقُّ منه الصلاةَ والسلامَ عليه، لذلك يذكُرُ اسْمَه مُجَرداً، بوقاحةٍ وسوءِ أَدبِ معه..
أَما نحنُ فإِننا مأمورونَ بالأَدَبِ مع رسولِنا، فلا نذكُرُ اسْمَه إِلا مَقْروَناً بالصلاةِ والسلامِ عليه، فنقول: قالَ محمدٌ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -.
والحديثُ الذي ذَكَرَهُ البيضاوي لم يصحّ عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وفيه اتهامٌ وإدانةٌ ليوسفَ عليه الصلاة والسلام، بأَنه نسيَ ذِكْرَ اللهِ واستعانَ بغيرِه، ولذلك عاقَبَهُ اللهُ بأَنْ أَطالَ سجْنَه، من خمسِ سنين إلى سبعِ سنين.

وقد عَلَّقَ البيضاويُّ على الحديثِ الذي لم يصحّ بقولِه: " والاستعانةُ
بالعبادِ في كشفِ الشدائدِ وإنْ كانت محمودةً في الجملة، لكنَّها لا تَلِيقُ
بمنصبِ الأَنبياء ".
وهذا تفسير للآيةِ مَرجوح، والراجحُ هو ما ذكَرْناه قبلَ قليل، من أَنَّ
المقصودَ بجملةِ (فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) هو الرجلُ الناجي وليسَ
يوسُفَ - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا هو الراجحُ عند البيضاويِّ نفسه، ولذلك قال: " (فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) .
فأُنْسِيَ الشَّرابيُّ أَنْ يَذْكُرَهُ لرَبِّه، فأَضافَ إليه المصدَرَ لملابستِه له.. ".
وإِذا كانَ الراجحُ في معنى الآية ما قُلْناه، فإِنَّ اعتراضَ الفادي عليها
مردود، وهو قولُه: " ونحنُ نسأَلُ: هل حرام أَنْ يستعينَ الإِنْسانُ بأَخيه وقْتَ الشدائد؟
لَمْ يَنْسَ يوسفُ ربَّه عندما كَلَّفَ الساقِيَ أَنْ يذكُرَه لدى فرعونَ،
ليُنْصِفَه ويُخرجَه من السجن، كما لم يَنْسَ بولسُ الرسولُ ربَّه عندما استغاث من اليهود، واستأْنَفَ قضيتَه إِلى محكمةِ قَيْصَر.
وماذا يَقولونَ في محمدٍ الذي استعانَ بِعَلِيٍّ وأَلْبَسَه ثوبَه تَعْمِيَةً لأَهْلِ قريش، فنجا محمدٌ بعد أَنْ كان عُرْضَةً للخَطَر؟
أَمَّا ذكْرُ السّاقي ليوسُفَ أَمامَ فرعونَ فيدلُّ على حكمةِ يوسف، وعلى
واجب الساقي، من غير وقوعِ أَيِّ ضررٍ على أَيِّ أَحَد.. ".
والخلاصةُ: لم يُخطِئْ يوسفُ - صلى الله عليه وسلم - عندما طَلَبَ من الرجلِ المفْرَجِ عنه ذكْرَ قصَّتِه عندَ الملك، ولم يكنْ هذا منه استعانةً بغيرِ الله، ولا نسياناً لذِكْرِ الله، ولم يتسلَّطْ عليه الشيطان، ولم يُنْسِه ذكْرَ ربّه، والذي نَسي هو الرجل، حيث نَسِيَ تذكير الملكِ بقضيةِ يوسفَ المظلوم، وأَدّى هذا إِلى أَنْ يَلبثَ يوسُفُ في السجنِ بضعَ سنين، وهذه المدةُ لم تكنْ عقوبةً من اللهِ
ليوسفَ - صلى الله عليه وسلم -، لأَنه لم يُذْنِبْ حتى يعاقبهُ الله، وإِنما كانت ابتلاءً من اللهِ له.

والحديثُ الذي ذَكَرَه البيضاويُّ عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يصحّ..
وهذا معناهُ رَفْضُ كلامِ الفادي المفترِي وَرَدُّه، لأَنه بَناهُ على غيرِ أَساس!!.
***

Powered by Vivvo CMS v4.7