حول الطوفان على المصريين
حول الطوفان على المصريين
أَخْبَرَنا اللهُ في القرآنِ أنَّه لما أَصَرَّ فرعونُ وقومُه على الكفرِ واضطهادِ بني
إِسرائيل، أَرسَلَ اللهُ عليهم عدةَ آيات، وابتلاهم بعدةِ ابتلاءات، لعلَّهم
يَتَراجعونَ ويُؤمنون.
قال تعالى: (
وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) .
ذَكَرت الآياتُ خمس عقوباتٍ عاقبَ اللهُ بها فرعونَ وقومَه، وهي:
الطوفانُ والجرادُ والقُمَّلُ والضفادعُ والدَّمُ، وقد كان عاقَبَهم قبلَ ذلك بالمحلِ
والجَدْبِ والسنين ونقصِ الثمرات، وَوَرَدَ ذلك في قولِه تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) .
ويبدو أَنَ هذه العقوباتِ كانَتْ متتابعة: فعاقَبَهم اللهُ أَوَّلاً بالسنينَ والمحلِ
ونقصِ الثمرات، حيثُ حُبستْ عنهم الأَمْطار، وقَلَّتْ مياهُ نهرِ النيل، وجَفَّتْ مزروعاتُهُم، وتَلِفَتْ أَشجارُهم وثِمارُهُم ...
ثم أَرسلَ اللهُ عليهم الطوفان، بأَن
امتلأَ نهرُ النيلِ بالمياه، التي أَدّى طوفانُها إِلى إِغراقِ أَراضيهم ومزروعاتِهم
بالمياه..
ولَمّا انْحَسَرت المياهُ ونَبَتَ الزرعُ أَرسلَ الله عليه الجرادَ فقضى
عليه ...
وما سَلِمَ من الزرعِ من الجراد، وحَصدوه، وخَزَّنوا حُبوبَه، أَرسلَ اللهُ
عليه " القُمَّلَ " - بتشديدِ الميم - وهو السّوسُ الذي أَكَلَه ونَخَرَه وأَفْسَدَه..
أَمّا الضفادح والدمُ فهما عقوبتان منفصلتانِ عما قبلَهما، ولا نَعرفُ عن تفاصيلِهما، لأَنَ اللهَ لم يُخبرْنا عن ذلك، فنَكْتَفي بالإشارةِ القرآنيةِ الإِجمالية.
وقد رَفَضَ الفادي قَبولَ ذلك، واعتبرَهُ من أَخطاءِ القرآنِ التاريخية،
وحاكَمَ القرآنَ إِلى العهدِ القديم، فوجَدَ فيه الحديثَ عن عَشْر ضَرْبات،
ضَرَبَ اللهُ بها آل فرعون.
قال: " معلومٌ أَنَّ اللهَ ضَرَبَ المصريين على يَدِ موسى
عَشْرَ ضربات، هي: الدَّمُ، الضفادح، البعوضُ، الذُّبَّانُ، موتُ المواشي،
الدمامِلُ، البَرَدُ، الجرادُ، الظلامُ، موتُ الأَبكار ...
أَمّا الطوفانُ فلم يُصِبْ مصرَ زمنَ فرعون، بل كانَ حَدَثاً مَشْهوراً حَلَّ بقومِ نوح ".
وكلامُ الفادي عندنا مَرْدود، وعودَتُه لسِفْرِ الخروجِ لاستخراجِ الضرباتِ
الربانيةِ العشرة منه غيرُ صحيحة، لأَنَّ الأَحبارَ حَرَّفوا أَسفارَ العهدِ القديم!
فنحنُ لا نعتمدُ ما وردَ فيه، وإِنما نعتمدُ ما وَرَدَ في القرآن، فنقول: أَرسلَ اللهُ.
على فرعونَ وقومِهِ الطوفانَ والجرادَ وَالقُمَّلَ والضفادح والدم، بعد أَنْ أَخَذَهم بالسنين ونقصِ الثمراتِ، لعلَّهم يتذكرون!!.
وقد خَطَّأَ الفادي القرآنَ في حديثِه عن الطوفان، الذي عاقَبَ اللهُ به قومَ
فرعون، لأَنه لا يوجَد عندَه إِلّا طوفانٌ واحد، وهو الذي عَمَّ الجبالَ
والسهول، وأَغرقَ قومَ نوحٍ الكافرين! وهذا بسببِ فكرِهِ القاصرِ وعقْلِه
الصغير، فالطوفانُ زمنَ نوحٍ - عليه السلام - طوفانٌ عامّ شاملٌ كامل، عمَّ وَجْهَ الأَرضِ كُلّها، لكن هذا لا يَمنعُ وُجودَ وحدوثَ حوادثِ طوفانٍ أُخرى جزئية، ومنها ذلك الطوفانُ الذي أَرسلَه اللهُ على قومِ فرعون!!.
حول طالوت وجيشه
أَخْبَرَنا اللهُ في القرآنِ عن قصةِ طالوت، وخلاصَتُها أَنَّ بَني إِسرائيل لما
تسلَّطَ عليهم أَعداؤُهم، طَلَبوا من نَبيٍّ لهم أَنْ يجعلَ عليهم مَلِكاً، يَقودُهم
لقتالِ أَعدائِهِمْ، فأَخبرهم أَنَّ اللهَ بَعَثَ لهم طالوتَ مَلِكاً، فاعْتَرَضوا عليه بأَنه
ليسَ من بيتِ الملوكِ، وليسَ عندَه مال، فأَخبرهم أَنَّ آيةَ مُلْكِه أَنْ يَأْتِيَهم
التابوتُ الذي سَلَبَهم إِياهُ أَعداؤُهم..
وخرجَ طالوتُ بالجيش، وطَلَبَ منهم أَنْ لا يَشْرَبوا من النهر، إِلا غَرْفَةً باليد، فشَربوا من النهر إِلا عَدَداً قليلاً منهم، وخاضَ بذلك العددِ القليلِ المعركةَ الفاصلة، وهَزَمَ اللهُ أَعداءَهم، وكانَ داودُ جنديّاً في جيشِ طالوت، وقَتَلَ جالوتَ قائدَ الكفار، وصارَ بعدَ ذلكَ نبياً ومَلِكاً على بَني إِسرائيل.
واعترضَ الفادي على عرضِ القرآنِ لقصةِ طالوت، وحاكَمَ القرآنَ إِلى
أَسْفارِ العهدِ القديم، وحَكَمَ بخطَأِ ما جاءَ في القرآنِ مُخالِفاً لكلامِ الأَحْبار.
وقال: " والقصةُ أنَّ صموئيلَ النبيَّ مَسَحَ شاولَ الملك - الذي يُسميه القرآنُ
طالوتَ لِطولِ قامتِه - ملكاً على بني إِسرائيل، وفي أيامِه بارزَ داودُ جالوتَ
- الذي هو جُولْيات - وقَتَلَه، ونَصَرَ اللهُ بني إِسرائيل..
غير أَنَّ القرآنَ خَلَطَ هذه القصةَ بحكايةِ جيشِ جَدْعون، الذي امتحنَهُ بالشربِ من النهر، عندما حارَبَ المدْيانيّين، واعتبرَ أَنَّ شاولَ أَو طالوتَ هو جَدْعون، واعتبرَ أَنَّ الحربَ مع الفلسطينيِّين هي الحربُ مع المديانيين، مع أَنَّ بينَ الحادثتين زَمَن مديد! ".
إِنَّ المرجعَ والمعتمَدَ هو القرآن، فإِذا قالَ القرآنُ قَوْلاً، وقالَ الكتابُ
المقَدَّسُ قولاً خالفه، حَكَمْنا بخطأ قولِ الكتابِ المقَدَّس، واعتمدْنا قولَ القرآن.
الكتابُ المقَدَّسُ سَمّى الملكَ شاول، والقرآنُ سماهُ طالوت! والصحيحُ
أَنَّ اسْمَه طالوت.
وسمّى الكتابُ المقدسُ قائدَ الأَعداءِ جوليات، والقرآنُ سَمّاهُ جالوت! والصحيحُ أَنَّ اسْمَه جالوت.
وأَخبرَ القرآنُ أَنَّ طالوتَ هو الذي امتحنَ جُنودَه بالنهرِ الذي مَرّوا به، وطلبَ منهم أَن لا يَشربوا منه إِلّا غَرفةً باليد، فَشَربوا منه إِلا قَليلاً منهم، وأَخبرَ الكتابُ المقَدَّسُ أَنَّ الذي امتحنَ الجنودَ بالنهرِ هو جدعون، وكان قائداً لبَني إسْرائيل، ظهرَ قَبْلَ طالوتَ بفترة!
والصحيحُ هو ما ذكره القرآن.
ولذلك كان الفادي مخطئاً في تخطئةِ القولِ الصحيحِ في القرآن.