حول لقمان الحكيم
حول لقمان الحكيم
في القرآنِ سورة سماها اللهُ سورةَ لقمان، وأَخبرَ المسلمين فيها عن طَرَفٍ
من قصةِ لقمانَ الحكيم.
وقال فيها: (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) .
وذَهَبَ الفادي إِلى تفسيرِ البيضاويِّ ليأخذَ منه مادتَه التشكيكيةَ بالقرآن،
ونَقَلَ عنه قولَه: " لقمانُ بنُ باعوراء، من أَولادِ آزَرَ، ابنِ أُخْتِ أَيوب أَو
خالتِه، وعاش حتّى أَدركَ داودَ عليه الصلاة والسلام، وأَخَذَ منه العلم، وكان يُفتي قبلَ مبعَثِه ".
وعلقَ على كلامِ البيضاويِّ قائلاً: " فكيفَ يكونُ لقمانُ هذا نبيّاً؟
وكيفَ يعتبرُه البيضاويُّ أَنه عاصرَ أيوبَ وعاصَرَ داودَ، وبينَ أيوبَ وداودَ ما يقربُ من تسعمئةِ سنة؟!
وأَينَ بلادُ عوصٍ حيث عاشَ أَيوبُ من بلادِ فلسطينَ حيثُ عاشَ داودُ؟! ".
لم يُفَصّل القرآنُ الحديثَ عن لُقمان، وكلُّ ما ذكَرَه عنه أَنه كان رَجلاً
مؤمناً بالله، عابداً شاكِراً له، آتاهُ اللهُ الحكمةَ والعلمَ والفهم، وكان داعيةً
ناصحاً، وكان له وَلد، فقامَ بواجبِه في نصحِه وتوجيهِه وتذكيرِه وتعليمِه.
وقد ذَكرتْ سورةُ لقمانَ طَرَفاً مما وَعَظ ونصحَ به ابْنَه.
ولم تُضِفْ مصادرُنا الإسلاميةُ اليقينيةُ على ما وردَ في القرآنِ عنه،
ولذلك معظمُ ما يتعلقُ بقصتِه من مبهماتِ القرآن، التي لا نملكُ دَليلاً على
بيانها، فلا دَليلَ على زمانِه أَو مكانِه، ولا على القومِ الذين كانَ يَعيشُ معهم،
ولا نَعرفُ هل كان نبيَّاً أَمْ مجردَ مؤمن عالمٍ حَكيم، ولا نَعرفُ من كلامِهِ
ومواعظِه وحِكمِهِ إِلَّا ما وردَ في القرآنِ!.
وهذا معناهُ أَنْ نتوقَّفَ في القولِ بما وَرَدَ عنهُ من أَخبارٍ وأقوالٍ وحِكم، لأَنها من الإِسرائيلياتِ والرواياتِ التي لم تَثْبُت، فلا نُصدقُها ولا نُكذبُها ولا نَرويها.
ولَسْنا مع البيضاويّ في حديثِه عن لُقْمان، لأَنه لا دليلَ عليه.
وقد كان الفادي مُتَحامِلاً على القرآنِ عندما اعترضَ على كلامِ
البيضاوي، وجَعَلَه من أَخطاءِ القرآنِ التاريخية، فما دَخْلُ القرآنِ في كلامِ
البيضاوي؟
لا يُسأَلُ القرآنُ إِلا عن الكلامِ الذي يذكُرُه، ولا يُسْأَلُ عن كلامِ
البَشَرِ المفَسِّرين، فهم قد يُخطئونَ وقد يُصيبون!.
لم يُصَرِّح القرآنُ بنبوةِ لقمان، كما أَنه لم يَنْفِ نبوَّتَه، وإِنما سَكَتَ عنها،
ولذلك لا نَقولُ بنبوَّته، لأَنه قد لا يكون نبيّاً!! ولا نَنْفي عنه النبوَّة، لأَنه قد
يكونُ نبيّاً، فالأَسلمُ هو التوقُّفُ في هذا القول، والاعترافُ بقصورِ العِلْم،
فنحنُ لا نَعلمُ إِلا ما عَلَّمَنا اللهُ إِياه، أَو وَفَّقَنا إِليه!.
ثم إِنَ ما ذكرَهُ الفادي نَقْلاً عن العهد القديم لا دليلَ عليه، فلا دليلَ
على أَنَّ أَيوبَ كانَ قبلَ داودَ - عليه السلام - بتسعمئة سنة، ولا دَليلَ على أَنَّ أَيوبَ كان ببلادِ عوصٍ العربية، ولم يَقُلْ لنا أَينَ تقعُ بلادُ عوصٍ في الجزيرةِ العربية.
فما عابَه الفادي على البيضاوي وَقَعَ هو فيه، وما وَجَّههُ إِليه من انتقادٍ
يُوَجَّهُ إِليه.